يتم التحميل...

صفات الله الثّبوتيةُ الذاتيَّة (السمع والبصر)

صفات وأسماء الخالق

إِنَّ من صفاته سبحانه السَّمع والبصر، وإنَّ من أَسمائه السَّميع البصير، وقد ورد هذان الوصفان في الشريعة الإِسلامية الحقّة، وتواتر وصفه سبحانه بكونه سميعاً بصيراً في الكتاب والسنة. ولكنهم اختلفوا في حقيقة ذينك الوصفين على أَقوال أَبرزها:إِنَّ سمعَهُ وبصرَهُ سبحانه ليسا وصفين يغايران وصف العلم...

عدد الزوار: 81

السَّمع والبَصَر
إِنَّ من صفاته سبحانه السَّمع والبصر، وإنَّ من أَسمائه السَّميع البصير، وقد ورد هذان الوصفان في الشريعة الإِسلامية الحقّة، وتواتر وصفه سبحانه بكونه سميعاً بصيراً في الكتاب والسنة. ولكنهم اختلفوا في حقيقة ذينك الوصفين على أَقوال أَبرزها:

1ـ إِنَّ سمعَهُ وبصرَهُ سبحانه ليسا وصفين يغايران وصف العلم، بل هما من شُعَب علمه بالمسموعات والمُبْصَرات، فلأَجل علمه بهما صار يطلق عليه أنَّه سميعٌ بصير.

2ـ إِنَّهما وصفان حسّيان، وإِدراكان نظير الموجود في الإِنسان.

3ـ إِنَّ السَّمع والبَصَر يغايران مطلق العلم مفهوماً، ولكنهما علمان مخصوصان وراء علمه المطلق من دون تكثر في الذات ومن دون أن يستلزم ذلك التوصيف تجسماً، وما هذا إلاّ حضور الهُوِيّات المسموعة والمُبْصَرة عنده سبحانه. فشهود المسموعات سمع، وشهود المبصرات بصر، وهو غير علمه المطلق بالأشياء العامة، غير المسموعة والمبصَرَة1.

إذا تعرَّفتَ على الأقوال نذكر مقدمة وهي

إنّ السَّماع في الإِنسان يتحقق بأجهزة وأدوات طبيعية وذلك بوصول الأَمواج الصّوتية إِلى الصَّماخ، ومنها إلى الدماغ المادىّ ثم تدركه النفس.

غير أَنَّه يجب التركيز على نكتة وهي: إِنَّ وجود هذه الأدوات المادية هل هو من لوازم تحقق الإِبصار والسَّماع في مرتبة خاصة كالحيوان والإِنسان، أَوْ أَنَّه دخيل في حقيقتها بصورة عامة؟ لا شك أَنَّ هذه الآلات والأدوات التي شرحها العلم بمشراطه إِنَّما هي من خصوصيات الإِنسان المادي الذي لا يمكنه أن يقوم بعملية الإِستماع والإِبصار بدونها. فلو فرض لموجود أَنه يصل إلى ما يصل إِليه الإِنسان من دون هذه الأَدوات فهو أَولى بأَن يكون سميعاً بصيراً، لأن الغاية المتوخاة من السَّماع والإِبصار هي حضور الأَمواج والصُوَر عند النفس المدرِكة، فلو كانت الامواج والصور حاضرة عند موجود بلا إعمال عمل فيزيائي أو كيميائي فهو سميع بصير أيضاً لتحقق الغاية بنحو أَتم وأَعلى.

وقد ثبت عند البحث عن مراتب علمه أَنَّ جميع العوالم الإِمكانية حاضرة لديه سبحانه، فالأشياء على الاطلاق، والمسموعات والمبصرات خصوصاً، أفعالُه سبحانه، وفي الوقت نفسه علمه تعالى، فالعالم بجواهره وأَعراضه حاضر لدى ذاته وعلى هذا فعلمه بالمسموع كاف في توصيفه بأَنه سميع كما أنَّ علمه بالمبصر كاف في توصيفه بأنه بصير.

نعم ليس علمه بالمسموعات أَوْ المُبْصَرات مثل علمه سبحانه بالكليات، وبذلك تقف على الفرق بين القول الأَول والثالث.

إجابة عن سؤال
إِذا كان حضور المسموعات والمبصرات لديه سبحانه مصحّحاً لتوصيفه بالسميع والبصير فليكن هذا بعينه مصححاً لتوصيفه بأَنَّه لا مس ذائق شامّ؟

والإِجابة عن هذا السؤال واضحة بعد الوقوف على أَنَّ أَسماءه سبحانه توقيفية وذلك أَنَّ المشمومات والمذوقات والملموسات حاضرة لديه سبحانه كحضور المسموعات والمبصرات. كيف، والوجود الإِمكاني بعامة مراتبه قائم به سبحانه، وهو الحي القيوم أي القائم بنفسه والمقوِّم لغيره. وعلى ذلك لا فرق من حيث المِلاك والمصحّح، لكن لما كان القول بتوقيفية أسمائه تعالى لسدّ باب الهرج والمرج في تعريفه سبحانه لم يصح إطلاق اللامس والذَّائق والشامّ عليه.

"السميع" و"البصير" في الكتاب والسنَّة
إِنَّه سبحانه وصف نفسه بالسميع والبصير، فقد جاء الأول 41 مرة والثاني 42 مرة في الكتاب العزيز.

ومن الغايات التي يرشد إليها الذكر الحكيم في مقام التوصيف بهما هو إيقاف الإِنسان على أنَّ ربه سميع يسمع ما يتلفظه من كلام، بصير يرى كل عمل يصدر منه فيحاسبه يوماً حسب ما سمعه ورآه. يقول سبحانه: ﴿أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(البقرة:224) ويقوله سبحانه: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(البقرة:244) ويقول سبحانه: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(الحديد:4) ويقول سبحانه: ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيع بَصِيرٌ(المجادلة:1).

وقال الإِمام علي بن أبي طالب عليه السَّلام: "والبَصيرُ لا بِتَفْريقِ آلة، والشاهِدُ لا بِمُماسّة"2.

وقال عليه السَّلام: "مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَه، وَ من سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ"3.

وقال الإِمام علي بن موسى الرضا عليه السَّلام: "لم يَزَل الله تَعالى عَليماً قادراً حيَّاً قَديماً سَميعاً بَصيراً"4.

وقال الإِمام جعفر الصادق عليه السَّلام: "هو تعالى سميعٌ بصيرٌ، سَميعٌ بغيرِ جارِحَة، وبصيرٌ بغير آلة، بل يَسْمَع بِنَفْسِهِ وَ يُبصِر بنفسِه"5.

وقال الإِمام محمد الباقر عليه السَّلام: "إِنَّه سَميعٌ بَصيرٌ، يَسْمَعُ بما يُبْصِر، وَ يُبْصِرُ بما يَسْمَع"6.

والحديث الأَخير يشير إِلى اتحاد صفاته سبحانه مع ذاته. واتحاد بعضها مع البعض الآخر في مقام الذات. فليست حقيقة السَّمع في ذاته سبحانه غيرَ حقيقة البصر، بل هو يَسْمَعُ بالذي يُبْصِر وَ يُبْصِر بالذي يَسْمَع، فذاته سمعٌ كلُّها وبصرٌ كلُّها.


* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني.مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج 1 . ص159-162.


1- الاسفار، ج 6، ص 421 - 423.
2- نهج البلاغة، الخطبة 155.
3- نهج البلاغة، الخطبة 182.
4- توحيد الصدوق، 140.
5- توحيد الصدوق، 144.
6- المصدر السابق.

2009-07-21