يتم التحميل...

نفي التجسيم عن الله

صفات وأسماء الخالق

في الحديث: ليس منّا من زعم أن اللَّه جسم ونحن منه براء في الدنيا والآخرة.إن الجسم محدث واللَّه محدثه ومجسّمه. في ظلال الحديث: يوضح لنا هذا الحديث الشريف أن من يدّعي بأن اللَّه تعالى جسم هو على غير الموقف الصحيح والاعتقاد السليم، وبذلك لا يتصل بآل البيت عليهم السلام بأية جهة من الجهات...

عدد الزوار: 1061

في الحديث:"ليس منّا من زعم أن اللَّه جسم ونحن منه براء في الدنيا والآخرة... إن الجسم محدث واللَّه محدثه ومجسّمه"1.

أ- في ظلال الحديث
يوضح لنا هذا الحديث الشريف أن من يدّعي بأن اللَّه تعالى جسم هو على غير الموقف الصحيح والاعتقاد السليم، وبذلك لا يتصل بآل البيت عليهم السلام بأية جهة من الجهات، لأنهم عليهم السلام كافحوا هذه الفكرة الباطلة والعقيدة المنحرفة وجاهدوا جهاداً شديداً في سبيل القضاء على هذا الاتجاه الفاسد، ولنتعرف معاً ماذا يراد بالتجسيم في البحث العقائدي.

يطلق التجسيم على أحد المعاني التالية
1- التشبيه:
وهوالاعتقاد بأن الله تعالى صورة تشبه صورة الإنسان.

2- التجسيد: وهوالاعتقاد بأن الله سبحانه جسد أي يشتمل على الأبعاد الثلاثة من الطول والعرض والعمق وعلى قول ما يشتمل على الأبعاد الأربعة بإضافة البعد الزماني إلى الأبعاد الثلاثة المكانية.
3- التحيّز: وهوالاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ متحيّز أي في مكان. وقد جاء البرهان على بطلان ذلك إضافة لما ذكر في الحديث المتقدم. في أدلة عديدة نتعرض لبعضها فيما يأتي.

ب- منشأ القول بالتجسيم
إن أولئك الذين قالوا بهذه الخرافة ركنوا إلى ظواهر بعض الآيات والروايات وأخذوا بها من دون تأويلها مع ما يستلزم الأخذ بظاهرها من القول الباطل على الخالق سبحانه ونسبة افتقاره إلى غيره، مع أن الواجب عليهم تأويلها بحمل ألفاظها التي يظهر منها التجسيم على معنى مجازي يلتقي وطبيعة سياق النص وقرائنه المساعدة على ذلك، وبشكل يتمشى وأصل التوحيد كما فعل أئمتنا عليهم السلام والذين تربوا في مدرستهم ونهجوا نهجهم، ينزّهون الله تعالى عمّا قاله غيرهم تنزيهاً كبيراً.

ومن تلك الآيات

قوله عزّ وجلّ: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ(ص:75).

وقوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ(الزمر:67).

وقوله سبحانه: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا(الفجر:22).

وقوله عزّ من قائل: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ(القصص:88).

وقوله عزّ وجلّ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(طه:5).

وجميع الآيات المتقدمة لها تأويل صحيح ولنأخذ مثالاً واحداً وهوالآية الأخيرة﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فمعناها أنه تعالى استولى واقتدر وملك، وليس المعنى أنه تمكن على العرش جالساً، أوجلس بهيئة خاصة على كرسي عرشه، ويؤيد المعنى الصحيح ما جاء في اللغة:

(استوى البلد للأمير) و(استوت المملكة للملك الفلاني) بمعنى أن الأمير أوالملك استولى واقتدر على البلد والمملكة ولا يراد الجلوس، وأما الاقتدار الإلهي فهوغير مسبوق بعجز ولا ملحوق به أبداً.

يقول الشاعر

قد استوى بشر على العراق     من غير سيفٍ ودمٍ مهراق‏

ولولا أن الأمر كما ذكرنا، لم يكن ذلك تمدحاً وتعظيماً، لأن كلاً يصح أن يجلس على سريره أوكرسي ملكه.

يقول السيد الطباطبائي قدس سره: "يشتبه المراد منه على السامع أول ما يسمعه، فإذا رجع إلى مثل قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ(الشورى:11) استقر الذهن على أن المراد من قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(طه:5) التسلّط على الملك والإحاطة على الخلق دون التمكن والاعتماد على المكان المستلزم للتجسيم المستحيل على الله سبحانه"2.

ج- الدليل على نفي التجسيم والتشبيه
مضافاً إلى ما تقدم من قوله عزّ وجلّ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ بحيث لوكان الله تعالى جسماً لكان مثله شي‏ء بل أشياء كما لا يخفى.

هناك آيات كثيرة دالة على سعة وجوده وأنه في كل مكان ومع كل شي‏ء، يحيط بكل شي‏ء ولا يخلومنه شي‏ء يقول عزّ من قائل: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ(الحديد:4) وكيف يجتمع ذلك مع كونه جسماً فإنه حينئذ يكون في مكان دون آخر؟! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

ولما جاء في خطبة لمولانا أبي عبد الله الحسين‏ عليه السلام: "أيها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبّهون الله بأنفسهم، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هوالله ليس كمثله شي‏ء، وهوالسميع البصير، لا تدركه الأبصار وهواللطيف الخبير"3.

د- مكافحة أمير المؤمنين عليه السلام القول بالتجسيم
روى المبرد في الكامل: "قال قائل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ فقال علي عليه السلام: أين، سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان"4.

وقال البغدادي: قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "إن الله تعالى خلق العرش إظهاراً لقدرته، لا مكاناً لذاته".

وقال أيضاً: "قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان"5.

وقد بلغ بعلي عليه السلام من الأمر أنه كان يراقب العوام والسوقة في محاضراتهم وما يصدر منهم فدخل يوماً سوق اللحامين وقال عليه السلام: "يا معشر اللحامين، من نفخ منكم في اللحم فليس منّا. فإذا هوبرجل موليه ظهره، فقال اللحام: كلا والذي احتجب بالسبع. فضربه على ظهره، ثم قال عليه السلام: يا لحّام، ومن الذي احتجب بالسبع؟ قال: ربّ العالمين يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: أخطأت، ثكلتك أمك، إن الله ليس بينه وبين خلقه حجاب، لأنه معهم أينما كانوا. فقال الرجل ما كفارة ما قلت يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: أن تعلم أن الله معك حيث كنت. قال: أُطعم المساكين؟ قال عليه السلام: لا إنما حلفت بغير ربك"6.

وهذه المعية التي ذكرها علي عليه السلام قد وردت في آيات الذكر الحكيم، منها ما سبق ومنها قوله تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ..(النساء:108).

وقال عليه السلام: "ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال "فيم؟" فقد ضمَّنه. ومن قال "علام؟" فقد أخلى منه. كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شي‏ء لا بمقارنة، وغير كل شي‏ء بمزايلة"7.

وقال عليه السلام: "الحمد للّه الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر"8.

وقال عليه السلام: "ما وحَّده من كيَّفه، ولا حقيقته أصاب من مثَّله، ولا إياه عنى من شبهه، ولا حمده من أشار إليه وتوهمه"9.

وقال عليه السلام: "قد علم السرائر، وخبر الضمائر، له الإحاطة بكل شي‏ء، والغلبة لكل شي‏ء والقوة على كل شي‏ء"10.

إلى غير ذلك من خطبه وكلمه في التنزيه ونفي الشبيه. ومن أراد الإسهاب في ذلك والوقوف على مكافحة أئمة أهل البيت عليهم السلام لعقيدة التشبيه والتكييف والتجسيم، فعليه مراجعة الأحاديث المروية عنهم في الجوامع الحديثية.

* صفات الموالين, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافيه, ط1, محرم1424هـ, ص 50-56.


1- الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي، ص‏147.
2- تفسير الميزان، ج‏3، ص‏21.
3- تحف العقول، ص‏175.
4- الكامل، ج‏2، ص‏59.
5- الفرق بين الفرق، ص‏200.
6- الغارات، ج‏1، ص‏112.
7- نهج البلاغة، الخطبة الأولى، طبعة مصر.
8-نهج البلاغة، الخطبة 180، طبعة مصر.
9-نهج البلاغة، الخطبة 181، طبعة مصر.
10-نهج البلاغة، الخطبة 82، طبعة مصر.

2009-08-26