الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف

القرآن وحتميّة الحكومة الإلهيّة العالميّة

يعتبر القرآن الكريم -كما باقي الكتب السماوية  أنّ استخلاف المؤمنين في الأرض ووراثتهم لها وعد إلهيّ حتمي. وقد أشارت مجموعة من الآيات الكريمة إلى هذه الحقيقة نذكر منها قوله تعالى: ﴿وعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ﴾.

تبيِّن هذه الآية بجلاء أنّ الحكم على الأرض سيخرج في النهاية من أيدي الجبّارين والظالمين، وسيكون الحكم بيد المؤمنين الصالحين.

وفي أثر الآية المذكورة والوعد الذي فيها، يعد الله ثلاثة وعود أخرى: ﴿وَلَيُمَكّنَن لَهُم دِينَهُم الَّذِي ارْتَضَى لَهُم، وَلَيُبَدّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوْفِهِم أمْناً، يَعبُدُونَني لا يُشْرِكُونَ بِي شَيئاً﴾ ¹.

من هو مؤسّس الحكومة الإلهية؟

إنّ الأحاديث التي تشير إلى الحكومة العالمية القائمة على السلام والعدل، تشير أيضاً إلى أنّ الذي يؤسّسها هو واحدٌ من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله اسمه المهديّ وقد وردت في كتب الشيعة والسنّة، وهي من الكثرة بحيث تعدّت حدود التواتر.

نقرأ في الرسالة التي أصدرتها "رابطة العالم الإسلاميّ" وهي أكبر مركز دينيّ في الحجاز ما يلي: "أعلن فريق من الحفّاظ والمحدّثين أنّ أخبار المهديّ فيها الصحيح وفيها الحسن، وهي في المجموع من المتواتر قطعاً، وأنّ الاعتقاد بقيام المهديّ صحيح وواجب، وهذا من عقائد أهل السنّة والجماعة المسلّم بها، ولا ينكره إلّا كلّ جاهل وصاحب بدعة".

وهو عند الشيعة من الضروريات، بحيث إنّه لا يمكن لأحد أنْ يعتنق المذهب الشيعيّ دون الاعتقاد بظهور المهديّ عجل الله فرجه الشريف . نكتفي بذكر حديث من باب المثال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "ألا أبشّركم أيّها الناس بالمهديّ"؟ قالوا: بلى. قال: "فاعلموا أنّ الله تعالى يبعث في أمّتي سلطاناً عادلاً وإماماً قاسطاً يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً" ².

من هو المهديّ؟

إنّ تحديد شخصية المهديّ عجل الله فرجه الشريف تفرض الرجوع إلى الروايات، والتي من خلالها نكتشف هذه الشخصية، والروايات في المقام على طوائف سيتمّ عرض نموذج من كلّ طائفة.
 
الطائفة الأوّلى: المهديّ من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله
قال رسول الإسلام صلى الله عليه وآله : "لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً" ³.

في تفسير الآية ﴿وعد الله......﴾ قال الإمام علي ّبن الحسين عليه السلام :"هم والله شيعتنا يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منّا وهو مهديّ هذه الأمّة" ⁴.

الطائفة الثانية: المهديّ هو الخليفة الثاني عشر
أشار علماء أهل السنّة في الرسالة المذكورة أعلاه إلى:"أنّه آخر الخلفاء الراشدين الإثني عشر الذين أخبر عنهم النبيّ صلى الله عليه وآله في أحاديث صحاح".

الطائفة الثالثة: المهديّ هو التاسع من ولد الحسين
وقد ذكرت المصادر الشيعية أنّه التاسع من أولاد الإمام الحسين عليه السلام .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "... وهو التاسع من ولد ولدي الحسين، اسمه اسمي وكنيته كنيتي"⁵.

الطائفة الرابعة: المهديّ هو محمّد بن الحسن العسكري
وهذا واضح من خلال الرواية التي مرّت في الدرس السابق عن الشيخ سليمان القندوزي، العالم السنّي المعروف، في كتابه "ينابيع المودّة":
قال رسول الله صلى الله عليه وآله "إنّ وصيّي عليّ بن أبي طالب،... فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهديّ، فهؤلاء إثنا عشر" ⁶.

هل وُلد المهديّ؟

اختلف السنّة مع الشيعة في قضية ولادة الإمام المهديّ، ففي حين تقول الشيعة بولادته تنكر السنّة ذلك. وقد ذكرت الشيعة مجموعة من الأدلّة على ولادة الإمام نوردها باختصار

أ- معرفة إمام الزمان
نقرأ في كتب أهل السنّة حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: "من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية" ⁷. هذا الحديث نفسه ورد في كتب الشيعة بهذه الصورة: "من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية" ⁸. يدلّ هذا الحديث دلالة بيّنة على أنّ الإمام المعصوم موجود في كلّ عصر وزمان وأنّ من الواجب معرفته، وأنّ عدم معرفته على درجة من الضرر بحيث إنّه يضع الإنسان عند تخوم الكفر والجاهلية.

ب- الروايات التي دلّت على كونه ابن الحسن العسكريّ عليه السلام
فكونه ابن الإمام العسكريّ عليه السلام كما مرّ يدلّ بشكل واضح على أنّه قد وُلد وأنه حي يُرزق لينفذ الوعد الإلهيّ بإقامة حكومة العدل.

ج- طول عمر الإمام
لا يمكن لمن يؤمن بالقرآن الكريم أنْ يرفض إمكانية إطالة عمر الإمام لأنّ القرآن أشار بشكل واضح إلى طول عمر نوح عليه السلام من خلال قوله تعالى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ ⁹. وكذلك فإنّ إطالة عمر الإنسان ممكنة من الناحية العلمية، ولا تتعارض مع النظريات العلمية الحديثة، التي تسعى كي يصبح هذا الأمر أمراً ممكناً من الناحية العملية.

د- غيبة الإمام
وقد ذكرت الروايات المتواترة أنّ للإمام غيبة عن الناس قبل إقامته لحكومة العدل، وهذه الغيبة تطول إلى أنْ يأذن الله تعالى له بالظهور لينفّذ الوعد الإلهيّ، وقد ذكرت الروايات الأسباب والفوائد والحكم من هذه الغيبة، من قبيل الحذر من القتل وقلّة الأنصار وامتحان المؤمنين وعدم البيعة للظالمين... إلخ. ولولا كونه مولوداً لما كان هناك داعٍ لطول العمر ولا للغيبة، وهذا واضح لا لبس فيه.

زمان ظهور الإمام

إنّ وقت ظهور الإمام لا يعلمه إلا الله تعالى. وقد أشارت الروايات إلى حرمة التوقيت لظهور الإمام وتكذيب الموقّتين، ولكنّها وضعت مجموعة من العلامات التي تدلّ على ظهور الإمام وقُسّمت إلى قسمين حتمية وغيرها.

ورد عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "من المحتوم الذي لا بدّ من أنْ يكون من قبل قيام القائم خروج السفيانيّ، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية، والمنادي من السماء" ¹⁰.

دولة الإمام

في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردّ كلّ حقّ إلى أهله.... وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمّد صلى الله عليه وآله، فحينئذٍ تُظهر الأرض كنوزها، وتُبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولبرّه لشمول الغنى جميع المؤمنين" ¹¹.

ولاية الفقيه

لم يترك الناس في فترة غياب الإمام دون راعٍ ومرشد حاضر بينهم، ولذلك تمّ إرجاعهم إلى الفقيه الجامع للشرائط، الذي يُعتبر نائباً للإمام وولياً لأمر المسلمين، واعتُبرت طاعته طاعة لله ومعصيته معصية لله تعالى.

* دروس في أصول العقيدة الإسلامية،سلسلة المعارف الاسلامية,نشر جمعية المعارف الإسلاميةة الثقافية، كانون الثاني 2010م - 1431هـ، ص 147 - 152

^{1- سورة النور، الآية 55.
2- كتاب سليم بن قيس، تحقيق محمّد باقر الأنصاري، ص478.
3- الفيض الكاشاني، التفسير الصافي، ج3، ص 358.
4- الحسيني، شرف الدين، تأويل الآيات، ج1، ص 369.
5- كتاب سليم بن قيس، تحقيق محمّد باقر الأنصاري، ص479.
6- المفيد، محمّد بن محمّد النعمان، أوائل المقالات، ص 284.
7- الخراساني، الشيخ وحيد، منهاج الصالحين، ج1، ص 470.
8- الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج 2، ص 20.
9- سورة العنكبوت، الآية 14.
10- النعماني، محمّد بن إبراهيم، كتاب الغيبة، ص264.
11- اليزدي الحائري، الشيخ علي، إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب، ج2، ص 246.}