يتم التحميل...

الصفات الإلهيـّة

دروس في أصول العقيدة الإسلامية

وهي التي يتنزّه عنها الله تعالى لأنّها نقص، فيجب سلبها عنه تعالى لما فيها من نقص يجلّ عنه تعالى كالجسمية وغيرها، فالعقل يدرك أنّه يستحيل اتّصاف الله بالجسمية، لأنّه لو كان لله جسم يلزم منه لازمان باطلان

عدد الزوار: 128

صفات الله تعالى على نوعين: صفات سلبية وصفات ثبوتية.

الصفات السلبية

وهي التي يتنزّه عنها الله تعالى لأنّها نقص، فيجب سلبها عنه تعالى لما فيها من نقص يجلّ عنه تعالى كالجسمية وغيرها، فالعقل يدرك أنّه يستحيل اتّصاف الله بالجسمية، لأنّه لو كان لله جسم يلزم منه لازمان باطلان

1- أنّه مركّب والمركّب يحتاج إلى أجزائه والحاجة فقر وهو نقص  والله هو الغنيّ المطلق.
2- لاحتاج إلى مكان والحاجة فقر وهو الغني المطلق.

ومما يدلّ على نفي الجسمية عنه تعالى في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ 1. فلو كان لله جسم للزم وجود المثل والشبيه له تعالى وقد نفته الآية.
إلا أنّ بعضٌ قد توهّم أنّ لله تعالى جسماً واستدلّوا على وهمهم هذا بآيات قرآنية كقوله تعالى: ﴿وَقَالت اليَهودُ يَدُ الله مَغلُولةٌ غُلّت أيدِيهِم، ولُعِنوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبسُوطَتانِ... 2، وقوله تعالى: ﴿إنَّما نُطْعِمُكُم لِوَجْهِ اللهِ...3. مع أنّ هذا النحو من الآيات يجب أنْ يفسّر على أساس لا يتعارض مع الدليل العقليّ القطعيّ، الذي تقدَّم ومع الآية المحكَمة التي سبقت وهي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 4. من هنا فُسّرت اليدان بالنعمة والمراد نِعم الدنيا والآخرة أو بالقوّة والقدرة. أما الوجه في الآية السابقة ففسّر بثواب الله، أيّ إنّما نطعمكم لأجل الثواب الإلهي، أو بمعنى ذات الله. وقد تعارف واشتهر استعمال هذه الكلمات بهذه المعاني غير المعارضة للعقل والقرآن عند العرف وأهل البلاغة فيقولون "فلان لسانه طويل" ويقصدون أنّه كثير الكلام لا أنّ لسانه طويل حقيقة.

الصفات الثبوتية

وهي صفات لا تستلزم نقصاً بل فيها إثبات كمال وجمال لله تعالى. وهي نوعان: صفات ذاتية وصفات فعلية.
الصفات الذاتية: وهي الصفات المنتزَعة من الذات الإلهية فلا يصحّ سلبها عن الله تعالى مثل الحياة والقدرة والعلم.

توضيح بعض الصفات الذاتية

القدرة: نحن نعتقد أنّ الله تعالى قادر على كلّ شيء، لكنّ الشيء الذي تتعلّق به القدرة لا بدّّ من أنْ يكون فيه القابلية للتحقّق، أيّ يكون ممكن التحقّق، وعليه فالشيء المحال لا تتعلّق به القدرة الإلهية، فيكون العجز في القابل وليس في الفاعل. سُئل أمير المؤمنين عليه السلام : هل يقدر ربّك أنْ يُدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ فقال عليه السلام : "إن الله تبارك وتعالى لا يُنسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون"5.

العلم: ونحن نعتقد أنّ الله تعالى عالم بكلّ شيء قبل أنْ يوجد وأثناء وجوده وبعده، ويكفي كدليل على علم الله، وكذا قدرته وجود العلم والقدرة بين المخلوقات، فلا بدّ من وجودهما في الخالق وبمرتبة أكمل لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه.

البداء: ممّا تقدّم نعلم أنّ البداء المطروح في أحاديث أهل البيت عليهم السلام لا يعني أنّ الله تعالى يظهر له شيء لم يكن يعلمه سابقاً فيغير إرادته على ضوء علمه الجديد, والعياذ بالله تعالى، فقد حارب أهل البيت عليهم السلام هذا المعنى بشّدة فعن الإمام الصادق عليه السلام : "من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم" 6.

بل المراد من البداء هو أنّ الله تعالى منح الإنسان فرصة تغيير مصيره بالعمل الصالح أو الطالح كما ورد عن النبيّ صلى الله عليه و آله : "الصدقة تدفع ميتة السوء" 7، وعن الصادق عليه السلام : "إنّ الدعاء يردّ القضاء"8 .

لذا فالقول بالبداء يبعث الرجاء في قلوب المؤمنين, بخلاف الاعتقاد بأنّ قلم التقدير جفّ ولم يعد بمقدور الإنسان تغيير المصير المحتوم، من هنا يبيّن أهل البيت عليهم السلام قيمة البداء وأهمّيته كقولهم: "ما عبد الله عزّ وجلّ بشيء مثل البداء" أو "ما عظم الله بمثل البداء"9 .

الصفات الفعلية

وهي الصفات التي تنتزع من نوع ارتباط بين الله تعالى ومخلوقاته, لذا فيصحّ سلبها عن الله تعالى مثل الخالقية والرازقية والإحياء والإماتة، فيصحّ القول: "الله لم يخلق أباً لعيسى بن مريم ولم يرزق فلاناً ولم يحيِ الميت الفلانيّ" وهكذا.

* دروس في أصول العقيدة الإسلامية،سلسلة المعارف الاسلامية, نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، كانون الثاني 2010م - 1431 هـ، ص 67 - 72


1- سورة الشورى، الآية 11.
2- سورة المائدة، الآية 64.
3- سورة الإنسان، الآية 9.
4- سورة الشورى، الآية 11.
5- الريشهري، محمّد، مبزان الحكمة، ج3، ص1916.
6- الصدوق، الشيخ محمّد بن علي، الاعتقادات في دين الإمامية، ص41.
7- الطباطبائي، السيد علي، رياض المسائل، ج70، ص369.
8- المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج70، ص349.
9- الحسيني اليزدي الفيروز آبادي، السيد مرتضى، عناية ألأصول في شرح كفاية الأصول، ج2، ص340.

2010-06-25