يتم التحميل...

المعاد

دروس في أصول العقيدة الإسلامية

يعتقد كلّ من يقرّ بوجود الله سبحانه بالمعاد، إذ لا يمكن فيما يبدو أنْ نجد إنساناً يؤمن بالمبدأ وينكر المعاد. وبشأن إثبات أصل المعاد جاؤوا بأدلّة كثيرة نعرض منها ما يلي:يتمثَّل الدليل الأوّل لإثبات المعاد، بوجود الغاية من خلق الوجود ومنه الإنسان . إنَّ عالم الوجود برمّته يحكي حقيقة أنَّ وراء هذا العالم مدبّراً حكيماً، وهذه الحقيقة شاخصة للجميع، واضحة للعيان.

عدد الزوار: 183

يعتقد كلّ من يقرّ بوجود الله سبحانه بالمعاد، إذ لا يمكن فيما يبدو أنْ نجد إنساناً يؤمن بالمبدأ وينكر المعاد. وبشأن إثبات أصل المعاد جاؤوا بأدلّة كثيرة نعرض منها ما يلي

1- الحكمة الإلهية

يتمثَّل الدليل الأوّل لإثبات المعاد، بوجود الغاية من خلق الوجود ومنه الإنسان .

 إنَّ عالم الوجود برمّته يحكي حقيقة أنَّ وراء هذا العالم مدبّراً حكيماً، وهذه الحقيقة شاخصة للجميع، واضحة للعيان.

 ولازم ذلك أنْ يكون وجود العالم عبثاً من دون المعاد، وإلّا فكيف نصدّق أنّ الإنسان المخلوق من نطفة، المخلوقة بدورها من تراب، يعيش حياته بكلّ ما يُرافقها من مشقّة وأذىً وألم، من دون أنْ تكون لوجوده غاية، ولحياته هدف وعاقبة ينقلب إليها؟ وكيف نتعقّل أنّ كلّ شيء ينتهي بالموت ومع الموت، بحيث تبدو كلّ أشواط الحياة بدون ثمرةٍ وغاية؟ وكيف نستطيع أصلاً أنْ نوجّه فلسفة الخلق والوجود والغاية منهما؟ لذلك تقضي الغاية المفترضة لوجود هذا العالم بضرورة المعاد واليوم الآخر، لكي تنتفي العبثية ولا يكون الهدف من الخلق عبثاً وباطلاً.

وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله تعالى: ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنّما خَلَقْنَاكُم عَبَثاً وَأنّكُمْ إلَينَا لا تُرجَعُون 1.

وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرضَ وَمَا بَيْنَهُما بَاطِلاً ذَلكَ ظَنُّ الَّذينَ كَفَرُوا فَوَيلٌ للَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ 2. والآية واضحة في أنّ من لا يتصوّر أنّ للخلق هدفاً وغاية ومآلاً، هو الكافر الذي لا يعتقد بـ "المبدأ"، وإلّا فلو كان مؤمناً بـ"المبدأ" لاعتقد بالمعاد حتماً وضرورة.ذلك لأنّ العبث والباطل مستحيلا الصدور عن الله سبحانه لأنّه خالق العقل، ولا يصدر منه سبحانه غير المعقول، لذلك وجب أن يكون "المعاد" لكي لا يكون الوجود عبثاً وباطلاً.

2- العدالة الإلهية

العدالة، هي الدليل الثاني من أدلّة إثبات المعاد.

إنّ مقتضى عدل الله سبحانه أنْ يكون للناس يومٌ يجتمعون فيه، فيجزى كلّ ذي عملٍ بعمله، ويلزم من إنكار ذلك تصوّر صدور الظلم منه سبحانه، أيّ أنّ من ينكر المعاد والحساب والجزاء يكون كمن يقول بصدور الظلم عنه سبحانه.

 فإنكار المعاد يتنافى مع العدل الإلهي، ثمّ إنّه مع إنكار المعاد يبقى الإنسان في حيرة من هذه الأسئلة، إذ من يا ترى يقتصّ من الحكّام الظلمة الذين يهرقون دماء الأبرياء بالألوف، وينتهكون أعراض النساء، ويهدرون وينهبون ثروات المسلمين وما حباهم الله به من خيرات؟ ومن يُذيقهم وبال ما كسبت أيديهم؟ وهل يمكن الاقتصاص من هؤلاء في الحياة الدنيا وحسب؟ وإذا حُكِمَ على هؤلاء في الدنيا بالإعدام والموت ولو مئات المرّات قصاصاً، لما جنت أيديهم، فهل يكافئ ذلك دماء الأبرياء وظُلاماتهم وآلامهم؟.

إذاً، لا سبيل في اقتصاص الحقّ من الظالمين، والانتصاف للمظلومين، سوى وجود "المعاد". ثمّ لمّا كان مقتضى العدل الإلهي مجازاة الإنسان بدقّة، خيراً فعل أم شرّاً، فسيكون تحقّق العدل الإلهي غيرَ متيسِّر إلّا بوجود المعاد ويوم الجزاء.

 يقول تعالى: ﴿يومئذٍ يصدرُ الناس أشتاتاً ليُرَوْا أعمالُهم * فمن يعملْ مثقال ذرّةٍ خيراً يرَه * ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يرهُ3.

وبمقتضى الآيات الكريمة، فإنّ عدم مجازاة الإنسان يوم القيامة على ذرّة من أعمال الخير أو الشرّ التي يقوم بها، سيعدّ مغايراً للعدالة الإلهية.

وإذا أردنا أنْ ننتقل في معالجة هذا البُعد إلى زاوية أخرى، فسنجد أنّ المجاهد في سبيل الله، الذي ترك لذّات الدنيا وشهواتها ليقاتل العدوّ، لا يمكن أنْ يستوي في حساب العدل الإلهي مع القاعد، بل هو أعلى منه درجة في الدنيا وفي الآخرة، فالمجاهد يعيش في الدنيا وقرينه النور وصفاء القلب، مكلّلاً بالعطايا والمواهب المعنوية، أمّا في الآخرة، فسينال السعادة الأبدية وينزل في الجنّة برفقة الأنبياء والصدّيقين والأولياء.

والسؤال المثار هنا هو: ما هو وجه العدالة في مكافأة من لا يحمل همّ الإيمان، ولا يهتمّ بصراع الإسلام والكفر، ومجازاته مجازاة المجاهد؟. لذلك جاء الخطاب الإلهي يميِّز بين الاثنين، وهو يزفّ البشرى لمن يُدافع عن حريم الإسلام ومقدّساته، ويدافع عن قيم الإنسانية، ويعيش الحياة جهاداً وحماساً ليصنع مآثر الخُلد، إذ يقول سبحانه فيه: ﴿يَا أيَّتُها النَّفسُ المُطمَئنّة * ارْجِعِي إلى رَبِّك رَاضِيةً مَرضيّةً * فَادخُلِي فِي عِبادِي * وَادْخُلِي جَنّتي4، وقال تعالى: ﴿وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا 5.

*دروس في العقيدة الإسلامي,ةسلسلة المعارف الاسلامية, ،نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، كانون الثاني 2010م، 1431هـ، 157ص - 160


1- سورة المؤمنون، الآية 115.
2- سورة ص، الآية 27.
3- سورة الزلزلة، من الآية 6 إلى 8.
4- سورة الفجر، من الآية 27 إلى 30.
5- سورة النساء، الآية 95.
 

2010-06-25