يتم التحميل...

التوحيد

دروس في أصول العقيدة الإسلامية

التوحيد هو الأصل الأوّل من أصول الدين الإسلامي، وهو يعبّر عن حقيقة هذا الدين العظيم، وبدونه تفقد أركان الإسلام ومفاهيمه قيمتها. ذلك أنّ التوحيد يعطي كلّ المبادئ والقيم والأفكار والنظريات وحدة شاملة ويجعلها تدور حول محور الوجود المقدّس للباري عزّ وجلّ. ففي العقيدة الإسلامية يشكّل مفهوم توحيد الخالق سبحانه الأساس المتين لكلّ الاعتقادات الأخرى. ولذلك فإنّ إنكاره يعود بالدرجة الأوّلى إلى عدم معرفة الله حقّ معرفته.

عدد الزوار: 208

أهمية التوحيد

التوحيد هو الأصل الأوّل من أصول الدين الإسلامي، وهو يعبّر عن حقيقة هذا الدين العظيم، وبدونه تفقد أركان الإسلام ومفاهيمه قيمتها. ذلك أنّ التوحيد يعطي كلّ المبادئ والقيم والأفكار والنظريات وحدة شاملة ويجعلها تدور حول محور الوجود المقدّس للباري عزّ وجلّ.

ففي العقيدة الإسلامية يشكّل مفهوم توحيد الخالق سبحانه الأساس المتين لكلّ الاعتقادات الأخرى. ولذلك فإنّ إنكاره يعود بالدرجة الأوّلى إلى عدم معرفة الله حقّ معرفته.

وعلى سبيل المثال: إنّ الذين تصوّروا أنّ لله شريكاً، قد وضعوا للخالق عزّ وجلّ حدوداً، والسبب في ذلك يرجع إلى عدم معرفتهم بالله حقّ المعرفة، ممّا أدّى إلى إنكارهم لله عزّ وجلّ من جهة، واعتبارهم من جهة أخرى من الكافرين.

وهكذا نجد أنّ معرفة الله سبحانه وتوحيده هي أصل الاعتقادات جميعها. فلو عرف الإنسان ربه لوحّده، ولو وحَّده لآمن بأنبيائه ورسله الذين نهوه عن عبادة غيره سبحانه.

وكذا نجد أنّ جميع التعاليم السلوكية في الإسلام تقوم على أساس التوحيد الخالص لله عزّ وجلّ. فالإخلاص شرط في قبول الأعمال الإلهية، وما لم يصبغ الإنسان حياته ومسلكه بصبغة الإخلاص فلن يكون سالكاً سبيل الله، وسيبقى متمرّغاً في أوحال الطبيعة والمادّة، ولن يخرج من سجن الأنانية.

والإخلاص لا يتحقّق إلَّا بالسلوك التوحيدي، وإلى هذا يشير سيّد الموحدين عليه السلام في قوله: "أوّل الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له" 1.

فالإخلاص هو أعلى مراتب التوحيد، وعلى المؤمن أنْ يصرف كلّ همّه لعبور هذه المراتب، ونفي الشرك وشوائبه عن نفسه وقلبه وعمله، لأنّ الشرك محبط للعمل، قال تعالى: ﴿وَلَقَد أوحِيَ إلَيْكَ وإلَى الَّذينَ مِن قَبْلِكَ لَئنْ أَشرَكْتَ لَيَحبطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكونَنَّن مِنَ الخَاسِرِينَ 2.

وليعلم أنّ أسباب الشقاء والبلاء، ومنشأ كلّ المشاكل والتعاسات إنّما يعود إلى تعلّق القلب بغير الله سبحانه، وإلى طلب غير الحقّ جلّ وعلا. وعليه، فالتوحيد هو عبور لوديان الظلام نحو رحاب النور المطلق حيث الحصن المنيع من عذاب الله عزّ وجلّ، فقد جاء في الحديث القدسي: "كلمة لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي" 3.

ولا بدّ للدخول في مراتب التوحيد من أنْ يخطو المرء الخطوة الأوّلى، وهي تتمثّل بمعرفة التوحيد والاستدلال عليه.

دلالة النبوّة على التوحيد

في معرض كلامنا عن دلالة النبوّة على التوحيد نستعرض كلاماً لأمير المؤمنين عليه السلام يقول فيه: "واعلم يا بُنيّ أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله" 4.
وهذا البرهان مبنيّ على أصالة الوحي، فلا يمكن للإنسان أنْ يقيم مثل هذا البرهان إلّا بعد الإيمان بصدق وحقانية الوحي الموجود. ومن جانب آخر فهو مبنيّ على معرفة الله بكرمه المطلق الذي لا نقص فيه، بحيث إنّه لا يمكن أنْ يكون هناك موجود فيه قابلية خاصّة ولا يفاض عليه من جانبه تعالى. وبالتالي فلا يمكن أنْ يوجد إنسان يمتلك قابلية الوحي ولا يوحى إليه من جانب الباري عزّ وجلّ.

بناءً على ما تقدّم فإنّه من السذاجة بمكان أنْ يقال: إنّ الغرض من بعث الأنبياء وإرسال الرسل هو هداية الناس، فإذا تحققّت الهداية ببعث أحدهم من قبل أحد الآلهة، حصل الاكتفاء بذلك، وسقط الأمر عن الآخرين،لأنّ ذلك يعني نفي الصفات الكمالية عن الآخر وبالتالي لا يمكن أنْ يكون إلهاً ولا يرسل رسلاً. وبديهي أنّنا لم نعتمد في هذا البرهان على ما قاله الأنبياء، ولم نتعبّد بأحاديثهم وقولهم إنّ الله واحد.. بل قلنا بذلك لاعتقادنا بأنّ النبوّات ظواهر خاصّة ودلائل لما وراء الطبيعة، فلو كان هناك عامل آخر ما وراء الطبيعة غير الله الواحد لظهرت منه دلائل مشابهة ولأرسل رسله.

وحدة النظام دليل على التوحيد

إنّ أجزاء العالم يسيطر عليها نظام واحد، ولا يمكن أنْ تكون فيه موجودات مستقلّة ومنعزلة بعضها عن بعض. فانظروا إلى شجيرة الورد مثلاً، هل يمكن أن تبقى خضراء إذا لم تُمدّ بالماء؟ وهل يمكن أنْ توجد إذا لم توضع بذرتها في الأرض؟ إذاً، وجودها منوط بوجود الماء، وهي مرتبطة بالظاهرة المتقدّمة عليها وليست منعزلة عنها. وتستفيد هذه الوردة من الهواء المحيط بها، وهي بدورها تؤثّر في تعديل نسبة الغازات فيه بما تطرحه من الأوكسجين أو ثاني أوكسيدالكربون، إذاً، هي مرتبطة بالهواء المحيط بها وهو ليس مستقلّاً عنها.

وكذلك الفرخ الذي خرج من البيضة، هل جاء إلى الوجود من دون أمّ؟ وهو أيضاً يتنفّس الهواء ويأكل الطعام ويؤثر في بيئته. والأمر كذلك في الموجودات غير الحيّة، التي نلاحظ حصول الفعل والانفعالات الفيزيائية والكيميائية فيها.

فنحن إذا تأمّلنا في أيّة ظاهرة سوف نجد أنّها قد وُجدت نتيجة لما جرى في الظاهرة المتقدّمة عليها من فعل وانفعال، وهي بدورها تؤثّر في الظواهر المعاصرة لها، وتكون مادّة لوجود الظواهر اللاحقة لها. إنّ هذا النظام يسيطر على العالم كلّه، وهو نظام الارتباط والتفاعل، التأثير والتأثّر. وحتى فرض وجود الأنظمة الجزئية لا ينافي أنْ تكون جميعها أعضاء في نظام كلّي يجعل كلّ ظواهر هذا العالم مشمولة بقانون التأثير والتأثّر.

فالعالم عالم متّصل ببعضه البعض ولا يوجد أيّ استقلال بين أجزائه بعضها عن بعض.

والآن لو فرضنا لكلّ واحد من هذه الأنظمة الجزئية في عالمنا إلهاً خاصّاً، فهذا معناه أنّ جميع حاجات المخلوق فيه سوف تؤمّن بواسطة إلهه الخاصّ هذا، وأنّ هذا النظام الجزئي لا بدّ أنْ يكون مكتفياً ذاتياً، ولا يحتاج إلى آلهة غير إلهه الذي أوجده، لأنّ الإله هو الذي يكون وجود المخلوق بيده، وهو الذي يوفّر لمخلوقه حاجاته، وهذا هو مقتضى الغنى الذاتي، فالإله غنيّ في ذاته وفي فعله، فكما أنّه لا يحتاج لأحد في وجوده نفسه كذلك لا يحتاج إلى أحد في إيجاده لغيره، ولذلك يكون المخلوق محتاجاً له فقط، إذ لو احتاج المخلوق إلى غير إلهه فهذا يكشف عن حاجة الخالق وهو منافٍ للألوهية. وبهذا الفرض يكون عندنا عدة أنظمة كلّ واحد منها مكتفٍ بذاته ولا يحتاج إلى ما سواه. فإذا كان لعالم الإنسان إله، ولعالم الحيوان إله آخر، ولعالم النبات إله ثالث... وهكذا.. فإنّه يلزم أنْ يكون مثلاً العالم الإنسانيّ محتاجاً فقط إلى إلهه وما تنتجه يداه، ويجب أنْ يكون مستغنياً عن الأنظمة الأخرى، فلا يستفيد من الهواء مثلاً الذي خلقه إله آخر... الخ.

وكلّ إنسان يرى أنّ العالم لا يسير بهذا النحو، بل إنّ أيّ موجود وأيّ نظام لا يمكن أنْ يوجد من دون ارتباط بالموجودات الأخرى، وحتّى إذا وُجد فإنّه لا يستطيع أنْ يستمرّ. لذلك لا بدّ من أنْ يستفيد الإنسان من الهواء والماء والنبات والحيوان، وإنْ لم يفعل فالموت ينتظره. وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا...5.

فاليد التي تسيّر العالم هي يد واحدة تربط جميع أجزائه بعضها ببعض وتديرها، ولو كانت هناك أيدٍ مستقلة بحيث تريد كلّ واحدة منها أن تدير العالم كما هو مقتضى الربوبية لتبعثر هذا العالم وانفرط نظامه.

ولكنّنا نلاحظ أنّ هذا النظام الواحد هو نظام مستقرّ، والفساد فيه غير موجود. فيُعرف من هذا أنّ من بيده شؤون هذا العالم هو من يدبّره ويربط أجزاءه بعضها ببعض إنّما هو إله واحد، هو الذي أوجد هذا النظام الواحد.

دروس في أصول العقيدة الإسلامية،سلسلة المعارف الاسلامية, نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية ، كانون التاني - 2010م، 1431 هـ، ص:33-40


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، ج 1، ص 14.
2- سورة الزمر، الآية 65.
3- المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 49، ص 127.
4- الريشهري، محمّد، كتاب توحيد الله تعالى، ميزان الحكمة، ج3، ص 1894.
5- سورة الأنبياء، الآية 22.
 

2010-06-25