يتم التحميل...

ختم النبوّة وضرورة الإمامة

دروس في أصول العقيدة الإسلامية

من خصائص نبوّة الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله أنّها النبوّة الخاتمة، فلا نبيّ بعد محمّد صلى الله عليه وآله ، وهذا ما نصَّ عليه القرآن الكريم بقوله: " مَا كَانَ مُحمَّدٌ أبَا أَحدٍ مِنْ رّجَالِكُم وَلَكِن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكلِّ شَيءٍ عَليماً" 1. ونصّ على ذلك نفس رسول الله صلى الله عليه وآله حينما تهيّأ لغزوة تبوك وترك الإمام عليّاً عليه السلام

عدد الزوار: 111

ختم النبوّة

من خصائص نبوّة الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله أنّها النبوّة الخاتمة، فلا نبيّ بعد محمّد صلى الله عليه وآله ، وهذا ما نصَّ عليه القرآن الكريم بقوله: ﴿مَا كَانَ مُحمَّدٌ أبَا أَحدٍ مِنْ رّجَالِكُم وَلَكِن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكلِّ شَيءٍ عَليماً 1. ونصّ على ذلك نفس رسول الله صلى الله عليه وآله حينما تهيّأ لغزوة تبوك وترك الإمام عليّاً عليه السلام في المدينة قائلاً له: "أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي" 2.

ضرورة الإمامة

ومن خلال ثبوت ختم النبوّة نطلّ على ضرورة الإمامة بعدها بالاعتماد على أمرين أساسين:

الأوّل: حفظ الشريعة وإكمال تبليغها

فإنّ فترة الثلاث والعشرين سنة التي قضاها النبيّ صلى الله عليه وآله بعد نبوّته لم تكن كافية لتحقيق الهدف الإلهي الأسمى في إيصال الشريعة لكلّ الناس، فقد أمضى صلى الله عليه وآله ثلاث عشرة سنة من عمره الشريف في مكة؛ يحارب الشرك وعبادة الأصنام دون، أنْ يستجيب لدعوته سوى قلّة من الناس، الذين غلب عليهم الاستضعاف حتّى هاجر نصفهم الهجرتين، ثمّ أمضى السنوات العشر التالية في المدينة في الغزوات والحروب التي تجاوزت الثمانين حسب ما نقل لنا التاريخ. وعلى الرغم من أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله لم يترك لحظة من عمره دون أن يستغلّها لنشر الدعوة والتعاليم الإسلامية، إلّا أنّ تلك الفرصة لم تسنح له بتحقيق كلّ آماله وتطلّعاته بنشر كلّ الرسالة بتفاصيلها إلى الأمّة، لذا كان لا بدّّ من اختيار شخص يخصّه النبيّ صلى الله عليه وآله بالتعليم ليخزّن فيه تفاصيل الشريعة، فيحفظ شريعة الإسلام ويبيِّن أحكامها للناس بعد النبيّ صلى الله عليه وآله .

الثاني: قيادة المجتمع

والحاجة الأخرى للإمام تكمن في الحاجة إلى تعيين القائد الذي يرئس المجتمع الإسلامي، لا سيّما مع ما كان يتهدّد البلاد الإسلامية من الأخطار الثلاثة المتمثلة في: الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية وفريق المنافقين الداخليين.

أيصدّق أحد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يترك المدينة لبضعة أيّام عند خروجه إلى غزوة تبوك إلّا بعد أن عيّن من يقوم مقامه فيها، ومع ذلك لم يعيِّن أحداً ليخلفه بعد مغادرة الدنيا نهائياً، ويترك الأمّة نهب الاختلافات والاضطرابات والحيرة، دون أنْ يضمن للإسلام استمراريّة حكم شخص هادٍ ومرشد يعتمده!. لا يشكّ عاقل أنّ عدم تعيين خليفة ينطوي على أخطار كبيرة على الإسلام اليافع. إنّ العقل والمنطق يحكمان بأنّ أمراً كهذا يستحيل صدوره عن عاقل فضلاً عن نبيّ الإسلام. وبهذا يثبت أنّه لا بدّّ من تعيين إمام من قبل النبيّّ صلى الله عليه وآله يحقّق من خلاله استمرارية الإسلام والحفاظ عليه, وقد عيّن النبيّ صلى الله عليه وآله ونصّ على الإمام من بعده.

النصّ على الإمام عليّ عليه السلام

وقد كان الشخص المؤهّل للمنصبين السابقين هو علي بنّ أبي طالب عليه السلام ، لذا كان هو عليه السلام محلّ الاختيار الإلهيّ. من هنا وردت الآيات والروايات العديدة التي تواتر بعضها على النصّ عليه كخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله. ولعلّ من أبرز ما ورد في ذلك هو آية التبليغ التي أعقبها حديث الغدير المتواتر. فقد أنزل الله تعالى على رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله قبل وفاته بمدّة قليلة ﴿يَا أيُّها الرَّسولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إليكَ مِن رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَل فَما بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعصِمُكَ مِنَ النَّاس3. ولا شكّ في دلالة الآية على مهمّة خطيرة وُضعت على عاتق رسول الله صلى الله عليه وآله قد تواجه معارضة بعض الناس. ولا شكّ أنّ هذه المهمّة لم تكن تتعلّق بقضايا التوحيد والشرك ومحاربة الأعداء، لأنّ هذه المسائل كانت كلّها قد حُلَّت قبل نزول هذه الآية. ثمّ إنّ إبلاغ أحكام الإسلام للناس لم يكن يوماً مصحوباً بمثل هذا القلق والتوجّس، بينما يتبيّن من الآية أنّ المهمّة كانت على قدر من الأهمّية بحيث إنّها لا تقلّ وزناً عن أداء الرسالة برمّتها، بحيث لو أنّه لم يؤدّ تلك المهمّة لكان كأنّه لم يؤدّ الرسالة نفسها. فهل هناك ما يمكن أن تكون له مثل هذه الأهمّية سوى مسألة تعيين خليفة رسول الله؟ خاصّة وأنّ الآية قد نزلت في أواخر عمر النبيّ صلى الله عليه وآله ، أيّ في الوقت المناسب لتعيين من يخلف النبيّ من بعده، للاطمئنان على استمرار النبوّة والرسالة. وهناك روايات كثيرة عن فريق كبير من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله تذكر أنّها نزلت في عليّ عليه السلام وكان من نتائجها حديث الغدير المشهور.

حديث الغدير

يقول الكثير من المؤرخين إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أدّى فريضة الحجّ في آخر سنة من سنوات عمره الشريف، وبعد الانتهاء من الحجّ، رجع ومعه جماعات غفيرة من أصحابه القدامى والجدد والمسلمين المولعين به، الذين كانوا قد اجتمعوا من مختلف نقاط الحجاز ليلحقوا برسول الله صلى الله عليه وآله في أداء فريضة الحجّ، وعند وصولهم إلى مكان بين مكّة والمدينة اسمه "الجحفة"، تقدّمهم نحو "غدير خمّ" حيث كانت الطريق تتفرّق، فيتفرّق عندها الناس كلّ إلى وجهته. ولكن قبل أنْ يتفرّق الناس من هناك إلى الأنحاء المختلفة، أمر الرسول صلى الله عليه وآله الناس بالتوقّف ودعا الذين سبقوه إلى الرجوع، وانتظر حتّى لحق به من تأخّر، وكان الطقس شديد الحرارة ومحرقاً، ولم يكن في تلك الصحراء المترامية ما يُستظلّ به.أدّى المسلمون صلاة الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعندما أراد الناس الانصراف إلى خيامهم فراراً من حرارة الطقس، أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله أنّ عليهم أنْ يستمعوا إلى بلاغ مهمّ جديد من جانب الله في إحدى خطبه المسهبة. أقيم لرسول الله منبر من أحداج الإبل، فارتقاه، وبعد أنْ حمد الله وأثنى عليه، كان من جملة ما قال: "... أمّا بعد أيّها الناس، اسمعوا منّي أبيّن لكم فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا. أنا مسؤول وأنتم مسؤولون. تُرى كيف تشهدون لي"؟ رفع الناس أصواتهم قائلين: نشهد أنّك قد بلغّت ونصحت وجاهدت فجزاك الله خيراً. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : "أتشهدون بأنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّ الله سيبعث من في القبور يوم القيامة"؟. فقالوا جميعاًً: نعم نشهد بذلك. فقال: "الّلهم أشهد"! ثمّ سألهم: "أيها الناس، أتسمعون صوتي"؟ قالوا: نعم. وساد الجمع صمت لم يُسمع خلاله شيء سوى صوت هبوب الريح. وأخيراً قال صلى الله عليه وآله : "أنبئوني ما تفعلون بهذين الثقلين اللذين سأتركهما بين ظهرانيكم"؟ فقام رجل من بين الجمع وقال: أيّ ثقلين تعني يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

"الثقل الأوّل هو الثقل الأكبر، كتاب الله، القرآن، ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا.. والثقل الثاني هو عترتي، آل بيتي. ولقد أخبرني اللطيف الخبير بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، إنْ سبقتموهما هلكتم، وإنْ تخلّفتم عنهما هلكتم". ثمّ نظر النبيّ صلى الله عليه وآله إلى أطرافه كأنّه يبحث عن شخص، فلما وقع بصره على عليّ عليه السلام انحنى وأمسك بيده ورفعها حتّى بان بياض إبطيهما، فرآه الناس وعرفوه.
وارتفع صوت النبيّّ صلى الله عليه وآله وهو يقول: "أيّها الناس، مَن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم"؟
فقالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال: "إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه". وكرّر هذا القول ثلاث مرات. وقال بعض الرواة إنّه كرّره أربع مرّات، ثمّ رفع رأسه الشريف إلى السماء وقال"الّلهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبَّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار". ثم قال: "ألا هل بلّغت"؟
قالوا: نعم.
قال: "فليبلّغ الشاهد الغائب". وقبل أن يتفرّق الجمع نزل جبرائيل الأمين بالآية التالية على رسول الله صلى الله عليه وآله : ﴿اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأتْمَمْتُ عَلَيكُم نِعْمَتي... 4. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : "الله أكبر، الله أكبر، على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي والولاية لعليّ من بعدي". فحصل هرج ومرج بين الناس وراحوا يتزاحمون لتهنئة عليّ عليه السلام بالولاية، وكان منهم أبو بكر وعمر، اللذان تقدّما إلى عليّ عليه السلام يقولان: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة! 5. هذا الحديث أورده عدد كبير من علماء الإسلام في كتبهم، بعض بصورة مسهبة وبعض باختصار شديد، وبشيء من الاختلاف في بعض الألفاظ. ويُعتبر من الأحاديث المتواترة التي لا يمكن لأحد أنْ يشكّ في صدورها عن رسول الله صلى الله عليه وآله .

*دروس في العقيدة الإسلامية،سلسلة المعارف الاسلامية, نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، كانون الثاني 2010م، 1431هـ، ص 127-139


1-  الأحزاب:40.
2- كاشف الغطاء الشيخ جعفر، كشف الغطاء، ج1، ص10.
3-  المائدة:67.
4-  المائدة:3.
5- الأميني، عبد الحسين احمد، الغدير، ج 1، ص 11.

2010-06-25