يتم التحميل...

مراتب التوحيد

دروس في أصول العقيدة الإسلامية

قد يتوهّم بعض أنّ التوحيد عبارة عن الإيمان بالله الواحد وعدم وجود شريك لله تعالى فقط، دون أنْ يلتفت إلى أنّ التوحيد يشمل أموراً أخرى، يُطلق عليها مراتب التوحيد وهي:التوحيد في وجوب الوجود: وتتحقّق هذه المرتبة من التوحيد في الاعتقاد بأنّ وجود الله تبارك وتعالى فقط ضروري بصورة ذاتية، وأمّا سائر الموجودات فوجودها مكتسَب منه، وهذا ما استُدِلّ عليه في الدرس السابق من خلال الأدلّة على توحيد الله تعالى.

عدد الزوار: 175

قد يتوهّم بعض أنّ التوحيد عبارة عن الإيمان بالله الواحد وعدم وجود شريك لله تعالى فقط، دون أنْ يلتفت إلى أنّ التوحيد يشمل أموراً أخرى، يُطلق عليها مراتب التوحيد وهي

1- التوحيد في وجوب الوجود
وتتحقّق هذه المرتبة من التوحيد في الاعتقاد بأنّ وجود الله تبارك وتعالى فقط ضروري بصورة ذاتية، وأمّا سائر الموجودات فوجودها مكتسَب منه، وهذا ما استُدِلّ عليه في الدرس السابق من خلال الأدلّة على توحيد الله تعالى.

2- التوحيد في الخالقية
وتتحقّق هذه المرتبة في الاعتقاد بعدم وجود خالق سوى الله، وهي نتيجة طبيعية للمرتبة السابقة وقد استُفيدت من دليل وحدة النظام .

3-  التوحيد في الربوبية التكوينية
الموحّد بهذا المعنى يُطلَق على من يعتقد بأنّ الله غير محتاج إلى أحد في تدبير العالم وإدارته، كما لم يكن محتاجاً إلى أحد في خلقه، وربوبيته التكوينية منحصرة به تعالى ولا يمكن لأيّ موجود أنْ يتصرّف في العالم إلا بحول الله وقوّته، وهذا نتيجة طبيعية للإيمان بأنّ كلّ الموجودات خلقها الله تعالى ووجودها بيده.

4- التوحيد في الربوبية التشريعية
ويعني أنّ ولاية الأمر والنهي هي لله تعالى؛ لأنّه هو الذي أوجد الإنسان ولا يحقّ لأحد غيره تعالى وضع القوانين وإصدار الأوامر، فشرعية أيّ قانون تتوقّف على الإمضاء الإلهي، وليس لأيّ إنسان أنْ يضع قانوناً للناس، وليس له أنْ يأمر أو ينهى إلا بإذن الله.

5- التوحيد في الألوهية
وهناك مرحلة أخرى من مراتب التوحيد وهي "التوحيد في الألوهية والمعبودية"،أي ليس لدينا معبود سوى الله، وهذا أيضاً نتيجة طبيعية للمعتقدات السابقة، وهو مفاد لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فعندما نعتقد بأنّ وجودنا من الله واختيار وجودنا بيده، ولا يؤثّر في العالم شيء بصورة مستقلّة إلّا هو، وحقّ وضع القوانين منحصر به، فإنّه لا يبقى حينئذٍ مجال لعبادة غيره. لأنّه وبسبب ما ذكر يكون هو المستحقّ للعبادة وحده. وبالتالي أنْ نعبده هو فقط لأنّ العبادة في الواقع إظهار للعبودية، وجعل النفس تحت تصرّف المعبود المستحقّ للعبادة من دون شرط.

فهناك أمران: أحدهما يرجع إلى القلب، وهو الاعتقاد بأنّ الله تعالى هو اللائق والمستحقّ للعبادة وحده، وثانيهما يعود إلى العمل، وهو أنْ لا يعبد عملياً غير الله سبحانه، والثاني من مظاهر الأوّل ويسمّى بـ"التوحيد في العبادة". والآيات تعتبر الشرك في العبادة من الذنوب الكبيرة، ومعنى الشرك أنْ يقوم الإنسان بعبادة غير الله في مقام العمل، حتّى ولو لم يكن معتقداً بأهليته للعبادة، ولكنه يقوم بهذا الأمر من أجل مصالحه، هذا هو الشرك في العبادة ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًاَ1. ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ 2. ومن آثار ونتائج مراتب التوحيد التي ذُكرت هي أنْ لا يستعين الإنسان المؤمن بشكل مستقلّ إلا بالله تعالى كما قال تعالى ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ3، ولا يخاف المؤمن إلا من الله كما قال تعالى ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًاَ4 ويبقى أمله منحصراً بالله، ولا يحبّ أصالة واستقلالاً إلا الله تعالى لأنّ الكمال والجمال أصالة لله، وأمّا غيره تعالى فكماله وجماله مستمدّ منه تعالى.

نصاب التوحيد

إذا رجعنا إلى القرآن الكريم، وتأمّلنا فيه واستفتيناه عن النصاب اللازم ليصبح الإنسان موحّداً فسيكون الجواب: إنّ الموحّد من وجهة نظر القرآن هو كلّ من يعترف بأنّ واجب الوجود منحصر بالله، وهو تعالى وحده الخالق والربّ التكويني والربّ التشريعي والإله المعبود، ولمّا كان الاعتقاد بالإلوهية واقعاً في الأخير لذا أصبح شعار الإسلام لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أيّ لا معبود بحقّ إلا الله، وهي المرتبة الخامسة، أيّ إذا تمّ لنا الاعتقاد بالألوهية فمن المؤكّد أنّ ما قبله تامّ وهو من باب "إذا حصلنا على المائة فالتسعون قطعاً في أيدينا". إذاً، نصاب التوحيد في القرآن هو الاعتقاد بهذه الأمور مجتمعةً ومنتهية بالتوحيد في الألوهية. وباقي المراتب تعبّر عن كمال التوحيد والترقّي في درجاته.

* دروس في أصول العقيدة الإسلاميةسلسلة المعارف الاسلامية,، نشر جمعية المعارف الثثقافية ، كانون التاني، 2010م - 1431 هـ، ص 51 - 56


1- سورة الفرقان، الآية 43.
2- سورة الجاثية، الآية 23.
3- سورة الفاتحة، الآية 5.
4- سورة الأحزاب، الآية 39.

2010-06-24