يتم التحميل...

طرق معرفة النبي

دروس في أصول العقيدة الإسلامية

بعد إثبات ضرورة النبوّة تبقى الإجابة على هذين السؤلين أولاً: كيف تثبت نبوّة النبيّ؟وثانياً: كيف لنا أن نفرّق بين مدّعي النبوّة كذباً والنبيّّ الحقيقيّ الصادق؟ أمّا الجواب عن السؤال الأوّل فهناك طرق عديدة يمكن من خلالها إثبات نبوّة الأنبياء.

عدد الزوار: 96

تمهيد

بعد إثبات ضرورة النبوّة تبقى الإجابة على هذين السؤلين
أولاً: كيف تثبت نبوّة النبيّ؟
وثانياً: كيف لنا أن نفرّق بين مدّعي النبوّة كذباً والنبيّّ الحقيقيّ الصادق؟

أمّا الجواب عن السؤال الأوّل فهناك طرق عديدة يمكن من خلالها إثبات نبوّة الأنبياء.

الطريق الأوّل: تصديق النبيّ السابق

إنّ تصديق النبيّ السابق للنبيّ اللاحقِ هو أحد الطرق لإثبات دعوى النبوّة وذلك لأنّ الفرض هو أنّ نبوّة النبيّ السابق قد ثبتت بالأدلّة القاطعة، ولهذا من الطبيعي أنْ يكون كلامُه سنداً قاطعاً للنبوّة اللاحقة، وهذا ما حدث بالنسبة للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله حيث يستفادُ من بعض الآيات القرآنيّة أنّ السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام بشّر به: ﴿ومُبشراً بِرَسُولٍ يأتي مِنْ بَعدِي اسْمُهُ أحمد 1.

 ولم يكذّبه النصارى في تلك الأيّام.

كما وأنَّ من الطريف أنْ نعلم أنّ الإنجيل رغم تعرُّضه للتحريف منذ قرون قد جاء في إحدى نُسخِهِ وهو إنجيل يوحنا الإصحاح 14 , 15 , 16 تنبّؤٌ بمجيء شخصٍ بعد السيد المسيح يُدعى "فارقليطا" أي محمّد بالسريانيّة ، ويمكن للمحققين الرجوع إلى ذلك، للوقوف على الحقيقة.

الطريق الثاني: الإعجاز

يتحقّق الإعجاز الذي يثبت النبوّة بأنْ يأتي مدَّعي النبوَّة بأمرٍ يتحدّى به المنكرين لنبوّته، ويشترط في الأمر الذي يُعَدُّ معجزة
أ- أنْ يكون خارقاً للعادة.
ب- أنْ يتطابق مع دعواه.
ج- أنْ يعجز الآخرون عن الإتيان بمثله.

وقد قام الأنبياء السابقون بمجموعة من المعجزات كعصا موسى وناقة صالح و... وكذلك فقد قام نبيّ الإسلام محمّد صلى الله عليه وآله بعدة معاجز، تحقّقت فيها العناصر السابقة للدلالة على نبوّته، من قبيل تسبيح الحصى في يده، ومخاطبة الشجرة التي انقلعت من جذورها وأتت إليه، وشقّ القمر إلى نصفين، لكنَّ المعجزة الأهمّ التي أتى بها النبيّ صلى الله عليه وآله والتي يتلاءم إعجازها مع كلّ عصر هي القرآن الكريم.

فإنّ نبيّ الإسلام أعلن عن نبوّته ورسالته بالإتيان بهذا الكتاب السَّماويّ، وتحدّى الناس به، ودعاهم إلى الإتيان بمثله إنّ استطاعوا، ولكن لم يستطع أحدٌ رغم هذا التحدِّي القرآنيّ القاطع أنْ يأتي بمثله في عصر النبوّة.

 واليوم، وبعد مرور القرون العديدة، لا يزال القرآنُ يتحدّى الجميع ويقول: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنسُ والجِنُّ على أن يأتوا بِمثْلِ هذا القرآنِ لا يَأتون بِمثلهِ ولو كان بعضُهُمْ لبعضٍ ظهيراً 2.

 وفي موضع آخر يقول وهو يتحدّى بأن يأتوا بأقلّ من ذلك: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْر سُوَرٍ مِثلِهِ مُفْتَرَياتٍ 3، وفي موضع آخر ﴿فأْتُوا بِ مِنْ مِثْلِهِ 4.

إنّنا نعلمُ أنّ أعداء الإسلام لم يألوا جُهداً طيلة خمسة عشر قرناً من بدء ظهور الإسلام في توجيه الضربات إليه، ولم يفتروا عن محاولة إلحاق الضرر بهذا الدين، والكيد له بمختلف ألوانِ الكيد، وحتى أنّهم استخدموا سلاح اتّهامِ رسولِ الإسلام بالسّحر، والجنون، وما شابه ذلك، ولكنّهم لم يستطيعوا قطَّ مقابلة القرآن الكريم ومعارضته، فقد عجزوا عن الإتيانِ حتّى بآية قصيرة مثل آياته. والعالَمُ اليوم مجهَّزٌ كذلك بكلّ أنواع الأفكار والآلات، ولكنّه عاجز عن مجابهة هذا التحدّي القرآنيّ القاطع، وهذا دليلٌ على أنّ القرآن الكريمَ فوق كلام البشر.

عناصر الإعجاز في القرآن الكريم

1- بلاغة القرآن

ففي عصر نزول القرآن الكريم كان أوّلُ ما سَحَر عيونَ العرب، وحيّر أرباب البلاغة والفصاحة منهم، جمالُ كلمات القرآن، وعجيبُ تركيبه، وتفوّقُ بيانه، ويُعبَّر عن ذلك كلّه بالفصاحةِ والبلاغة.

 إنّ هذه الخُصوصيّة كانت بارزةً ومشهودةً للعرب يومذاك بصورةٍ كاملةٍ، ومن هنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله ، بتلاوة آيات الكتاب، مرّةً بعد أُخرى، وبدعوته المكرّرة إلى مقابلته والإتيان بمثله إنّ استطاعوا، يدفع عمالقة اللغة والأدب، وأبطال الشعر وروّاده، إلى الخضوع أمام القرآن، والرضوخ لعظمة الإسلام، والاعتراف بكون الكلام القرآنيّ فوق كلام البشر.

 فها هو "الوليد بن المغيرة" أحد كبار الشعراء والبلغاء في قريش يقول بعد أن سمع آيات القرآن الكريم، وقد تلاها عليه رسولُ الإسلام، وطُلب منه أن يبدي رأيه فيها: "ووالله لِقَوله الّذي يقولُ لحلاوةً، وإنّ عليه لطَلاوةً، وإنّه لَمُثْمرٌ أعلاهُ، مُغدِقٌ أسْفَلُهُ، وإنّه لَيَعْلُو وما يُعلى"5.

 وليس "الوليدُ بن المغيرة" هو الشخص الوحيدُ الذي يحني رأسه إجلالاً لجمال القرآن الظاهري، ولجلاله المعنوي، بل ثمّة بلغاء غيره من العرب مثل: "عتبة بن ربيعة" و"الطفيل بن عمرو" أبدوا كذلك عجزهم تجاه القرآن، واعترفُوا بإعجازه الأدبيّ.

2- أمّيّة النبيّ صلى الله عليه وآله

فإنّ الآتي بالقرآن الكريم، كان شخصاً أميّاً لم يدرُس، ولم يتلقَّ تعليماً قبل النبوّة، فلا هو دخل مدرسة أو كتّاباً، ولا هو تتلمذ على أحد، أو قرأ كتاباً كما قال تعالى: ﴿وما كُنْتَ تَتْلُوا من قَبْلِهِ من كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ بَيَمِينِكَ إذاً لارتابَ المُبْطِلُون 6.

3- عدم الاختلاف فيه

فقد تُلي القرآنُ الكريم على الناس طيلةَ ثلاثٍ وعشرينَ سنة، وفي ظروف مختلفة في الصلح والحرب، في السفر والحضر، و... بواسطة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتقتضي طبيعة هذا النمط من التحدُّث والتكلّم، أنْ يقع في كلام المتكلّم نوعٌ من الاختلاف والتعدُّدية في الأُسلوب والخصوصيات البيّانية، فطالما كان يقع المؤلّفون الذين كانوا يُؤلّفُونَ كُتُبَهُمْ في ظُروفٍ عاديةٍ متماثلةٍ - رغم مراعاة قواعد التأليف والكتابة وأُصُولها - في الاختلاف والاضطراب في الكلام، فكيف بالذي يُلقي كلاماً بالتدريج، وفي أوضاع متباينة وأحوال مختلفة تتراوح بين الشدّة والرخاء، والحزن والفرح، والقتال والسلام، والأمن والخطر؟! يقول القرآن نفسُهُ عن هذا الجانب من الإعجاز: ﴿أفلا يَتَدبَّرُونَ القرآنَ ولو كانَ مِنْ عِند غيرِ الله لَوَجدُوا فيهِ اختلافاً كثيراً 7.

4- الإخبار بالغيب

فقد أخبر القرآن الكريم عن طائفة من الحوادث والوقائع المستقبلية إخباراً قطعياً، وقد وقعت تلك الوقائع والحوادث فيما بعد بصورةٍ دقيقةٍ، ولهذا النمط من الإخبارات نماذج عديدة، إلّا أنّنا نشير إلى واحدة منها هنا على سبيل المثال: يوم تغلّبَ الساسانيون عُبّادُ النار على الرُّوم الموحّدين تفاءَلَ المشركون العرب بهذا الحدث وقالوا: سننتصر نحن على موحِّدي الجزيرة العربية المسلمين أيضاًً، وعند ذاك أخبر القرآنُ الكريمُ بانتصار الرُّوم على الفُرس: ﴿غُلِبَتِ الرُّوم * في أدْنَى الأرضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنينَ لله الأمرُ من قبلُ ومن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون 8. ولم تمض بضع سنوات إلّا وتحقّقت النبوءةُ المذكورة، وانتصر كلا الفريقين الرّوم المسيحيّون ومسلمو الجزيرة العربية على عدوّيهما الساسانيين ومشركي قريش. وقد تحدّث القرآن الكريم في ذيل الآية عن سرور المؤمنين إذ قال: ﴿يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ. لأنّ كلا الانتصارين حدث في وقتٍ واحدٍ.

5- إخباره عن أسرار الكون

فقد بيّن القرآن الكريم في آيات مختلفة ومتعدّدة وفي مناسبات متنوّعة أسرار عالم الخلق التي لم يكُنْ لدى البشر أيُّ علمٍ ولا إلمام بها. ولا شكّّ أنّ الكشف عن هذه الأسرار لشخصٍ لم يتلقَّ تعليماً، ولم يدرس، وذلك في مجتمع جاهليّ لا يعرف شيئاً أصلاً، لا يمكن إلّا عن طريق الوحي. إنّ الكشف عن قانون الجاذبية الذي يفسَّر على أساسه قيامُ صرح الكون يُعدّ من مفاخر العِلم الحديث. ولقد كَشَفَ القرآنُ الكريمُ القناعَ عن هذا القانون في عبارةٍ قصيرةٍ إذ قال: ﴿الله الّذي رَفَعَ السَّمَوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تروُنَها9. وإنّ الكشف عن قانون الزوجية العامّة هو الآخر يُعدّ من مكتسبات العِلم الحديث، وقد تحدّث عنه القرآن الكريم في عصرٍ لم يكنِ فيه البشر يعرفون عنه أيّ شيء مطلقاً إذ قال: ﴿وَمن كُلّ شيءٍ خَلَقْنا زَوْجَين لعلّكُمْ تَذَكَّرُون 10. هذا وثمّة نماذج أخرى في هذا المجال جاء ذكرُها في كتب التفسير والعقيدة، أو دوائر المعارف.

* دروس في أصول العقيدة الإسلامية،سلسلة المعارف الاسلامية,جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، كانون التاني 2010م، 1431 هـ ، ص101 - 108


1-  الصف: 6.
2-  الإسراء: 8.
3-  هود: 13.
4-  البقرة: 23.
5- السبحاني, جعفر, العقيدة الاسلامية على ضوء مدرسة اهل البيت عليهم السلام, ص146
6-  العنكبوت: 48.
7-  النساء: 82.
8-  الروم، من الآية 2 إلى 4.
9-  الرعد: 2.
10-  الذاريات: 49.

2010-06-25