يتم التحميل...

الانتقال إلى العالم الآخر

دروس في أصول العقيدة الإسلامية

من الأمور الحتمية والمشاهدة في هذا العالم موت كلّ إنسان، قال تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ" 1. وهذه الحقيقة لا يمكن لنا أنْ نفرّ منها بأيّ شكل من الأشكال، وأنفاسنا هي خطواتنا المتسارعة إلى تلك الساعة المحتومة. وحقيقة الموت أنّه انتقال من عالم إلى آخر، وانقطاع الصلة ما بين الجسد والروح. وهذا الأمر يوكل به ملك الموت الذي يتوفّى الإنسان،

عدد الزوار: 151

تمهيد

من الأمور الحتمية والمشاهدة في هذا العالم موت كلّ إنسان، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ 1. وهذه الحقيقة لا يمكن لنا أنْ نفرّ منها بأيّ شكل من الأشكال، وأنفاسنا هي خطواتنا المتسارعة إلى تلك الساعة المحتومة. وحقيقة الموت أنّه انتقال من عالم إلى آخر، وانقطاع الصلة ما بين الجسد والروح. وهذا الأمر يوكل به ملك الموت الذي يتوفّى الإنسان، ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ... 2.

 وتتفاوت حالة الأشخاص في نزع الروح من جهة الشدّة والراحة.

عالم البرزخ

وبعد نزع الروح وإغماض العين عن هذا العالم نكون قد دخلنا إلى عالم جديد، يسمّى عالم البرزخ الذي يمتدّ إلى يوم البعث، قال تعالى: ﴿... وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 3.

 وقد قسمت الروايات سكان عالم البرزخ إلى ثلاثة أقسام: متنعّم ومعذّب ومخوّف.

 ولتتّضح الصورة ننقل هذه الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : صف لنا الموت، فقال: "على الخبير سقطتم، هو أحد أمور ثلاثة يرد عليه: إمّا بشارة بنعيم الأبد، وإمّا بشارة بعذاب الأبد، وإما تحزين وتهويل وأمر مبهم، لا يدري من أيّ الفرق هو، فأمّا وليّنا والمطيع لأمرنا فهو المبشّر بنعيم الأبد، وأمّا عدوّنا المخالف علينا فهو المبشّر بعذاب الأبد، وأمّا المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله وهو المؤمن المسرف على نفسه، لا يدري ما يؤول إليه حاله، يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً، ثمّ لن يسوّيه الله عزّ وجلّ بأعدائنا لكن يخرجه من النار بشفاعتنا، فاعملوا وأطيعوا ولا تتّكلوا، ولا تستصغروا عقوبة الله عزّ وجلّ، فإنّ من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة" 4.

عالم القيامة

ذكرنا أنّ عالم البرزخ يمتّد إلى وقت البعث. ومعنى البعث هو بعث الجسد حيّاً بعد أنْ كان ميتاً، ومن بعد البعث يكون الحشر، ثمّ الحساب، ثمّ دخول الجنّة أو النار. وقد يدخل بعض المسرفين النار ثمّ يخرج منها، إمّا من خلال الشفاعة أو بعد تطهيره من آثار الذنوب والمعاصي وانقضاء عقوبته.

المعاد جسمانيّ وليس روحانياً فقط

المقصود بالمعاد الجسمانيّ، هو أن يُحشر الإنسان في القيامة بروحه وجسده ونفس خصائص شخصيته التي كان عليها في الدنيا، وعندما يُنتهى من حسابه يُدفع به روحاً وجسداً، إمّا إلى الجنّة مُنعماً أو إلى النار معذّباً، والذي عليه عقيدتنا أنّ الإيمان بالمعاد الجسمانيّ هو من ضرورات الإسلام، تماماً كالصلاة والصيام.

 وفلسفة الحديث عن مصطلح "المعاد الجسمانيّ" هو الاختلاف الذي نشأ بين الفلاسفة غير المسلمين في معنى المعاد، وفيما إذا كان روحياً فقط أم جسمياً وروحياً. وفي هذا السياق ذهب بعض الفلاسفة من غير المسلمين للقول بمعاد الروح دون الجسد، أمّا الفلاسفة المسلمون فكلمتهم مجتمعة على الاعتقاد بالمعاد الجسمانيّ الذي يعتبرونه من الثوابت ومن المسلّمات والضروريات. وبهذا يتّضح أنّ إجماع أهل الإسلام، من الشيعة والسنّة، والفقهاء والفلاسفة والمتكلّمين، على أنّ المعاد الجسماني هو من ضرورات الدين، وأنّ الإنسان يحشر في القيامة على هيئته التي كان عليها في الدنيا، فيحاسب ثمّ يذهب بنفس الهيئة إلى الجنّة أو النار.

 وللقرآن الكريم منهجه الخاصّ في الاستدلال على "المعاد الجسماني" وإثباته، وسنشير في الفقرات الآتية إلى مناهج الأدلّة ومضامينها. اللذائذ الجسمية: ومثالها الأكل والشرب، والسكن في قصور الجنّة والنزول في غرفها، ومشاهدة المناظر الجميلة، وغير ذلك العذاب الجسديّ: كاحتراق لحم الإنسان وجلده وعظامه، والشراب من "حميم" وأكل "الزقّوم".

يقول الله تعالى: ﴿إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنا سَوفَ نُصْلِيهِم نَاراً كُلّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم بَدَّلناهُم جُلُوداً غَيرَها لِيَذُوقُوا العَذَابَ5. ومن المؤكّد أنَّ مقتضى "اللذة و العذاب الجسميين" هو "المعاد الجسماني" وإلّا كان توجيه الخطاب القرآني للذّة والعذاب الجسديّين لغو وعبث، وكلاهما مستحيل على الله تعالى.

نطق الجوارح في القيامة

عندما يتسلّم المفسدون وذوو الصفات الشيطانية صحيفة أعمالهم السوداء، وما جنت أيديهم، يحاولون أنْ ينكروا نسبة أعمالهم إليهم، يقول سبحانه عن هذا المشهد الأخروي: ﴿الْيَومَ نَختُمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ 6. والذي نستفيده من هذه الآية هو حضور أجسادهم في القيامة، كي يكون بمقدور الجوارح أنْ تشهد، لأنّه ليس للروح، لو كان المعاد روحيّاً وحسب، يد أو رجل، ومن البديهيّ أنّ لازم هذا المعنى تحقّق "المعاد الجسماني".

*دروس في العقيدة الإسلامية،سلسلة المعارف الاسلامية, جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، كانون الثاني 2010م، 1431هـ، ص163-169


1- سورة العنكبوت، الآية 57.
2- سورة السجدة، الآية 11.
3- سورة المؤمنون، الآية 100.
4- النمازي الشاهرودي، الشيخ علي، مستدرك سفينة البحار، ج9، ص459.
5- سورة النساء، الآية 56.
6- سورة يس، الآية 65.
 

2010-06-22