يتم التحميل...

إثبات وجود الله

دروس في أصول العقيدة الإسلامية

إذا لم يكن الهوى والتعصّب قد أعمى عين القلب وأصمّ أذنه، فلنْ يشكّ أحد بعدم إمكان حدوث الإنسان والأرض والسماء والكون كلّه دون علّة، ولن يشكّ في أنّ الإنسان والكون لا يقدر أن يخلق نفسه. وهل يستطيع أحد أنْ ينكر الإله العالم القدير؟ أو هل يستطيع العقل السليم المنصف أنْ يشكّ بوجود الله ليحتاج إلى دليل عليه؟

عدد الزوار: 139

هل يحتاج وجود الله إلى دليل؟

إذا لم يكن الهوى والتعصّب قد أعمى عين القلب وأصمّ أذنه، فلنْ يشكّ أحد بعدم إمكان حدوث الإنسان والأرض والسماء والكون كلّه دون علّة، ولن يشكّ في أنّ الإنسان والكون لا يقدر أن يخلق نفسه. وهل يستطيع أحد أنْ ينكر الإله العالم القدير؟ أو هل يستطيع العقل السليم المنصف أنْ يشكّ بوجود الله ليحتاج إلى دليل عليه؟

قال تعالى: ﴿أَفِي اللهِ شَكٌ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأرْض 1.
يعني أنّ العقل السليم من الغرض والمرض بعد النظر في عالم الكون، فإنّه وبدون تردّد لن يجد جواباً لسؤاله عن سرّ الكون إلَّا الاعتراف بخالقه العالم القدير.

يقول "فون براون" أحد أكبر علماء الصواريخ في أميركا الماني الأصل في مقابلة معه: "اسمعوا، أنا قد تعرّفت إلى كثير من علماء العالم، وأعرف عدداً كبيراً منهم، ولكنّني لم أصادف أحداً يستحقّ أنْ يسمّى عالماً وهو يعطي تفسيراً للطبيعة دون أنْ يذكر الله في ذلك، ودون أن يجعل لله دخلاً في الكون وفيما يسمّونه العلماء باسم الطبيعة".

ونحن هنا إذ نستعرض الأدلّة على وجود الله تعالى فهو من باب إتقان الحجّة لإقناع الآخرين وتنبيه من كانت نفسه غافلة عن هذه الحقائق.

برهان الحدوث

معنى الحدوث هو وجود الشيء بعد أن كان عدماً، وهذا هو حال كلّ شيء من حولنا، فالأشياء كلّها لم تكن ثمّ كانت، وهذا يعني أنّها حادثة، وإذا كانت كذلك فلا بدّ لها من محدِث أيّ خالق، وهذا من الأمور البديهية، وهذا المحدِث لو كان حادثاً لاحتاج بدوره إلى محدِث، فلا بدّ من وجود محدث قديم غير مسبوق بالعدم تُسند إليه كلّ الموجودات الحادثة في العالم.

وهذا البرهان يتألّف من مقدّمتين
المقدّمة الأوّلى: العالم حادث
المقدّمة الثانية: لا بدّ لكلّ حادث من محدث.

أمّا المقدّمة الثانية: فهي من الأمور البديهية التي لا يختلف فيها اثنان، فلا بدّ لكلّ حادث أو معلول من محدث أو علّة، ومع ضمّ المقدّمتين إلى بعضهما البعض تكون النتيجة أنّ العالم كلّه محدَث.

وقد ورد في الحديث أنّ أبا شاكر الديصاني قال للإمام الصادق عليه السلام في إحدى المناظرات.

ما الدليل على أنّ لك صانعاً؟ فقال عليه السلام : "وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين: إمّا أنْ أكون صنعتها أنا، فلا أخلو من أحد معنيين: إمّا أنْ أكون صنعتها وكانت موجودة أو صنعتها وكانت معدومة، فإن كنت صنعتها وكانت موجودة فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنّك تعلم أنّ المعدوم لا يُحدث شيئاً، فقد ثبت المعنى الثالث أنّ لي صانعاً وهو الله ربّ العالمين"، فقام ولم يحرْ جواباً 2. نلاحظ في هذا الحديث الشريف مناقشة ثلاث فرضيات لحلّ لغز الوجود، فإمّا أنْ نقول: إنّ عالم الوجود غير محتاج إلى خالق. أو أن نقول إنّه خالق نفسه. أو إنّ له خالقاً متّصفاً بكمال القدرة والعلم.

والفرضان الأوّلان باطلان بحكم الفطرة وبديهة العقل.

لذلك يطرح القرآن الكريم هاتين الفرضيّتين باستفهام انكاريّ تعجّبيّ، ويترك الحكم بصحّتهما أو سقمهما، صوابهما أو بطلانهما على عهدة وجدان الإنسان الحيّ وفطرته النقية وعقله السليم.
فالعقل السليم من الهوى يدرك أنّ حلّ لغز هذا الوجود غير ممكن دون الاعتقاد بوجود خالق عالم قادر، أزلي وأبدي، فلنر ما أجمل وألطف بيان القرآن لهذا الأمر، قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيرِ شَيءٍ أمْ هُمُ الخَالِقُونَ، أمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ والأرضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ 3.

وقد يقول بعض إنّ هذا المحدِث هو الطبيعة وبالتالي ليس من الضروري الاعتقاد بوجود الله تعالى، وقد أجاب الإمام الصادق عليه السلام على هذا القول؛ فقد جاء في توحيد المفضّل بن عمر أنّه قال للإمام: يا مولاي إنّ قوماً يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة، فقال: "سلهم عن هذه الطبيعة أهي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال أم ليست كذلك؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق، فإنّ هذه صنعته؟ وإنْ زعموا أنّها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة، علم أنّ هذا الفعل للخالق الحكيم، وإنّ الذي سموه طبيعة هو سنَّة في خلقه جارية على ما أجراها عليه"4 .

دليل النظام

يُعتبر هذا الدليل من الأدلّة السهلة المتيسرة لكلّ البشر، ويعتمد هذا الدليل أيضاً على مقدّمتين
المقدّمة الأوّلى: إنّ العالم منظم
المقدّمة الثانية: إنّه لا بدّ لكلّ منظَّم من منظِّم

الدليل على أنَّ العالم منظَّم
ويُعتبر من الأمور المتّفق عليها بين العلماء، فلا أحد يقول إنّنا نعيش في عالم تعمّه الفوضى. وكلّ العلماء يدرسون أيّ ظاهرة في العالم لاستكشاف الحكمة والنظام المتقن الذي بنيت على أساسه. وإذا تأمّل الإنسان ذاته فسيجد نفسه محكوماً بنظام عجيب ودقيق، وكذلك إذا تأمّل في أيّ ظاهرة تحيط به, ونحن نستعرض مثالاً واحداً يبيّن هذه المسألة، مع أنّ الأمثلة على النظام لا تحصى من جسم الإنسان والنبات والحيوان والماء والسماء والأرض وغيرها الكثير.

الدماغ والعشرون مليون عصب
يحتوي الدماغ على "ستّة ملايين خلية" و"عشرين مليون عصب". يوجد في المادّة المخاطية الموجودة في لفائف المخيخ "ستة ملايين طبقة، وكلّ طبقة تتألف من آلاف الرقائق الظاهرة، وكلّ رقيقة مركّبة من ملايين الموجودات الحية".

 يقول أحد أساتذة علم الأحياء بالنسبة للدماغ: "إنّ لهذا العضو خواصّ وإمكانات مدهشة ولا تُصدَّق. والعلماء أدركوا عدّة خواصّ من خواصه الفيزيائية والكيميائية، ولكنّ أغلب وظائفه ما زالت مجهولة حتّى الآن".

الدماغ مسؤول عن جميع الحركات العضلية، وجميع الأعمال البدنية الأساس التي ترتبط بها الحياة، مثل التنفّس ودقّات القلب التي تحصل تحت سيطرته.
الدماغ هو مكان الذاكرة، الذي انتقشت فيه آلاف الآلاف من الصور الفكرية، التي يستحضرها الإنسان في ذهنه في الأوقات اللازمة وعندما يريد، ولا يمكن إعطاء أيّ تفسير ماديّ لأعمال الدماغ، مثل حلّ المسائل، وربط الموضوعات ببعضها البعض. كما أنّه لا يمكن بيان أيّ حالة من حالات الدماغ مثل الذوق السليم، والتأثّر، الأمل، صفاء الباطن وغيرها بواسطة القواعد العلمية.
إنّ إدراك الجمال والإحساس بالحقائق المعنوية مثل الحبّ، إدراك الذات وعلوّ الهمّة، جميعها هو من وظائف وشؤون قسم صغير من البروتوبلاسم الذي يسمّى الدماغ.
وهكذا لو تأمّل الإنسان في بقية أعضاء بدنه وترابطها بعضها مع بعض، وكذلك الحال لو تأمّل الإنسان في الشمس والقمر والأرض والتراب والهواء والماء وغيرها، والتأثير المتبادل بينها بحيث إنّ وقوع أيّ خلل يؤدّي إلى خراب الكون وعدم إمكانية الحياة واستمرارها، أدرك أنّه لا بدّّ لهذا كلّه من خالق ومدبّر عالم وقادر.

المقدّمة الثانية
الدليل على أنّ لكلّ منظَّم منظِّماً هو البداهة العقليّة والتي لا ينكرها عاقل، ولهذا أقرّ بها كثير من العلماء. يقول أحد العلماء الغربيّين

... أنا كعالم أرى أنّ إنكار الصانع أمر غير منطقي، وأرى أنّ العقائد العلمية المبنية على فرضية عدم وجود الخالق هي مضرّة بالبشر.

 هل يصدّق أحد وجود سبحة عن طريق الصدفة؟ وهل يمكن أنْ يكتب مثلاً رجل أمّي قصيدة تضاهي المعلّقات السبع؟ هل يمكن للعلل العشوائية التي لا تُعقل ولا تبصر أنْ تنتج نظاماً بهذه الدقّة. ولو سلّمنا جدلاً بوقوع شيء عن طريق الصدفة فهل يمكن أنْ يتمّ كلّ شيء عن طريق الصدفة؟
 
والجواب: إنّ البديهة تقول إنّ فاقد الشيء لا يعطيه.

فكيف يمكن للعلل غير العاقلة وغير العالمة وغير الحيّة أنْ تملأ الكون علماً وحياة وقدرة ودقّة و... ؟

فالنتيجة التي نصل إليها أنّ الذي أوجد العالم هو موجود عالم قادر حيّ....

* دروس في أصول العقيدة الإسلامية،سلسلة المعارف الاسلامية, نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، كانون الثاني - 2010م-1431 هـ،،ص:21 - 30 .


1- سورة إبراهيم، الآية 10.
2- المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج3، ص 50.
3- سورة الطور، الآية 35.
4- الجعفي، المفضّل بن عمر، كتاب التوحيد، ص 8 1.

2010-06-22