يتم التحميل...

تنمية عواطف الطفل

تربية الأبناء

العواطف : تمثل العواطف والمشاعر أهم الفطريات الإنسانية التي رُشت بذورها الأولى في طبائع جميع الناس بالقدرة الالهية. والميول العاطفية تبدأ بالظهور منذ الأسابيع الأولى بصور متفاوته وتستمر كذلك حتى نهاية العمر. ان العواطف والمشاعر تسيطر على جميع شؤون الإنسان مدى عمره...

عدد الزوار: 24

قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ(النحل:90)

العواطف
تمثل العواطف والمشاعر أهم الفطريات الإنسانية التي رُشت بذورها الأولى في طبائع جميع الناس بالقدرة الالهية. والميول العاطفية تبدأ بالظهور منذ الأسابيع الأولى بصور متفاوته وتستمر كذلك حتى نهاية العمر. ان العواطف والمشاعر تسيطر على جميع شؤون الإنسان مدى عمره. وبالإمكان معرفة درجة رقي الأمة وتقدمها أو انحطاطها وتخلفها عن طريق مشاعر تلك الأمه. فهناك إلى جانب العقل طاقة جبارة أخرى هي العواطف والمشاعر، والتي بإمكانها أن تطفىء جذوة العقل وتدحره بالرغم مما هو عليه من قوة.  


الفرق بين العقل والعاطفة

يختلف العقل عن العاطفة في جوانب عديدة، ويقع على عاتق كل منهما دور معين في ضمان سعادة الإنسان. ها نحن نتعرض في هذا المقال الى بعض جوانب الاختلاف بينهما بصورة موجزة.

يعتبر العقل بمثابة قاضٍ عادل وعالم، جالس في غرفة مغلقة، ومحيط هادىء، يطالع الأضابير بدقة ويتفهم محتوياتها بصورة متقنة، ويقيس جميع جوانب القضية ثم يصدر الحكم. أما العواطف فهي تمثل الجهاز التنفيذي للسلطة القضائية. ليس واجب الجهاز التنفيذي تمحيص الأدلة والبيّنات، بل على العواطف أن تنفذ الأحكام العقلية عندما تكون منقادة للعقل.

إن أحكام العقل قائمة على أساس الاستدلال والبرهنة. وإن موافقته أو مخالفته، ونقضه أو ابرامه... كل ذلك يعتمد على المحاسبة الدقيقة والاستدلال المنطقي. أما العواطف فلا شأن لها بالمحاسبة، ولا تفهم المنطق ولا تركن إلى الاستدلال. العواطف عبارة عن العشق فقط، الاندفاع والثورة وحسب... إن قلب الأم يطفح بحب الولد، فحبه نافذ إلى أعماق روحها، وترى ولدها قطعة من كبدها، وتعتبر حياته حياتها، وأبسط حادثة مؤلمة له تعدّ مصيبة عظيمة لها، ولكن الأم لا تملك في حبها هذا وحنانها ذاك دليلاً عقلياً أو عملياً، إن حنانها لا يستند الى المنطق والتفكير، إنّها أمّ وحسب، وتحب ولدها بعاطفة الأمومة. كذلك حب العاشق وولهه لا يستند الى الاستدلال العلمي والمحاسبة المنطقية، إنه لم يعشق على طبق معادلات رياضية أو استنتاجات عقلية، ان الحديث معه في طريق الحب عن العلم والمنطق والدليل خطأ فظيع. إذ ان العاشق لا يفهم دليلاً، ولا يدرك عقلاً ولا منطقاً، إنه عاشق... إنه ولهان... إن روحه تحترق بنار الحب... يأوي الى الفراش على أمل الحبيب، وينهض من فراشه على رجاء لقائه.

إن العقل على ما هو عليه من الأهمية والقيمة في طريق التقدم والرقي يشبه العلم والعدالة في أنه باهت وقاسٍ، أما العواطف فهي ينبوع الاندفاعات والحوافز، وبركان الحرارات والاشعاعات، وأساس الصداقات والعداوات. يستطيع الإنسان بعقله وفكره أن يسيطر على العالم ويسخر الكون، ويستخدم البحر والصحراء والجو، والمعدن والنبات والحيوان لصالحه وتسهيل سبل العيش لنفسه. إن أعظم الطاقات التي تفصل بين الإنسان وجميع الحيوانات وتمنحه هذه المنزلة من العظمة والشموخ هو العقل فالعقل هو المشعل الوضاء والمرشد القدير الذي يميز للإنسان الخير من الشر، والطريق الصحيح عن المتاهة... لكن الطاقة التي تحرك الإنسان في الطريق الصحيح أو المتاهة، والقوة التي تحفّز في نفس الإنسان دوافع الخير أو الشر هي العواطف، وان التحركات الاجتماعية تنبع من المشاعر الداخلية للناس... فجميع مظاهر الشدة واللين، والحروب والجرائم، التضحية والإيثار تنشأ من العواطف او المشاعر.

"يستخدم العقل المعلومات الواصلة إليه عن العالم الخارجي بواسطة الحواس ويهيء لنا وسائل عملنا في هذه الدنيا. إنه يزيد في قوة إدراكنا وشدة سيطرتنا بصورة عجيبة بفضل ما يمنحنا من اكتشافات جديدة. إنه يصنع لنا التلسكوبات العظيمة في كاليفورينا وجبل ولسن، التي تطلعنا على عوالم تبعد عنا ملايين السنين الضوئية، ومن جهة أخرى يمدنا بالميكرسكوبات الالكترونية التي يمكننا بواسطتها البحث عن عالم اللامرئيات، هذا مضافاً الى الآلات التي يمدّنا بها في العمل على أشياء منتناهية في الكبر، واشياء متناهية في الصغر، وفي تهديم العمارات الصخمة التي تمثل عظمة التقدم الفني والمعماري خلال بضع دقائق، وفي اجراء العمليات الجراحية على الخلايا المعزولة، وتحطيم الذرة".

"العقل صانع العلم والفلسفة فعندما يكون متزناً يصبح مرشداً جيداً، ولكنه لا يمنحنا الشعور بالحياة والقدرة على العيش فهو لا يعدو أن يكون مظهراً من مظاهر النشاطات النفسية فإذا نما لوحده، بعيداً عن العواطف أدّى الى تفريق الأفراد وإخراجهم من حيز الإنسانية" "إن المشاعر والأحاسيس غالباً ما تنشأ من الغدد الداخلية واعصاب السمباثيك والقلب، وقلّما تستمد رصيدها من المخ إن الشوق والشجاعة والحب والحقد عوامل تدعونا الى تنفيذ الخطة التي رسمها العقل. وكذا الخوف والجبن والغضب فإنها تكشف عن مدى الجرأة على الإقدام عند الشخص. تؤثر أعصاب السمباثيك على الغدد وهذه بدورها تقوم بافرازات توجد فينا الحوافز المختلفة للدفاع أو الفرار أو الهجوم. وهكذا تعمل الهيبوفيزوثايروئيد والغدد الجنسية وفوق الكلوية لتحقيق الحب، أو الحقد، أو الإيمان، أو الجحود في نفس الشخص، وهذا الأعضاء هي التي تضمن بقاء الجماعات البشرية بواسطة النشاطات التي تصدرها. ان المنطق وحده لا يكفي لاتحاد الأفراد ولا يستطع دفع الإنسان نحو الحب أو إثارة ثائرة الحقد فيه".

"ان العقل ينظر الى الحياة الظاهرية، أما الأحاسيس فإنها على العكس من ذلك تهتم بالحياة الباطنية. وكما يقول (باسكال) فإن للقلب دلائل وبراهين لا يفهمهما المنطق. ان النشاط غير العقلائي للروح المتمثل في العواطف هو الذي يمنحنا الطاقة والفرح، ويهب بعض الأفراد القابلية على الخروج من اطارهم المحدود للاتصال بالآخرين، وتوثيق العلاقات معهم، والتضحية في سبيلهم"1.


العدل والاحسان

لا شك في أن كلا من هاتين الطاقتين العظيمتين: العقل والعاطفة يلعب دوراً فعالاً ومستقلاً في ضمان سعادة الإنسان ورفاهه. إن الإنسان يستطيع بلوغ الكمال اللائق به متى ما استفاد من هاتين الطاقتين العظيمتين معاً بصورة صحيحة وحسب مقياس سليم: "إن الله يأمرُ بالعدِل والإحسان".

هذه الآية الكريمة قارنت بين إقامة العدل، والإحسان في جملة واحدة وأمرت الناس بهما بصيغة واحدة. العدل وليد العقل، والإحسان وليد العواطف.

إذا كان مجتمع ما يحكمه العدل فقط ولا يوجد فيه أثر للحب والعطف فإن الحياة تصبح باهتة وهامدة... لا أثر هناك للصداقة والمحبة، والسخاء والعفو، والرأفة والرحمة، ولا تشمّ من ذلك المجتمع رائحة للتعالي الروحي والتكامل النفسي، ولا حسنات الأخلاق والعواطف... الحياة في مثل هذا المجتمع تصبح جحيماً لا يطاق. يستحيل في هذه الظروف أن ينال الأفراد الكمال اللائق بهم، لأن العواطف تشكل جانباً مهماً من الفطريات الانسانية، ويجب أن تنال حصتها من التنمية والعناية كسائر الذخائر الطبيعية وذلك حسب شروط وعوامل معينة.

وإذا كان مجتمع ما تحكمه العواطف فقط، ولا أثر فيه للعدالة والقانون فإن الحياة تتحول إلى فوضى وشغب... وتصبح جحيماً لا يطاق أيضاً. في مثل هذا المحيط تصبح ميول الأقوياء وشهواتهم هي الحاكمة المطلقة، وتكون حياة الأفراد أشبه بحياة الوحوش والبهائم... الأقوياء يتجاوزون على حقوق الضعفاء، وعلى الناس أن يقبلوا بكل ذلة وهوان في سبيل تحقيق أهواء المالكين بزمام الأمر.

على المجتمع أن يستفيد من العقل والعواطف، والعدل والاحسان جنباً الى جنب فيستخدم كلا في محله. وعلى سبيل الشاهد نذكر المثال التالي:


العدالة وجزاء المعتدي

العقل يستنكر التصرف العدواني لشخص على حقوق الآخرين. ولضمان الاستقرار المالي للدولة تضع الحكومة قوانين خاصة تعاقب المعتدين بموجبها. والقاضي الشريف والعادل هو الذي يراقب القانون في مقام القضاء فلا تؤثر فيه الرقة والرحمة، ولا تدفعه العواطف والوساطات نحو الإنحراف عن الصراط المستقيم الذي خطته العدالة.

يتساوى الرجل الثري والقوي الذي يتصرف في أملاك الناس بصورة عدوانية، والأرملة التي تدخل دار غيرها في فصل الشتاء فراراً من سياط البرد اللاذعة بغية الحفاظ على أطفالها الأيتام، في نظر القانون وأمام محكمة القضاء. فالقاضي يعتبرهما معتدين وغاصبين ويخرجهما من الدار المغصوبة. عندما يخرج القانون هذه الأرملة وأطفالها الصغار من الدار ويُسلّمهم الى البرد القارص تظهر صورة مؤلمة للعيان فتثور عواطف المارة، ويتألمون لهم، وربما أخذوهم الى بيوتهم واعتنوا بهم. ان العدالة هي التي أخرجت المرأة المسكينة وأطفالها من الدار، والعاطفة هي التي آوتهم واعتنت بهم. العدالة جافة وباهتة، لا تملك عاطفة ولا تفهم معنى للرقة والرحمة، تفقد الدموع والآهات، والانين والاستغاثة أثرها في حريم القضاء. ان القاضي الناجح هو الذي يراقب تطبيق القانون وحسب. ولكن العواطف هي التي تمنحنا الدفء والحنان، وتفيض بالرقة والرحمة، هي التي تحتضن الأطفال، وتقبلهم، وتشمهم، وتناغيهم، وتذرف الدموع، وتشعر باللذة في السهر عليهم.

عندما تنعدم العدالة والقانون في المجتمع، ويفقد القاضي عنصر الصراحة والجد في تطبيق القانون، تمدّ أيدي الظالمين نحو حقوق الناس، ويتزلزل اساس العدالة والأمن. وعندما تنعدم العاطفة والرأفة في المجتمع، ويتجاهل الناس معنى الرقة والرحمة، يحرم المساكين من الحنان وينهزم الضعفاء أمام حوادث الدهر. والمجتمع السعيد هو الذي ينال حظه الوافر من كلتا الطاقتين ويستفيد من العقل والعاطفة معاً حسب المقياس الصحيح والمقدار الملائم.


العلم والعواطف

العلم كالعدل في أنه وليد العقل.. العلم يشبه الماء العذب الذي ينبع من ينبوع العقل ليسقي الحياة الروحية بالرواء. العلم أساس تكامل الإنسان ورقيه وهو من أهم أركان سعادته. وبالإمكان قياس رقيّ كل أمة بمستوى التقدم العلمي فيها، وكلما كثر العلم والعلماء في دولة عظم أمرها من الناحية المعنوية وكانت في عداد الدول الراقية، ولكن يجب أن لا ننسى أن العلم كالعدل في كونه جافاً وباهتاً، لأنه يستند إلى المنطق والاستدلال، ولا أثر للعاطفة والرأفة في حريم المنطق والاستدلال.

العلم وحده لا يقنع الإنسان، ولا يمكن ضمان سعادته بواسطة العلم فقط. إن جانباً مهماً من الميول الفطرية للناس تتمثل في حوافزهم العاطفية التي يجب أن تخضع لرقابة مضبوطة منذ البداية، يجب أن يساير التقدم العلمي والتنمية العقلية استجابة لنداء المشاعر والميول العاطفية بصورة صحيحة ومفيدة، وعلى سبيل الشاهد نأتي بمثال على ذلك:

يمرض شخص فيؤخذ الى المستشفى... يعمل جميع الأفراد المتخصصين في تمريضه ومعالجته كل حسب اختصاصه تستخدم جميع الأدوات والوسائل الموجودة في المستشفى لعلاجه، تؤخذ له أشعة متعددة، يُحلّل دمه وبوله من جهات عديدة، ويشخص الداء أخيراً ويقرر القيام بعملية جراحية معينة. يبدأ العمل، تعقم الأدوات والوسائل اللازمة في العملية حسب الأساليب العلمية، ويكون بعد ذلك التخدير، وضخ الدم والقطع، والخياطة، والتعقيم، والتضميد، والتمريض الصحيح، والعقاقير اللازمة، والأطعمة المناسبة وبصورة موجزة جميع الشروط والحاجات التي يقررها آخر ما توصل إليه العلم... وبانتهاء ذلك كله يكون شفاء المريض وبرءه.  


إرضاء عواطف المريض

عندما يكون المريض خاضعاً للعناية الطبية والعلمية من كل ناحية ولا يوجد أي اضطراب في أسلوب معالجته، يحس في ضميره الباطن، وفي زوايا روحه بأنه يفتقد شيئاً. إنه يثبت عينيه نحو باب الغرفة عسى ينال ما يريد. إن ما يريد ليس مما يتعلق بالدواء أو الغذاء أو ضبط الأساليب العلمية المتبعة معه، بل إنه يفكر في إرضاء عواطفه إنه ظمآن إلى العطف والحنان، إنه يتوقع أن يعوده شخص، أن يجلب له باقة زهور، أن يصافحه على جانب سرير المستشفى ويبتسم له، ويُذهب عنه ما به من انكماش.

عندما يحفّ به عدة أشخاص من أصدقائه الخلّص، ويسألون عن حاله، يستأنس بهم ويرتاح كثيراً، تنفتح أساريره، ويستعيد نشاطه، ويحس بالحياة تدبّ في عروقه من جديد... هذا الارتياح، والفرح، والاستيناس يساعد في أمر شفائه كثيراً.

إن علم الجراحة قاسٍ وشديد في حين أن العيادة تطفح بالمحبة والدفء. إن العلم الباهت والقاسي للجراح ومباضعه وأدويته، أساس علاج المريض، ولكن يجب أن يساير كل ذلك حنان ومحبة ورعاية حتى يستطيع العلم والمشاعر أن يسيرا جنباً الى جنب لإرضاء عواطف المريض.


قيمة الطبيب

لم تهمل تعاليم الإسلام القيمة أهمية علم الطب واستشارة الطبيب التي هي الأساس في شفاء المريض، كما لم تغفل شأن عيادة المرضى التي هي العامل الأهم لإرضاء عواطفهم. وقد وردت نصوص كثيرة بشأن كل من الموضوعين. أما بالنسبة الى أهمية الطبيب ودوره في بناء الكيان الاجتماعي فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: "لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع إليه في أمر دنياهم وآخرتهم، فإن عدموا ذلك كانوا همجاً: فقيه عالم ورع، وأمير خير مطاع، وطبيب بصير ثقة"2.

في هذا الحديث نجد أن الإمام عليه السلام يعتبر الطبيب الحاذق أحد أركان المدنية، وثالثة الأثافي بالنسبة الى الحياة الانسانية.

وأما في موضوع استشارة الطبيب فقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "من كتم الاطباء مرضه خان بدنه"3 وبهذين الحديثين نكتفي كشاهد على ما قلناه.


عيادة المريض
لقد وردت نصوص كثيرة في شأن عيادة المرضى، وقد اكد الأئمة عليهم السلام على هذا الأمر وبيان استحبابه كثيراً.

1- عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "من أحسن الحسنات عيادة المريض"4.

2- وأما النبي صلّى الله عليه وآله فلم يكن ليكتفي بارضاء عواطف المرضى من المسلمين بعيادتهم، بل كان غير المسلمين ينالون هذا الحظ العظيم منه أيضاً. فعن الإمام علي عليه السلام: "إن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عاد يهودياً في مرضه"5.

لا شك في أن العائدين للمريض كلما أكثروا من ملاطفته وإرضاء عواطفه كان ذلك أكثر أثراً في نفسه. لقد وصفت الروايات العيادة الكاملة بوضع اليد على جبهة المريض برفق، أو مصافحته، وبأخذ بعض الهدايا له.

3- قال علي عليه السلام: "من تمام العيادة أن يضع العائد إحدى يديه على يدي المريض أو على جبهته"6.

4- قال النبي صلى الله عليه وآله: "تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده عليه ويسأله: كيف أنت ٌ كيف أصبحت ؟ وكيف أمسيت ؟ وتمام تحيتكم المصافحة"7.

5- وعن صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً: "من تمام عيادة المريض إذا دخلت عليه أن تضع يدك على رأسه وتقول له: كيف اصبحت أو كيف أمسيت ؟"8.

6- عن الإمام الصادق عليه السلام: "تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعه، وتعجل القيام من عنده. فإن عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه"9.

7- كان يريد بعض الشيعة الذهاب الى عيادة مريض، فصادفهم الإمام الصادق عليه السلام في بعض الطريق وقال لهم: أين تريدون ؟

قالوا: نريد فلاناً نعوده.
قال: هل معكم فاكهة أو طيب تأخذونه له ؟
قالوا: ليس معنا شيء.
فقال: أما تعلمون أن المريض يستريح إلى كل ما أدخل 10عليه.

إن من يذهب لعيادة المريض فيقف في جانبه ويسأل عن حاله ليس مؤدياً حق العيادة. فالعيادة الكاملة والمفرحة تكون عندما يقترب من المريض ويضع يده برفق على يد المريض، أو رأسه، أو جبهته، أو يصطحب معه هدية فيكشف بذلك عن حبه للمريض، وفي نفس الوقت يرضي عواطفه.


قيمة الأخلاق

لا تقل السجايا الخلقية والملكات الفاضلة أهمية عن العلم في ضمان سعادة الإنسان. إن ارضاء العواطف بصورة صحيحة يساوق تنمية العقل أهمية، وان خطأ المدنية الحديثة يكمن في انها وجهت جميع الطاقات والامكانات لتحقيق التقدم العلمي واكتشاف اسرار الطبيعة، وتركت الإهتمام بالفضائل والمثل التي هي من الأركان الأساسية للسعادة. ان مشاعر الغالبية من الناس تصرف في سبيل الشهوات الدنيئة والأعمال اللاخلقية، ولهذا السبب ذاته فإن الجرائم تتسع بصورة موحشة يوماً بعد يوم، وينجرف الشباب في الدولة المتمدنة نحو الفساد والهاوية.

ان منهاج الحياة الإنسانية يجب أن يتماشى مع الفطرة. فهناك قوتان مهمتان في فطرة الإنسان: إحداهما العقل، والأخرى العواطف. هاتان القوتان اللتان هما أساس سعادة الإنسان يجب أن تسيرا جنباً الى جنباً في ظل رقابة ورعاية لازمتين لضمان العيش الأفضل للإنسانية جمعاء.

 

"الإنسان نتيجة الوراثة والبيئة وعادات الحياة والتفكير التي يفرضها عليه المجتمع العصري... ولقد وصفنا كيف تؤثر هذه العادات في جمسه وشعوره... وعرفنا انه لا يستطيع تكييف نفسه للبيئة التي خلقتها التكنولوجيا، وان مثل هذه البيئة تؤدي إلى انحلاله، وان العالم والميكانيكا ليسا مسؤولين عن حالته الراهنة، وإنما نحن وحدنا المسؤولون. لأننا لم نستطع التمييز بين الممنوع والمشروع... لقد نقضنا القوانين الطبيعية فارتكبنا بذلك الخطيئة العظمى، الخطيئة التي يعاقب مرتكبها دائماً.."11.

 

"ألم تهبط الحياة العصرية بمستوى ذكاء الشعب كله وأخلاقه لماذا يجب أن ندفع ملايين الدولارات كل عام لنطارد المجرمين ؟ لماذا يستمر رجال العصابات في مهاجمة المصارف بنجاح، وقتل رجال الشرطة، واختطاف الناس وارتهانهم، أو قتل الأطفال على الرغم من المبالغ الضخمة التي تنفق في مقاومتهمٌ لماذا يوجد مثل هذا العدد الكبير من المجانين وضعاف العقول بين القوم المتحضرين ؟ ألا تتوقف الأزمة العالمية على الفرد والعوامل الإجتماعية التي هي اكثر أهمية من العوامل الاقتصادية ؟ من المأمول أن يضطرنا منظر الحضارة في بداية تداعيها إلى أن نتحقق: هل أسباب الكارثة غير كامنة في أنفسنا ومعاهدنا ؟ وأن ندرك إدراكاً تاماً أن لا مناص من تجديد أنفسنا"12.

"يجب أن لا ينشر العلم لذاته فقط، ولا لرشاقة وسائله ولا لتألق جماله. وإنما يجب أن يكون هدفه فائدة الإنسان المادية والروحية. كما يجب أن نعطي الإحساسات أهمية تعادل أهمية علم الحركة.. ولا مفر من أن يضم تفكيرنا جميع جوانب الحقيقة"13.


رعاية العواطف

إن رعاية عواطف الناس أحد الفصول المهمة في التربية الإسلامية. فهناك مئات الآيات والاحاديث في موضوع الأخلاق الفاضلة والبذيئة في الإسلام، ورعاية عواطف الناس وحب بعضهم لبعض من المسائل التي أكد الأئمة عليهم السلام عليها كثيراً. فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف، والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض"14.

وفي حديث آخر عن عبدالله بن يحيى الكاهلي قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تواصلوا، وتبارّوا، وتراحموا، وتعاطفوا"15.

هناك ميول مختلفة مودعة في قوام الإنسان: روحه وجسده، ولكل منها دور فعال في ضمان سعادته. ومن الضروري أن تلبّى جميع الميول بالصورة الصحيحة حتى يصل الإنسان إلى الكمال اللائق به. إنه لا ينبغي حصر الإنسان في واحد أو طائفة من الميول الخاصة، وتجاهل سائر الإحتياجات الفطرية. الإنسان يميل طبيعياً إلى الغذاء ويجب إشباع هذا الميل ولكن سعادة الإنسان لا تنحصر في الغذاء، والإنسان يميل بفطرته إلى الجنس ويجب إشباع هذه الغريزة ولكن قوام الإنسان لا يقوم على الجنس فقط، والإنسان يملك ثروة العقل العظيمة ويجب تنميتها وصيانتها عن طريق التفكير والتعلم ولكن الإنسان ليس عقلاً فقط، وكذلك العواطف والمشاعر فإنها من الثروات الفطرية للإنسان، ورعايتها بالصورة الصحيحة من أهم أسس سعادته، ولكن ليس الإنسان مكوناً من العواطف والمشاعر فقط.

  "إن هدف الحياة هو أن يصنع من كل فرد نموذجاً صالحاً للإنسانية، ويجب أن تنمّى جميع الإمكانات الجسدية والفكرية والمعنوية في سبيل القيام بالواجبات الإنسانية. إن قمة تكامل الفرد والأمة تكون عند التعالي النفسي الحاصل، إذن فنحن مدعوون الى تنمية جميع نشاطاتنا الجسدية والروحية وهذا واجب مفروض على الجميع، وعلى الفقير والغني، المريض والسالم، الرجل والمرأة، الكبير والصغير اتباع ذلك. لكل فرد مهما كان جنسه وعمره ومنزلته الإجتماعية حاجات عاطفية وفكرية وجسدية يعتبر ارضاؤها ضرورياً لأداء واجبه"16.

بالرغم من أن كلا من الثروات الفطرية والميول الطبيعية المودعة في باطن كل انسان، يلعب دوراً خاصاً في التخطيط لسعادة الانسان وشقائه فإن مالا مجال للشك فيه هو أنها ليست متساوية الأثر في تحقيق السعادة أو الشقاء، إذ قد تختلف الآثار الطيبة أو الشريرة لكل منها.

ان العواطف والمشاعر من الأمور الفطرية التي تتسع دائرة تأثيرها في حياة الانسان وتكون لنتائجها الخيرة أو الشريرة أهمية فائقة، ذلك أن اعظم القوى المحركة في عالم الإنسان، وأقوى العوامل المحفزة للفرد والمجتمع عبارة عن العواطف والمشاعر. ان اكثر الحوادث العظيمة التي وقعت في العالم على مر القرون تعود في جذورها الى مشاعر الناس، فالحروب الدامية والمطاحنات المتواصلة، والجرائم المذهلة، والأعمال اللإنسانية تنبع من المشاعر في الغالب. وكذلك تضحيات الأبطال والمخلصين في سبيل أهدافهم ومظاهر الإحسان والكرم، ومساعدة الفقراء، ورعاية الأيتام تملك جذوراً عاطفية أيضاً.


توجيه المشاعر

لو توجّه مشاعر الناس وعواطفهم في بلدٍ ما توجيها صحيحاً، فإن ذلك البلد يصبح كالنعيم الخالد مهداً للسعادة والرخاء، فيكون بلد العطف والمحبة، وبؤرة الوفاء والود وعلى العكس فإن عدم توجيه مشاعر الناس في بلد آخر نحوالأهداف الخيرة والغايات الانسانية يؤدي الى نشوء بركان من النقمة والفوضى وانتشار العداوة والفساد بين الجميع، حيث الشقاء في أبشع صوره، وحيث الجحيم الذي لا يطاق.

إن من أهم الواجبات الدينية والعلمية والوطنية للوالدين، الاهتمام الشديد بتوجيه مشاعر الأطفال ومراقبة تنمية عواطفهم. يستيقظ الشعور العاطفي عند الأطفال في وقت مبكر... ففي الوقت الذي يكون سراج العقل غير مشتعل بعد عند الطفل، وفي الحين الذي لا يدرك شيئاً عن الإستدلال والمنطق، ولا يملك طاقة بدنية كاملة، نجد أن الشعور العاطفي يستيقظ فيه ويكون قابلاً للتوجيه والضبط وإن غفلة الوالدين في هذا الوقت الحاسم تؤدي إلى آثار سيئة في روح الطفل.


اختلاف عواطف الناس

والنكتة الجديرة بالملاحظة هنا أن العوامل الوراثية المختلفة تؤدي إلى اختلاف في البناء العقلي والعاطفي للأطفال. وكما أن الناس يختلفون في الهندام ولون الشعر وبصمات الأصابع كذلك يختلفون في العواطف والأفكار والحالات النفسية والعصبية. هذه الاختلافات الوراثية إنما هي إحدى آيات الله الحكيمة في الخلق، وتعود الى قانون الوراثة المضبوط. وقد ورد بهذا الصدد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة. فمن كان له في الجاهلية أصلٌ فله في الإسلام أصل"17 وبعبارة أخرى فإن قانون الوراثة ينقل صفات الآباء في الجاهلية إلى الأبناء في الإسلام.

قد يعمل قانون الوراثة في ظروف خاصة وأوضاع مجهولة على إحداث اختلافات شديدة من الناحية العقلية والنفسية والعصبية بين أطفال أسرة واحدة، وبعبارة أخرى فإن أباً وأماً ينجبان على طول الفترة الزوجية عدة أطفال يختلفون فيما بينهم اختلافات بيّنة في ذكائهم وعقلهم وحالاتهم النفسية والعصبية. 

"إن الأطفال الذين يولدون لأبوين واحدين وينشأون معاً وبطريقة واحدة يختلفون اختلافاً ظاهراً من حيث الشكل والقوام والتكوين العصبي والاستعداد العقلي والصفات الأدبية. ومن الواضح ان هذه الاختلافات لا يرجع أصلها إلى الأسلاف... وتتصرف الحيوانات بطريقة مماثلة، ولنضرب لذلك مثلاً بكلاب صغيرة جداً من فصيلة حراس الاغنام... ان كلا من الكلاب التسعة أو العشرة يبدي صفات واضحة فبعضها يفزع من الضوضاء المفاجئة، أو طلقة مسدس، ويكون رد فعله لذلك أن ينكمش على الأرض، في حين يكون رد الفعل مغايراً في فريق آخر منها فيقف على مؤخريه أو يتقدم نحو مصدر الصوت. وقد ينتهز فريق ثالث الفرصة فينصرف الى الرضاعة من ثدي امه، وقد يستسلم بعضها لدفع إخوته بعيداً عن أمهم. وثم فريق آخر يبتعد عن أمه ليستكشف المنطقة المجاورة لبيته في حين يبقى معها آخرون. وقد يزمجر بعض هذه الكلاب الصغيرة إذا لمسها أحد. وفي حين يظل البعض صامتاً... فحينما تنشأ الكلاب معاً في أحوال متماثلة إلى أن تكبر، فإن صفاتها لا تتغير بالنمو، إذ تظل الكلاب الخجولة والجبانة خجولة وجبانة طوال حياتها. أما الشجاعة النشيطة فقد تفقد هذه الصفات أحياناً حينما تتقدم في السن ولكنها تكون عادة اكثر جرأة ونشاطاً"18.


إختلاف طبائع الأطفال
والمشاعر والعواطف من الصفات التي تخضع للعوامل الوراثية بصورة فائقة. ولهذا فإن الأطفال يختلفون فيما بينهم في الصفات العاطفية اختلافً بيّناً. فهناك بعض الأطفال ينشأون منذ البداية شجعاناً ومتهورين، والبعض ينشأ جباناً وضعيفاً. قسم منهم ينشأ محباً للاستقلال والقيادة، والقسم الآخر يميل الى أن يكون عالة على غيره ومنقاداً. طائفة منهم تميل إلى الإيذاء والإفساد، وأخرى تمتاز بسلامة النفس وصفاء الضمير. ثلة منهم تتسم بالسخاء والكرم، وثلة أخرى تتميز بالبخل والتقشف... والخلاصة ان البناء الطبيعي لمشاعر أطفال المجتمع وعواطفهم واحياناً الأطفال المنحدرين من أب واحد وأم واحدة أيضاً يختلف اختلافاً كبيراً وكما قال الإمام الصادق عليه السلام يشبه اختلاف المعادن فيما بينها.

"من الواضح ان الإحساس الأدبي مثل النشاط العقلي يعتمد على حالات تركيبية ووظيفية معينة للجسم، وهذه الحالات تنتج من التركيب الداخلي لأنسجتنا وعقولنا، وكذلك من عوامل أثرت فينا إبان نمونا. ولقد أعرب (شوبنهور) عن رأيه، في المحاضرة التي ألقاها عن أصل الأخلاق بالجمعية الملكية للعلوم بكوبنهاجن، من أن أساس المبدأ الأدبي موجود في طبيعتنا. وبعبارة أخرى، ان الجنس البشري يولد وبه ميل فطري نحو الأنانية والضعة أو العطف. وهذا الميل يظهر في مرحلة مبكرة جداً من الحياة، ويراه الملاحظ المدقق بوضوح. وقد ذكر (جالافاردبن) أن هناك أنانيين لا يأبهون مطلقاً بسعادة اترابهم من بني الإنسان أو تعاستهم. وهناك الحقودون الذين يشعرون باللذة وهم يشاهدون نكبات الآخرين وآلامهم، بل حتى حينما يتسببون في إحداث هذه النكبات والآلام، وهناك قوم يستشعرون الألم حينما يستشعره أترابهم، وتولد قوة العطف هذه، الرحمة وفعل الخير والأعمال التي توحي بها هاتان الفضيلتان والقدرة على الإحساس بآلام الآخرين صفة لازمة للإنسان الذي يحاول تخفيف أعباء الحياة وآلامها عن إخوته في الإنسانية..."19.
  

المشاعر الشاذة

لمعرفة الطباع الفطرية للطفل، وتمييز مشاعره الطيبة عن الفاسدة يجب على الوالدين أن يراقباه منذ الصغر مراقبة مضبوطة ويتتبعا حركاته بدقة. فإذا كان الطفل يملك مشاعر شاذة فلا شك في أنها تظهر من خلال افعاله وأقواله. إن الوالدين الفطنين يستطيعان إدراك الحوافز النفسية والدوافع العاطفية للطفل من وضع حركاته وسكناته. فإذا وجدا في ذلك انحرافاً واعوجاجاً حاولا إصلاحه، وتوجيه تلك الحوافز والدوافع نحو الطريق الصحيح والصفات الفاضلة.  

"قبل أن يستطيع الطفل الوقوف على قدميه والأخذ في المشي يجب أن يدير رأسه عندما يناديه أحد. فإذا رأيتم أنه يتخلف عن ذلك فاعلموا أنه يطمح في الاستقلال، وان عمله هذا يدل دلالة واضحة على خُلُق يجب أن يعدّل. فليس هذا الطموح في الاستقلال ولا ذلك الخلق بالأمر المستحسن. إذ الطفل يجب أن يدير رأسه، ولكنه إذا كان يطمح في الاستقلال فإنه سيكشف عن ذلك فيما بعد".

"يضرب الأرض برجله، يثور. فإذا لم يكن في حاجة إلى شيء أي أنه شبعان وقد نال حصة كافية من النوم فاعلموا أن ذلك كله يدل على حالة عصبية يجب أن تقتلع جذورها. في مثل هذه الحالات يكفي إهماله وعدم الاعتناء به لبضع دقائق. انكم تقولون: أن هذه الحالة العصبية نموذج لشخصيته البارزة. ولكن الأمر ليس كذلك. يجب إزالة هذه الحالة وإذا كان يملك شخصية بارزة فاعتقدوا بأنها ستظهر إن قريباً أو بعد فترة"20.

 

الحب حجاب العقل
لا يخفى أن هناك سداً كبيراً وحاجزاً مهماً في سبيل معرفة العيوب العاطفية للأطفال من قبل الوالدين وحنانهما. إن أكثر الرجال والنساء يعرفون الصفات السيئة لأطفال الناس بصورة جيدة، ولكنهم يغفلون عن رؤية الصفات السيئة في أطفالهم. والسبب في ذلك يعود إلى أن منظارهم الذي ينظرون به الى سلوك أطفال الآخرين ناصع ومتقن، بينما يقف الحب حاجزاً بين منظار عقلهم ورؤية عيوب أطفالهم.

إن أفضل الآباء والأمهات هم الذين يبعدون حب أطفالهم عن حساب التربية، يحبونهم حباً خالصاً، ولكنهم في الوقت نفسه ينظرون بعين البصيرة والدقة إلى عيوبهم ويحاولون بصورة جدية اقتلاعها وإزالتها وإحلال الفضائل والمثل محلها. فإذا كان الأطفال يملكون صفات وراثية وفطرية فاضلة وتوجد في أعماقهم مشاعر وأحاسيس طيبة فإن تربيتهم سهلة وبالامكان أن يستوعبوا الفضائل والكمالات والمثل بسرعة فينشأوا أفراداً بارزين. أما إذا كانوا متطبعين على صفات وراثية بذيئة وكان بناؤهم العاطفي مشوباً بالرذائل والأحاسيس الممقوتة فإنهم بحاجة الى رعاية أدق وعناية أكثر. يجب على الوالدين حينئذ أن يتخذا الاساليب التربوية المفضلة في حقهم. فيعملان على دحر المشاعر الشاذة والصفات البذيئة في الطفل من جهة، ويعوّدانه على الفضائل والملكات الحميدة من جهة أخرى حتى تنشأ فيه من التكرار والاستمرارية طبيعة ثانوية تستقر في روحه وضميره، وتختفي عواطفه الفطرية غير المحبذة بالتدريج.

لا شك في أن التنمية السليمة لعواطف الطفل وتوجيهها الوجهة الصحيحة تشكل أحد الفصول التربوية الأساسية، وتعتبر من الواجبات المهمة للوالدين. فالطفل الذي ليس مجنوناً بالولادة ولا توجد اختلالات أساسية في مخه يكون قابلاً للتربية وبالإمكان توجيه عواطفه إلى طريق الفضيلة وجعله يتمتع بالملكات الحميدة والسجايا الطيبة.


مناغاة الطفل
من أفضل وسائل تنمية عواطف الطفل مناغاته ومعاملته بالرفق والحنان. فكما أن الطفل يحتاج الى الطعام والماء والهواء والنوم بفطرته، كذلك يحتاج الى العطف والحنان. فالعطف أطيب الأطعمة النفسية للطفل إنه يتلذذ من تقبيله وشمّه ومناغاته واحتضانه ورعاية عواطفه ويُسّر لذلك كثيراً.

الحب أساس البناء الخلقي والفضائل. إن حب الله للناس، وحب الناس لله، حب النبي والإمام للأمة، وحب الأمة للنبي والإمام، حب المسلمين تجاه بعضهم البعض أساس الدين الإسلامي. وقد ورد التأكيد على الحب في القرآن الكريم والروايات بدرجة كبيرة، حتى أن الإمام الصادق عليه السلام يقول: "هل الدين إلا الحب" ؟21.

إن جميع الجهود التي بذلها الأنبياء في تبليغ رسالاتهم إلى الناس، وجميع التضحيات التي تحملها المجاهدون في ميادين الحرب، وجميع العبادات والمساعدات التي يقوم بها المحسنون تنبع من ينبوع واحد ألا هو الحب... حب الله... حب دين الله.

الحب هو الذي يحيل المرارة الى حلاوة.
والحب هو الذي يهدىء الآلام.
والحب هو الذي يحوّل الأشواك إلى أزهار.
والحب هو الذي يجعل من السجن روضة.
والحب هو الذي يحوّل النار نوراً.
والحب هو الذي يزيل المآسي.
والحب هو الذي يجعل من الصفعة دغدغة.
والحب هو الذي يحيي الموتى.
والحب هو الذي يجعل الملك عبدا22.


العطف على الصغير

إن الطفل الذي يتلقى مقداراً كافياً من العطف والحنان من أبويه، ويروى من ينبوع الحب يملك روحاً غضة ونشطة. انه لا يحس بالحرمان في باطنه ولا يصاب بالعقد النفسية، تتفتح أزاهير الفضائل في قلبه بسهولة وإذا لم تعتوره العراقيل في أثناء طريقه فإنه ينشأ إنساناً عطوفاً وفاضلاً يكنّ الخير والصلاح للجميع لقد ورد التأكيد على العطف على الصغار في الأحاديث بصورة كثيرة وها نحن نقرأ بعضاً منها:

1- عن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، في خطبة له حول واجبات المسلمين في شهر رمضان: "وقّروا كباركم وارحموا صغاركم"23.

2- وقال صلّى الله عليه وآله: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقّر كبيرنا"24.

3- في ما أوصى به امير المؤمنين عليه السلام عند وفاته: "وارحم من أهلك الصغير ووقر الكبير"25.

4- عن علي عليه السلام: "لِيتأسَّ صغيركم بكبيركم، وليرأفْ كبيركم بصغيركم، ولا تكونوا كجفاة الجاهلية"26.

5- وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله عز وجل لَيرحم الرجل لشدة حبه لولده"27.

6- قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "أحبّوا الصبيان وارحموهم"28.

7- وجاء بيان صفاته صلّى الله عليه وآله: "وكان النبي إذا أصبح مسح على رؤوس ولده"29.


 تقبيل الطفل
1-
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من قبل ولده كتب الله عز وجل له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة"30.

2- وقال عليه السلام: "اكثروا من قُبلة أولادكم فإن لكم بكل قبلة درجة"31.  

3- وفي الحديث: "قبّل رسول الله الحسن والحسين. فقال الأقرع بن حابس: إنّ لي عشرة من الأولاد ما قبّلت واحداً منهم. فقال: ما عليّ أن نزع الله الرحمة منك"32.

4- قال أمير المؤمنين عليه السلام: "قُبلة الولد رحمة، وقُبلة المرأة شهوة، وقُبلة الوالدين عبادة، وقُبلة الرجل أخاه دين"33.


العطف في ظل الإيمان

ورد في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وآله كان يصلي يوماً في فئة، والحسين صغير بالقرب منه. فكان النبي إذا سجد جاء الحسين عليه السلام فركب ظهره ثم حرّك رجليه فقال: حَلْ، حَلْ !

فإذا أراد رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يرفع رأسه أخذه فوضعه إلى جانبه. فإذا سجد عاد على ظهره، وقال: حَل، حَل ! فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي من صلاته.

فقال يهودي: يا محمد إنكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن.

فقال النبي صلّى الله عليه وآله: أما لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان.

قال: فإني أؤمن بالله وبرسوله. فأسلم لمّا رأى كرمه مع عظم قدره34.

يستفاد من هذا الحديث والأحاديث المتقدمة مدى أهمية الحب والعطف في أسلوب تربية الطفل. فعلى المسلمين جميعاً أن يرحموا جميع الأطفال بصورة عامة، وأطفالهم بصورة خاصة. فالحياة السليمة والطبيعية عبارة عن الاتباع الصحيح لقوانين الفطرة. ومن يتخلف عن القوانين الفطرية التي هي سنة الله عز وجل في هذا الكون يلاق جزاءه الصارم بلا شك. إن الحاجة الى الطعام أمر فطري للإنسان والامتناع عن تلبية هذه الحاجة الفطرية يؤدي إلى الضعف والعجز وفي صورة الاستمرار على ذلك يؤدي إلى الموت. والحاجة إلى النوم فطرية للإنسان أيضاً، وان كل محاولة للاستغناء عنها تتضمن خطر الإنهيار الصحيح وإذا استمر ذلك كان الموت بالمرصاد. الميل الجنسي أمر طبيعي بالنسبة الى الإنسان السليم وكبت هذا الميل يستتبع مشاكل نفسية متعددة وربما أدّى إلى الجنون.


الحاجة الى العطف فطرية

من الميول الفطرية للإنسان، والتي تظهر في فترة الطفولة الحاجة إلى العطف والحنان. إن الاستجابة لهذا الميل الطبيعي وإشباع هذه الحاجة جزء من المنهاج الفطري. إذا نال الطفل حظاً وافراً من العطف والحنان في أيام طفولته كان ذا روح مطمئنة ونفس وديعة وكان سلوكه طبيعياً طيلة أدوار حياته. أما الأطفال المحرومون من الحب العائلي وعطف الوالدين فإنهم يملكون أرواحاً ملؤها اليأس والتشاؤم ويكونون على شفا جرف من الانحراف.  

"الأسرة التي لا يشع فيها نور العطف، والبيت الذي يُحرم من روح التفاهم والتسامح يساعدنا على البحث عن كثير من الآلام الروحية والاضرار الإجتماعية. عندئد يجب أن يبذل الإهتمام الكافي لحماية القلوب المندحرة ومعالجة الحرمان الذي أصاب اصحابها بصورة معقولة".

"هؤلاء ينشأون على خواطر مرة علقت بأذهانهم من سلوك الوالدين تجاههم منذ الطفولة، وفي الغالب يكونون معرضين للوقع في شَرَك اليأس، والتشاؤم، وعدم الإنسجام، والنفور، والإنتحار، والإجرام، والأمراض الروحية والعصبية"35.
  

حرمان اليتيم من العطف
إن الأطفال الأيتام الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم مصابون بمشكلتين: الأولى هي العوز المادي، والثانية هي الحرمان من العطف. إن الاحتياجات المادية لليتيم تشبع في جميع البلدان بنسب مختلفة، ولكن قلما يصادف أن يعيش اليتيم في أسرة ينعم فيها بالإضافة إلى إشباع الحاجات المادية بالعطف والحنان، بحيث يجد رب الأسرة نفسه بمنزلة الأب لذلك الطفل فيراعي عواطفه ويحن عليه كما يحن على أولاده.

تهتم المؤسسات الخيرية في الدول المتمدنة بضمان حياة الأيتام، وتقوم باعداد وسائل الثقافة والتعليم لهم بالإضافة إلى ضمان الطعام والكساء والمأوى.. لكن يبقى هؤلاء محرومين من حنان الوالدين، هذا الحرمان يجر وراءه سلسلة من الآثار والنتائج السيئة التي تظهر تدريجياً في أقوال اليتيم وأفعاله عندما يشب.  

"يضمن اليتم نتائج وخيمة للفرد والمجتمع، سواء كان حاصلاً بفقد الأب أو موت الأم. لقد لاحظ علماء النفس والتربية بصورة عامة في التحقيقات التي أجروها في هذا المجال أن اليتم أحد العوامل المهمة للتشرد والتخلف العلمي والاجتماعي، والاجرام والفوضى".

"يذكر أحد علماء النفس الألمان ضمن بحوثه التي أجراها على أثر اليتم في التحصيل العلمي أن من بين التلاميذ الراسبين في المدارس 44% محرومين من الآباء، و33% محرومين من الامهات، أي 77% من الراسبين كانوا ايتاماً. وهكذا فان تحقيقاً مشابهاً أجري في أمريكا حول مشاكل التربية فوجد أن 25% من الأطفال المعقدين في إحدى مدارس نيويورك كانوا أيتاماً. كما أن تحقيقاً آخر حول الأطفال والراشدين المجرمين أجري في ألمانيا فكانت النتيجة أن من بين 2704 شاباً مجرماً كان 1171 شاب منهم، وهذه النسبة تعني اكثر من 43% من المجموع. لقد أجري تحقيق آخر في امريكا حول المساجين فوجد أن 60% من الذين أجري التحقيق معهم كانوا يرجعون إلى أسر منهارة بموت الأب أو الأم كما توصل عالم الماني إلى نتيجة خطيرة وهي أن من بين الفتيات اللاتي ارتكبن السرقة 38% يتيمات، ومن بين الفتيات اللاتي أنشأن علاقات جنسية غير مشروعة أو خضعن للاعتداء الجنسي 40% منهم يتيمات. وفي إحدى التحقيقات الاجتماعية والنفسية التي أجريت في الولايات المتحدة نجد أن 70% من الفتيات التي يقضين حياتهن في مدارس التأديب التابعة لمحكمة الأحداث كن يتيمات إمّا يتماً منفرداً أو مزدوجاً، أي فاقدات للأب أو الأم فقط، أو فاقدات لهما معاً"36.


أمارة الإنسانية

إن حب الناس والعطف عليه 2011-03-31