يتم التحميل...

إحترام الوالدين في المنطق الإسلامي

تربية الأبناء

إحترام الوالدين في المنطق الإسلامي

عدد الزوار: 459

  بالرغم من أن العاطفة الإنسانية ومعرفة الحقائق، يكفيان لوحدهما لاحترام ورعاية حقوق الوالدين، إلا أن الإسلام لا يلتزم الصمت في القضايا التي يمكن للعقل أن يتوصل فيها بشكل مستقل، أو أن تدل عليها العاطفة الإنسانية المحضة، لذلك تراه يعطي التعليمات اللازمة إزاء قضية احترام الوالدين ورعاية حقوقهما، بحيث لا يمكن لنا أن نلمس مثل هذه التأكيدات في الإسلام إلا في قضايا نادرة أخرى. وعلى سبيل المثال يمكن أن تشير الفقرات الآتية إلى هذا المعنى:

 ألف: في أربع سور قرآنية ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد التوحيد مباشرة، وهذا الاقتران يدل على مدى الأهمية يوليها الإسلام للوالدين. ففي سورة البقرة آية (83) نقرأ: لا تعبدون إلا إياه وبالوالدين إحسانا. وفي سورة النساء آية (36) نقرأ قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا. أما الآية (151) من سورة الأنعام فإنها تقول: ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا. وفي الآية التي نبحثها نقرأ قوله تعالى: وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.

 ب - إن مسألة احترام الوالدين ورعاية حقهما من المنزلة بمكان، حتى أن القرآن والأحاديث والروايات الإسلامية، تؤكدان معا على الإحسان للوالدين حتى ولو كانا مشركين، إذ نقرأ في الآية (15) من سورة لقمان: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم، فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا.

 ج - رفع القرآن الكريم منزلة شكر الوالدين إلى منزلة شكر الله تعالى، إذ تقول الآية (14) من سورة لقمان: أن أشكر لي ولوالديك. وهذا دليل على عمق وأهمية حقوق الوالدين في منطق الإسلام وشريعته، بالرغم من أن نعم الله التي يشكرها الإنسان لا تعد ولا تحصى.

 د - القرآن الكريم لا يسمح بأدنى إهانة للوالدين، ولا يجيز ذلك، ففي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: " لو علم الله شيئا هو أدنى من أف لنهى عنه، وهو من أدنى العقوق، ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما"[1].
 
 هـ- بالرغم من أن الجهاد يعتبر من أهم التعاليم الإسلامية، إلا أن رعاية الوالدين تعتبر أهم منه، بل لا يجوز إذا أدى الأمر إلى أذية الوالدين، بالطبع هذا إذا لم يكن الجهاد واجبا عينيا، وإذ توفر العدد الكافي من المتطوعين له. في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أن رجلا جاء إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له، إني أحب الجهاد، وصحتي جيدة، ولكن لي أم لا ترتاح لذلك، فماذا أفعل، فأجابه (صلى الله عليه وآله وسلم): " إرجع فكن مع والدتك فوالذي بعثني بالحق لأنسها بك ليلة خير من جهاد في سبيل الله سنة "[2].
 ولكن عندما يجب الجهاد وجوبا عينيا، وتصبح بلاد الإسلام في خطر يلزم الجميع بالحضور ولا تقبل جميع الأعذار حينئذ بما فيها عدم رضاء الوالدين. وما قلناه عن الجهاد ينطبق كذلك على الواجبات الكفائية الأخرى، وكذلك المستحبات.

 و - عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "إياك وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة توجد من ميسرة ألف عام ولا يجدها عاق"[3]. هذا التعبير ينطوي على إشارة لطيفة، إذ أن مثل هؤلاء الأشخاص (العاقين) ليسوا لا يدخلون الجنة وحسب، بل إنهم يبقون على مسافة بعيدة جدا منها ولا يستطيعون الإقتراب منها. وينقل "سيد قطب" حديثا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء فيه: " عن بريده عن أبيه، أن رجلا كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها، فرأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله: هل أديت حقها؟ فأجابه (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا، ولا بزفرة واحدة ". ويقصد بالزفرة الواحدة الوجعة الواحدة، أو الطلقة الواحدة، التي تغشى الأم حين الولادة والوضع[4]. إذا أردنا نطلق العنان للقلم في هذا المجال، فسيطول بنا المقام ونبتعد عن التفسير، لكن - بصراحة - يجب أن نعترف بأن كل ما يقال في هذا المجال فهو قليل، لأن للوالدين حق العيش والحياة على الولد. في نهاية هذه الفقرة، أشير إلى أن الوالدين - في بعض الأحيان - يقترحان على الأبناء أشياء غير منطقية وحتى غير شرعية، طبعا في مثل هذه الحالات لا تجب الطاعة، ولكن من الأفضل أن يتسم التعامل معهما بالهدوء والمنطق، وأن تتم عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأحسن وجه. أخيرا نختم الكلام بحديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال فيه: إن رجلا جاء النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يسأله عن حق الأدب على ابنه، فأجابه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: "لا يسميه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس قبله، ولا يستسب له"[5] (اي لا يفعل شيئا يؤدي إلى أن يسب الناس والديه).
 
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي


[1] - يلاحظ: جامع السعادات، النراقي، ج 2، ص 258.
[2] - جامع السعادات، ج 2، ص 260.
[3] - جامع السعادات، ج 2، ص 257.
[4] - في ظلال القرآن، ج 4، ص 2222، الطبعة العاشرة.
[5] - نور الثقلين، ج 3، ص 149.

2018-07-13