ملامح من أحوال خلفاء عصره (ع)
ولادة الإمام العسكري(ع)
لاريب ان الحالة السياسية السائدة في عصر ما تشكل المفصل الاساسي الذي تتحرك عليه مجمل الاوضاع الفكرية والاجتماعية والاقتصادية لذلك العصر، وتنعكس عليه سلبا وايجابا، ذلك لان الحاكم يمتلك - بسلطته وسطوته وسيطرته علي منابع الثروة
عدد الزوار: 361
لاريب ان الحالة السياسية السائدة في عصر ما تشكل المفصل الاساسي الذي تتحرك عليه مجمل الاوضاع الفكرية والاجتماعية والاقتصادية لذلك العصر، وتنعكس عليه سلبا وايجابا، ذلك لان الحاكم يمتلك - بسلطته وسطوته وسيطرته علي منابع الثروة- مفاتيح التغيير الاجتماعي والفكري ببسط اسباب الحرية او الاستبداد، ويمتلك عوامل الرخاء او الفساد الاقتصادي بعدله او جوره، وكل ذلك منوط بنوع الجهاز الحاكم وسلوك اجهزتة التنفيذية، وفيما يتعلق بتاريخ الامام ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام الذي عاش في العصرالعباسي الثاني سنقدم قراءة تاريخية للحكام الذين عاصروا الامام عليه السلام منذ الولادة حتي الشهادة، ثم نذكراهم السمات التي طبعت ذلك العصر.
الحكام المعاصرون للامام:
ولد الامام الحسن العسكري عليه السلام في الثامن من الربيع الاخر سنة232هـعلي القول المشهور في ولادته عليه السلام وذلك في اخرملك الواثق بالله بن المعتصم (227-132هـ) وبويع بعده لاخيه جعفربن المعتصم المعروف بالمتوكل لست بقين من ذي الحجة سنة232هـ، وكان عمرالامام العسكري عليه السلام نحوثمانية اشهر ونصف، وقتل المتوكل سنة247هـ، وتولى بعده ابنه المنتصر بالله زمام السلطة العباسية لستة اشهر ويومين فقط، ومات سنة248هـ، فتولي بعده المستعين بالله احمدبن محمد المعتصم سنة248هـ، وخلع نفسه بعد فتنة طويلة وحروب كثيرة سنة251هـ، وتولى بعده المعتز بالله بن المتوكل واسمه محمدو قيل: الزبير(252-255هـ) واستشهد حجة الله الامام ابو الحسن علي الهادي عليه السلام بعد مضي نحوسنتين ونصف من ايام حكم المعتزبالله، وذلك في الثالث من رجب سنة 254هـ، وتولى الامام العسكري مهام الامامة الالهية. ثم جاء الي السلطة المهتدي بالله محمد بن الواثق بعدخلع المعتز وقتله سنة 255هـ، وحكم نحو سنة واحدة، ثم قتله الاتراك سنة256هـ، وتولى بعده احمد ابن جعفر المتوكل المعروف بالمعتمد نحو ثلاث وعشرين سنة حيث قتل سنة 279هـ، وهكذا استغرقت حياة امامنا العسكري عليه السلام الايام الاخيرة من حكم الواثق، ثم تمام حكم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي مع اربع سنين من حكم المعتمد، حيث استشهد امامنا عليه السلام يوم الجمعة الثامن من ربيع الاول سنة260هـ، علي القول المشهور في وفاته عليه السلام1.
أهم سمات هذا العصر
يعتبر هذا العصر بداية لضعف سلطة الدولة العباسية وسقوط هيبتها وانحلالها، بسبب استيلاء الاتراك على عاصمة الملك، وانتقاض اطراف الدولة واستيلاء العمال والولاة عليها، واعتزال الخلفاء عن شؤون الحكم وانصراف غالبيتهم الي اسباب اللهو والترف والمجون، وقد انعكست اثار ذلك علي مجمل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل مباشر، وفيما يلي اهم خصائص هذا العصر:
السمة الاولي - نفوذ الاتراك وضعف العباسيين
تميز هذا العصر بغلبة الاتراك والفراغنه والمغاربة وغيرهم من الموالي و تدخلهم في مقاليد الحكم، وكان اول ذلك في عصرالمعصتم الذي اعتنى منذ توليه الحكم سنة218هـ، باقتناء الترك، فبعث الي سمرقند وفرغانة والنواحي في شرائهم، وبذل فيهم الاموال، والبسهم انواع الديباج ومناطق الذهب، فكانوا يطردون خيلهم في بغداد ويؤذون الناس، وضاقت بهم البلد، فاجتمع اليه اهل بغداد وقالوا: ان لم تخرج عنا بجندك حاربناك، فكان سبب بنائه سرمن راى وتحوله اليها سنة: 220 وقيل: 221هـ2.
وبعد ذلك ازداد نفوذ الاتراك في عاصمة العسكر سامراء وتسنموا مناصب هامة كولاة وعمال وقادة جيش، ومنهم بغا الكبير، وابناء موسي ومحمد، وبابكيال، وياركوج، واذكوتكين، وبغا الصغير الشرابي، ووصيف بن باغروغيرهم. وبعدعصرالمتوكل ازدادت سيطرتهم على مقاليد الحكم فاهانوا الخلفاء العباسيين وسلبوا ارادتهم، وتدخلوا في شؤون الملك، وتلاعبوا ببيوت الاموال، وانتكهوا مصالح الامة ومقدراتها،فقد قتلوا المتوكل والمهتدي، وخلعوا المعتز والمؤيد ابني المتوكل من ولاية العهد، واستخلفوا للمستعين، واستولوا على الاموال في عهده، وقاتلوه حين غضب عليهم، فاعتصم ببغداد وبايعوا للمعتز من بعده.
قال ابن طقطقا: كان الاتراك قد استولوا منذ قتل المتوكل علي المملكة، واستضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في يدهم كالاسير ان شاءوا ا بقوه، وان شاءوا خلعوه، وان شاءو اقتلوه.
ومن مظاهر سيطرة امراء الاتراك على افراد الدولة بما فيهم الخليفة في زمان المعتز بالله، ما ذكره اليعقوبي في تاريخه حوادث سنة 255هـ، قال: وثب صالح بن وصيف التركي علي احمد بن اسرائيل الكاتب وزير المعتز، وعلى الحسن بن مخلد صاحب ديوان الضياع، وعلى عيسي بن ابراهيم بن نوح وعلي بن نوح، فحبسهم واخذ اموالهم وضياعهم وعذبهم بانواع العذاب، وغلب على الامر، فهم المعتزبجمع الاتراك، ثم دخل اليه فازاله من مجلسه، وصير في بيت، واخذ رقعته بخلع نفسه، وتوفي بعد يومين، وصلى عليه المهتدي.
السمة الثانية - استئثار رجال السلطة بالأموال العامة
السمة الغالبة في حياة سلاطين هذا العصر ومن سار في ركابهم من القادة والولاة والامراء والقضاة هي الاستئثار ببيت المال وتسخيره لخدمة مصالحهم الخاصه وحرمان الاغلبية الساحقة منه.
ونقل المورخون في احداث سنة 249 ان المستعين اطلق يد والدته ويد اتامش وشاهك الخادم في بيوت الاموال، واباحهم فعل ما ارادوا، فكانت الاموال التي ترد من الافاق يصير معظمها الي هؤلاء الثلاثة...ومايفضل من هؤلاء الثلاثة ياخذه اتامش للعباس بن المستعين فيصرفه في نفقاته.
وذكروا انه حينما خرج المستعين من سامراء وبويع للمعتز سنة252هـ
خلف في بيت المال بسامراء نحوخمسائة الف دينار، وفي بيت مال ام المستعين الف الف دينار، وفي بيت المال العباس ابنه ستمائة الف دينار3.
وفي احداث سنة 255هـ ذكروا انه ظُفِرلأم المعتز وزوجة المتوكل بعد خلع المعتز وقتله، بخزائن تحت الارض فيها اموال كثيرة، ومن جملتها دار تحت الارض وجدوا فيها الف الف دينار وثلاثمائة الف دينار، ووجدوا في سفط قدر مكوك زمرد لم يرالناس مثله، وفي سفط اخر مقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار، وفي سفط اخر مقداركليجة من الياقوت الاحمر الذي لم يوجد مثله، فقومت الاسفاط بالفي الف دينار4.
اما استعراض تفاصيل اموال وضياع الامراء والولاة والقضاء وكتاب الدواوين والجواري والمغنين والشعراء وغيرهم من المقربين الي البلاط، فبما يخرج بنا عن الغرض، ويكفي مثالا على ذلك ان بغا الكبير حينما مات سنة248هـترك من المتاع والضياع ما قيمته عشرة الاف الف دينار، وترك عشر حباب جوهر قيمتها ثلاثة الاف الف دينار5.
السمة الثالثة - ميل العباسيين الي البذخ والترف واللهو
كان رجال الدولة وعلى راسهم السلطان ينفقون الاموال الطائلة لشؤونهم الخاصة كاقتناء الجواري والسراري والقيان والمغنين وجميع وسائل اللهو والمجون المتاحة في ذلك العصر، وكانوا يسرفون في الانفاق على الشعراء وبناء القصور، بينما تعيش الاكثرية الساحقة من الناس علي الكفاف وينهكها الجوع والفقر وتفتك بها الامراض والاوبئة.
فقد كان المتوكل كثير الانفاق على الشعراء حتى قيل: ما اعطي خليفة شاعرا ما اعطي المتوكل، فاجاز مروان بن ابي الجنوب على قصيدة في مدحه بمائة وعشرين الف درهم، واعطاه حتي اثري كثيرا فقال:
فامسك ندي كفيك عني ولاتزد فقدخفت ان اطغي وان اتجبرا
فقال: لا امسك حتي يغرقك جودي6.
وقرب المتوكل ابا شبل عاصم بن وهب البرجمي، وكان شاعرا ماجناً، وانفق عليه حتي اثري، قال ابوالفرج: نفق عند المتوكل بايثاره البعث وخدمه وخص به فاثري، وامر له بثلاثين الف درهم على قصيدة من ثلاثين بيتا واجاز عبيدالله بن يحيي بن خاقان ابا شبل البرجمي ايضا على قصيدة في مدحه خمسة الاف درهم ودابة وخلع عليه.
وعن احمد بن المكي، قال: غنيت المتوكل صوتا شعره لابي شبل البرجمي، فامرلي بعشرين الف درهم، فقلت ياسيدي اسال الله ان يبلغك الهنيدة. فسال عنها الفتح، فقال: يعني مائة سنة، فامر لي بعشرة الاف اخري.
واجاز المتوكل الحسين بن الضحاك الخليع على اربعة ابيات اربعة الاف دينار.
وكان المتوكل مغرما بالجواري اللاتي يجلبن من انحاء البلاد باموال طائلة، فقد روي عن المسعودي انه قال: كان المتوكل منهمكا في اللذات والشراب، وكان له اربعة الاف سرية ووطئ الجميع7.
كما كان ميالا الي التانق في تشييد القصورالضخمة التي تعج بالوان من مظاهر الترف والبذخ والعبث واللهو والمجون، قال اليعقوبي: بني المتوكل قصورا انفق عليها اموالا عظاماً منها: الشاه، والعروس، والشبندار، والبديع، والغريب، والبرج، وانفق على البرج الف الف وسبعمائة الف دينار.
وقيل: انفق علي الجوسق والجعفري والهاروني اكثر من مئتي الف الف دينار8.
1- راجع : تاريخ الخلفاء/السيوطي : 267 - 282 - دارالكتاب العربي - 1422هـ، تاريخ اليعقوبي 2 : 484 - 507 - دار صادر -1415هـ، اعلام الورى/الطبرسي 2 : 111 -131 - مؤسسة ال البيت لاحياء التراث - 1417هـ، الجوهرالثمين/ابن دقماق1 : 146- 157 - عالم الكتب - 1405هـ، دلائل الامامة ، الطبري : 409و324- مؤسسة البعثة -1413هـ، التتمة في تواريخ الائمة عليه السلام /تاج الدين العاملي : 137و142- مؤسسة البعثة - 1412هـ.
2- الفخري في الاداب السلطانية/ابن الطقطا : 243 ، نشر الشريف الرضي ، قم.
3- كامل في التاريخ6 : 166 ، البلادية والنهاية11 : 7.
4- تاريخ الطبري9 : 395 بتحقيق محمد ابوالفضل ابراهيم - بيروت ، الكامل في التاريخ6 : 202 ، البداية والنهاية11 : 17 ، تاريخ الخلفاء/السيوطي : 280.
5- البداية والنهاية11 : 2. ) سيراعلام النبلاء12 : 94 - 95.
6- سير اعلام النبلاء12 : 552.
7- مروج الذهب/المسعودي4 : 388 - داراحياء التراث العربي - 1422هـ، سير اعلام النبلاء12 : 40.
8- الامام العسكري سيرة وتاريخ /علي موسى الكعبي _15_20.