يتم التحميل...

الإيمان وأحكامه

ملحقات المعاد

الإيمان، من الأمن، وله في اللغة معنيان متقاربان، أحدهما: الأمانة، التّي هي ضدّ الخيانة، ومعناها سكون القلب. والآخر: التصديق، والمعنيان متدانيان. والمراد هنا هو المعنى الثاني، فيقال: آمن به، إذا أذعن به وسكنت نفسه واطمأنّت بقوله، وهو تارة يتعدى بالبا...

عدد الزوار: 283

الإيمان، من الأمن، وله في اللغة معنيان متقاربان، أحدهما: الأمانة، التّي هي ضدّ الخيانة، ومعناها سكون القلب. والآخر: التصديق، والمعنيان متدانيان.1

والمراد هنا هو المعنى الثاني، فيقال: آمن به، إذا أذعن به و سكنت نفسه واطمأنّت بقوله، وهو تارة يتعدى بالباء كما في قوله تعالى: ﴿آمنّا بما انْزلْتَ(آل عمران:53)، وأُخرى باللام، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنََا(يوسف:17) وقوله تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ(العنكبوت:26).

وهذه الآيات تدل على أنّ الإيمان هو التصديق القلبي، ويؤكّده قوله سبحانه ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهُِم الإيمان(المجادلة:22)، وقوله سبحانه: ﴿وَلمّا يدْخل الإيمان في قُلوبِكُمْ(الحجرات:14)، وقوله سبحانه: ﴿وَقَلْبُهُ مُطمَئنّ بالإيمان(النحل:106).

وتؤكّده آيات الطبع والختم، فانها تعرب عن كون محل الإيمان هو القلب، كما يقول سبحانه: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ(النحل:108) ويقول سبحانه ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ(الجاثية:23). والختم على السمع والبصر لأجل كونهما من أدوات المعرفة التّي يستخدمها القلب. والمآل هو القلب.

فالامعان في هذه الآيات يثبت أنّ الايمان هو التصديق القلبي، وأما أنّ هذا المقدار من الايمان يكفي في نجاة الانسان أو لا، فهو بحث آخر، إذ من الممكن أن يكون للإيمان في مجال النجاة شروط أُخر.

• سؤال:

لو كان الإذعان القلبي كافياً في صدق الإيمان، فلماذا يندد سبحانه بجماعة من الكفار بأنّهم جحدوا الحقيقة بألسنتهم وإن استيقنوها بقلوبهم، مع أنّهم على التعريف الّذي ذكرناه، مؤمنين. يقول سبحانه: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(النمل:14)، ويقول سبحانه: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ(البقرة:89)، ويقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(البقرة:146). فهذه الآيات تدلّ على عدم كفاية التصديق القلبي في صدق الايمان.

جوابه:

إنّ الايمان هو التصديق، وأما التنديد، فلأنّ ظاهرهم كان مخالفاً لباطنهم، فكانوا يتظاهرون بالنفاق، ولولا التظاهر بالخلاف، بأن لا يجحدوا بعد الاستيقان، ولا يكفروا باللسان ما عرفوه قبلا، لكانوا مؤمنين حقاً.

نعم، لا يمكن الحكم بإيمانهم في مجال الإثبات إلا إذا دلّ الدليل على إذعانهم قلباً، وهذا خارج عن موضوع البحث.

• سؤال:

ما هو الأثر المترتب على التصديق القلبي؟

جوابه:

الإيمان بهذا المعنى، موضوع للأثر في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا، فحرمة دمه وعرضه وماله، إلا أن يرتكب قتلاً أو يأتي بفاحشة.

وأما في الآخرة، فصحة أعماله، و استحقاق الثواب عليها، وعدم الخلود في النار، واستحقاق العفو والشفاعة في بعض المراحل.

• سؤال:

إن التصديق اللساني، أيضاً له أثره الدنيوي من حرمة الدم والعرض والمال؟

جوابه:

إن التصديق اللساني بما أنّه كاشف عن التصديق القلبي، يترتب عليه ذلك الأثر فالأثر للمكشوف عنه لا للكاشف، وإلا فلو تبين نفاقه، وأنّه يتظاهر بما ليس في القلب، فلا حرمة لدمه وماله وعرضه في الواقع.

نعم، يجب علينا مجازاته حسب إقراره و اعترافه إلا إذا كشف بقوله وإقراره عن سريرته، هذا.

وإن السعادة الأُخروية رهن العمل، لا يشك فيه من له إلمام بالشريعة والآيات والروايات الواردة حول العمل، والتصديق القلبي إذا لم يقترن بالعمل، لا ينجو الإنسان من عذاب الآخرة.


هذا هو الحق في الإيمان، وها هنا أقوال أخر، نشير إليها:

الأول: إن الايمان هو التصديق بالقلب و اللسان معاً، ولا يكفي التصديق القلبي وحده، وهذا القول للمحقق الطوسي مستدلاً بما مضى من قوله سبحانه: ﴿وَجَحدوا بها واسْتَيْقَنَتها أنفسهم2.

يلاحظ عليه: إنّ التنديد بهم سببه نفاقهم، وعدم مطابقة لسانهم لما في قلوبهم. فلو كانوا مستيقنين غير منكرين بألسنتهم لكانوا مستحقين للثناء.

الثاني: إنّ الإيمان هو الاقرار باللسان. واستدل القائل به بأنّ من أعلن بلسانه شهادة الإسلام فهو مسلم محكوم له بحكم الإسلام.

أضف إليه قول رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في السوداء: "اعتقها فإنها مؤمنة"3.

يلاحظ عليه: إنّ الحكم لهم بالإسلام أو بالإيمان انما هو بحسب الظاهر، وليس هو حكماً بحسب الواقع، ففي هذا المقام يجعل الاعتراف اللساني طريقاً إلى التصديق الجناني، ولو علم خلافه، لحكم بالنفاق. قال سبحانه ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الاْخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ(البقرة:8).

فانّ الرسول وأصحابه كانوا مكلفين بالحكم حسب المعايير الظاهرية التّي تكشف عادة عن الإيمان القلبي، قال رسول اللّه:"أُمرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه، ويومنوا بما أُرسلْت به، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها، وحسابهم على اللّه"4.

وبذلك يظهر وجه حكمه صلى الله عليه وآله وسلم في السوداء بأنها مؤمنة. روى ابن حزم عن خالد بن الوليد أنّه قال : رُب رجل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي لم أُبْعَثُ لأشُقّ عن قلوب الناس"5.

وكيف يكتفي القائل بالتصديق اللساني، مع أنّ صريح الكتاب على خلافه، قال سبحانه: ﴿قَالَتِ الاَْعْرَابُ آمَنَّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ(الحجرات:14) والأعراب صدّقوا بألسنتهم، وأنكروا بقلوبهم فرد اللّه عليهم بأنّكم لستم مؤمنين لأنّكم مصدّقون بألسنتكم لا بقلوبكم.

الثالث: إنّ الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان مع العمل، فالعمل عنصر حقيقي مقوّم للإيمان، والفاقد له ليس بمؤمن بتاتاً، والقائلون بهذا هم الخوارج والمعتزله6، غير أنّ بينهما فرقاً في المقام.

فالخوارج يرون العمل مقوّماً للإيمان، فالمقرّ قلباً ولساناً إذا فقد العمل، ارتكب الكبيرة، فقد صار كافراً، ولأجل ذلك يُكفّرون مرتكب الكبيرة، ويحكمون عليه بالخلود في النار، اذا لم يتب.

والمعتزلة، مع أنّهم يرون العمل مقوّماً للإيمان، غير أنّهم لا يُكَفّرون تارك العمل، ومرتكب الكبيرة، بل يجعلونه في منزلة بين الإيمان والكفر، والمكلف عندهم على ثلاث حالات:

إيمان، اذا قام بالتصديقين، وعمل بالوظائف.

وكُفْر، إذا فقد التصديق القلبي، أو هو واللساني .

ومنزلة بين المنزلتين إذا قام بالتصديقين، ولكن فقد العمل.

والكلام مع هؤلاء في مقامين:

1- نقد هذا المذهب عن طريق الكتاب والسنة.

2- تحليل ما تمسكوا به في اثبات عقيدتهم.

أما الأوّل، فالآيات الدالة على أنّ العمل ليس عنصراً مقوّماً للإيمان (وإن كان مؤثراً في النجاة) كثيرة نشير إلى بعضها:

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ(البقرة:277), فالعطف يقتضي المغايرة، و لو كان العمل داخلا في الايمان للزم التكرار. و احتمال كون المقام من قبيل ذكر الخاص بعد العام، يحتاج إلى نكتة و مسوغ له.

قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ(طه:112) فالجملة حالية، المقصود منها: (من عمل حال كونه مؤمناً)، وهذا يقتضي المغايرة.

قوله تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ(الحجرات:9).

فأطلق المؤمن على الطائفة العاصية، وقال ما هذا معناه: (فإن بغت إحدى الطائفتين من المؤمنين على الطائفة الاخرى منهم).

نعم، يحتمل أن يكون إطلاق المؤمن عليهم باعتبار حال التلبس، أي باعتبار كونهم مؤمنين قبل القتال، لا بلحاظ حال صدور الحكم.

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(التوبة:119).

فأمر الموصوفين بالايمان، بتقوى اللّه، وهو الإتيان بالطاعات والاجتناب عن المحرمات، فدلّ على أنّ الإيمان يجتمع مع عدم التقوى، وإلا كان الأمر به لغواً وتحصيلاً للحاصل.

واحتمال أنّ الآية أمرٌ على الاستدامة، خلاف الظاهر.

هذا حسب الآيات، وأمّا السنة فهناك روايات تدل على أنّ الاقرار المقترن بالعرفان ايمان، منها ما رواه الصدوق بسند صحيح عن جعفر الكناسي قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السَّلام: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً، قال:يشهد أن لا إله إللّه وأنّ محمداً عبده ورسوله، ويقرّ بالطاعة، ويعرف إمام زمانه، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن"7.

وأما الثاني: وهو تحليل ما استدلوا به على أنّ العمل عنصر مقوم للإيمان بحيث لولاه فهو إما كافر أو في منزلة بين المنزلتين. فقد استدلوا بآيات:

1- قوله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ(الفتح:4)، فلو كان الايمان هو التصديق، لما قبل الزيادة والنقيصة، لأن التصديق أمره دائر بين الوجود والعدم، وهذا بخلاف ما لو كان العمل جزءاً من الايمان، فإنه عندئذ يزيد وينقص حسب زيادة العمل ونقيصته، و الزيادة لا تكون إلا في كمية عدد لا فيما سواها، ولا عدد في الاعتقاد8.

يلاحظ عليه, إنّ الايمان بمعنى الاذعان أمرٌ مقول بالتشكيك، ولليقين مراتب بشهادة أنّ يقين الانسان بأنّ الاثنين نصف الأربعة، يفارق يقينه في الشدة والظهور بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس، كما أنّ يقينه الثاني يفارق يقينه بأن كل ممكن فهو زوج تركيبي من ماهية ووجود، وهكذا يتنزل اليقين من القوة إلى الضعف إلى أن يصل إلى أضعف المراتب التّي لو تجاوز عنها لزال وصف اليقين وانقلب إلى الظن أو الشك. فمن ادّعى بأنّ أمر الايمان - بمعنى التصديق والاذعان - دائر بين الوجود والعدم، فقد غفل عن حقيقته ومراتبه، فهل يصح لنا أن ندّعي أنّ ايمان الأنبياء، كإيمان سائر الناس، كلا، لأنّ الأنبياء معصومون، وعصمتهم ناشئة من يقينهم بآثار المعاصي، الّذي يصدهم عن اقترافها، فلو كان اذعانهم كإذعان سائر الناس، لما امتازوا عنهم بالعصمة عن المعصية.

وما ذكروه من أنّ الزيادة تستعمل في الكمية العددية، فهو منقوض بآيات كثيرة استعملت فيها الزيادة في غيرها، قال سبحانه: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلاَْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً(الاسراء:109)، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هذَا الْقُرْآنِ لَيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً(الاسراء:41) والمراد شدة خشوعهم، وشدة نفورهم، لا كثرة عددهما. وغير ذلك من الآيات التّي استعمل فيها ذلك اللفظ فيما ير جع إلى الكيفية لا الكمية.

2- قوله سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ(البقرة:143). والمراد من الايمان، صلاتهم الى بيت المقدس قبل أن ينسخ بالأمر باستقبال الكعبة9.

يلاحظ عليه: إنه لو أخذ بظاهر الآية، فيجب أن يكون الايمان نفس العمل، وهو مجمع على خلافه.

أضف إلى ذلك أنّه استعمل الايمان وأريد منه العمل في المقام، والاستعمال أعم من الحقيقة، ولا شك أنّ العمل أثر الايمان ورد فعل له، فمن الشائع إطلاق السبب وارادة المسبب .

3- قوله سبحانه ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(النساء:65).

أقسم سبحانه بنفسه أنّهم لا يُؤمنون إلا بتحكيم النبي والتسليم بحكمه، وعدم وجدان الحرج في قضائه. والتحكيم غير التصديق، بل هو عمل خارجي10.

يلاحظ عليه: إنّ الآية وردت في شأن المنافقين، فانهم كانوا يتركون النبي ويرجعون في دعاويهم إلى الأحبار، وهم مع ذلك يدّعون الايمان والاذعان والتسليم للنبي. فنزلت الآية بأنه لا يقبل منهم ذلك الادّعاء حتى يرى أثر الايمان في حياتهم، وهو تحكيم النبي في المرافعات، والتسليم العملي أمام قضائه، وعدم إحساسهم بالحرج، وهذا هو الظاهر من الآية، لا أنّ التحكيم بما أنّه عمل، جزء من الايمان. وهذا نظير ما إذا ادّعى إنسان حبّاً لرجل فيقال له: ان كنت صادقاً فيجب انْ يُرى أثر الحب في حياتك فاعمل له كذا و كذا.

4- قوله سبحانه: ﴿وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(آل عمران:97) فسمى سبحانه تارك الحج كافرا11.

يلاحظ عليه: إنّ المراد كفران النعمة، حيث إن ترك فريضة الحج مع الاستطاعة، كفران لنعمته سبحانه، وقد استعمل الكفر في مقابل شكر النعم، قال سبحانه: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(إبراهيم:7).

كما ربما يكون المراد من الكفر جحد وجوب الحج.

وغير ذلك مما استدلوا به من الآيات. وأنت اذا احطت بما ذكرنا، تقدر على الاجابة عن استدلالهم بها12.

نعم، هناك روايات عن أئمة أهل البيت عليهم السَّلام تعرب عن كون العمل جزءاً من الايمان، نظير قول الصادق عليه السَّلام : "ملعونٌ، ملعونٌ من قال: الايمان قول بلا عمل13. والظاهر أنّ هذه الروايات وردت لرد المرجئة التّي تكتفي في الحياة الدينية بالقول والمعرفة، وتؤخر العمل، وترجو رحمته وغفرانه، مع عدم القيام بالوظائف. وقد تضافرت عن أئمة أهل البيت عليهم السَّلام لعن المرجئة 14.

• سؤال:

لو كان الايمان هو التصديق، فهل هو يزيد وينقص.

الجواب:

قد علم هذا مما ذكرنا من كون الايمان ذا مراتب، وأن نفس الاذعان، له درجات. وليس القول بزيادة الايمان ونقصانه مختصاً بمن جعل العمل عنصراً مقوّماً للايمان، بل هو يتحقق أيضاً عند من يقول بأنّ الايمان هو التصديق القلبي، وليس العمل جزءاً منه.

إلى هنا تبيّنت حقيقة الأقوال الأربعة في بيان حقيقة الايمان، وقد عرفت أنّ الصواب هو الأول منها، وهو التصديق القلبي15 


*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص313-322


1- مقاييس اللغة، ج 1، ص 133. و لو جعل سكون القلب تفسيراً للمعنى الثاني أي التصديق لكان أحسن.
2- كشف المراد، ص 270، ط صيدا.
3- الفِصَل، ج 3، ص 206.
4- الفصل، ج 3، ص 206.
5- المصدر السابق نفسه.
6- شرح الأصول الخمسة، ص 139.
7-البحار، ج 66، ص 16، نقلا عن معاني الأخبار للصدوق.
8- الفصل، لابن حزم الظاهري ج 3، ص 194.
9-البحار، ج 66، ص 18.
10- الفصل، ج 3، ص 195.
11- البحار، ج 66، ص 19.
12- مثل قوله سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ(البينة:5) مستدلين بأنّ المشار اليه بلفظة "ذلك"، جميع ما ورد بعد الأمر، من عبادة اللّه سبحانه بالاخلاص وإقامة الصلاة وايتاء الزكاة، استدل به ابن حزم في الفصل، ج 3 ص 194 و قد أجاب عنه الأستاذ دام ظله في الجزء الثالث من بحوثه في الملل و النحل، فلاحظ).
13- البحار، ج 66، باب أنّ الايمان مبثوث على الجوارح، الحديث 1، ص 19، و لا حظ سائر الروايات في هذا الكتاب.
14- لاحظ الوافي، للفيض الكاشاني، ج 3، أبواب الكفر، و الشرك، باب أصناف الناس، ص 46.

15- بقي هنا المرجئة، وهو لا يفترق كثيراً عن القول الثالث من الاكتفاء بالتصديق اللساني

2009-07-23