خيانةُ أبي لبابة وتوبته
غزوة بني قريظة
لقد طلب يهودُ بني قريظة بعد محاصرة النبي صلّى اللّه عليه وآله لهم، أن يبعث إليهم "أبا لبابة"الأوسي ليتشاوروا معه في الموقف، وقد كان أبو لبابة حليفاً لليهود قبل دخول الإسلام إلى المدينة، فأرسله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إليهم،
عدد الزوار: 1530
لقد طلب يهودُ بني قريظة بعد محاصرة النبي صلّى اللّه عليه وآله لهم، أن يبعث إليهم "أبا لبابة"الأوسي ليتشاوروا معه في الموقف، وقد كان أبو لبابة حليفاً لليهود قبل دخول الإسلام إلى المدينة، فأرسله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه وقالوا:يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمَّد؟
قال:نعم وأشار بيده إلى حلقه يريد أنه سوف يقتلهم ولن يحقن دماءهم، لو سلّموا.
لقد كان أبو لبابة يعلم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لن يوافق على بقاء هذه الزمرة الشريرة الخائنة الخطرة على دين التوحيد، إلا أن أبا لبابة قد خان بفعله هذا المسلمين ومصالح الإسلام العليا، وأفشى سرّاً كان عليه أن يكتمه قبل وقوعه، ولهذا ندم على فعله ندماً شديداً، فخرج من حصن بني قريظة وهو يرتجف ويقول: إنّي خنت اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وآله، وانطلق على وجهه، ولم يأت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والمسلمين وهم ينتظرون رجوعه إليهم -وربط نفسه في المسجد بعمود من أعمدته، وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب اللّه عليّ ما صنعت!
ويقول المفسرون:فنزل في خيانة أبي لبابة قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾1.
فلما بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خبر أبي لبابة، وكان قد استبطأه، قال:"أما أنه لو جاءني لاستغفرت له، فأما إذ قد فعلَ ما فعلَ فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب اللّه عليه.“
وبقي أبو لبابة مرتبطاً بالإسطوانة، وكانت ابنتُه أو زوجته تأتيه في مواعيد الصلاة، وتحلّ رباطه، فيصلّي ثم تعيد الرباط.
فلما كان السحرُ من اليوم السابع نزلت توبة أبي لبابة بواسطة ملك الوحي على رسول اللّه وهو في بيت أُم سلمة، والآية التي نزلت في توبته هي قوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾2.
فلما نظرت أم سلمة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهو مستبشر يضحك قال صلّى اللّه عليه وآله لها:"لقد تيب على أبي لبابة إن شئت فبشريه ".
فقامت إليه وهو مرتبط بالجذع في المسجد وقالت له:يا أبا لبابة أبشر فقد تاب اللّه عليك.
فلما عرف الناس بذلك أرادوا أن يطلقوه فقال:لا واللّه حتى يكون رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله هو الذي يطلقني.
فلما مر عليه رسول اللّه صلّى عليه وآله خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه.
ولا شك إن زلّة أبي لبابة كانت بسبب عواطفه تجاه يهود بني قريظة، فقد سلبه بكاء رجالهم ونسائهم، وصبيانهم واستغاثتهم العاطفية القدرة على ضبط النفس، فكشف سرّاً من أسرار المسلمين كان عليه أن يكتمه، ولكنّ قوة الإيمان باللّه والخشية من عذابه أكبر وأعلى من كل شيء إلى درجة أنها دفعت بابي لبابة إلى أن يندم على فعله ذلك الندم العجيب، ويعمد لجبران تلك الخيانة إلى ما فعل من الإنابة، والاستغفار، الأمر الذي تكون نتيجته أن لا تراود مثل هذه الفكرة نفسه مرة أُخرى قط.
*راجع:سيد المرسلين، الشيخ جعفر الهادي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، قم/إيران، 1422هـ، ج2، ص286-288.
1- الأنفال:27
2- التوبة:102