يتم التحميل...

الصلاحيات بناء على دليل الحسبة

صفات وصلاحيات الولي

عندما نتحدث عن صلاحيات الولي الفقيه بناءً على دليل الحسبة، فإن الحديث عادةً ينحصر في موارد ثلاثة هي: أن يكون المورد من الموارد التي يتوقف عليها حفظ لنظام أو من لوازم الحكومة وتشكيلاتها وإدارة البلاد.أن يكون المورد من الموارد التي علمنا بحاجة المجتمع إليها حاجة ضرورية وإن لم يتوقف عليها حفظ النظام.

عدد الزوار: 347

عندما نتحدث عن صلاحيات الولي الفقيه بناءً على دليل الحسبة، فإن الحديث عادةً ينحصر في موارد ثلاثة هي
1- أن يكون المورد من الموارد التي يتوقف عليها حفظ النظام أو من لوازم الحكومة وتشكيلاتها وإدارة البلاد.
2- أن يكون المورد من الموارد التي علمنا بحاجة المجتمع إليها حاجة ضرورية وإن لم يتوقف عليها حفظ النظام.
3- أن يكون من الموارد التي علمنا بأن الشرع لم يرض بتركها.

وعليه: فقد يقال إن صلاحيات ولاية الفقيه بناء على دليل الحسبة منحصرة فيما تتطلبه هذه الموارد الثلاثة دون غيرها، وفيما عدا ذلك من الموارد لن يجري دليل الحسبة ولن تثبت للفقيه ولاية فيها، لانه يقتصر في دليل الحسبة على القدر المتيقن، ومن هنا يُقال أيضاً: دليل الحسبة لا يثبت صلاحيات مطلقة حتى في الموارد المشار اليها سابقاً، بل لا بد وأن يقتصر على الحد الأدنى من الصلاحيات المحققة للمطلوب في تلك الموارد، بخلاف ما لو كان الدليل هو النص.

وهذا يعني أن هناك فرقاً بين الصلاحيات بناءً على دليل الحسبة وبين الصلاحيات بناءً على دليل النص فهل دعوى الفرق صحيحة؟

الذي يظهر بعد التأمل أن مقتضى دليل الحسبة أن الحاكم الذي يقوم بالدور الذي تتطلبه الحكومة وإدارة شؤونها هو الفقيه، وليس شأن العقل أن يحدد هذا الدور وحدوده، بل علينا أن ننظر أولاً هل في الإسلام ما يفيد في هذا المجال أم لا؟ فإن وجدنا لا تصل النوبة إلى حديث القدر المتيقن.

وبعبارة أخرى: هناك مرحلتان مطلوبتان للوصول إلى الصلاحيات قد تنقضيان بمرحلة واحدة وقد لا تنقضيان، وهما

من هو الوالي في الحكومة الإسلامية ؟ وما هو رأي الإسلام في الدور والصلاحيات؟.

والأدلة اللفظية تمكنت من الإجابة عن كلا التساؤلين، أما الدليل العقلي أعني دليل الحسبة، فليس شأنه الإجابة عن السؤال الثاني بل عن السؤال الأول فقط، وإنما نحتاج إليه للسؤال الثاني إن لم نجد الإجابة في الشريعة، فإذا كانت الأدلة بمعزل عن أدلة ولاية الفقيه قد بينت هذا الأمر فإن الدليل العقلي المذكور لا يمنعنا من الأخذ بها.

فالسؤال الذي ينبغي أن يوجه: هل في الأدلة ما يدل على صلاحيات الحاكم الشرعي في الإسلام أم لا يوجد؟ فإن لم يوجد ربما صح ما تقدم من أن صلاحيات الحاكم محددة بالموارد التي يجري فيها دليل الحسبة.

والإنصاف أن الأدلة غير عاجزة عن إثبات ذلك، وذلك لأن هناك كبرى وصغرى، والكبرى تقول: هذه صلاحيات الحاكم الشرعي في الإسلام، والصغرى تقول الفقيه حاكم، وبضم هذه إلى تلك نستنتج أن هذه الصلاحيات هي أيضاً للفقيه بلا فرق بين أن تكون الصغرى ثابتة بالنصوص أم بدليل الحسبة، فالعبرة في تحديد الصلاحيات ليست بالصغرى بل بالكبرى، والكبرى يجب إثباتها إن أمكن بالنصوص والسيرة التاريخية للمعصومين عليهم السلام ونحو ذلك.

لكن الإنصاف يقتضي منا أن نعترف بأن ما قلناه خلاف المشهور، إذ المشهور بينهم أن سعة الولاية وضيقها يتبع الدليل، فإن كان الدليل نصاً لفظياً، ثبتت سعة ولاية الحاكم في الإسلام، وإن لم يوجد النص ولم يكن لنا غير دليل الحسبة وجب إجراء دليل الحسبة على كل مورد يريد الفقيه إعمال ولاية فيها.

لكن الموارد المشار إليها لا تعني أن دائرة الولاية ضيقة جداً بل هي واسعة، لكنها ليست بنفس سعة الولاية الثابتة بالنصوص.

ودائرة الولاية بناءً على الإقتصار على القدر المتيقن تشمل كل ما يتعلق بإدارة شؤون الناس العامة مما يحتاج فيه إلى الولي وهي: ما يرجع إلى النظام العام الذي يتوقف عليه توازن الحياة للمسلمين وغيرهم بما يحفظ مصالحهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية ونحوها، ويقوم به نظام حياتهم كمجتمع.

ويجري على هذا القدر المتيقن جميع أحكام الولاية.


سراية الولاية إلى ولاة الولي‏
هل تنحصر الطاعة في باب الولاية بخصوص الفقيه أم تتعداها إلى غيره؟ فلو عين شخصاً والياً في منطقة، فهل تسري إليه هذه الولاية بحيث يصبح واجب الطاعة مثل الفقيه أم لا؟.

قد ذكرنا فيما سبق أن من صلاحيات الولي تعيين الولاة في المناطق أو في بعض الشؤون، وبناءً على نظرية ولاية الفقيه تسري الولاية حينئذ من الفقيه إلى كل شخص يوليه أمر منطقة ما أو شأناً ما، وهذا من لوازم الولاية، ومعنى ذلك أنه لا يجوز لكل من يخضع لولاية ذلك الشخص المعين من قبل الولي، أن يخالف أمره في دائرة صلاحياته، لأن هذا الولي هو أيضاً من النواب غير المباشرين للإمام المعصوم عليه السلام، والفقيه هو النائب المباشر له.

كما أن من مقتضيات الدليل العقلي هو ثبوت حق لمن يعينهم الولي، لأن العقل مدرك أن الشخص الواحد غير المعصوم لن يتمكن من القيام بمهامه بدون أن يلجأ إلى معاونين وولاة يفوضهم بعض الصلاحيات، وأن هذا التشكيل الإداري والحكومي من لوازم تشكل الحكومة وقيامها بمهامها.

لكن لما كان هذا المنصب من المناصب الخطيرة التي قد تزل فيه أقدام البعض، كان لا بد من تنبيه الطرفين على جملة مسائل يرقى بعضها إلى مرتبة الوجوب، منها ما يخص الوالي وولاته، ومنها ما يخص الرعية والمسائل هي

1- على الوالي وولاته أن يختاروا للمواقع المقصودة أهل الكفاءة، ومن تتوافر فيهم صفات العدالة والأمانة والعلم، فلا يولي الناس محاباة لهم حتى لا يسي‏ء أحدهم استخدام السلطة وحتى لا يورط الناس فيما لا يريده الله تعالى.

وقد دلت على هذا المعنى مجموعة أخبار نذكر منها ما في عهد أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر: "ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة".

2- وعليه أن يطهر بطانته من ذوي المقاصد السيئة، ففي عهد الأشتر: "إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في معاملة، فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال عنهم".

3- وعليهم الإهتمام بالأمة بأفضل ما يمكن، مع رعاية العدل والحق، ففي عهد الأشتر: "وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة... وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة فليكن صغوك لهم وميلك إليهم".

وفي العهد: "فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله".

4- ويتعين أن تكون هناك صلة وصل بين الفقيه الوالي والناس حتى يتمكن الناس من شكاية الولاة إليه إن كانت لديهم شكوى، أو أن ينشر العيون على ولاته حتى يتبين للفقيه مدى صلاحية الشخص الذي ولاه، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يراقب حركة ولاته وينبههم حين يطلع على سوء تصرف منهم، ويعزلهم إن اطلع على خيانة منهم، فإن الشخص ربما كان في بدايته حسن السيرة والإيمان لكن قد تفسده السلطة.

وفي عهد الأشتر: "ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية، وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام الذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة".

5- يتعين على الولاة أن يحسنوا الإدارة، وأن يراعوا جميع القواعد الشرعية في التعامل مع إخوانهم المؤمنين فلا تجذبهم الرئاسة إلى الإستعلاء عليهم والتكبر والغرور.

وفي عهد الأشتر: "ولا تقولن اني مؤمر فأطاع، فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة لدين، وتقرب من الغِير، وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك مما لا تقدر عليه من نفسك".

6- كما لا يحق له التعدي عن صلاحياته بل عليه التقيد بها، ويحق للفرد أن لا يطيعه إن كان المورد خارجاً عن صلاحيات الآمر، بل قد لا يجوز أن يطيعه في هذا المورد إن كان في الأمر خطأ.

7- وعلى الذين يعينهم الولي أن يلتفتوا إلى الأموال الشرعية التي توضع تحت تصرفهم، وليتذكروا دائما شمعة بيت المال التي كان يطفؤها أمير المؤمنين عليه السلام عندما تكون إضاءتها لمنفعة شخصية بحتة لا علاقة لها بالعمل، فليلتفت الأخوة إلى هذه الأمانة فلا يهدروا الأموال ولا يكون همهم في ترف مادي، فلا يزينوا لأنفسهم أن ذلك من مصالح العمل، بل عليهم رعاية الإحتياط قدر الإمكان في هذه الأمانة التي وضعت بين أيديهم.

وفي عهد الأشتر: "وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً... وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر".

* بحوث في ولاية الفقيه،سلسلة المعارف الإسلامية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية،  ط3، 2007م، ص61-66


2010-04-30