يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في أوّل لقاء مع حكومة الدورة الرابعة عشرة

2024

بتاريخ 2024/08/27م.

عدد الزوار: 48

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في أوّل لقاء مع حكومة الدورة الرابعة عشرة، بتاريخ 2024/08/27م.

بسم الله الرحمن الرحيم[1]

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.


بدايةً، نكرّم ونجلّ أيّام الأربعين من أعماق قلوبنا ووجودنا، ونشكر الله على حركة الناس في الأربعين، المستمَدَّة من لطف الله المتعالي.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، نبارك لكم حلول أسبوع الحكومة، ونرجو أن يكون هذا الأسبوع، إن شاء الله، مصدر أمل وبشارة لجميع سنوات مسؤوليّتكم الطويلة، وأن يحمل تقارير مُسرَّة.

نُكرّم ذكرى الشهيدين العزيزين، الشهيد رجائي والشهيد باهنر، حيث أُطلق اسم «أسبوع الحكومة» على هذا الأسبوع تيمّناً بهما، ولهذه التسمية رمزية خاصة، وهي أنّ الحكومة تكرّم الشهداء، وتحتفي بنهجهم، وحقّاً كان الأمر كذلك إلى حدٍّ ما، بحمد الله.
نُكرّم ذكرى شهيدنا العزيز، رئيس الجمهورية الراحل، السيّد رئيسي، ونسأل الله المتعالي أن يُديم هذا اللقب الطيّب البارز الذي منحَهُ إيّاه، ويخلّده، نسأل الله أن يرفع درجاته ودرجات رفاقه، بما في ذلك وزير خارجيّته[2]، ويُديمها.

نشكر الله المتعالي؛ لأنّه بحمده، شُكّلت الحكومة بجهود رئيس الجمهوريّة المحترم، وبمساعدة قيّمة من المجلس؛ وهذه نعمة كبيرة. في بعض الحكومات السابقة، كانت الحكومة تستغرق أحياناً شهراً أو أكثر لتتشكّل؛ إذْ لم يكن يحصل جميع الوزراء على الثقة من المجلس، ولكنّ الله منّ عليكم وعلينا وعلى البلد بلطفه، حيث خرج جميع الوزراء من المجلس غانمين، بعد نيلهم ثقة منه. إنّ كل من ساهم بشكل فعال في هذه الانتخابات وتشكيل الحكومة بعد تلك الحادثة الأليمة والمريرة، أجره على الله المتعالي: القائمون على الحكومة السابقة، ومؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، والمسؤولون المختلفون الذين ساهموا في أن يتمكّن البلد بعد تلك الحادثة الأليمة من دخول ميدان الانتخابات بنشاط، وإجراء انتخابات رئاسة الجمهوريّة بأمن وسلامة تامّين، ثمّ اختيار الوزراء؛ وحقّاً يجب أن نشكرهم جميعاً، كما يجب علينا أن نكون شاكرين جدّاً لله المتعالي. سأعرض الآن بعض النقاط، وسأعود أيضاً إلى نقطة الشكر هذه تباعاً.

خاض رئيس الجمهوريّة هذا الميدان بجُهودٍ ومساعٍ حثيثة من أجل اختيار الوزراء الذين ينبغي أن يتعاونوا مع جنابه، وقد استشارني - أنا العبد - أيضاً، فأيّدت بعض الأفراد الذين كنتُ أعرفهم، أو بَلَغَتْنا أهليّتهم عبر مصادر موثوقة، وأكّدت بشأن بعضهم أيضاً، بينما قلت أنْ ليس لديّ رأيٌ بشأن العدد الأكبر منهم لعدم معرفتي بهم. حسناً، استطاع جنابه - بحمد الله - إتمام الاختيار، وإقناع المجلس أيضاً، وكان هذا نجاحاً كبيراً نشكر الله عليه.

اليوم، جميع الوزراء المحترمون، وكذلك أنتم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين نلتم ثقة رئيس الجمهوريّة والمجلس، وصلتم إلى المناصب العليا في هذا البلد، ومن واجبنا جميعاً أن ندعمكم، ونساعدكم - إذا احتجتم إلى المساعدة - ونسعى جاهدين لتكونوا موفّقين في أعمالكم، إن شاء الله.

لقد دوّنت بعض النقاط التي أودّ ذكرها: النقطة الأولى هي مسألة شكر الخالق، أنتم اليوم في موقع يمكنكم أن تكونوا مؤثّرين في تقدّم البلد وإدارة شؤونه؛ الوزارة قد منحتكم هذه الفرصة، هذه نعمة إلهيّة أن يتمكّن الإنسان من خدمة الناس، فهذه نعمة عظيمة. كثيرون يتمنّون أن يخدموا، ولكن لا تسنح لهم الفرصة، لقد منحكم الله هذه الفرصة؛ فاشكروه، وكونوا شاكرين ومقدّرين، واطلبوا العون من الله المتعالي، وعدّوا هذه المسؤولية أمانة من الله وأمانة من الناس، واحرصوا على صون هذه المسؤوليّة، والمهمّة الكبيرة. طبعاً، هذه السنوات الأربع هي جزء من عمر الإنسان وتمرّ بسرعة البرق، الآن، وأنا في سنّ الخامسة والثمانين، عندما أنظر إلى الوراء، أرى أن هذه الـ 85 عاماً قد مرت بسرعة البرق. هكذا هي الحال؛ السنوات الأربع تمرّ بسرعة، ولكن في هذه المدّة القصيرة نفسها يمكن إنجاز أعمال كبيرة. «أمير كبير»[3] حكم البلاد لمدّة ثلاث سنوات، وأسَّس لأعمال كبيرة، كذلك، فإنّ السيّد رئيسي العزيز قد حكم البلاد وترأّسها لمدّة ثلاث سنوات، وأنجز أعمالاً جيّدة، وأسّس بعض المشاريع التي نأمل أن تقطف البلاد ثمرتها في المستقبل، إن شاء الله. لذا، يمكنكم العمل وتحقيق إنجازات كبيرة خلال هذه الأربع سنوات، بصحّة وعافية، إن شاء الله.

النقطة الثانية هي أنّ أحد شروط فاعليّة القائمين على الحكومة هي أن يعرفوا مقدّراتهم، وأن يعرفوا ثرواتهم المتاحة، وكذلك القابليّات والإمكانات القابلة للتفعيل. لقد صادفت خلال سنوات طويلة مسؤولين لم يكونوا على دراية بهذه [الإمكانات]؛ لم يعرفوا القوى البشريّة في البلاد، ولم يعرفوا الموارد الطبيعيّة المتاحة. في إحدى المرّات، قال لي أحد المسؤولين إنّنا بحاجة لاستخدام مهندسين أجانب لإنشاء الطرق السريعة، واليوم، على يد شبابكم، أُنشئت الطرق الحُرّة والسريعة في جميع أنحاء البلاد، ولم نعد في حاجة إلى هؤلاء الأجانب؛ وانعدام الدراية هذا يعدّ عيباً كبيراً، وهناك أمثلة متنوّعة أخرى في ذهني لا داعي لذكرها.

اطّلعوا على المقدّرات، لدينا، بالفعل، الكثير من الثروات، وقابلّياتنا تفوق بكثير ما نملكه. لدينا أنواع متعدّدة من الموارد والإمكانات؛ أي الموجودة بالفعل أو التي يمكن تفعيلها، واحدة منها، هي الإمكانات الطبيعيّة؛ لدينا موارد ضخمة من الثروات الطبيعيّة؛ لدينا النفط، والغاز، وأنواع مختلفة من الموارد القيّمة. في هذه الصحراء التي ترونها، كما قال لي بعض المختصّين بالصحراء في وقت ما، إنّ هناك موارد هائلة؛ ثروات قيمتها تتجاوز قيمة النفط والغاز، لدينا الكثير من هذه الموارد. لدينا موقع جغرافيّ فريد من نوعه في هذه المنطقة، من حيث الأرض، نقع في نقطة تقاطع بين الشرق والغرب والشمال والجنوب؛ وهذا موقع في غاية الأهمّية. من حيث المناخ؛ التنوّع المناخيّ هو فرصة كبيرة لدينا. بالنسبة إلى السواحل الممتدّة للمياه المفتوحة، لدينا هذه الفرصة؛ جزرنا، وسواحلنا، كلها تعدّ فرصاً لنا. منطقة مكران - لحسن الحظ - تحدّث معي بشأنها جناب رئيس الجمهوريّة، وذكرها مرّات عدّة، وهو مهتمّ بها، هي فرصة كبيرة. لدينا الكثير من قبيل هذه الفرص؛ وهي فرص طبيعيّة.

ثمّة نوع آخر من الفرص، وهو فرص الموارد والقدرات البشريّة. لدينا في هذا البلد ملايين من الشباب المتعلّمين المتعطّشين للعمل، إذا استطعنا الاستفادة من هؤلاء الشباب، والتعرّف إليهم، واستخدام طاقتهم وأفكارهم؛ فإنّ ذلك سيخلق عالماً من الفرص والعمل للبلاد. الشباب المتعلّمون، والمواهب اللامعة، والطاقات العلميّة، والقابليّات الصانعة للنوابغ؛ عندما نلقي نظرة على شخصيّات مثل خواجه نصير الدين الطوسيّ، أو ابن سينا، أو محمّد بن زكريّا الرازي، أو الملّا صدرا، أو غيرهم من العلماء البارزين الذين عاشوا في بلادنا حتى عصرنا، فإنّ ذلك يظهر لنا أنّ سقف طموحاتنا الفكريّة والعلميّة عالٍ جدّاً، ويمكننا الوصول إلى تلك المستويات. بعد ألف عام، ما زالت كتب ابن سينا تلقى اهتماماً في العالم؛ وهذه مسألة في غاية الأهمّيّة، إنّها ظاهرة مهمّة. لدينا القدرة على صنع النوابغ؛ أي يمكن أن يظهر نوابغ بين شبابنا، هذه هي الفرص والإمكانات البشريّة التي نملكها.

إيمان شعبنا يعدّ من إمكاناتنا؛ فهذا الإيمان الذي يتمتّع به الناس، سواء كان إيماناً دينيّاً أو سياسيّاً، هو قيّم للغاية؛ وهو نوع من الإمكانات. من أنواع الإمكانات الأخرى هي القدرات السياسيّة للبلاد، مثل عمقنا الاستراتيجيّ، في السابق، كانت تُعرف إيران بالسجّاد والنفط، أما اليوم، فإنّ العالم يعرف إيران بالعلم، والتقدّم العسكريّ، والقوّة الإقليميّة، والعمق الاستراتيجيّ؛ وهذه فرصة متاحة في أيدينا. القدرة على التأثير في دول العالم وفي المنطقة ليست أمراً بسيطاً، بل هي مسألة مهمّة للغاية؛ وهذه أيضاً من الفرص التي نملكها.

الفرصة الأخرى، وهي من أعظم الفرص، ألا وهي الخبرات؛ يجب علينا أن نُقدّر هذه الخبرات. «الْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ»[4] وهو قول لأمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي يعدّ الاستفادة من التجارب وحفظها علامةً من علامات الحكمة، «وَخَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ»[5]؛ أي التجربة التي بإمكانها أن تعلّمك درساً، وتدلّك على الطريق. لدينا تجارب جيّدة؛ فقد جاءت حكومات مختلفة فعلت أموراً أصبحت تجارب بالنسبة إلينا: ثمّة أمور كان لا بدّ ألّا تفعلها ولكنّها فعلتها، فلحق بنا ضرر؛ وثمّة أمور كان يجب أن تفعلها ولكنها لم تفعلها، ممّا سبب لنا ضرراً؛ وهناك أمور كان يجب أن تفعلها وقد فعلتها، فحقّقنا من خلالها الفائدة. هذه كلها تجارب يمكن الاستفادة منها.

النقطة التالية: اختيار الزملاء؛ ففي النهاية ستختارون زملاء عمل، ونصيحتي لكم هي أن تركّزوا على الاستفادة من الزملاء الذين يتمتّعون بهذه الخصائص: شباب، مؤمنون، ثوريّون، ملتزمون، ومفعمون بالدوافع. هؤلاء هم من يستطيعون تقديم الدعم والمساعدة لكم في شتّى المجالات العلميّة والبحثيّة، مثل مجال الطاقة النوويّة، ومجال النانو، والخلايا الجذعيّة، وغيرها من المجالات التي تُعدّ من العُقد الكبيرة على المستويين العلميّ والبحثيّ حول العالم، استفدنا من هؤلاء الشباب، وقد حقّقنا تقدّماً ملحوظاً. لقد أُحرزت بحمد الله إنجازات كبيرة في هذه المجالات. تلك الخصوصيّة هي هذه: استفيدوا من هؤلاء الشباب، لأنّهم حلّالون للعُقد، إضافةً إلى ذلك، عندما تُدمجون الشباب في المناصب الإداريّة المختلفة، بدءاً من المستويات الأدنى، فإنّكم بذلك تساهمون في تنشئة جيل من المديرين المفعمين بالدوافع للمستقبل، بمعنى آخر، إنّكم من خلال إدخال الشباب إلى هيكلكم التنظيميّ، فإنّهم يكتسبون الخبرة، وتكونون قد أنتجتم للغد جيلاً بارزاً من المديرين المتحفّزين، وهذا برأيي ينطوي على قيمة كبيرة جدّاً، وعندما ناقشنا هذا الموضوع مع السيّد رئيس الجمهوريّة، تمّ التطرّق إلى النقطة نفسها، إذا تمكّن جنابه من إعداد مئة شاب - على سبيل المثال - مؤمنون، مفعمون بالدوافع، ثوريّون وملتزمون، ثمّ سلّمهم إلى البلاد في نهاية ولايته، سيكون قد تمّ بذلك تحقيق إنجازٍ عظيمٍ برأيي. إذاً، هذا في ما يرتبط بقضيّة اختيار الزملاء. لقد حقّق المرحوم الشهيد رئيسي إنجازات جيّدة في هذا الصدد، ونسأل الله أن يوفّقكم لتحقيق إنجازات أعظم بأضعاف من إنجازات سماحته. هذا في ما يخصّ النقطة الثالثة.

النقطة الرابعة تتعلق بمسألة الاستعانة بالخبراء: في الحملة الانتخابية للدكتور بزشكيان والتصريحات التي تم الإدلاء بها، تكرّرت الإشارة إلى أهمّيّة الرجوع إلى الخبراء. أنا أؤمن إيماناً راسخاً بقضيّة الاستعانة بهؤلاء الخبراء، وأعتقد أنّ الحكومات التي تعتمد على العمل القائم على الخبرة سيكون حكمها حكيماً وعقلانيّاً، ولن يكون حكماً يقوم على المحسوبيّات والصداقات والتوصيات الشخصيّة. من خصائص العمل المستند إلى رأي الخبراء أنّه قد يتطلب منك أحياناً اتّخاذ قرارات قد تغضب بعض الأصدقاء، والمعارف، وأصحاب النفوذ، وأمثال هؤلاء، وتكون عكس إرادتهم، ولكنّك في النهاية ترضي الشعب، وتدفع بالبلاد نحو التقدّم؛ فهذا هو جوهر العمل المستند إلى رأي الخبراء. أنا أؤكّد وأشدّد على أهمّيّة العمل القائم على الخبرة، لكن هناك نقطة يجب الانتباه إليها عند اختيار الخبراء: أحياناً، في بعض الحالات، تبرز الترسبات الذهنية الخاطئة لدى أحد الخبراء وتظهر بلغة الخبرة، وبثوبٍ علمي، مما يؤدّي إلى بروز مشكلات، إذ تُفرَض عليكم تلك الآراء الخاطئة السائدة في ذهن ذاك الخبير أو سماته الأخلاقية. لدى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً توصيات في هذا المجال: «لا تُدْخِلَنَّ في مشورتكَ بَخيلاً... ولا جباناً». ما معنى ذلك؟ يعني أن يكون من تستشيره غير بخيل، لماذا؟ لأنّ البخيل قد يمنعك من تقديم المساعدة للآخرين إذا قرّرت ذلك، وسيقول لك إنّ جيبكَ سيخلو من المال، ولا تستشر الجبان، فلا تأخذ رأي الخبير الخائف؛ لأنّه كلّما أقدمت على عمل كبير أو اتّخاذ خطوة إيجابيّة وكبيرة، سيخوّفك من العواقب، ويقول إنّك لو فعلت كذا سيحصل كذا وكذا.

«وَلا حَريصاً»[6]، أي لا تستشر الحريص، بمعنى ألّا تطلب منه رأيا؛ لأنّ الحريص سيحاول أن ينقل حرصه إليك. هذه أمثلة بطبيعة الحال، توضّح أنّ خصائص الشخص الذي تستشيره يمكن أن تؤثّر في رأيه الاستشاريّ، وقد تُسبّب لنا المشاكل. لذا، يجب أن نحرص على الاستعانة بخبراء مؤمنين، صادقين، ومعتقدين بقدرات البلد الداخليّة، وبموارده الوطنيّة. فلنجتنب الاستفادة من خبراء يبحثون عن وصفات أجنبيّة بالية [تمّ تجاوزها منذ زمن]. في بعض الأحيان، تأتي وصفات اقتصاديّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة، مثلاً، طُرحت خارج البلاد قبل خمسين أو سبعين سنة، ثم عفا عليها الزمن، فنأتي نحن الآن بتلك الوصفة ونطرحها هنا! احذروا من أن يكون الخبير على هذا النّحو، وإلا فإنّ أصل الاستعانة بالخبراء ضروريّ.

النقطة التالية هي بشأن الحضور بين الناس، إذا زرتم المحافظات، وقيل إنّ ذلك شعبويّة أو «بوبوليسم»[7]، فلا تعيروا اهتماماً لهذه الأقاويل، إنّ معرفة حقيقة ما يدور في حياة الناس لا يمكن أن تتمّ من خلال الملفّات والتقارير المكتوبة [فقط]، بل يجب عليكم أن تذهبوا لتروا بأنفسكم، وتسمعوا من الناس مباشرة، عندما يذهب المرء [إلى الناس]، ويستمع، ويشاهد، يكتشف فروقات كبيرة بين ذلك كلّه، وما بَلَغَنا في التقارير. لا أريد أن أقول إنّ التقارير كلّها مغايرة للواقع، أو خاطئة، كلّا! بل لدينا تقارير جيّدة أيضاً، لكنّ التقارير لا تعكس الواقع كاملاً. عندما كنت أستعدّ للمجيء إلى هنا، سألت شخصاً عاد للتوّ من مسيرة الأربعين عن تجربته، فقلت له: «كيف كانت المسيرة، هل كانت جيّدة؟» فأجاب: «إذا اجتمع جميع العلماء، والشعراء، والمفكّرين، فلن يستطيعوا وصف حتى جزء بسيط ممّا يحدث فعلاً!» هذا ما قاله لي شخص قبل ساعة فقط. بمعنى أنّ المشاهدة - أي أن يرى الإنسان الحدث من قرب - هي تجربة مختلفة تماماً. كونوا حاضرين بين الناس، وتواصلوا معهم بشكل مباشر، وفي بعض الأحيان زوروا بيوتهم في المدن أو القرى، وفي المناطق المنكوبة بالزلازل أو الفيضانات، زوروا خيامهم، اذهبوا لترَوا وتسمعوا منهم، ثم اتخذوا قراراتكم بناءً على ذلك، لذلك، فإنّ وجودكم بين الناس وزيارة المحافظات أمر جيّد جدّاً، ويجلب لكم التوفيقات.

النقطة التالية تتعلّق بالعدالة. حسناً، «العدالة» كلمة تتكرّر في جميع حواراتنا، الدكتور بزشكيان أيضاً، سواء خلال الانتخابات أو الدعايات الانتخابيّة، أو بعد ذلك، أو حتّى في جلستنا هذا اليوم، تحدّث عن العدالة وأهمّيّة العدالة، وهذا صحيح؛ أنا لا أريد مناقشة ضرورة العدالة، فهي من المسلّمات والبيّنات في النظام الإسلاميّ والثورة، النقاش ليس هنا، النقاش هو في كيفيّة تحقيق العدالة. ما هي الحلول المتاحة؟ جميعنا نريد أن تتحقّق العدالة، وتُقرّ في القوانين والأنظمة والبرامج باستمرار، ولكن كيف تتناسب هذه الأمور مع تحقيق العدالة؟ إلى أيّ مدى يمكن أن تتحقّق العدالة التي ننشدها ونكرّرها باستمرار؟ قبل سنوات عدة طرحت فكرة «ملحق العدالة»[8]؛ قلت إنّه يجب أن يتمّ إعداد ملحق عدالة خاصّ بكلّ قانون تقرّونه أو قرار مهمّ تتّخذونه، سواء كان قانوناً أو قراراً مهمّاً. المرحوم السيّد رئيسي تقدّم قليلاً في هذا المجال؛ فقد أنجز سماحته بعض الأعمال، لكنّ العمل لم يكتمل. أودّ أن أقدّم هذه التوصية لكم: يلزم وجود ملحق للعدالة، ملحق العدالة ليس مجرد إجراء إداريّ أو أنموذجاً شكليّاً، بل هو مسألة حقيقيّة؛ بمعنى أنّ الجهات، مثل منظّمة التخطيط، على سبيل المثال، التي تقوم على إعداد البرامج واتّخاذ القرارات، وصياغة القوانين وتجهيز القوانين، يجب أن تراقب الآثار الاجتماعيّة لهذه القوانين والبرامج على الفجوة الاجتماعيّة، هل ستقلّلها أم ستزيدها، وهل ستؤثّر على الفجوة الطبقيّة سلباً أم إيجاباً، فليراقبوا هذا الأمر، إذا تبيّن أنّ البرنامج يزيد من الفجوة الطبقيّة، يجب تعديل البرنامج أو حذف الأجزاء التي تسبّب ذلك. هذا ما يعنيه «ملحق العدالة»، وهو ليس مجرّد إضافة ورقة إلى قانوننا وتحديد شروط معيّنة؛ لا، بل يجب أن يكون ضمن القانون نفسه. هذا ليس بالأمر السهل، بل هو عمل صعب ومعقّد. طبعاً، علمت أنّ مجموعة من الشباب الجامعيين الفضلاء والمطّلعين قد أعدّوا برنامجاً لهذا الغرض، وإذا رغبتم في ذلك، يمكنكم مراجعتهم، وطلبه منهم، واستخدامه إذا كان مناسباً لكم. على أي حال، مسألة العدالة لا تتحقّق بالكلام والتمنّيات والطلبات والتكرار والتهديدات وأمثال هذه الأمور. العدالة تتطلّب التنفيذ، والدافع، والخوض في الميدان. لحسن الحظ، هناك حافز لذلك؛ فأنا أرى أن لدى جنابه[9] الدافع لتحقيق ذلك. حسناً، ابحثوا عن الطريقة المناسبة لتحقيق العدالة، وامضوا قدماً نحو إيجاد الوسائل التي تضمن تنفيذها، يجب أن تُنفّذ الأمور بطريقة تجعل أيّ مدير أو مسؤول غير قادر على التعدّي على المسار الذي يؤدّي إلى تحقيق العدالة.

النقطة التالية تتعلق بمراعاة الأولويّات، لدينا وقت محدود، وموارد ماليّة محدودة أيضاً، وأعمال كثيرة كذلك، لذا عليكم أن تحدّدوا ما هي الأولويّات، فلدينا نوعان من الأولويّات: إن كانت تلك الأولويّات المتعلّقة بالأعمال الأساسيّة والبنية التحتيّة، أو الأولويّات المرتبطة بالأمور العاجلة، بعض الأولويّات تتعلّق بالقضايا العاجلة، مثل معالجة قضايا التضخّم وغلاء الأسعار، والتي يجب التعامل معها بشكل مناسب في المجتمع، بينما بعض القضايا تتعلّق بالبنية التحتيّة، وإذا لم نبدأ بها اليوم، فسنحتاج إلى بدء العمل عليها بعد عشر سنوات. على سبيل المثال، تشكيك بعض الأشخاص بشأن فائدة الطاقة النوويّة ناتجٌ عن الغفلة عن هذه القضيّة، فعلى أيّ حال، لا يمكن لهذه البلاد أن تحرم نفسها من هذا الإمكان العلميّ المتقدّم حول العالم، وإذا لم تبدأوا اليوم، سيتوجّب عليكم البدء بعد عشرة أعوام أخرى، [وحينها] ستكونون متأخّرين عشرة أعوام.

على سبيل المثال، أشرت إلى الموقع الجغرافيّ؛ حاليّاً، لدى الحكومة خطط تتعلّق بمسارات «الشمال-الجنوب» و«الشرق-الغرب»، ويعدّ مسار «الشمال-الجنوب» أكثر أهمّيّة، شمال [البلاد] يربطنا بمجموعة من الدول التي تصل إلى أوروبا وأماكن أخرى، بينما يحتوي جنوبنا على البحر والمحيط الهنديّ ومجموعة من دول آسيا بعظمتها تلك، نحن نقع في المركز والوسط؛ وهذه أولويّة مرتبطة بالبنية التحتيّة لا يمكن الاستغناء عنها، ويجب متابعتها، لدينا أيضاً أولويّات من هذا القبيل متعلّقة بالبنية التحتية.

مسألة الأمن الغذائيّ تعدّ من الأولويّات المهمّة، وبمناسبة ذكر موضوع الأمن الغذائيّ، [أشير إلى أنّ] الاكتفاء الذاتيّ في إنتاج القمح، وقضيّة كيفيّة استخدام المياه في الزراعة مهمٌّ للغاية، فهناك أساليب حديثة يطبّقها بعض الأشخاص، وقد سمعت أن بعض الأشخاص قد ناقشوها مع الدكتور بزشكيان أيضاً، وقد تواجه بعض التحدّيات في البداية، وقد تكون مكلفة، لكنّها بلا شكّ ستكون ذات جدوى في المستقبل، ويجب علينا متابعة هذه المسائل لأنّها تتعلّق بالبنية التحتيّة، وهذه هي أولويّاتنا الأساسيّة.

ومن هذا القبيل أيضاً، تنمية قضيّة النفط، تشمل هذه التنمية كلّاً من قطاعات المنبع لقطاع النفط، مثل الآبار والتقنيات الحديثة لاستخراج النفط المطروحة في العالم اليوم، والتي نحن متأخرون فيها، فيجب علينا الاستفادة القصوى من إمكاناتنا، وأن نوفّر هذه الأساليب، كما تشمل التنمية أيضاً قطاعات المصبّ، مثل المصافي، ومثل الوصول إلى المنتج النهائيّ. في الوقت الحالي، منتجاتنا النهائيّة من النفط تتضمّن البنزين أو المازوت، بينما ليست هذه المنتجات النهائيّة، بل هناك منتجات أخرى كما يُذكر يمكننا الوصول إليها. هذه أمور تعدّ من الأولويّات التي يجب أن يجري - إن شاء الله - الاهتمام بها.

النقطة التالية التي دوّنتها، والتي ستكون النقطة الثامنة، تتعلّق بالفضاء الافتراضي. الفضاء الافتراضيّ عالمٌ جديد بطبيعة الحال، وأنتم بالتأكيد أكثر اطّلاعاً مني عليه، فهو لم يعد افتراضيّاً اليوم، بل هو واقعٌ ملموسٌ في حياة الناس، وآخذٌ بالتوسّع يوماً بعد يومٍ أيضاً، المهمّ هو أن يكون هناك سيادة للقانون في الفضاء الافتراضيّ، وهذا ما يدفعني أحياناً إلى القول بأنّ الفضاء الافتراضيّ متروكٌ بلا ضوابط، [أيْ ينبغي] تطبيق سيادة القانون، فإذا لم يكن لديكم قانون، عليكم سنّ قانون، والإمساك بزمام الأمور بموجبه، هذا ما يفعله العالم كلّه، ترون ما جرى لذاك الشاب المسكين، وكيف يعامله الفرنسيّون بكلّ تلك القسوة؛ يعتقلونه[10]، ويهدّدونه: سوف نحكم عليك بالسجن لعشرين عاماً؛ وذلك لأنّ هذا الشاب انتهك سيادة قوانينهم، فانتهاك سيادة القانون أمرٌ مرفوض. ثمّة دولة بأكملها في عهدتكم، وتقع على عاتقكم مسؤوليّة تجاهها، ولديكم مهمّة تؤدّونها، فلا يمكن السماح بتقويض سيادتكم عليها، يجب ألّا تُنتهك [سيادة القانون]، هذه هي القضية. وبمناسبة الحديث عن الفضاء الافتراضيّ، أعربتُ عن رأيي ومبنايَ، وقد ذكرت ذلك سابقاً، ومع ذلك، بعض الأشخاص يفسّرونه أو يفهمونه بنحوٍ مغاير، أو ربّما لا يريدون فهمه، لكنّ ذاك هو رأيي، يجب أن يُنظّم الفضاء الافتراضيّ في البلاد بناءً على القانون، وعندئذٍ يتحوّل إلى فرصة. إذا استطعنا فرض سيادة القانون في الفضاء الافتراضيّ، فسيغدو فرصة للبلاد، وإلّا فقد يتحوّل إلى تهديد.

وفي هذه المناسبة، أطرح قضيّة الذكاء الاصطناعي، وقد أشرتُ إليها في جلسة التنفيذ تلك[11]. لاحظوا، يشهد الذكاء الاصطناعيّ اليوم تسارعاً مُذهلاً، أي يُذهل المرء للسرعة التي شهدتها هذه التقنيّة العجيبة في العالم، والتي تنطلق إلى الأمام. حسناً، أجهزتنا، مختلف أجهزتنا الآن، العسكريّة وغير العسكريّة، تستفيد من الذكاء الاصطناعيّ، وتنتفع منه، لكن يجب ألّا يخدعنا هذا الأمر؛ إذْ لا يعدّ مجرّد الانتفاع امتيازاً في قضيّة الذكاء الاصطناعيّ، فهذه التقنيّة لها مستويات عميقة ينبغي إتقانها، تلك المستويات هي بأيدي الآخرين، وإذا لم تتمكّنوا من فهم المستويات العميقة والمتنوّعة لهذه التقنية، والحصول عليها، فإنّهم سيؤسّسون هيئة للذكاء الاصطناعيّ، شبيهة بالوكالة الدوليّة للطاقة الذرّيّة، وهم يضعون الأسس لذلك حاليّاً، فإذا أردتم [مثلاً] الوصول إلى تلك المرحلة، يتعيّن عليكم الحصول على إذن لاستخدام الذكاء الاصطناعيّ في القطاع الفلاني، ولا يحقّ لكم الاستفادة منه في القطاع الفلاني الآخر، هكذا ستكون الحال. هذا هو ما يسعى إليه الدهاة في العالم، سيجري تأسيس وكالة ذكاء اصطناعيّ، وحينها لن يسمح لكم المنتهزون للفرص، والساعون إلى الهيمنة في العالم، بتخطّي هذه العتبة. يجب عليكم أن تصلوا بأنفسكم إلى التقنيّات العميقة والأساسيّة لهذه القضيّة، ومستويات البنية التحتيّة لها. يجب أن تتابعوا [تأسيس] البنى التحتيّة للذكاء الاصطناعيّ في البلاد، فليتابع المسؤولون عن هذه القضايا هذه الأمور، إن شاء الله. بالطبع، في عهد الحكومة الثالثة عشرة، شُكّلت منظمة تُسمّى «المنظّمة الوطنيّة للذكاء الاصطناعيّ»، تحت إشراف رئيس الجمهوريّة، كانت هذه خطوة جيّدة، لكنّ العمل بقيَ ناقصاً للأسف. إذا استمرّت المنظمّة نفسها تحت إشراف رئيس الجمهوريّة الحاليّ بالعمل، فهناك أمل كبير في أن تسير الأمور كما تمّت الإشارة، إن شاء الله.

النقطة التالية تتعلّق بالاقتصاد، والتي صراحةً ليس لديّ الكثير لأضيفه في هذا الصدد، ما يؤكّده لنا العديد من الخبراء الموثوقين بشأن المسألة الاقتصاديّة هو أنّ مفتاح حلّ المشكلات الاقتصاديّة في البلاد يكمن في الإنتاج؛ أي من ناحية العرض، إذا تمكّنّا من زيادة الإنتاج، ستحلّ مشكلة التضخّم، وستُعالج مشكلة البطالة، وستُحلّ مشكلة قيمة العملة الوطنيّة، يجب أن نأخذ مسألة الإنتاج على محمل الجدّ. إذا أردنا أن تتقدّم البلاد في الإنتاج الوطنيّ، فإنّها بحاجة إلى دعم الحكومة؛ ولا يمكن تحقيق ذلك دون مساعدة الحكومة. تطوير بيئة العمل وأمثال هذه الأمور التي يتمّ الحديث عنها دائماً، يجب أن تُنفّذ. قبل بضعة أشهر، زارتنا مجموعة من روّاد الأعمال الاقتصاديّين وتحدّثوا معنا[12]، عندما يستمع المرء إلى كلام هؤلاء، يرى أنّ القدرات التي يمتلكها هؤلاء الروّاد مذهلة حقاً، يمكنهم إنجاز أعمال جيّدة، وقد أنجزوا في بعض الأحيان أعمالاً تبدو مستحيلة، وحقّقوا أرباحاً واستفادوا منها، وساهموا في تقدّم البلاد؛ وهم جميعاً يكرّرون أنّهم بحاجة إلى مساعدة الحكومة، لذا يجب على الحكومة أن تقدّم لهم العون.
هناك نقطة أخرى مهمّة، وهي مسألة السكّان والشيخوخة المبكرة للبلاد، وهي مسألة شديدة الأهمّيّة، قبل أربعين عاماً، كان معدّل النموّ السكّانيّ لدينا 3.5%، وهو معدّل مرتفع جدّاً، لذا، شعر بعض الأشخاص بالقلق، فأقرّوا بعض القوانين وفرضوا بعض القيود. الآن، معدّل النموّ السكّانيّ لدينا ليس 3.5% - بالطبع، لا أعرف الأرقام الدقيقة حاليّاً، وليس لديّ إحصاءات جديدة - ولكن قد يكون مثلاً 0.5 بالمئة، أو في أقصى حدّ شيء من هذا القبيل، ومع ذلك، نريد أن نطبّق القوانين نفسها! هذا غير منطقيّ. يجب أن تكون القوانين مرنة، فعندما يتزايد السكّان بنحوٍ غير منضبط، من الجيّد أن يتمّ تقييد ذلك؛ ولكن عندما يتوقّف النموّ السكّانيّ أو يتراجع، وتصبح البلاد مهدّدة بالشيخوخة، يجب حينها تغيير القوانين فوراً وفقاً لاحتياجات البلاد.
أطلب بشدّة من الدكتور ظفرقندي، وزير الصحّة المحترم، أن يهتمّ شخصيّاً بهذه المسألة ويتابعها؛ فلتتعاملوا مع هذه القضيّة بجدّيّة، ولا تسمحوا باستمرار هذه العقبات التي تعيق الإنجاب والولادة - والتي للأسف هي كثيرة -، وأن تسيطروا عليها بالكامل. لقد أنجزتم الكثير من الأعمال البارزة في شبابكم، ولكن قد لا تكونون قادرين على إنجاز تلك الأعمال نفسها اليوم. نحن بحاجة إلى الشباب في البلاد. إذا أصيبت البلاد- لا قدر الله - بهذه العواقب الوخيمة والصعبة، أي شيخوخة السكّان، فلن يكون هناك أيّ علاج، كثير من البلدان تعاني اليوم من هذه المشكلة، هذا في ما يخصّ مسألة السكّان.

المسألة الأخرى هي مسألة تجنّب الخوف من العقبات، أودّ أن أوضّح للسادة والسيّدات أنّه لا يوجد عمل يخلو من العقبات؛ لن تجدوا أيّ مشروع لا تواجهون فيه العقبات، فهناك دائماً عقبات، عندما يواجه بعض الأشخاص عقبةً ما، يكون خيارهم الأوّل هو التراجع، وهذا خطأ، حاولوا تجاوز العقبة، أو الالتفاف عليها، بعد أن تفعلوا كلّ ما في وسعكم، قد تلجؤون حينها إلى تراجع تكتيكيّ - ولا بأس في ذلك -، ولكن يجب ألّا نتراجع فوراً عن قراراتنا وخططنا بمجرّد مواجهة عقبةٍ ما، لا تخشوا العقبات؛ هذه أيضاً التوصية التالية لكم.

لا تعلّقوا آمالكم على العدوّ، كما أشار جنابه[13]، ويبدو أنّ وزير الخارجيّة المحترم[14] قد أشار إلى شيء مماثل قبل يومين، يجب ألا نعلّق الآمال على العدو، وألّا ننتظر موافقة أعدائنا، أو أولئك الذين يُخاصموننا، للمضي في برامجنا. ولكن هذا لا يتعارض مع أن يُجري المرء مفاوضات في قضيّة ما مع ذاك العدو نفسه، لا مانع في هذا الأمر، لكن لا تعلّقوا الآمال على العدوّ، ولا تثقوا به.

أودّ أن أختم كلمتي بنقطة [مهمّة]، وهي أنّه خلال فترة مسؤوليّتكم، حاولوا قدر الإمكان التركيز على تعزيز الجانب الروحيّ لديكم. أعزّائي، نحن جميعاً بحاجة إلى قلبٍ ملؤه الإيمان، وإلى الأعمال العباديّة، والأنس أكثر مع القرآن، والتضرّع إلى الله بشكل أكبر؛ نحن بحاجة إلى كلّ ذلك حقّاً. ما أوصيكم به بشكل خاصّ أداء الصلاة بخشوع، وفي أوّل وقتها، وجماعةً إن أمكن، وإذا تمكّنتم من أداء الصلاة في مكان عملكم مع موظّفيكم، فهذا أفضل بكثير، أنتم قدوة بالنسبة إلى كثيرين، أوّلاً لموظّفيكم، وثانياً للنّاس الذين ينظرون إليكم؛ سلوككم، لباسكم، مظهركم، كلّها تعدّ أنموذجاً لكثير من الناس؛ يجب أن تكونوا ملتفتين لهذا الأمر. هناك أمور ينبغي عليكم فعلها والتقيّد بها، قد لا يكون من الضروريّ أن يتقيّد بها الشخص العاديّ، لا أوجّه هذه النصيحة إلى جميع الناس، ولكن لكم بالتأكيد؛ لأنّكم قدوة، ولأنّ الناس ينظرون إليكم ويتعلّمون منكم، وسلوككم يؤسّس لسلوك في المجتمع بأكمله. اسألوا الله المتعالي، وتضرّعوا إليه أن يعينكم. إذا تمكّنتم ووُفّقتم من أداء النوافل - وبخاصّة نافلة الليل - والقيام قبل الفجر، فهذا أفضل بكثير؛ لأنّ وقت السحر وقت ممتاز للخلوة بالله المتعالي، والتحدّث معه، والطلب منه.

لقد سلكتم واديَ الخدمة، ودخلتم ميدانه، فاقصدوا القرب إلى الله، اجعلوا نيّتكم خالصة لله، وما قد يُقال من أنّ «فلان يتظاهر»، هو وسوسة شيطان، هناك بعض الأشخاص ما إن يطلب منهم المرء شيئاً، يقولون: «إذا فعلنا هذا سيقولون فلان يتظاهر»، حسنا، فليقولوا ما يشاءون! برأيي يجب ألّا نكون أسرى لهذه الوساوس أو نستسلم لها. اقطعوا عهداً مع الله، وعاهدوه، واعملوا به، فإنّ الله المتعالي سيحفظ ماء وجهكم، ويزيدكم عزّاً، ويرفع شأنكم ويمنحكم السمعة الطيّبة، إن شاء الله.

نسأل الله المتعالي أن يوفّقكم جميعاً إن شاء الله. لقد طالت الكلمة قليلاً، ولكن نرجو أن تكون مفيدة ومؤثّرة إن شاء الله، وأن نتمكّن جميعاً من العمل معاً من أجل هذا البلد، ومن أجل هذا الشعب، ومن أجل الإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] في بداية هذا اللقاء، ألقى رئيس الجمهورية (الدكتور مسعود بزشکيان) كلمة.
[2] الشهيد حسين أمير عبد اللهيان.
[3] الميرزا محمد تقي خان فراهاني المعروف بأمير كبير، في 11 يناير/كانون الثاني عام 1807م في قرية هزاوه بمدينة أراك مركز محافظة «مركزي» وسط إيران، وقتل في 10 يناير/كانون الثاني 1852م في مدينة كاشان بمحافظة أصفهان.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص402، الرسالة 31.
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه، ص430، الرسالة 53.
[7] Populism.
[8] كلمته (دام ظلّه) في اللقاء الأوّل لرئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة الثالثة عشرة، بتاريخ 28/08/2021م.
[9] رئيس الجمهوريّة.
[10] إشارة سماحته إلى اعتقال الشرطة الفرنسيّة باول دوروف (المدير التنفيذي لشبكة التواصل الاجتماعي تلغرام) بتهمة عدم التعاون مع السّلطات القضائيّة وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الاستفادة الإجراميّة لبعض مستخدمي تلغرام.
[11] كلمته (دام ظلّه) في مراسم تنفيذ حكم الرئاسة الرابعة عشرة لجمهوريّة إيران الإسلاميّة، بتاريخ 07/08/2024م.
[12] لقاء مع المنتجين والناشطين الاقتصاديّين، بتاريخ 30/01/2024م.
[13] رئيس الجمهورية، مسعود بزشكيان.
[14] عباس عراقتشي.

2024-09-04