خيرُ القلوبِ
شوَّال
عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَمْدَحْ مِنَ الْقُلُوبِ إِلَّا أَوْعَاهَا لِلْحِكْمَة،ِ وَمِنَ النَّاسِ إِلَّا أَسْرَعَهُمْ إِلَى الْحَقِّ إِجَابَةً»
عدد الزوار: 786عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَمْدَحْ مِنَ الْقُلُوبِ إِلَّا أَوْعَاهَا لِلْحِكْمَة،ِ وَمِنَ النَّاسِ إِلَّا أَسْرَعَهُمْ إِلَى الْحَقِّ إِجَابَةً»[1].
لقدْ حثَّتْ آياتُ الكتابِ الكريمِ على الإيمانِ والعملِ الصالحِ، وهما ركنانِ، بهما تُكتَبُ النجاةُ للإنسانِ؛ لذا لا بُدَّ لمنْ يسعى للفوزِ بذلكَ منْ أنْ يقومَ بحقِّ كِلا الركنينِ، وتشيرُ الروايةُ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) إلى الإيمانِ أوّلاً، ثمَّ إلى العملِ.
1. قلوبٌ واعيةٌ للحكمةِ: فالقلوبُ الممدوحةُ هيَ الّتي تدركُ الحكمةَ وتفهمُها، وهيَ خيرُ القلوبِ؛ لما وردَ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ، فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا».[2]
لذا، يسعى المؤمنُ ليكونَ قلبُهُ موطناً للحكمةِ، ومنْ أبوابِ ذلكَ أنْ يجتنبَ اتِّباعَ الشهواتِ، فالمرويُّ عنْ عيسى بنِ مريمَ (عليه السلام) أنّهُ قالَ: «الْقُلُوبُ مَا لَمْ تَخْرِقْهَا الشَّهَوَاتُ، وَيُدَنِّسْهَا الطَّمَعُ، وَيُقْسِهَا النَّعِيمُ، فَسَوْفَ تَكُونُ أَوْعِيَةً لِلْحِكْمَةِ».[3]
ومنَ السبلِ المُوصلةِ إلى ذلكَ أيضاً التعلّقُ باللهِ عزَّ وجلَّ، وأنْ يكونَ نظرُ المؤمنِ إلى ربِّهِ، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) في المناجاةِ الشعبانيّةِ: «إِلَهِي، هَبْ لِي كَمَالَ الِانْقِطَاعِ إِلَيْكَ، وَأَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ، حَتَّى تَخِرَقَ أَبْصَارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ، فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصِيرَ أَرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ».[4]
ويعتمدُ المؤمنُ أيضاً مصادقةَ أصحابِ العقولِ وأصحابَ الحكمةِ؛ فإنّهُ بذلكَ يتأثَّرُ بهم، ويصبحُ منهُم، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «لِقَاءُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، عِمَارَةُ الْقُلُوبِ وَمُسْتَفَادُ الْحِكْمَةِ».[5]
2. إجابةُ الحقِّ: فالممدوحُ منَ الناسِ هوَ الّذي خطا خطوةً أخرى بعدَ امتلاكِ الحكمةِ والبصيرةِ في القلبِ، بأنْ يصدرَ منهُ العملُ استجابةً لما أدركَهُ بعقلِهِ، قالَ تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.[6]
وعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى، وَدُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا، وَأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا».[7] فالّذي يُدعى إلى أمرٍ فيهِ الخيرُ، عليهِ أنْ يبادرَ إليهِ، ويعملَ بهِ، ويحذرَ منَ التأخيرِ والتسويفِ. والّذينَ يعملونَ همُ الّذينَ يصحُّ وصفُهم بأنّهم أحياءٌ وأصحابُ سَمْعٍ؛ أمّا الّذين لا يستجيبونَ للعملِ، فهُمُ الموتى، قالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾.[8]
وأعظمُ ما دُعِيَ إليهِ الإنسانُ في هذهِ الدنيا هوَ الجنّةُ بما فيها منْ نعيمٍ، ومَنِ استجابَ لهذهِ الدعوةِ همْ خيرُ الناسِ؛ أمّا مَنِ استبدلَها بأكلِ الميتةِ، فهُمُ الموتى، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَمَعْبُوداً، بِحُسْنِ بَلَائِكَ عِنْدَ خَلْقِكَ خَلَقْتَ دَاراً، وَجَعَلْتَ فِيهَا مَأْدُبَةً؛ مَشْرَباً وَمَطْعَماً وَأَزْوَاجاً وَخَدَماً وَقُصُوراً وَأَنْهَاراً وَزُرُوعاً وَثِمَاراً، ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِياً يَدْعُو إِلَيْهَا، فَلَا الدَّاعِيَ أَجَابُوا، وَلَا فِي مَا رَغَّبْتَ رَغِبُوا، وَلَا إِلَى مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اشْتَاقُوا، أَقْبَلُوا عَلَى جِيفَةٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا، وَاصْطَلَحُوا عَلَى حُبِّهَا، وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ، وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ، فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ، وَيَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ».[9]
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص552.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص495، الحكمة 147.
[3] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص504.
[4] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج3، ص299.
[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص419.
[6] سورة الأنفال، الآية 24.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص103، الخطبة 76.
[8] سورة الأنعام، الآية 36.
[9] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص159، الخطبة 109.