موعظة الإمام الكاظم (عليه السلام)
صفر
عنِ الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام): «يا هِشامُ، مَن أكرَمَهُ اللَّهُ بِثَلاثٍ فَقَد لَطُفَ لَهُ: عَقلٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ هَواهُ، وَعِلمٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ جَهلِهِ، وَغِنىً يَكفيهِ مَخافَةَ الفَقرِ»
عدد الزوار: 170ثلاثُ مكرُمات
عنِ الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام): «يا هِشامُ، مَن أكرَمَهُ اللَّهُ بِثَلاثٍ فَقَد لَطُفَ لَهُ: عَقلٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ هَواهُ، وَعِلمٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ جَهلِهِ، وَغِنىً يَكفيهِ مَخافَةَ الفَقرِ»[1].
مِنْ نِعَمِ اللهِ عزَّ وجلَّ على عبادِه، تلك القوى التي أودَعَها في نفوسِهم، وذلك الاستعدادُ الذي زرعَه فيهم للتكامُلِ في الصفاتِ، بما يجعلُ لهم مقاماتٍ مِن القُربِ منه تعالى. ومن تلك النعمِ كرامةٌ يجعلُ اللهُ عزَّ وجلَّ لعبادِه متى وجدَهم أهلاً لذلك، والتي يبيِّنُ الإمامُ الكاظمُ (سلامُ اللهِ عليهِ) ثلاثاً منها:
1ـ العقلُ الذي يكِفُّ الهوى: في الإنسانِ صراعٌ بين قوَّةِ العقلِ وبين الهوى. والهوى -الذي يعني الرغباتِ والشهوات- يميلُ بالنفسِ الإنسانيّةِ ليجعلَها منقادةً له. والعقلُ وظيفتُهُ أنْ يردعَ النفسَ عن اتّباعِ الهوى، وتدورُ رُحى المعركةِ بينهما. وفي إشارةٍ إلى هذا الصراع، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «الْحِلْمُ غِطَاءٌ سَاتِرٌ، والْعَقْلُ حُسَامٌ قَاطِعٌ، فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلْمِكَ، وقَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ»[2]. وقدْ تكونُ الغَلَبَةُ للهوى حتّى يصبحَ العقلُ أسيراً له؛ ففي روايةٍ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «كمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِيرٍ تَحْتَ هَوَى أَمِير»[3].
وأمَّا مَنْ تمكَّنَ مِن تقويةِ عقلِه فغَلَبَ هواه، فإنّه يعيشُ في هذه الحياةِ بطريقةِ العقلاء، فيكونُ بين حالاتٍ ثلاث، يصفُها الإمامُ (عليه السلام) بقولِه: «ولَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: مَرَمَّةٍ لِمَعَاش، أَوْ خُطْوَةٍ فِي مَعَاد، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّم»[4].
2ـ العِلمُ الذي يرفعُ الجهلَ: لقدْ حثَّ الإسلامُ على العلم؛ لأنَّه منبتُ كلِّ خير، وحذَّرَ مِن الجهل؛ لأنَّه يفتحُ أبوابَ الشرّ، فعن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «العلمُ أصلُ كلِّ خير، الجهلُ أصلُ كلِّ شرّ»[5]؛ وذلك أنَّ جهلَ الإنسانِ يوقِعُه في المهالك؛ لأنَّه يفتقدُ الأدواتِ الموصلةَ له إلى حقائقِ الأشياء؛ ولذا كانَ العلمُ نوراً والجهلُ عمًى، ففي روايةٍ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أعزُّ العزِّ العِلم؛ لأنَّ بِهِ معرفةَ المعادِ والمعاش، وأذلُّ الذلِّ الجهل؛ لأنَّ صاحبَه أصمّ، أبكم، أعمى، حيران»[6].
وبالعلمِ تُكتَبُ النجاةُ للإنسانِ من النار، ففي الروايةِ التي ذكرَهَا المعتزليُّ في شرحِهِ لنهجِ البلاغةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إذا وُضِعَ الميِّتُ في قبرِه، اعتَورتْهُ نيرانٌ أربع، فتجيءُ الصلاةُ فتطفئُ واحدة، ويجيءُ الصومُ فيطفئُ واحدة، وتجيءُ الصدقةُ فتطفئُ واحدة، ويجيءُ العلمُ فيطفئُ الرابعة، ويقول: لو أدركْتُهُنَّ لَأطفأْتُهُنَّ كلَّهُنَّ، فَقِرَّ عيناً فأنا معك، ولن ترى بؤساً»[7].
3ـ الغِنى الذي يَرفعُ عنه مخافةَ الفقر: الغنى ليس هو امتلاكَ المال، وإنَّما هو الاستغناءُ عن الناس، وأنْ يعيشَ الإنسانُ الفقرَ للهِ عزَّ وجلَّ وحدَه، ففي الروايةِ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «الغنى الأكبرُ اليأسُ عمّا في أيدي النّاس»[8].
فالثقةُ باللهِ عزَّ وجلَّ التي تكونُ مع الاعتقادِ بأنَّ مقاليدَ الأمور، ومنها الرزق، بيَدِهِ سبحانَه وحدَه؛ تجعلُ الإنسانَ لا يخشى الفقر.
كما يتحقَّقُ الغِنى بتركِ طلبِ ما يزيدُ عنِ الكَفافِ مِن هذهِ الدنيا، والقناعةِ باليسير، فعنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «إنّ أهلَ التَّقوى هُمُ الأغنِياء، أغناهُمُ القَليلُ مِن الدُّنيا، فمَؤونَتُهُم يَسيرَة»[9].
[1] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص400.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص551، الحكمة 424.
[3] المصدر نفسه، ص506، الحكمة 211.
[4] المصدر نفسه، ص545، الحكمة 390.
[5] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص48.
[6] الأمير ورّام، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، ص70.
[7] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج20، ص347.
[8] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص534، الحكمة 342.
[9] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص287.