ثلاثةٌ للآخرة
محرم
قال الإمامُ السجّاد (عليه السلام): «اَللّـهُمَّ ارْزُقْني التَّجافِيَ عَنْ دارِ الغُرُورِ، وَالإِنابَةَ إِلى دارِ الْخُلُودِ، وَالاسْتِعْدادَ لِلْمَوْتِ قَبْلَ حُلُولِ الْفَوْتِ»
عدد الزوار: 217قال الإمامُ السجّاد (عليه السلام): «اَللّـهُمَّ ارْزُقْني التَّجافِيَ عَنْ دارِ الغُرُورِ، وَالإِنابَةَ إِلى دارِ الْخُلُودِ، وَالاسْتِعْدادَ لِلْمَوْتِ قَبْلَ حُلُولِ الْفَوْتِ»[1].
مِن نِعَمِ اللهِ على عبادِه، الوجودُ المبارَكُ لأهلِ البيتِ (عليه السلام)؛ يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه): «حضرةُ عليِّ بنِ الحسينِ (عليهما السلام) مِن أعظمِ النِعَمِ التي أنعمتِ الذاتُ المقدَّسَةُ للحقِّ بوجودِه على عبادِ الله، فأنزلَ اللهُ تعالى ذلك السيِّدَ الجليلَ مِن عالمِ القربِ والقدسِ، من أجلِ تفهيمِ عبادِهِ طُرُقَ العبوديّة».
فكانتِ الصحيفةُ السجّاديّةُ من أبوابِ معرفةِ اللهِ عزَّ وجلَّ بلسانِ الدعاء. ويَنقلُ بعضُ المقرّبينَ من الإمامِ الخمينيِّ (قُدِّسَ سرُّه) أنّه كانَ يدعو بهذا الدعاءِ المتقدِّمِ في السجدةِ الأخيرةِ من صلاتِه، ومضمونُ هذا الدعاءِ فيه تربيةٌ للعبادِ بأمورٍ ثلاثة:
1. التجافي عن دارِ الغرور: التجافي هو النفورُ والإعراض، فالمطلوبُ من المؤمنِ أنْ يحذرَ من الوقوعِ في حبائلِ الدنيا؛ لأنّها توقِعُه في الاغترارِ بها، وهو سكونُ النفسِ إلى ما يوافقُ الهوى، ويميلُ إليه الطبعُ عن شبهةٍ وخدعةٍ من الشيطان، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «اجعَلِ الدنيا شَوكاً، وانظُرْ أينَ تَضَعُ قَدَمَكَ مِنها، فإنَّ مَن رَكَنَ إلَيها خَذَلَتْهُ، ومَن أنِسَ فيها أوحَشَتْهُ، ومَن يَرغَبُ فيها أوهَنَتْهُ»[2].
2. العنايةُ بالآخرة: وتظهرُ في الإنسانِ عندما يقدِّمُ الآخرةَ على الدنيا، متى علِمَ أنّ الدنيا إلى زوال؛ رُوي عن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «ألَا أيُّها النّاسُ! إنَّما الدُّنيا عَرَضٌ حاضِرٌ، يأكُلُ مِنها البَرُّ والفاجِرُ، وإنَّ الآخِرةَ وَعْدٌ صادِقٌ، يَحكُمُ فيها مَلِكٌ قادرٌ»[3]. ويروى أنَّه جاءَ أحدُ الزهّادِ إلى سلطانٍ مُترَفٍ وهو في بَذخِهِ وسَرَفِهِ وجاهِهِ وإمرَتِه، فالتَفَتَ إليه السلطانُ قائلاً: أنتَ زاهد؟ قال الزاهد: وأنتَ أزهدُ منّي! قالَ الملك: وكيف؟ قال الزاهد: لأنّي زهِدتُ في الدنيا الفانية، وأنت زهِدتَ في الآخرةِ الباقية.
3. الاستعدادُ للموت: فرُسُلُ الموتِ ينادُونَ كُلَّ يومٍ بالناس؛ يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «فَكَفى وَاعِظاً بِمَوْتى عَايَنْتُمُوهُمْ، حُمِلُوا إِلى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبينَ، وَأُنْزِلُوا فيهَا غَيْرَ نَازِلينَ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّاراً، وَكَأَنَّ الآخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَهُمْ دَاراً»[4].
والأَجَلُ مهما طال، فإنَّ عُمُرَ كلِّ واحدٍ يسيرُ بسرعة، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ، وَأَسْرَعَ الأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ، وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ، وَأَسْرَعَ السِّنينَ فِي الْعُمُرِ!» [5].
وأعظَمُ مانعٍ يحُولُ بينَ الإنسانِ والاستعدادِ للموتِ هو طولُ الأمل؛ لذا يصفُ الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) أهلَ التقوى بأنّهم «لَمْ يُلْهِهِمُ الأَمَلُ عَنِ التَّأَهُّبِ لانْقِطَاعِ الأَجَلِ».
وفي الدعاءِ الأربعينَ من الصحيفةِ السجّاديّةِ، وذلك إذا نُعِيَ إليهِ (عليه السلام) ميِّتٌ، أو ذَكَرَ الموت: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاكْفِنَا طُـولَ الأمَـلِ، وَقَصِّرْهُ عَنَّا بِصِدْقِ الْعَمَلِ، حَتَّى لا نُأَمِّلَ اسْتِتْمَامَ سَاعَةٍ بَعْدَ سَاعَة، وَلاَ اسْتِيفَاءَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْم، وَلاَ اتِّصَالَ نَفَسٍ بِنَفَس، وَلا لُحُـوقَ قَدَمٍ بِقَـدَم؛ وَسَلِّمْنَا مِنْ غُرُورِهِ، وَآمِنَّـا مِنْ شُـرُوْرِهِ»[6].
أعظَمَ اللهُ أجورَكم بشهادةِ الإمامِ زينِ العابدينَ (سلامُ اللهِ عليه)، ورزقكُم شفاعتَه في يومِ الدين.
[1] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج1، ص402.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص22.
[3] المتقيّ الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ج16، ص203.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص278، الخطبة 188.
[5] المصدر نفسه، ص279، الخطبة 188.
[6] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص17، الدعاء 40.