يتم التحميل...

الكاظم (عليه السلام) وإعداد الجماعة الصالحة

إضاءات إسلامية

الكاظم (عليه السلام) وإعداد الجماعة الصالحة

عدد الزوار: 69


 
حرص الإمام الكاظم (عليه السلام) على تربية أصحابه تربية دينية تعكس روح الإسلام ومبادئه، وقد مارس الإمام (عليه السلام) دور التربية والتوجيه لإعداد الجماعة الصالحة والقاعدة المؤمنة بمرجعيته الفكرية والروحية.

فعن إبراهيم بن هاشم، قال: «رأيتُ عبد الله بن جندب بالموقف، فلم أر موقفاً أحسن من موقفه، ما زال مادّاً يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خدّيه حتّى تبلغ الأرض، فلمّا صدر الناس قلت له: يا أبا محمّد، ما رأيتُ موقفاً أحسن من موقفك. قال: والله ما دعوت إلاّ لإخواني، وذلك أنّ أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) أخبرني أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نُودي من العرش: ولك مائة ألف ضعف، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا»([1]).

كما أكد الإمام الكاظم (عليه السلام) على مبادئ الإخوّة الإيمانية وإشاعة أجواء المحبة والنصيحة بعيداً عن الأنانية والاستئثار والغش والغيبة والتهمة، وذلك من خلال جملة تعاليم إنسانية وحضارية راقية أدلى بها لأصحابه.

عن عبد المؤمن الأنصاري قال: «دخلت على الكاظم (عليه السلام) وعنده محمد بن عبد الله الجعفي، فتبسمت في وجهه، فقال: أتحبه؟ فقلت: نعم، وما أحببته إلاّ فيكم، فقال: هو أخوك، المؤمن أخو المؤمن لأبيه ولأمه، ملعون من اتهم أخاه، ملعون من غش أخاه، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه، ملعون ملعون من استأثر على أخيه، ملعون ملعون من احتجب عن أخيه، ملعون ملعون من اغتاب أخاه»([2]).

ويؤكد الإمام (عليه السلام) ضرورة السعي لقضاء حاجة الأخ المؤمن ومساعدته وإجارته مبيناً ثواب هذا العمل وعقاب من لا يلتزم بما يقتضيه.

عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «سمعته يقول: من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يجره، بعد أن يقدر عليه، فقد قطع ولاية الله عز وجل»([3]).

وقال (عليه السلام): «إن لله حسنة ادخرها لثلاثة: لإمام عادل، ومؤمن حكم أخاه في ماله، ومن سعى لأخيه المؤمن في حاجته»([4]).

وكان (عليه السلام) لا يقتصر على إصدار الأحكام القولية، بل يسعى إلى ذلك من خلال سيرته العملية، وخير دليل على ذلك أياديه البيضاء التي امتدت بالمساعدة إلى قطاعات واسعة من أبناء المجتمع آنذاك، بحيث أنهم لا يعرفون من
أين يأتيهم المال والطعام إلاّ بعد اعتقاله (عليه السلام)، كما سعى بنفسه لقضاء حاجة إخوانه، وغرس هذا المبدأ العظيم في نفوس أصحابه.

عن محمد بن سالم، قال: «لما حمل سيدي موسى بن جعفر عليهما‌ السلام إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي، فقال له: يا سيدي، قد كتب لي صك إلى الفضل بن يونس، فسله أن يروّج أمري. قال: فركب إليه أبو الحسن (عليه السلام) فدخل عليه حاجبه، فقال: يا سيدي، أبو الحسن موسى بالباب، فقال: إن كنت صادقاً فأنت حر ولك كذا وكذا، فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتى خرج إليه فوقع على قدميه يقبلهما، ثم سأله أن يدخل فدخل، فقال له: اقض حاجة هشام بن إبراهيم، فقضاها»([5]).

وكان نتيجة جهود الإمام (عليه السلام) في هذا المضمار أن وجدنا في هذا الوقت رجالاً من أصحابه يقاسمون إخوانهم المال والثياب ديناراً ديناراً ودرهماً درهماً وثوباً ثوباً ([6])، لأنه (عليه السلام) كان يتابع أعمالهم بدقة في هذا الاتجاه.
 
 تحذير أصابه من الفتن:
كان الإمام الكاظم (عليه السلام) حريصاً على تحذير أصحابه مما يتعرضون له من دسائس للإطاحة بهم، وذلك لتفويت الفرصة على رجال السلطة من أن ينالوا من أصحابه، فقد بعث عبد الرحمن بن الحجاج إلى هشام بن الحكم، يأمره أن يسكت عن الخوض في الكلام، فكف هشام عن ذلك حتى مات المهدي

العباسي([7])، وذلك في أعقاب تشديد المهدي العباسي على أهل الأهواء من الزنادقة وغيرهم([8]).

وحذر الإمام (عليه السلام) علي بن يقطين أكثر من مرة، لكونه متهماً بالولاء للإمام (عليه السلام) ومعرضاً لأقوال الوشاة وما يختلقه رجال البلاط من اتهامات، فحدث مرة أن الرشيد أهدى إليه ثياباً أكرمه بها، وكان من جملتها دراعة خزّ سوداء موشاة بالذهب، فأهدى علي بن يقطين الثياب ومعها الدراعة إلى الإمام الكاظم (عليه السلام)، ولما وصلت إلى الإمام (عليه السلام) ردّ الدراعة إلى علي بن يقطين وأمره أن يحتفظ بها، وبعد أيام سعى بعض الوشاة إلى الرشيد، وذكر له أن ابن يقطين يعتقد بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله، وأنه قد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها، فاستشاط الرشيد غيظاً، فاستدعى علي بن يقطين وطلب منه إحضارها، فلم يلبث أن جاء بها في سفط مختوم ووضعه بين يدي الرشيد، فنظر إلى الدراعة كما هي، فسكن غضبه وأمر أن يُضرب الساعي([9]).

وكتب علي بن يقطين إلى موسى بن جعفر عليهما ‌السلام: «اختلف في المسح على الرجلين، فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت.

فكتب أبو الحسن (عليه السلام): الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثاً، وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثاً، وتخلل شعر لحيتك ثلاثاً، وتغسل يديك ثلاثاً، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك ثلاثاً، ولا تخالف ذلك إلى غيره، فامتثل أمره وعمل عليه، فقال الرشيد: أحب أن أستبرئ أمر علي بن يقطين فإنهم يقولون إنه رافضي والرافضة يخففون في الوضوء، فلما دخل وقت الصلاة راقبه الرشيد بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فتوضأ كما أمره الإمام (عليه السلام)، فقام الرشيد وقال: كذب من زعم أنك رافضي، فورد على علي ابن يقطين كتاب الإمام (عليه السلام): توضأ من الآن كما أمر الله، اغسل وجهك مرة فريضة والاُخرى إسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما يُخاف عليك»([10]).
 
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، سيرة وتاريخ، علي موسى الكعبي - بتصرّف


([1]) أمالي الصدوق: 540 / 723.
([2]) اعلام الدين / الديلمي: 125.
([3]) الكافي 2: 366 / 4.
([4]) الكافي 2: 196 / 13.
([5]) اختيار معرفة الرجال: 50 / 957.
([6]) راجع الحديث في بحار الأنوار 48: 174 عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين.
([7]) رجال الكشي: 227 / 131.
([8]) بحار الأنوار 48: 196.
([9]) روضة الواعظين / الفتال: 213، اعلام الورى: 302، الخرائج والجرائح 1: 334 / 25، الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي: 218، نور الأبصار / الشبلنجي: 201.
([10]) اعلام الورى: 293، مناقب آل أبي طالب 4: 288، الثاقب في المناقب: 451، الخرائج والجرائح 1: 335 / 26.

2021-03-10