يتم التحميل...

المثل العليا الواضحة في الإسلام

إضاءات إسلامية

إنّ أهمّ عامل يدفع الإنسان إلى البذل والعطاء للدعوة إلى بناء جديد، هو أن تُقدِّم له هذه الدعوة مثالاً واقعيّاً واضحاً للبناء الّذي تدعوه إلى المساهمة في تشييده.

عدد الزوار: 549

إنّ أهمّ عامل يدفع الإنسان إلى البذل والعطاء للدعوة إلى بناء جديد، هو أن تُقدِّم له هذه الدعوة مثالاً واقعيّاً واضحاً للبناء الّذي تدعوه إلى المساهمة في تشييده.
 
 ومن هنا فإنّ الدعوات الّتي تستورد مثلها العليا من تجارب غير إسلاميّة، تواجه صعوبة كبيرة في إعطاء رؤية واضحة للفرد المسلم عن مثلها الأعلى الّذي تحتذي به وتدعو إلى تجسيده بين المسلمين، لأنّه غريب عنهم لا يملكون عنه إلا رؤى باهتة ومتهافتة. فالديمقراطيّة، والاشتراكيّة، والمادّيّة، والشيوعيّة وما إلى ذلك من المذاهب والاتّجاهات الاجتماعيّة، مارسها الإنسان خارج العالَم الإسلاميّ وتجسّدت في أشكال مختلفة، واتّخذت صيغاً متفاوتة، ولهذا فهي لا توحي إلى الفرد المسلم بصورة محدّدة واضحة المعالِم، بل إنّه يجد أشدّ الحكومات تعسّفاً ودكتاتوريّة تحمل كلمة الديمقراطيّة كجزء من اسم الدولة، ويجد أشدّ الحكومات دوراناً في الفلك الاشتراكي تُعاني من تمييزات لا حدّ لها، ويجد المثل الأعلى لأمّة من الناس يتهاوى بعد ذلك، ويكفر به أولئك النّاس أنفسهم، ومثال ذلك ما حدث مع (ستالين)([1]) الّذي ألّهه شعبه، وإذا به يُطرد من الجنّة بعد موته، وتُنتزع منه أوسمة المجد.
 
وعلى العكس من ذلك الدولة الإسلاميّة، فإنّها تُقدِّم للفرد المسلم مثالاً واضحاً وضوح الشمس، قريباً من نفسه، مندمجاً مع أعمق مشاعره وعواطفه، مستمدّاً من أشرف مراحل تأريخه، وأنقاها، وأعظمها تألُّقاً وإشعاعاً. وأيّ مسلم لا يملك صورة واضحة عن الحكم الإسلاميّ في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفي خلافة الإمام عليّ عليه السلام، وفي معظم الفترة الممتدّة بينهما؟ وأيّ مسلم لا تهزُّه أمجاد تلك الصورة وروعتها؟ وأيّ مسلم لا يشعر بالزهو والاعتزاز إذا أحسّ بعمق أنّه يُعيد إلى الدنيا من جديد أيّام محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام؟
 
هذا المثال الإسلاميّ الواضح وضوح الشمس، يجعل من الفرد المسلم في إطار التعبئة الحضاريّة الإسلاميّة، وعمليّة البناء الكبير مطمئنّاً إلى طريقه، واثقاً بهدفه، وقادراً في الوقت نفسه على تمييز سلامة المسيرة أو الإحساس بانحرافها، لأنّ المثل الأعلى ما دام واضحاً لديه فهو يملك المقياس الموضوعيّ الّذي يحكم على أساسه باستقامة المسيرة أو انحرافها.
 
* الإسلام وبناء حضارة الإنسان المعاصر، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) الرئيس الأسبق للاتحاد السوفياتي الشيوعي (سابقاً).

2024-06-24