الجزء الخامس من المقابلة الحصريّة مع السيد حسن نصرالله
2019
الجزء الخامس من المقابلة الحصريّة مع السيد حسن نصرالله
عدد الزوار: 174الجزء الخامس والأخير من المقابلة الحصرية مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله 2019/09/26
منذ انتصار الثورة الإسلامية، طبعاً كانت أمريكا وقادتها غاضبين من إيران، فنظام الشاه كان قد رحل، وهم فقدوا نظاماً تابعاً لهم كان يشكّل أعظم قاعدة لهم في المنطقة. منذ أربعين عاماً وحتى اليوم ووجهت التصريحات الأمريكية بمقاومة من قائد الثورة الإسلامية والشعب الإيراني والشعوب المسلمة التي تقف مع المقاومة في وجه الاستكبار. الأمريكيون غاضبون بشدّة من إيران، وتذكرون جملة الشهيد بهشتي المعروفة التي استقاها سماحته من آيات القرآن الكريم: ”فلتغضبي منا يا أمريكا ولتموتي جرّاء هذا الغضب“. في ظل هذه الظروف، يقول الإمام الخامنئي أن أمريكا في الشرق الأوسط والدول الإسلامية تقترب من زوالها وهذه القوة سترحل وستنتصر شعوب المنطقة. نودّ أن نقف عند نظرتكم التحليليّة لكلام الإمام الخامنئي وأن تذكروا لنا شواهد على هذه المسألة.
أوّلاً طبعاً ما يقوله سماحة السيد القائد في هذه المسألة هو مبني على التجربة وعلى المعطيات وعلى الوقائع الحقيقيّة الموجودة الآن في المنطقة. من جملة المؤشرات لهذا الأمر، عندما خرجت أمريكا من العراق، وهي ما جاءت إلى العراق لتخرج، بل هي جاءت لتبقى. ولكنها عجزت عن البقاء في العراق، ثم عادت بحجّة داعش، وهي لا تستطيع أن تبقى في العراق. بكل صراحة الآن إذا صمم المسؤولون في العراق أو الشعب العراقي على إخراج القوات الأمريكية من العراق هم يستطيعون أن يفعلوا ذلك خلال أيام. وأمريكا أعجز من أن تبقى في العراق بمعزل عن إرادة الشعب العراقي. حسناً، هذا مؤشّر وهذا مثال. في سوريا، أمريكا فشلت في سوريا، حتى القوة الأمريكية الموجودة في شرق الفرات، ترامب قبل ثمانية أشهر، كان يريد أن يخرج وأن ينسحب. ولكن بقية المسؤولين أقنعوه بالبقاء لستة أشهر، والآن كان يريد أن يخرج ولكنهم قالوا له يجب أن نبقى، لأن خروجنا يعني هزيمة كبيرة لنا، وأصدقاؤنا في المنطقة ستنهار معنوياتهم، ولذلك هو قرر البقاء، ولكن لا تعرف في أي لحظة يمكن أن يخرج أيضاً. هو في اتصال تلفوني قال للسيد أردوغان، نحن سنخرج من سوريا، وسوريا لك إفعل بها ما تشاء. وهذا أغضب السعودية والإمارات، ولذلك وجدنا أن الإمارات سارعت إلى فتح سفارتها في دمشق. حسناً، هذا في سوريا. في اليمن، الفشل في اليمن ليس فشلاً سعوديّاً فقط، بل هو فشل أمريكي وعجز أمريكي في اليمن. اليوم الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع في المنطقة أن تفرض ما تريد وما تشاء، إلا على بعض ضعاف النفوس مثل آل سعود. أما كثير من شعوب المنطقة، هي لا تستطيع أن تفرض عليهم إرادتها، وهي لا تستطيع أن تدافع عن مصالحها. تذكرون قبل عشرين سنة تقريباً هم ذهبوا إلى الصومال ولم يستطيعوا أن يبقوا في الصومال سنة واحدة، وخرجوا من الصومال أذلّاء. قدرة أمريكا على البقاء في منطقتنا والسيطرة على منطقتنا تتراجع وتضعف يوماً بعد يوم بفعل وعي الشعوب وقيام الشعوب وثقة الشعوب بأنفسها، والدليل أيضاً على هذا الفشل أنها منذ أربعين عاماً وهي تحاول أن تحاصر الجمهورية الإسلامية وأن تسقط نظام الجمهورية الإسلامية وفشلت. وهم يقولون طيّب، نحن لا نريد أن نغيّر نظام الجمهورية الإسلامية، نريد أن نغيّر سلوك وطريقة عمل الجمهورية الإسلامية، وفشلوا. الجمهورية الإسلامية بعد أربعين عاماً ما زالت ملتزمة بثوابتها ومبادئها وأصولها ومواقفها وطريقة مشيها المعروفة منذ زمن الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف). هنا في لبنان، يأتي بومبيو ويلتقي بكل المسؤولين اللبنانيّين ثم يعقد مؤتمراً صحافيّاً ويخاطب الشعب اللبناني ويقول يجب أن تكون لديكم الشجاعة لمواجهة حزب الله، فلا يحصل على أي جواب إيجابي وحتى الذين هم خصومنا قالوا للسيد بومبيو عندما جاء: نحن لا نستطيع أن نواجه حزب الله، ولا نقبل أن نوجد حرباً أهلية في لبنان. يعني هم رفضوا التوجيه الأمريكي والقرار الأمريكي وهم أصدقاء أمريكا، هؤلاء ليسوا أصدقاءنا، هؤلاء خصومنا. ولكن أوّلاً لأننا أقوياء، وثانياً لأنهم يدركون مخاطر الذهاب إلى صدام داخلي على كل الوضع في لبنان، هم رفضوا ذلك. حتى الآن صفقة القرن التي يريد ترامب وصهره كوشنير أن يفرضوها على الفلسطينيّين، حسناً اليوم الشعب الفلسطيني كلّه يرفض، من حماس والجهاد الإسلامي إلى فتح ومنظمة التحرير والسيد محمود عباس. السيد محمود عباس يقبل التسوية والمفاوضات وتقديم التنازلات، ولكنه يقول: هذه الصفقة وهذه التسوية حتى أنا لا أستطيع أن أتحمّلها، لأنّها مذلّة جدّاً ومهينة جدّاً ولا يوجد فلسطيني يمكن أن يقبل بالتوقيع على صفقة من هذا النوع. وإذا كنتم تلاحظون، حتى الآن في آخر اجتماع لوزراء الخارجية العرب، رغم أنّ أكثر هؤلاء ليسوا صادقين فيما يقولون، ولكنّ البيان الذي أصدروه قالوا فيه: نحن لا نستطيع أن نقبل بأي حل سياسي خارج القرارات الدولية والقوانين الدولية والمرجعيّات الدولية. يعني نحن لا نقبل بصفقة القرن، وقالوا هذا علناً. لماذا يقولون ذلك؟ لأنّهم يعرفون أنّ شعوبهم لا يمكن أن تقبل بصفقة من هذا النوع ولو كان خلفها السيد ترامب. على كلّ حال هناك مؤشرات كثيرة. ثمّ مع هذه القيادة الحالية، قيادة ترامب، يعني ترامب وبولتون وبومبيو، هذه المجموعة مجموعة لا تحترم الآخرين ولا تتعاطى بدبلوماسية ولديها درجة عالية من الطمع ومن الاستعلاء ومن الاستكبار والعجلة أيضاً، لذلك هم يهينون حلفاءهم وأصدقاءهم ويحطمونهم ويخرّبون علاقاتهم حتى مع حلفائهم، الأوروبيّين على سبيل المثال، ومثلاً الذهاب إلى توتير العلاقة مع روسيا، وتوتير العلاقة مع الصين. يعني لا تعرف إلى أين يأخذون كل العالم. اليوم في العالم إذا استطلعت الرأي العام وسألت هل الإدارة الأمريكية إدارة موثوقة؟ يقولون لا، هي ليست إدارة موثوقة. الآن هو يخرج من كل المعاهدات وكل الاتفاقيات ويريد أن يفرض آراءه على كل المجتمع الدولي، هذا يفقد أمريكا مكانتها وموقعها وتأثيرها ويضعفها. وعلى كلٍّ، مؤشرات الفشل في الكثير من الساحات والأماكن واضحة.
إحدى الدلالات الكبرى على انهزام أمريكا المدوّي في المنطقة هي من وجهة نظري المكانة التي يمتلكها حزب الله في لبنان اليوم. قبل يومين زرت جنوب لبنان ووصلت إلى حدود فلسطين المحتلّة وشاهدت بعض المناطق هناك. يوماً ما كانت القوات العسكرية الصهيونية تدخل الأراضي اللبنانية متى ما شاءت، وحتى أنها تقدّمت ووصلت إلى بيروت في العام ١٩٨٢، وارتكبت جرائم عديدة وقتلت العديد من الناس وقتلت أيضاً العديد من اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان. على أيّ حال هي ارتكبت ما يحلو لها من جرائم. وقامت في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً أيضاً بشنّ هجمات من الجوّ والأرض. لقد رأيت قبل يومين أنّ الشعب اللبناني هناك يعيش ضمن أجواء من الهدوء والرخاء والأمان وليسوا قلقين أبداً من أن يشنّ عليهم العدوّ الإسرائيلي أي هجوم. رأيت هناك أن الصهاينة هم الذين باتوا الآن يبنون الجُدران من أجل أن يحموا أنفسهم. كلّ هذه الأمور تُثبت أن حزب الله وعلى مدى الأعوام الـ ٣٥ أو الـ٤٠ الماضية قد تطوّر وتقدّم خلافاً لرغبة الصهاينة وخلافاً لرغبة الأمريكيّين، وتحوّل اليوم إلى قوّة كبيرة؛ بحيث أنّه منح لبنان قيمة مضافة وهذا ما يُعتبر قوّة وطنيّة للبنان. على أيّ حال تلك المشاهد تُثبت أنّه على مدى هذه الأعوام هُزم مشروع أمريكا الذي كان يرمي إلى القضاء على حركة المقاومة بشكل كامل والإسرائيليون يعتبرون اليوم أنهم مهزومون في هذه المنطقة.
+صحيح، في لبنان، في الحد الأدنى منذ سنة ١٩٨٢ عندما قامت قوات العدة الصهيوني باجتياح الأراضي اللبنانية، هذا كان جزءاً من المشروع الأمريكي والمخطط الأمريكي للبنان والمنطقة. ومنذ ذلك الحين، كل الخطط الأمريكية والمشاريع الأمريكية في لبنان فشلت. في ١٩٨٢ وبعد ذلك في ١٩٨٥، وبعد ذلك عام ،٢٠٠٠ وبعد ذلك في عام ٢٠٠٥، وبعد ذلك في ٢٠٠٦، وبعد ذلك الآن. الآن الأمريكيون لا يستطيعون أن يفرضوا على اللبنانيّين شيئاً لا يريده اللبنانيّون، وكل محاولاتهم فشلت بفضل الله. الإسرائيليون كذلك، ولذلك اليوم كما شاهدتم وتفضلتم، الجنوب اللبناني يعيش مرحلة من الأمن والسلام والهدوء لم يسبق لها مثيل منذ ٧٠ عاماً. يعني منذ ولادة هذا الكيان الغاصب السرطاني الذي اسمه اسرائيل، كان جنوب لبنان والمنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلّة دائماً في حالة قلق واضطراب وكانوا يعتدون ويقتلون ويقصفون ويدخلون إلى جنوب لبنان ويخطفون حتى من الجيش وحتى من قوى الأمن الداخلي ومن الناس العاديّين، ويفعلون ما يشاؤون. كما كانوا أيضاً يستهزؤون باللبنانيّين وبالشعب اللبناني. مثلاً في حرب ١٩٦٧ عندما أرسلوا جيشاً إلى سيناء، وجيشاً إلى الضفة الغربية وإلى قطاع غزّة وإلى الجولان، فيسألون وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، هل أرسلت جيشاً إلى لبنان؟ يقول لا يحتاج [الأمر]، نحن يكفي أن نرسل الفرقة الموسيقيّة إلى لبنان لتحتلّ لبنان. يعني إلى هذه الدرجة كانوا يستهينون بلبنان ويسخرون من اللبنانيّين. هذا الزمن انتهى بفضل من الله وبعون الله عزّ وجل. والآن في الجنوب، هم لا يجرؤون لا على أن يقصفوا ولا على أن يخطفوا ولا أن يقتلوا ولا أن يدخلوا، وهم في درجة عالية من الحذر والخوف لأنّ هذا طبعاً ستواجهه المقاومة وستردّ عليه وهذه من قواعد الاشتباك كما نسميها الآن الموجودة هناك. ودائماً الجنوب كان خائفاً واليوم شمال فلسطين، المستعمرون والمستوطنون والإسرائيلون في شمال فلسطين هم الخائفون، وليس أهل بلداتنا وقُرانا. هم الذين يخافون، وهم الذين يبنون الجدران، وهم الذين يقيمون الخطط الدفاعية، دائماً كانوا في موقع الهجوم، الآن هم في موقع الدفاع. دائماً كنا في موقع الدفاع، الآن نحن في موقع الهجوم، نحن نهددهم بأنّنا سندخل إلى فلسطين المحتلّة إن شاء الله. فلذلك الحمد لله المعادلة تبدّلت وتغيّرت وأيضاً هذا من بركات انتصار الثورة الإسلامية في إيران وقيادة الإمام الخميني وقيادة سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظلّه)، وهذا الدعم المتواصل والموقف الثابت للجمهورية الإسلامية في إيران إلى جانب حزب الله وإلى جانب حركات المقاومة في المنطقة.
صورة حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان في ذهن غالبية الناس الذين لا يعرفونه هي أنّه يتألف من تشكيلات عسكريّة. هم يظنّون أنّ حزب الله هو مجرّد مجموعة عسكريّة. ما هي الخدمات التي قدمها حزب الله للشعب اللبناني إضافة لبعده الدفاعي والعسكري والمسؤوليات التي يتحملها دفاعاً عن لبنان؟ ونحن سمعنا بعض الأمور اللافتة فيما يخصّ نقاط التطوّر لدى حزب الله في المجالات العلميّة، مثل التطوّر الذي شهده حزب الله في المجال التعليمي ونسبة التعلّم في المنطقة خاصّة بعد إجراء مقارنة مع الأوضاع التي كانت تسود قبل نشوء حزب الله. قلّما تمّ الحديث عن هذه الأمور ولربّما لم يتحدّث عنها أحد، نرجو أن من سماحتك أن تحدّثنا عن هذه الأمور. ولدينا سؤال أيضاً، هل تعتبرون أنفسكم مخاطبون فيما يخصّ تأكيدات قائد الثورة الإسلامية على التقدم والاستثمار في المجالات العلمية في إيران؟
طبعاً نحن نعتبر أنفسنا أيضاً مخاطبين بهذا الخطاب ونعتبر أنّ هذا جزءاً من تكليفنا أيضاً ونعمل على أساسه. أما فيما يتعلق بحزب الله، منذ البداية وليس الآن- لكن الآن هذا الأمر يزداد وضوحاً وأهميّة وحضوراً- حزب الله ليس فقط تشكيل نظامي عسكري، بل هو حركة شعبية وتيار شعبي، وهو أشبه بالتيار الشعبي منه إلى الحزب، لكن اسمه حزب الله. لكنه هو يعمل بشكل تيار شعبي وحركة جماهيريّة وشعبية. حسناً، غير المقاومة المسلّحة والعمل المسلّح، سأذكر ماذا لدينا من عناوين. من جملة العناوين النشاط الديني، العلماء والمبلّغون والحوزات العلميّة الدينيّة وطلبة العلوم الدينيّة ونشاط التبليغ الديني في كل المناطق، هذا عنوان كبير، وطبعاً إذا نظرت الآن إلى عدد طلاب العلوم الدينية اللبنانيّين نسبة للأزمنة السابقة، هو عدد كبير جدّاً نسبة لما مضى، وعدد جيّد، يعني ما بين الموجودين في لبنان، إذا ضمّينا إليهم الإخوة الموجودين في قم المقدّسة والإخوة الموجودين في النجف الأشرف يصبح العدد ممتاز، وهذا ليس له سابقة في تاريخ لبنان. مثلاً ضمن النشاط الديني، كثير من بلداتنا وقرانا وحتى مدننا لم يكن فيها مساجد. الآن لا تجد قرية بدون مسجد. في المدن أيضاً، يوجد في الأحياء المختلفة مساجد. مثلاً هذه الضاحية الجنوبية رغم أنه يسكنها مئات الآلاف، كان يوجد فيها ثلاثة أو أربعة مساجد ليس أكثر. ولكن الآن ما شاء الله، في أغلب أحيائها يوجد مساجد. الحوزات العلميّة في مختلف المناطق، والحوزات العلمية للنساء، والمعاهد الثقافية للنساء ذات البعد الثقافي والعلمي والحوزوي، إذاً هذا في النشاط الديني. إحياء المناسبات الدينية، أيام محرم، وأيام شهر رمضان المبارك، والأمسيات القرآنية، والمسيرات الحسينية، وهي سنة بعد سنة تكبر وتتطور وتتعاظم، واهتمام الناس بالمناسبات الدينيّة والشعائر الدينية خصوصاً في شهر رمضان وليالي القدر. هذا مثلاً في جانب الموضوع الديني، في الجانب العلمي والتربوي، نحن لدينا أقوى تشكيلات طلابية في الجامعات، من أقوى التشكيلات الطلابية في الجامعات هو تشكيل حزب الله من الشباب والشابات، لديهم حضور فاعل وقوي في الجامعات. في أساتذة الجامعات، وفي أساتذة المدارس، وفي الثانويات والمدارس المتوسطة، من أقوى وأكبر التشكيلات الطلابية والتربوية في مدارس لبنان هو تشكيل حزب الله. ويقومون بكل الأنشطة التي يقوم بها الطلاب في الثانويات وفي الجامعات. النشاط الثقافي والفكري والإعلامي والسياسي والعلمي وما شاكل. في الامتحانات الرسمية دائماً الشباب والشابات من حزب الله هم في الصفوف الأولى، في أعلى المراتب ويسجّلون نجاحات في الامتحانات الحكومية والرسمية. لدينا مع الشرائح المختلفة نشاط ثقافي واجتماعي متنوع، مثلاً نحن لدينا تشكيل كبير اسمه الهيئات النسائية في حزب الله، لا يوجد قرية إلا ويوجد فيها تشكيل نسائي، ويعملون على الاتصال بكل النساء، يقيمون الدورات الثقافية، ويحيون المناسبات الدينية والمناسبات السياسية ويقدمون المساعدات الاجتماعية ويديرون كل وضع النساء في تلك البلدة وتلك المدينة. لدينا تشكيل للشبيبة، أنتم تقولون "نوجوانان"، مثلاً باسم كشافة الإمام المهدي (عليه السلام)، هي أكبر منظّمة كشاف في لبنان من حيث العدد، من الفتية والفتيات، وهو نشاط أيضاً ثقافي وفكري وديني واجتماعي وترفيهي أيضاً. لدينا المدارس، مدارس الإمام المهدي (عليه السلام) في مختلف المناطق، من الروضات أي الأطفال إلى الثانوية، سواء في البقاع أو في بيروت أو في الجنوب. وقبل سنوات بدأنا بإيجاد جامعة المعارف، جامعة لديها كليّات متنوّعة. لدينا الإذاعة، إذاعة النور من أقوى الإذاعات في لبنان، ولدينا تلفزيون المنار، وأيضاً حضور على مستوى أكثر من شاشة تلفزيونية. حسناً، في العمل الاجتماعي والخدمات، سأترك السياسي للآخر، هناك عدد من المؤسسات تعمل في لبنان بعضها تابعة للمؤسسات الإيرانية ولكن يديرها إخوة وأخوات من حزب الله. مثلاً مؤسسة الشهيد، ولجنة إمداد الإمام الخميني، ومؤسسات أخرى. يقدّمون خدمات لعوائل الشهداء، وللجرحى وللعائلات المستضعفة. نحن نرعى عدد كبير جدّاً من العائلات الفقيرة والمحتاجة وعدد كبير جدّاً من الأيتام. من جملة الأمور المهمّة، مثلاً في المجال الصحّي، نحن لدينا مستشفيات ولدينا مراكز صحيّة ولدينا مستوصفات صحيّة، ولدينا تشكيل كبير جدّاً من الدفاع المدني الذي يساعد المرضى والحالات الطارئة. كلّ هذا تابع لتشكيلات حزب الله، وهذا ليس تابع لتشكيلات الحكومة اللبنانيّة والدولة اللبنانيّة. هذا كله يقدم خدمات للناس في المجال الطبي وفي المجال الصحّي وفي المجال الاجتماعي والمساعدات المالية أو العينيّة. لدينا مؤسسة كبيرة جدّاً اسمها مؤسسة الامام الكاظم (عليه السلام) للقرض الحسن، معروفة باسم بيت مال المسلمين لكن اسمها مؤسسة الإمام الكاظم (عليه السلام) للقرض الحسن، لديها فروع في أغلب المناطق وتقدم عشرات آلاف القروض، يعني القرض بكفالات للناس. هذا أيضاً من الأمور المعروفة في البلد. ثم نصل إضافة إلى كل هذه المراكز والأماكن التي تقدم مساعدات لدينا جهاد البناء وتعمل بشكل أساسي في المجال الزراعي، ولديها مساعدات كبيرة جدّاً في المجال الزراعي. قد أنسى بعض الأمور، من جملة الأمور المهمّة مشاركة حزب الله في الانتخابات البلديّة، وهو موجود في تقريباً أغلب البلديّات وكثير من رؤساء البلديات هم من إخواننا. وهذه البلديات تعمل بشكل جيّد في خدمة الناس. ولذلك الآن أنت تذهب إلى الكثير من البلدات، لو كنت تأتي إليها قبل عشر سنوات أو عشرين سنة أو ثلاثين سنة ستجد الوضع مختلفاً تماماً. حسناً، ثم نصل إلى مشاركة حزب الله في الانتخابات النيابية، ووجود نواب لنا في المجلس النيابي. طبعاً عدد النواب الموجود في المجلس النيابي من مجموعتنا هو أقل من حجمنا الحقيقي، يعني لا يتناسب مع حجمنا الحقيقي، والسبب أننا نحرص أن نقيم ائتلافات ونعطي عدداً من النواب لحلفائنا حتى يكون أيضاً لهم حضور قوي وجيّد في المجلس النيابي. هؤلاء النواب أيضاً يقومون بخدمة الناس في مناطقهم وفي المجلس النيابي، لدينا وزراء في الحكومة وهذه المرة حصلنا على وزارة خدمات هي وزارة الصحة، ووزير الصحة الحالي هو من أنشط الوزراء الموجودين في الحكومة الحالية. إذاً حزب الله في غير البعد العسكري له حضور إعلامي كبير وحضور سياسي وحضور اجتماعي وثقافي. لدينا مؤسسات تهتم بالأنشطة الإعلامية والأدبية، الشعر، الأدب، الرسم، الموسيقى والأناشيد. هذا كله موجود، لكن عادة الذي يُسلّط عليه الضوء في وسائل الإعلام أكثر هو العمل العسكري، لأنّ أهم ما قام به حزب الله منذ ١٩٨٢ إلى اليوم هو إلحاق الهزيمة بالاحتلال الإسرائيلي وتحقيق أول انتصار عربي واضح وبيّن، وهذا كان أمراً كبيراً جدّاً وعظيماً جدّاً، ولذلك الوجه الأغلب الذي يبرز من حزب الله هو الوجه العسكري. كذلك عندما ذهب إلى سوريا ليقاتل الجماعات التكفيرية والمشروع الذي كان يُراد له السيطرة على كل المنطقة، فالحضور العسكري لحزب الله لا شك أنّه كبير جدّاً ومهم جدّاً. ولكن الوجوه الأخرى كلّها حاضرة وقويّة وفاعلة، لكن أحياناً لا يتم تسليط الضوء عليها بالشكل المناسب.
كنت أستمع إلى كلمة سماحتكم بمناسبة الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية. لاحظت أنّكم أشرتم فيها إلى هواجسكم تجاه بعض مشاكل الشعب اللبناني مثل قضية الكهرباء. نحن نزور لبنان أحياناً ونلاحظ أنّ مشكلة الكهرباء حقيقيّة جدّاً وفي الواقع هي تشكّل هاجساً بالنسبة للشعب اللبناني. كنت أسمع أيضاً أنّ هناك عوائق سعودية، نرجو أن تحدّثوننا حول وجوب حلّ هذه المشكلة في لبنان وعدم إقدام الحكومة على خطوة جديّة لحلّ مشكلة الكهرباء وما هي هواجس حزب الله في هذا الشأن؟
+هذه الملفات والنقاط نحن نتابعها، طبعاً ليست فقط السعودية، المشكلة الأولى هي أمريكا. يعني الأمريكيّون الآن، مثلاً أي تعاون بين الحكومة اللبنانيّة والجمهورية الإسلامية في إيران، من الذي يمنعه؟ التهديدات الأمريكية، وهؤلاء في الحكومة بعضهم يخاف من الأمريكيّين ومن العقوبات الأمريكية على لبنان. وإلا مثلاً قبل سنوات جاءت الوفود الإيرانيّة وعرضت أن تقدّم مساعدات وقروض و… هؤلاء خافوا، خافوا في الحقيقة من العقوبات الأمريكية، فالأمريكيون يمنعون. والآن الأمريكيّون ليس فقط يمنعون لبنان من التعاون مع إيران بل حتّى من التعاون مع روسيا مثلاً وحتّى من التعاون مع الصّين. الآن مثلاً الحكومة اللبنانية يمكنها أن تشتري سلاحاً أو أن تحصل على مساعدة سلاح وذخائر وإمكانات من روسيا، لكنها لا تفعل ذلك لأنّ أمريكا هدّدت الحكومة اللبنانيّة وقالت: إذا أخذتم سلاحاً من روسيا فسوف أوقف كل المساعدات التي أقدّمها للجيش اللبناني. حسناً، الصين حاضرة لأن تأتي ولديها إمكانات هائلة، لماذا لا تُفتح أبواب لبنان أمام الصين؟ السبب الحقيقي هو التهديد الأمريكي بالعقوبات. طبعاً أمريكا اليوم لا تهدّد باحتلال لبنان وإرسال قوات إلى لبنان، هي لا تفعل ذلك. وهي تعرف أنها إذا جاءت إلى لبنان لا تستطيع أن تحتل لبنان أو تسيطر على لبنان، وسوف يحصل في لبنان كما حصل في العراق ولها تجربة قديمة مع لبنان واللبنانيّين. لكن أمريكا الآن تلجأ إلى العقوبات. عندما تهدد أي دولة تلجأ إلى التهديد بالعقوبات على البنوك وعلى المصارف وعلى استخدام العملة الصعبة وعلى بعض التسهيلات التجارية، فهؤلاء يتراجعون أو يخافون. لكن في كل الأحوال نحن في الحكومة ومع المسؤولين نتابع كل الملفات التي تعني الشأن اللبناني والناس في لبنان بما يطيقون هم ويستطيعون هم. حتى الآن أمريكا تدعم إسرائيل في الجنوب وتمنع اللبنانيّين من أن يحاولوا أن يستخرجوا النفط والغاز في جنوب لبنان، لأن إسرائيل تهدّد. طبعاً نحن في المقابل نهدّد، ولكن الشركات التي ستأتي تحتاج إلى ضمانات، وأمريكا ستعاقب أي شركة تأتي وتقوم مثلاً باستخراج النفط والغاز في تلك المنطقة إن تجرّأت أن تأتي على سبيل المثال. المشكلة الحقيقية هي في الحقيقة مع أمريكا وأيضاً السعودية تضغط في هذا الاتجاه لكي لا يكون هناك تعاون جدّي. الآن مثلاً لبنان يحتاج إلى سوريا والتعاون مع سوريا والتواصل مع سوريا، بعض هؤلاء المسؤولين في الدولة اللبنانية لأنهم يقيمون حسابات لها علاقة بأمريكا وبالسعودية وما شاكل لا يقدمون على ذلك، مع أنّ مصلحة لبنان الحقيقيّة هي في ذلك.
إحدى القضايا التي تشكّل ضرورة ملحّة في المواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني هي أن تكون لديك إحاطة استخباراتية بالعدو وأن تستفيد من هذه المعلومات في مختلف المجالات أي في مجال الدفاع عن نفسك وأيضاً في مجال وضع الخطط الهجومية ضد العدو. إلى أي مدى يملك حزب الله اليوم إحاطة استخباراتية فيما يخصّ العدو؟
نحن لدينا إحاطة وإشراف معلوماتي جيّد جدّاً بشكل ليس له سابقة. حزب الله من خلال استخدامه للوسائل المختلفة يحصل على المعلومات اللازمة والمهم هي المعلومات التي نحتاجها في أي حرب مقبلة أو في مواجهة أي تهديد أو عمل إسرائيلي يمكن أن يقوم به، من جهة لدينا جانب المعلومات والإحاطة المعلوماتية الجيدة ونواكب كل الأحداث في كيان العدو، وتطورات ما يجري لديهم سواء من خلال الوسائل العلنيّة أو الوسائل غير العلنيّة. لكن الأمر الأهم هو بعد الدراسة، يعني نحن المعلومات التي نحصل عليها، حتى بالوسائل العلنيّة، المهم متابعتها وتقييمها وتحقيقها ودراستها وأخذ استنتاجات منها، وهذا أمر مهم. نقطة قوة حزب الله أنه يقرأ بشكل دائم إسرائيل وعقلها وثقافتها وتقاليدها وعاداتها ونقاط قوتها ونقاط ضعفها وتطوراتها وأحداثها، وهذا يجعل حزب الله محيطاً بشكل دائم بكل ما يجري في داخل الكيان بحيث نحن [نعلم] كيف يفكّرون وماذا يحبّون وماذا يكرهون وبماذا يتأثّرون وما هي المشاكل الموجودة في داخلهم وما هي الانقسامات القائمة والخلافات السياسية والخلافات الحزبية والخلافات الدينيّة الموجودة عندهم، تفاوت الشخصيات، وتقييم القيادات السياسيّة والعسكرية، هذا كلّه نواكبه ومتوفّر لدينا. وهذا طبعاً يعطينا قدرة كبيرة جدّاً ومهمّة جدّاً في كيفية التعاطي مع هذا العدو ومواجهة هذا العدو بالأساليب المختلفة.
خلال كلماتكم وخطاباتكم أشرتم في عدة مواطن ومناسبات إلى الإمام الخامنئي. أرغب الآن في أن أركّز أكثر في سؤال لسماحتكم على العلاقة التي ربطتكم بالإمام الخامنئي على مدى أربعين عاماً، ما هي أهم وأبرز الصفات الشخصية لدى سماحته؟ خاصّة أنّكم التقيتم بالعديد من الشخصيات البارزة والمعروفة. ما هي الفوارق في شخصية الإمام الخامنئي إذا ما أجريتم مقارنة مع سائر الشخصيات؟
أوّلاً، أنا كل ما يمكن أن أقول في الجواب على هذا السؤال، قد أكون متّهماً [به] لأنّني من محبّيه وعاشقيه ولذلك قد يُقال أنّ فلان لأنّه يحب ويعشق سماحة السيد القائد هو يقول هذه المسائل، لكن حقيقة وبشكل موضوعي ومنصف وبمعزل عن الجانب العاطفي، وبعد هذه التجربة الطويلة، سماحة القائد لديه الكثير من المواصفات الممتازة، يعني أحياناً عندما تتحدث عن شخصية تقول لديه مواصفات جيّدة لكن من بين المواصفات الجيّدة توجد لديه صفة ممتازة وعالية، أو صفتين، أو ثلاثة، ولكن ما يرتبط بشخصيّة سماحة السيد القائد، أنت ستجد عدد كبير من الصفات الممتازة. على سبيل المثال، مثلاً الإخلاص الشديد، إخلاصه لله سبحانه وتعالى، وإخلاصه للإسلام، وإخلاصه للمسلمين، وإخلاصه للمستضعفين والمظلومين، هذا إخلاص عالي جدّاً، ولعلّه هو أحد أهم أسباب التسديد والتأييد والتوفيق من الله سبحانه وتعالى لسماحة السيد القائد. هذا الإخلاص العجيب والشديد. مثلاً عندما أتحدث عن الإخلاص، هو لا يقف عند أي اعتبارات شخصيّة، وأنا عندي شواهد كثيرة على هذا الأمر، سواء فيما يتعلق بشخصيّته وبشخصه أو بقيادته أو بمرجعيّته أو بما يعود إليه، هو لا يقف عند أي شيء. هو دائماً وأبداً يقدّم مصلحة الإسلام ومصلحة المسلمين والمصالح العامّة على أي اعتبارات أخرى. مثلاً من جملة المميّزات الواضحة والكبيرة جدّاً زهد سماحة السيد القائد، وهذا معروف ومشهود. الآن السفارة الأمريكية في بغداد وفي أماكن أخرى، هم يحاولون أن يسيؤوا إلى شخصية سماحة السيد القائد ولكن من حماقتهم أنهم ركّزوا على الجانب الذي لا يصدّقهم أحد فيه. عندما قالوا أن سماحة السيد القائد ثروته الشخصية تصل إلى ٢٠٠ مليار دولار مثلاً. من الصفات المميّزة جدّاً عند سماحة السيد القائد الموضوع الأخلاقي، الأخلاق الشخصيّة، نحن دائماً عندما نراه [نرى] بشره في وجهه وتواضعه الشديد، كل اللبنانيّين الذين ذهبوا إلى إيران والتقوا بسماحة السيد القائد إما في لقاء خاص أو في لقاء عام كانوا يعودون إلى لبنان مدهوشين من شدّة تواضع سماحة السيد القائد. يعني عندنا هنا في لبنان رئيس بلدية صغيرة في قرية صغيرة لا يتواضع كما يتواضع سماحة السيد القائد (حفظه الله) لضيوفه وللناس من حوله. المحبّة والعاطفة وإحساس الآخرين أنّهم أمام أب أكثر مما هم أمام قائد أو حاكم وإنّما أمام أب عطوف ورؤوف ورحيم. مثلاً من شواهد التواضع ومن شواهد الأبوّة، مثلاً أنا ذكرت لكم في سياق المقابلة أنّه في كل مسائلنا ونحن نريد رأيه وموقفه، هو يقول هذا اقتراحي، وأنتم أنظروا وادرسوا، هذا دليل تواضع ودليل أبوّة ودليل رحمة. الأبوّة لأنه يعلّمنا كيف ننضج ونأخذ القرار، ودليل الرحمة لأنّه لا يريد أن يلزمنا بموقف نكون محرجين في الالتزام به مثلاً. الوعي السياسي والتاريخي الكبير والواسع، سماحة السيد القائد مثلاً يفهم منطقتنا مع أن منطقتنا معقّدة جدّاً. يعني منطقة غرب آسيا وكما يقولون الشرق الأوسط وبالتحديد بلاد الشام ولبنان وفلسطين وما يجري هنا في المنطقة، ولبنان على وجه الخصوص. مسائل منطقتنا جدّاً معقّدة والكثيرون من سياسيّي ومفكّري هذه المنطقة أحياناً يحلّلون بشكل خاطئ ويقرّرون بشكل خاطئ، ولك نحن منذ أربعين سنة نجد أن كل تحليلات سماحة السيد القائد كانت صحيحة وكل مواقفه كانت صحيحة اتجاه هذه المنطقة، حتى في بعض القضايا التفصيلية التي قد يضيع فيها أهل البلد أنفسهم، وهذا أمر عجيب وغريب. من جملة الأمور التي أعتقد أنها من الصفات المميزة جدّاً، الثقة العظيمة بالله سبحانه وتعالى. هنا نحن لا نتحدث عن شخص منكفئ في مكان للعبادة ويقول أنا ثقتي بالله عظيمة، أو هو يعمل في المجال التعليمي والتدريسي ويقول أنا ثقتي بالله عظيمة. الامتحان الحقيقي هو أن تتحمل مسؤولية بحجم مسؤولية سماحة السيد القائد في إدارة الجمهورية الإسلامية وقيادة الأمّة وفي مواجهة أمريكا وطواغيت الأرض ومستكبري العالم وتدافع عن المستضعفين والمظلومين وتذهب إلى أصعب المعارك والمواقف وتقول أنا أثق بالله وفعلاً أنت تثق بالله سبحانه وتعالى. هنا الفارق، هذه الثقة بالله سبحانه وتعالى والقدرة على إيجاد هذه الثقة عند الآخرين، وليس فقط الحديث عن هذه الثقة، [بل] إيجاد هذه الثقة في قلوبهم وفي عقولهم. حزب الله على سبيل المثال، بهذه الثقة يتقدمون ويعملون ويجاهدون وينتصرون، أو بهذه الثقة مثلاً عند الشعب الإيراني أو الشباب الإيراني ليقف في وجه أمريكا وكل هذه التحدّيات. لو لم يكن هو نفسه -سماحة السيد القائد- لديه هذه الدرجة العظيمة جدّاً من الثقة بالله سبحانه وتعالى فهو لا يستطيع أن ينقلها ويؤثّر على الآخرين. أيضاً الجانب الفكري، اليوم في العالم الإسلامي عدد المفكّرين الإسلاميّين قليل جدّاً. هناك فارق بين المفكّر وبين المثقّف. لدينا مثقّفون إسلاميّون كثيرون. يؤلّفون كتب ويحاضرون ويخطبون. لكن مفكّر إسلامي، يعني مثلاً عندما نقول أن الشهيد مطهّري مفكّر إسلامي، والإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر مفكّر إسلامي وعلى هذه الشاكلة [نجد] اليوم أن المفكرين الإسلاميّين قلّة جدّاً في العالم الإسلامي. لا شكّ بأن من يسمع خطابات سماحة السيد القائد ويقرأ ما كتب وبياناته وتوجيهاته وكلّ المسائل، خصوصاً في شهر رمضان عندما يستقبل كل الشرائح ومن مختلف الأنواع، هو يدرك بأنّه أمام مفكّر إسلامي كبير، قد لا يضاهيه اليوم في العالم الإسلامي مفكّر، يعني لا يوجد اليوم في العالم الإسلامي مفكّر إسلامي بمستوى سماحة السيد القائد. في الموضوع الفقهي والعلمي، طبعاً لم تُبيّن حتى الآن الشخصية العلميّة والحوزويّة لسماحة السيد القائد بالشكل المناسب. أنا لا أدّعي أنّني من أهل الخبرة، ولكن أعرف العديد من الإخوة الأفاضل والمجتهدين وأهل الخبرة الذين استمعوا إلى دروس سماحة السيد القائد الفقهيّة وقدّموا شهادات عالية جدّاً في مستوى اجتهاده وقدرته والملكة التي يملكها سماحة السيد القائد، وعندما يقدّمون شهادات فيما يتعلّق بمرجعيته إنما يقدّمون ذلك من موقع الاختبار والبحث والبحث العلمي والجدّي وليس من موقع عاطفي أو نتيجة بعض العناوين أو ما شاكل. في كل الأحوال، ثم نتحدث عن القائد، اليوم من الذي يقود الأمّة ومن الذي يحمل الراية؟ من الذي يقود معركة هي من أصعب المعارك في التاريخ في حقيقة الأمر. المعركة القائمة الآن، من الذي يقود هذه المعركة وما تتطلّبه من علم ووعي وفكر وفهم وتشخيص حقيقي للمسائل في كل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنيّة، وما تتطلّبه أيضاً من بصيرة كبيرة جدّاً وما تتطلّبه من شجاعة. قد يكون الإنسان لديه علم ولديه بصيرة ولكنه فاقد للشجاعة والاستعداد للتضحية، حتى بروحه وبنفسه وبدمه. أين هم هؤلاء القادة الذين يملكون هذه المواصفات؟ هذه بعض [الصفات] على عجالة كما يُقال، وإلا إذا جلس الإنسان ليفتّش عن الصفات العالية والمميّزة في سماحة السيد القائد سيجد الكثير الكثير من هذه الصفات.
لقد أشرتم إلى الشجاعة. أيّ قرار اتخذه الإمام الخامنئي فيما يخص المنطقة كان الأكثر شجاعة من وجهة نظركم؟
تعرف أنه بعد حوادث ١١ أيلول في أمريكا، وكان جورج بوش وجماعة المحافظين الجدد في قمة الغضب ويستخدمون الغضب الشعبي الأمريكي ليتجاوزوا كل القوانين وكل الحدود وكل الأعراف الدولية ويومها قال جورج بوش أن العالم إما أن يكون معنا وإما ضدّنا. وأرسل قواته إلى جوار إيران، نحن لا نتحدث عن قوات أمريكية ذهبت إلى البرازيل، بل نتحدث عن قوات أمريكية جاءت إلى أفغانستان، وجاءت إلى العراق وإلى الدول المحيطة بإيران والبحار المحيطة بإيران وكان يُعلن عدائه بشكل واضح جدّاً وشرس جدّاً، وكل من يقف في وجهه سيعمل هو على إزالته. الكثيرون في هذه المنطقة خافوا وأصيبوا بحالة رعب شديد وأن أمريكا آتية لاجتياح المنطقة والسيطرة على المنطقة، وأنا أذكر في ذلك الحين كُتبت مقالات أن المنطقة ستدخل العصر الأمريكي إلى مئتي سنة، إلى ثلاثمائة سنة، ولن يستطيع أحد أن يقف بوجه الأمريكيّين أو أن يزحزحهم. من الذي وقف؟ سماحة السيد القائد. هذا لا يحتاج فقط إلى وعي تاريخي ووعي سياسي وتدين وإخلاص، هذا يحتاج أيضاً إلى شجاعة عالية. أنت تقف أمام القوّة العظمى الوحيدة المتجبّرة والمستكبرة في العالم، والغاضبة جدّاً التي لا تعترف الآن بأي قيود وضوابط. وقف في وجهها وليس وقوف من يرفض الاستسلام، بل وقوف تهاجمي. يعني الذي قاد معركة المواجهة ضد المشروع الأمريكي في المنطقة هو سماحة السيد القائد خلال كل السنوات الماضية.
فيما يخصّ كتاب ”إنّ مع الصّبر نصراً“ الذي أشرتم إليه في مراسم ذكرى انتصار الثورة الإسلامية؛ نرغب في أن تطلعونا على أكثر ما لفتكم في هذا الكتاب أو أي نقطة أخرى لفتت انتباهكم.
أوّلاً أنا عندما وصلني الكتاب قبل طباعته النهائيّة، قرأته في نفس الليلة. وصلني بعد المغرب، فأنا قرأت في تلك الليلة كل الكتاب بشوق. أوّلاً قرأت المقدّمة التي كتبها سماحة السيد القائد بخطّه، مقدّمة باللغة العربية لكن طبعاً الخط فارسي. فوجئت، أنا أعرف أنّ سماحة القائد يفهم العربيّة بشكل جيّد ويتكلّم العربية بشكل جيّد، لكنّ المتن هو متن على درجة عالية من البلاغة، يعني متن بليغ جدّاً، ولا أعتقد أنّه يوجد كثيرون في العالم العربي الآن يستطيعون أن يكتبوا متناً بهذا المستوى من الجمال والبلاغة، من العرب طبعاً. هذا أوّل أمر، أي هذا في بداية الكتاب. أيضاً في ما ورد في عرض الكتاب، أيضاً فيما يتعلق باللغة وبالبيان والوضوح كان ملفت جدّاً. لأنّني سمعت من الأخ الدكتور آذرشب، هو قال لي بأنّ هذا المتن هو متن سماحة السيد القائد، المتن العربي، وأنا قمت فقط ببعض الإصلاحات البسيطة. وأيضاً هو متن كبير ومهم جدّاً في أدبيات وبلاغة اللغة العربية. كثيرون من أدباء العرب ولا أقول العلماء، بل الأدباء، لا يستطيعون أن يكتبوا متناً بهذه البلاغة وبهذا الجمال، هذا في الجانب البلاغي. طبعاً الاسترسال، يعني الأحداث التي يذكرها سماحة السيد القائد أيضاً هي جميلة جدّاً، وكثير منها جديد على العالم العربي، قد لا يكون جديداً على الإيرانيّين، لأن هذا موجود باللغة الفارسية وأنا قرأت بعض الكتب التي تتحدث عن مذكرات السيد القائد وحياته، قرأت مجموعة من الكتب وأنا قرأت كتباً كبيرة. ولكن باللغة العربية هذا أول كتاب من نص سماحة السيد القائد نفسه وهو يتحدث بهذه التفاصيل وبهذه الجزئيات، هذا أيضاً كان مؤثّر جدّاً. ثمّ تبيّن للناس حجم المظلومية والمعاناة والغربة وحجم الآلام التي تحمّلها سماحة السيد القائد وطبعاً بقيّة الإخوة الآخرين ولكنه كان يتحدث حول مذكّرات شخصيّة، هو لا يكتب عن الآخرين لنقول أنه ماذا عن الآخرين؟ واضح أن الشعب الإيراني وأن العلماء والمسؤولين الذين أصبحوا في ما بعد مسؤولين، أنّ هناك آلاماً كبيرة وتضحيات جسيمة قدّموها حتى تمكّنت هذه الثورة من الانتصار.
ما هي لغة الحديث في لقاءاتكم مع الإمام الخامنئي؟
أنا أتكلم باللغة العربية وسماحته يتكلم باللغة الفارسية، لكن أحياناً في بداية اللقاء سماحة القائد يسأل بعض الأسئلة باللغة العربيّة، مثلاً الترحيب، أهلاً بكم، كيف العائلة وكيف الإخوة؟ مثلاً يسأل باللغة العربية ولكن يتكلم باللغة الفارسية. وهذا كان اتفاق في الحقيقة منذ بدايات قيادته، حتى في زمن رئاسة الجمهورية، لكن هذا أكثر منذ بداية القيادة، لأنّني أفهم الفارسية، لكن إخواني في الشورى بعضهم يفهم الفارسية بنسب متفاوتة، فكان يأتي بمترجم إلى الجلسة. سماحة القائد في البداية قال، منذ الآن فصاعداً لن نأتي بمترجم، في الجلسة يوجد سماحة القائد ويوجد اللبنانيّون وبعض الإخوة الإيرانيّين، فقال سماحة القائد من الآن فصاعداً لن نأتي بمترجم، على الإيرانيّين أن يتعلّموا اللغة العربيّة ويفهموا أنت ماذا تقول، وعلى اللبنانيّين أن يتعلّموا اللغة الفارسية ولا يحتاجون إلى مترجم. منذ ذلك الحين كلّ لقاءاتنا مع سماحة السيد القائد لا يوجد فيها مترجم.
لقد التقيتم بالإمام الخامنئي ولديكم ذكريات عديدة. هذه الذكريات هي في المجالات السياسية والشؤون العسكرية و.. التي سبق وتحدثتم عنها. في ختام حديثنا نرجو من سماحتكم أن تختاروا لنا من بين عشرات ومئات الذكريات التي لديكم إحدى الذكريات التي تعتبرون أنها جميلة جدّاً ولافتة بالنسبة إليكم.
أنا ذكرت شيئاً في المقابلة، تعرف نحن كنا نتيجة الصعوبات والتحدّيات والمخاطر نمرّ في مراحل ونتعب. يعني أنا في التسعينات، في سنة ١٩٩٧ أو ١٩٩٨، كان لدينا ظروف صعبة جدّاً، في لبنان، وفي الوضع الداخلي ومع إسرائيل ومع المحيط، صعوبات متنوّعة. وطبعاً أنا شاب، كانت لحيتي كلها سوداء ولكن الحِمل الملقى عليّ أكبر من طاقتي، وكنت أذهب إلى إيران بين الحين والآخر، فعند سماحة السيد القائد، أنا قلت له سيّدنا ماذا أفعل؟ وتعرف عندما يصل الإنسان إلى مرحلة يتعب فيها ويشعر بثقل المسؤولية يفضّل أن يأتي شخص آخر يتحمّل المسؤولية ويتحوّل هو إلى مساعده وإلى نائبه، لكن يتحمّل المسؤوليّة شخصٌ آخر. سماحة السيد القائد في ذلك الوقت قال لي أنّه أنت ما زلتَ شابّاً ولحيتك كلّها سوداء، ماذا أقول أنا عن التعب ولحيتي كلّها بيضاء؟ على كلّ، هو قدّم لي النصيحة التالية التي ذكرتها في سياق المقابلة وأعيدها بشكل دقيق، قال: طبيعي أن الإنسان في حركته يواجه التحدّيات والصعوبات والمخاطر وأحياناً من الأعداء وأحياناً من الأصدقاء وغالباً ما يكون إزعاج الأصدقاء أكبر ومؤذي أكثر من إزعاج الأعداء، أي أنه يؤلم الإنسان أكثر. حسناً، وفي نهاية المطاف هناك محدوديّة في كثير من الأمور. الإنسان يتعب نفسيّاً ويتعب روحيّاً، أحياناً يحتاج إلى من يدلّه ويرشده ويعلّمه، أحياناً يحتاج إلى من يأخذ بيده، أحياناً يحتاج إلى من يُهدّؤه ويُطمئنه ويُسكّنه على المستوى النفسي والمعنوي، أو يحتاج إلى من يُقوّيه ويشدّ من عزيمته. حسناً، في كل ما نحتاج إليه نحن لدينا الله سبحانه وتعالى، ولا نحتاج إلى الآخرين. نحن لدينا الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى من رحمته ولطفه بنا أجاز لنا أن ندعوه ونخاطبه ونتحدّث معه في أي وقت وفي أي مكان وفي أي حال، هذا كله كان كلام سماحة السيد القائد. وبعيداً عن الكثير من الشكليات والمراسم، ولذلك عندما تشعر بالتعب أو بأي شعور صعب أنا أنصحك بأن تجرّب هذه الطريقة. تدخل إلى غرفة وتخلو بنفسك ولو لخمس دقائق أو عشر دقائق أو ربع ساعة، وتتحدث مع الله سبحانه وتعالى، ونحن نعتقد أن الله موجود وأن الله سميع وأن الله بصير وأن الله عليم وهو أيضاً قدير وغني وحكيم، يعني كل ما نحتاجه نحن في كل شيء، هو عند الله عزّ وجل، فتتكلّم معه ولا تحتاج أن تخاطبه حتى بالأدعية المأثورة عن النّبي والأئمة (عليهم السلام) وما شاكل، لا أنت تتحدث بلغتك بما يجول في قلبك وفي خاطرك وبلسانك وباللغة العاميّة التي يتحدثها الناس، فالله يسمع والله يرى والله جواد وكريم وودود وأهل العطف وأهل الكرم وأهل المغفرة وأهل الهداية وأهل العلم، وإذا فعلت ذلك فالله سبحانه وتعالى يعطيك السكينة والطمأنينة والقوة ويأخذ بيدك ويرشدك ويعينك ويساعدك وأنا أقول لك هذا من موقع التجربة، أنت جرّب هذا ونرى. أنا قلت له إن شاء الله أنا أفعل ذلك سيدنا ومنذ ذلك الحين أنا أفعل ذلك بين الحين والآخر يعني في الحد الأدنى، ووجدت بركات هذا التوجيه وهذه التوصية. أي تفكير من هذا النوع هو تخلّي عن المسؤولية، طبعاً أنا أتمنى أن يأتي إخواني ويقولوا لي أنت الآن يمكنك أن تستريح ليأتي شخص مكانك وأنت تعينه، سأكون سعيداً بذلك. ولكن أنا شخصيّاً لم أعد أفكّر نتيجة أي ضغوط أو ظروف أو صعوبات لأنه أيّاً تكن الصعوبات، عندما نلجأ إلى هذه الطريقة سوف تنفتح أمامنا أبواب وبركات كبيرة ومهمة جدّاً، أهمّ ما كان عندنا في حرب تموز هو هذا، سواء أنا أو إخواني، كان أحدنا يخلو جانباً ويدعو الله سبحانه وتعالى ويتوسّل بالله عزّوجل ويطلب منه العون والتسديد والتعليم والهداية والنّصرة والتثبيت والقوّة والشجاعة و … والله سبحانه وتعالى كريم.
لا نعرف حقيقة بأيّ لسان نشكركم. لكم جزيل الشكر ونسأل الله أن يكون هذا الحوار مبعث خير وبركة للشعب الإيراني وللأمة الإسلامية. كما ندعو الله عزّ وجل أن يحفظ لنا وجودكم حيث أنّكم مبعث فخر واعتزاز للمسلمين حول العالم.