كيف تناسلت الطبقة الثانية من البشر؟
أبحاث في المجتمع
الطبقة الأولى من الإنسان وهي: آدم وزوجته تناسلت بالازدواج فأولدت بنين وبنات (إخوة وأخوات) فهل نسل هؤلاء بالازدواج بينهم وهم أخوة وأخوات أو بطريق غير ذلك؟ ظاهر إطلاق قوله تعالى: وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء أن النسل الموجود من الإنسان إنما ينتهي إلى آدم وزوجته من غير أن يُشاركهما في ذلك غيرهما ...
عدد الزوار: 403
الطبقة الأولى من الإنسان وهي: آدم وزوجته تناسلت بالازدواج فأولدت بنين وبنات (إخوة وأخوات) فهل نسل هؤلاء بالازدواج بينهم وهم أخوة وأخوات أو بطريق غير ذلك؟ ظاهر إطلاق قوله تعالى: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء﴾1 أن النسل الموجود من الإنسان إنما ينتهي إلى آدم وزوجته من غير أن يُشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أنثى، ولم يذكر القرآن للبث إلا إياهما، ولو كان لغيرهما شركة في ذلك لقال: وبث منهما ومن غيرهما، أو ذكر ذلك بما يناسبه من اللفظ، ومن المعلوم أن انحصار مبدأ النسل في آدم وزوجته يقضي بازدواج بنيهما من بناتهما.
وأما الحكم بحرمته في الإسلام وكذا في الشرائع السابقة عليه على ما يحكى فإنما هو حكم تشريعي يتبع المصالح والمفاسد لا تكويني غير قابل للتغيير، وزمامه بيد الله سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فمن الجائز أن يبيحه يوماً لاستدعاء الضرورة ذلك ثم يحرمه بعد ذلك لارتفاع الحاجة واستيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع.
والقول بأنه على خلاف الفطرة وما شرعه الله لأنبيائه دين فطري، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾2 فاسد فإن الفطرة لا تنفيه ولا تدعو إلى خلافه من جهة تنفرها من هذا النوع من المباشرة (مباشرة الأخ الأخت) وإنما تبغضه وتنفيه من جهة تأديته إلى شيوع الفحشاء والمنكر وبطلان غريزة العفة بذلك وارتفاعها عن المجتمع الإنساني، ومن المعلوم أن هذا النوع من التماس والمباشرة إنما ينطبق عليه عنوان الفجور والفحشاء في المجتمع العالمي اليوم وأما المجتمع يوم ليس هناك بحسب ما خلق الله سبحانه إلا الأخوة والأخوات والمشية الإلهية متعلقة بتكثرهم وانبثاثهم فلا ينطبق عليه هذا العنوان.
والدليل على أن الفطرة لا تنفيه من جهة النفرة الغريزية تداوله بين المجوس أعصار طويلة (على ما يقصه التاريخ) وشيوعه قانونياً في روسيا (على ما يحكى) وكذا شيوعه سفاحاً من غير طريق الازدواج القانوني في أوروبا.
وربما يقال: إنه مخالف للقوانين الطبيعية وهي التي تجري في الإنسان قبل عقده المجتمع الصالح لإسعاده، فإن الاختلاط والاستيباس في المجتمع المنزلي يبطل غريزة التعشق والميل الغريزي بين الإخوة والأخوات كما ذكره مونتسكيو في كتابه روح القوانين.
وفيه أنه ممنوع كما تقدم أولاً، ومقصور في صورة عدم الحاجة الضرورية ثانياً، ومخصوص بما لا تكون القوانين الوضعية غير الطبيعية حافظة للصلاح الواجب الحفظ في المجتمع، ومتكفلة لسعادة المجتمعين وإلا فمعظم القوانين المعمولة والأصول الدائرة في الحياة اليوم غير طبيعية.
وفيما يلي بعض الروايات في هذا المضمار.
عن أبي جعفر عليه السلام: لقد خلق الله عز وجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم خلقهم من أديم الأرض فأسكنهم فيها واحداً بعد واحد مع عالمه ثم خلق الله عز وجل آدم أبا البشر وخلق ذريته منه، الحديث.
وفي نهج البيان للشيباني عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام: من أي شيء خلق الله حواء؟ فقال عليه السلام: أي شيء يقولون هذا الخلق قلت يقولون: إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم فقال: كذبوا أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت: جعلت فداك من أي شيء خلقها؟ فقال: أخبرني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين، فخلطها بيمينه ـ وكلتا يديه يمين ـ فخلق منها آدم، وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء.
أقول: ورواه الصدوق عن عمرو مثله، وهناك روايات اُخر تدل على أنها خلقت من خلف آدم وهو أقصر أضلاعه من الجانب الأيسر، وكذا ورد في التوراة في الفصل الثاني من سفر التكوين، وهذا المعنى وإن لم يستلزم في نفسه محالاً إلا أن الآيات القرآنية خالية عن الدلالة عليها.
وفي الاحتجاج عن السجاد عليه السلام في حديث له مع قريش يصف فيه تزويج هابيل بلوزا أخت قابيل، وتزويج قابيل باقليما أخت هابيل، قال: فقال له القرشي: فأولداهما؟ قال: نعم فقال له القرشي. فهذا فعل المجوس اليوم، قال: فقال: إن المجوس فعلوا ذلك بعد التحريم من الله، ثم قال له: لا تنكر هذا إنما هي شرائع الله جرت، أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك3.
*قضايا المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم، العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي، دار الصفوة، ص76-79.
1- النساء:1.
1- الروم:30.
2- الطبري، الاحتجاج ص 171 المطبعة المرتضوية النجف، 1350 هـ.
2009-11-04