يتم التحميل...

التحلِّي بصفةِ الحِلم

ذو القعدة

التحلِّي بصفةِ الحِلم

عدد الزوار: 219



عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «مِنْ أحَبِّ السَّبِيلِ إِلىَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ جُرْعَتَانِ: جُرْعَةُ غَيْظٍ تَرُدُّهَا بِحِلْمٍ وجُرْعَةُ مُصِيبَةٍ تَرُدُّهَا بِصَبرٍ».

لقد رسمَ اللهُ عزَّ وجلَّ مسارَ هذه الحياةِ الدنيا بأنَّها اختبارٌ لهذا الإنسانِ، قالَ تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾، وهذا يعني أنَّ الإنسانَ سوف يكون معرّضاً في حياتِه لمصاعبَ ترتبطُ بما يُخالفُ رغباتِ هذه النفسِ وتمنياتِها وسوف يواجه من يخالفُه من الناسِ ويضعُ في طريقِه ما لا يريدُه، والمطلوبُ مِنَ الإنسانِ أن يُحسنَ التصرُّفَ وتقديرَ الموقفِ بما لا يُخرجُه عن طاعةِ اللهِ إلى معصيتِه.

وقد وردَ في الرواياتِ الواردةِ عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله) وأهلِ بيتِه التأكيدُ على التحلِّي بصفةِ الحِلمِ الذي يتضمّنُ التأنِّي والتريّثَ والإنتظارَ قبلَ اتّخاذِ موقفٍ سلبيٍّ أمامَ ما يُعرضُ للإنسانِ في حياتِه، ومن ثمّ التجاوزَ والعفو والصفحَ، وهذه الصفةُ يتمكّنُ الإنسانُ الفاقدُ لها من أنْ يكتسبَها ويتزيَّنَ بها من خلالِ تمرينِ هذه النفسِ عليها، وقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إنْ لم تكنْ حليماً فتحلَّمْ ، فإنَّه قلَّ من تَشبَّهَ بقومٍ إلّا أوشكَ أنْ يكونَ منهم».

ويترتَّبُ على امتلاكِ الإنسانِ لهذه الصفةِ والتحلّي بها آثارٌ عديدةٌ وردتْ في الرواياتِ، منها:

1- أنْ يأمنَ بذلك من الوقوعِ في الخطإِ، لأنَّ الغضبَ سوف يجرُّه إلى آثارٍ لا تُحمدُ عقباها، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «الحِلمُ غطاءٌ ساترٌ والعقلُ حسامٌ قاطعٌ، فاسترْ خللَ خُلُقِك بحِلمِك، وقاتلْ هواك بعقلِك».

2- أنَّ اتّخاذَ الموقفِ الصحيحِ يترتّبُ عليهِ تقديرُ الناسِ ووقوفُها إلى جانبِه، وفي المقابلِ يؤدّي الغضبُ وهو الموقفُ المقابلُ للحِلمِ إلى لومِ الناسِ له وإنْ كان صاحبَ حقٍّ في الأساسِ، وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إنّ أولَ عوضِ الحليمِ من خصلتِه أنَّ الناسَ أعوانُه على الجاهلِ».

3- أنَّ الغضبَ قد يوقعُ الإنسانَ في المعصيةِ وظلمِ الناسِ وهذا ما يجعلُ الإنسانَ في معرضِ الغضبِ الإلهيِّ، ولذا كان في الحِلمِ وقايةً من ذلك، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «الحِلمُ عندَ شدّةِ الغضبِ يؤمنُ غضبَ الجبّارِ».

4- أنْ يتغلّبَ بذلك على الشيطانِ، لأنَّ هدفَ الشيطانِ أنْ يوقعَ العداوةَ والبغضاءَ بين الناسِ، والحِلمُ يمنعُ ذلك، وقد وردَ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، أنَّه مرَّ بقومٍ فيهم رجلٌ يرفعُ حجراً يُقالُ له: حجرُ الأشداءِ، وهم يُعجبونَ منه، فقالَ (صلى الله عليه وآله): «ما هذا؟ قالوا: رجلٌ يرفعُ حجراً يُقالُ له: حجرُ الأشدّاءِ، فقال: ألا أُخبركُمْ بما هو أشدُّ منه؟ رجلٌ سبَّهُ رجلٌ فحَلِم عنه، فغلبَ نفسَه، وغلبَ شيطانَ صاحبِه».

وليذكرْ الإنسانُ دائماً أنَّه قد يقعُ في مخالفةِ أوامرِ ربِّه واللهُ عزَّ وجلَّ لا يبادرُه بالعقوبةِ، بل يحلُمُ ويعفو عنه، فهو في هذه الحياةِ دائماً تتنزّلُ عليه نعمةُ الحِلمِ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ عنه، وقد وردَ في دعاءِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «الحمدُ للهِ الذي يحلُمُ عنّي حتّى كأنَّني لا ذنبَ لي».

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

2019-07-25