مكونات شخصية الطفل في محيطه العائلي والاجتماعي
تربية الأبناء
مكونات شخصية الطفل في محيطه العائلي والاجتماعي
عدد الزوار: 327
إنّ الطفل ـ كإنسان ـ وهبه الله عز ّوجلّ العقل والذكاء، وخلق فيه ملكة التعلّم
والاكتساب والتلقّي، فهو منذ أن يفتح عينيه على هذه الدنيا يبدأ عن طريق الحسّ
بالتعلّم واكتساب السلوك والآداب والأخلاق، ومختلف العادات، وكيفيّة التعامل مع
الآخرين.
فنجد أنّ محيط الأسرة وطريقة تعاملها وطرز تفكيرها، كلّ ذلك يؤثّر تأثيراً مباشراً
وعميقاً في تكوين شخصيّة الطفل، ويتحدّد قالبها الذي سوف يتّخذه الطفل مستقبلاً،
سواء كانت تلك العائلة سليمة ومؤمنة ومستقيمة وملتزمة بتعاليم الإسلام السامية ،
فيخرج الطفل فرداً صالحاً وإنساناً طيّباً وسعيداً، أو كانت من العوائل المتحلّلة
المنحطة، فتُخرج طفلها إلى المجتمع فرداً فاسداً مجرماً شقيّاً.
لذا جاء في الحديث النبويّ الشريف:"ما من مولود يولد إلاّ على هذه الفطرة،
فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ".
وقد أثبتت التجارب والدراسات العلميّة التي أجراها الباحثون والمحقّقون في مجال
البحوث والتحقيقات التربويّة والنفسيّة؛ أن للتربية أثراً كبيراً ومباشراً في تكوين
شخصيّة الفرد، وأثرها كذلك في المجتمع.
وقد تبيّن تطابق هذه البحوث والتحقيقات مع قواعد الرسالة الإسلاميّة المباركة
وقوانينها التربويّة العلميّة، وجاءت هذه تأييداً ومصداقاً للتعاليم الإسلاميّة
الحقّة في مجال التربية والتعليم؛ حيث تقول معظم الدراسات التي أجريت في العالمين
الإسلاميّ والأوربي بأنّ الطفل في سنيّ عمره الأولى تتحدّد شخصيّته الإنسانيّة،
وتُنمّى مواهبه الفرديّة، وتتكوّن لديه ردود فعل على الظواهر الخارجيّة، عن طريق
احتكاكه بالمحيط الذي يعيش ويترعرع فيه، وتكتمل هذه الردود وتأخذ قالبها الثابت في
حينه: (من شبّ على شيء شاب عليه). ومسلّم أنّ للقيم السلوكيّة السائدة في محيط
العائلة الذي يعيش الطفل فيه ـ سواء كانت إيجابيّة أم سلبيّة ـ دوراً خطيراً
ومؤثّراً في تأطير طريقة تعامله مع الآخرين.
وقد أثبتت الأبحاث التربويّة كذلك أنّ تكوّن شخصيّة الطفل منذ صغر سنّه يؤثّر
تأثيراً مباشراً قوّياً في نظرته إلى نفسه بالذات، ماعاش في هذه الحياة الدنيا، فإن
لمس الرعاية والمحبّة والعاطفة السليمة والحنان والاهتمام والتقدير والتشجيع
والمكافأة بين أفراد أسرته؛ أشرقت صورته في نفسه و تطيّبت، ونمت قدراته ومواهبه
وإبداعاته وابتكاراته، وأصبح يشعر بإشراقة مضيئة تشعّ من ذات شخصيّته فتؤهّله
للقيام بدور فعّال في حياته العائليّة، ومن ثمّ المدرسية والمهنيّة فالاجتماعيّة.
لقد أثبتت هذه الدراسات و التجارب أن50% من ذكاء الأولاد البالغين السابعة عشرة من
العمر؛ يتكوّن بين فترة الجنين وسنّه الرابعة، وأنّ 50% من المكتساب العلميّة لدى
البالغين من العمر ثمانية عشر عاماً تتكوّن ابتداءً من سنّ التاسعة، وأنّ 33% من
استعدادات الولد الذهنيّة والسلوكيّة والإقداميّة والعاطفيّة يمكن معرفتها في السن
الثانية من عمره، وتتوضح أكثر في سنّ الخامسة بنسبة50 %.
ودراسة أخرى تضيف على هذا، فتقول إنّ نوعيّة اللغة التي يخاطب الأهل أولادهم بها
تؤثّر إلى حدّ كبير في فهم هؤلاء وتمييزهم لمعاني الثواب والعقاب، وللقيم السلوكيّة
لديهم ولمفاهيمها، ودورهم [ في البيت والمجتمع ] وأخلاقيّتهم.
لذا، فإنّ الإسلام العظيم قد بدأ عنايته الفائقة بالطفل منذ لحظات ولادته الأولى،
فدعا إلى تلقينه الشهادتين المقدّستين، وتعظيم الله عزّ وجلّ، والصلاة لذكره جلّ
وعلا؛ لكي تبدأ شخصيّته بالتشكّل والتكوّن الإيمانيّ، والاستقامة السلوكيّة،
والتعامل الصحيح، ولكي تتثبّت القاعدة الفكريّة الصحيحة في عقله ونفسه. فقد روي عن
الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عن جدّه الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه
عليهم أنه قال: "من وُلد له مولود فليؤذّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقم
في أذنه اليسرى؛ فإن إقامتها عصمة من الشيطان الرجيم ".
ولعلّ أحقّ وأثبت دليل على تحديد مسؤوليّة الوالدين في مسألة تربية أولادهم،
وأهميّة التربية في الإسلام هو قوله عزّوجلّ: "يا أيّها الذين آمنوا قوا أنفسكم
وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة"[1].
إنّ علماء النفس والتربية يرون أنّ المحيط الذي يعيش الطفل فيه هو الذي يحدّد معالم
شخصيّته مستقبلاً بدءاً بالوالدين؛ فمحيط العائلة فالمجتمع الكبير.
* أطفالنا في ظلّ التربية الإسلامية – بتصرف يسير
[1] سورة التحريم، الأية 6.
2017-09-04