كلمة السيد حسن نصر الله – ليلة الأول من شهر محرم
2016
كلمة السيد حسن نصر الله – ليلة الأول من شهر محرم
عدد الزوار: 485كلمة السيد حسن نصر الله – ليلة الأول من شهر محرم 1438هـ/ 02 ــ 10 2016م
كربلاء كانت نصرا للحسين "ع" دنيا وآخرة؛ نصرٌمضمخٌ
بالدماء
• الحسين أحيا بدمه دين الإسلام
• دم الحسين إلى اليوم يحمي الإسلام
• نداؤه إلى اليوم يستنهض المستضعفين
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا
خاتم النبيين أبا القاسم محمد ابن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه
الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك عليكم
مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد
مني لزيارتكم. السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب
الحسين.
السادة العلماء، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
في البداية، في هذه الليلة الأولى: أولاً، نبارك لجميع المسلمين في العالم حلول عامٍ
هجريٍ جديد، وثانياً، نتوجَّه بالعزاء إلى صاحب العزاء إلى بقيّة الله في الأرضين
مولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وإلى آبائه وأجداده الأطهار إلى
رسول الله وأهل بيته الطيبين، الأنجبين، الأطهرين، وإلى جميع المؤمنين والمؤمنات،
والمسلمين والمسلمات، ومحبّي أهل بيت النبوّة وعترة النبيّ (صلى الله عليه وآله
وسلم)؛ نتوجَّه إليهم جميعاً بالعزاء في هذه الأيام وفي هذه الليالي لمصابهم
ومصابنا جميعاً بأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وأولاده وأصحابه ونسائه وعياله
وما جرى على هذه العترة وهذه الجماعة الطيّبة في مثل هذه الليالي والأيام سنة 61
للهجرة.
كربلاء نصر مضمخ بالدماء
نحن اخترنا لهذا العام ولإحياء هذه المناسبة عنوان (صبرٌ ونصر). عاشوراء صبرٌ ونصر.
الصبر الذي يؤدّي إلى النصر. قد يستغرب البعض أننا نتكلم عن كربلاء وعن الحسين، عن
معركة استُشهد فيها القائد، واستُشهد فيها المقاتلون، وسُبي فيها النساء، وجرى ما
جرى، ونتحدّث عن النصر.
لنقارب هذا الموضوع بواقعيّة، وليس بشعارات وخطاب حماسي بل بمنطق وحجّة واستدلال
ووقائع.
لن أتحدَّث عن هذا الجانب كي أتناول التاريخ فقط، بل لنرى الحاضر أيضاً من خلال
التاريخ ولنستخلص بعض العبارات.
للنصر مستويان
أ ــ تعطيل أهداف العدو
عندما نتحدَّث عن النصر، عندما تحصل مواجهة بين جبهتين، بين محورين، بين جماعتين،
ففي النهاية سيسقط شهداء وجرحى، بالنهاية سيقع أسرى، خراب ودمار، بالإضافة إلى
الأحزان والآلام، لا أحد يستطيع التحدّث عن معركة لا يوجد شيء فيها من هذا النوع.
فالذي يقول أن هذه الجبهة انتصرت أو تلك الجبهة انتصرت، هي النتائج. كي لا ندخل في
المصطلحات والتعقيدات يكفي أن نستفيد مما عايشناه خلال السنوات الماضية في بعض
الحروب والمعارك. وهذا شيء متداول اليوم في العالم. عندما نقول مثلاً أن الجبهة
الفلانية انتصرت، هناك مستويين قد يتكاملان ويجتمعان. المستوى الأول: تعطيل أهداف
العدو، العدو من خلال عدوانه وحربه ومعركته له مجموعة أهداف إمّا أن تتمكّن من
تعطيل كلّ أهدافه أو بالحدّ الأدنى تعطيل أهدافه الأساسية. بعض الأهداف الثانوية أو
المقطعية قد ينجزها لكن الأهداف الأساسية عُطِّلت، هنا يمكنك القول بأنك انتصرت.
مثلاً كحرب تموز 2006، نقول بأن العدو كان له أهدافا من عدوانه على لبنان، منها
أهداف عسكرية، سياسية، ميدانية، وله أهدافا على المستوى اللبناني وعلى مستوى
المنطقة، الشرق الأوسط الكبير، وما شاكل، وله أهدافا جزئية أيضاً. عندما تتمكّن
المقاومة من منع العدو من تحقيق أهدافه فتكون قد انتصرت، ولو نتج عن هذا الانتصار
شهداء وخراب ودمار ففي النهاية هذه حرب. هذا على مستوى.
ب ــ تحقيق ألأهداف الخاصة
في مستوى أعلى، أن المقاومة لا تمنع العدوّ من تحقيق أهدافه فقط بل تحقق أهدافها
أيضاً. مثلاً، خلال عام 1982م ما زلنا نتحدّث إلى الآن عن أهداف العدوان الإسرائيلي
واحتلاله للبنان، كانت أهدافه عسكرية، وأمنية، وسياسية، وأهداف تتعلق بلبنان
والقضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية وسوريا والمنطقة... إلى آخره. ومن أهدافه
أيضاً السيطرة على لبنان. المقاومة، منذ عام 1982م، كانت وظيفتها أن تمنع العدوّ من
تحقيق أهدافه ووضعت لنفسها أهداف: استنهاض الناس، استنزاف العدوّ وصولاً إلى تحرير
الأرض والأسرى بلا قيد أو شرط وبلا منّة وبلا مكافآت للعدوّ. كل هذا على مسار 1985م
إلى 2000م قد تحقّق. عام 25 أيار 2000م، نستطيع أن نقول أن المقاومة منعت العدوّ
الإسرائيلي من تحقيق أيٍّ من أهداف اجتياح 1982م وحققت أهدافها في استنزاف العدوّ،
وفي استنهاض الأمّة، وفي تقديم النموذج، وفي تحرير الأرض والأسرى، واستعادة السيادة
بلا قيد وبلا شرط وبلا مكافآت أيضاً. هذا ما نسميه نصر.
كربلاء نصرللحسين (عليه السلام) في حساب الدنيا وفي حساب
الآخرة
أولا، في حساب الدنيا:
أ ــ أهداف يزيد
وإذا عدنا للتاريخ الآن، نقول بأنه كان هناك معسكرين وحدثت مواجهة بينهما. معسكر
الحسين (عليه السلام) ومعه تلك الثلّة القليلة ومعسكر يزيد ومع جيش كبير. كان
للحسين (عليه السلام) أهدافه وكان ليزيد أهدافه.
ولنفتح حسابين: حساب الدنيا وحساب الآخرة كي نرى من الفائز، من الغالب، من المنتصر،
في كلا الحسابين. ويمكن عندها التحدّث عن النصر والهزيمة. من الممكن أن ينتصر أحدهم
وهو مستشهد ولكن تحققت وأنجزت أهدافه ومنع الجبهة المقابلة من تحقيق أيٍّ من
أهدافها الأساسية أو منعها من تحقيق كل أهدافها. هذه كانت مقدمة للدخول في الموضوع
الأساس.
1 ــ تثبيت سلطانه
نبدأ من حساب الدنيا. ما هي أهداف يزيد؟ عندما توفي معاوية بن أبي سفيان انتقلت
السلطة والخلافة ليزيد بن معاوية. يزيد كان يريد البيعة من كل الأُمّة ولو بالقوة.
وبعض من كبار الشخصيات في الأُمة لم يبايعوا في ذاك الوقت وفي مقدّمهم الإمام
الحسين (عليه السلام). أرسل يزيد إلى والي المدينة وطلب منه أخذ البيعة من الحسين (عليه
السلام)، من عبد الله بن الزبير، من عبد الله بن عمر... ومن يرفض البيعة تضرب عنقه.
يزيد من خلال هذا القرار وتداعيات هذا القرار لاحقاً، كان لديه أهدافا - للتذكير
والتثبيت والتأكيد – مثلاً، لا خلاف على بعض أهداف يزيد حتى بين المسلمين، سنّة
وشيعة. بالحدّ الأدنى يقولون أنّ هدف يزيد كان تثبيت ملكه وسلطانه لأنه لا يمكن أن
يثبت هذا الملك وهذا السلطان بدون بيعة هؤلاء الكبار من صحابة النبيّ أو أهل بيت
النبيّ وما شاكل، فكان لا بدّ أن يبايعوا وإلا يبقى هذا السلطان متزلزلاً. هذا هدف
إذاً. هو يريد تثبيت سلطانه، هو يريد أن يبقى في السلطة أطول زمن ممكن وبشكل متمكّن
ومرتاح ومسيطر،.
2 ــ الحصول على شرعية سلطانة ببيعة من الحسين
هو يريد الحصول على الشرعية من الحسين (عليه السلام) لأنه (عليه السلام) هو بقيّة
أهل البيت، بقية أصحاب الكساء، ابن بنت نبيّ الله، لا يوجد على وجه الكرة الأرضية
ابن بنت نبيّ غيره، ولذلك يعنيه جداً أن يبايعه الحسين (عليه السلام). إذاً يزيد
يريد الشرعية، ويريد تقديم نفسه بصورة معينة للأمّة من خلال هذه الشرعية.
3ــ تحويل الخلافة إلى ملك يتوارثه آل ابي سفيان
وأيضاً من أهدافه التي لا نقاش فيها أنه يريد أن يثبّت حكماً أموياً سفيانياً أي أن
يبقى من بعده الحكم والسلطة والملك العضوض في آل أبي سفيان، في أحفاد أبي سفيان.
4ــ إستئصال دين الإسلام من العقول والنفوس
طبعاً، نحن نترقّى أكثر عندما نتكلم عن أهداف يزيد، بالدائرة الشيعية وبعض الدائرة
السنيّة، والكثير من المسلمين يقبلون هذا المنطق، بأن شخصية يزيد وعقله ونواياه
كانت تتجاوز هذه الأهداف التي ذكرناها. وإنما كانت تستهدف الإسلام كدين، كانت
تستهدف دين محمد ابن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإخراج هذا الدين من
ثقافة الأمّة، ومن وجدان الأمّة، ومن التزام الأمّة وإعادة الأمّة جاهلية يحكمها
مُلكٌ عضوض من البيت السفياني. هذا كان هدف يزيد والوقائع طبعاً، تؤكد هذا الهدف.
عمل يزيد وأدائه، أولاً مع الحسين وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثانياً
ما فعله في المدينة بالنسبة لصحابة النبي من المهاجرين والأنصار وأبناءهم وبناتهم،
وما فعله بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأيضاً بعد ذلك عندما أعطى
القرار لمحاصرة مكّة وضربها بالمنجانيق لتستسلم وكان قد تحصّن فيها عبد الله بن
الزبير. مجمل سلوك يزيد بن معاوية يؤكّد ويؤيّد أنّ هدفه كان الإسلام ليس فقط
السلطة والحكم. من أهداف يزيد أيضاً، التي من الممكن أن نقول بأنها أهداف فرعية أو
شبه أساسية، هو الثأر، الثأر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أهل بيته،
ومن صحابته، أي أن هذا البُعد الانتقامي من المؤكد أنه كان من أهداف يزيد أثناء
سلطانه وحكمه، وهذا الهدف كان موجوداً في كربلاء، وفي المدينة، وأيضاً في مكة.
ب ــ أهداف الإمام الحسين (عليه السلام)
1 ــ منع يزيد من تحقيق أهدافه
أهداف الحسين (عليه السلام): نستطيع القول منع يزيد من تحقيق أهدافه، بالإضافة إلى
أهدافه ببقاء الإسلام، وتحصين الإسلام، والحفاظ على الإسلام، واستمرار الإسلام. إذاً،
إذا اتبعنا نفس السياق التصاعدي، أول هدف كان عدم إعطاء أيّ شرعية ليزيد بن معاوية
من خلال البيعة، وهذا كان من الأهداف الواضحة في حركته من المدينة، إلى مكة، إلى
كربلاء، إلى الحصار، إلى العطش؛ هدف وضعه الحسين (عليه السلام) وأخلص له حتى
اللحظات الأخيرة وهو عدم البيعة ليزيد بن معاوية. يعني عدم إعطاء الشرعية ليزيد بن
معاوية. ومن أهدافه عدم تثبيت سلطان يزيد بن معاوية وإسقاط هذا الطاغية الذي يستهدف
الإسلام وكرامة الأمّة وبيته أيضاً.
من أهداف الحسين (عليه السلام) في هذا السياق، كشف حقيقة يزيد. في ذاك الزمن لم تكن
الوسائل الإعلامية موجودة فكان الكثير من الناس يعتقدون ويصدقون بأن يزيد رجل مؤمن،
عالم، عابد، زاهد... وهم قد بايعوه على هذا الأساس. الحسين (عليه السلام) كان يريد
أن يكشف حقيقة هذا الطاغية وزيفه للمسلمين وللأمة جميعاً وهذا كان عنصرا أساسيا في
منع تثبيت هذا السلطان وهذا المشروع.
من جملة الأهداف التي أيضاً قيلت، استنهاض الأمّة. أولئك الناس الذين عايشوا خلال
عشرين عاماً حكم معاوية أبي سفيان أصبحوا خانعين وخاضعين، وتمّ تزوير الكثير من
الحقائق لهم، وفقدوا العزم والإرادة والحماسة، المطلوب إذن من يستنهضهم. الكلام
وحده لم يستنهضهم، فكانت المواجهة الدامية والشهادة المظلومة الحقّة هي الأقدر على
استنهاضهم.
2 ــ الدفاع عن الإسلام
والأرقى في الأهداف هو الحفاظ على الإسلام، بقاء الإسلام، الدفاع عن الإسلام من
خلال إسقاط الذي يتآمر على الإسلام وهو يزيد بن معاوية وسلطان يزيد بن معاوية.
ج ــ يزيد يفشل في تحقيق أهدافه
1 ــ المدينة المنورة تخلع بيعة يزيد
هذه أهداف يزيد وهذه أهداف الحسين (عليه السلام). لنذهب إلى الوقائع ونخلص إلى
النتائج.
في الوقائع يزيد طلب البيعة والحسين (عليه السلام) رفض وأبى. بداية من المدينة،
وصولاً إلى العراق، إلى كربلاء. حصلت المواجهة الدامية في كربلاء، استشهد الحسين (عليه
السلام) ومن معه، وسُبيت بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكوفة إلى
المدن العراقية، إلى المدن الشامية، وصولاً إلى دمشق ومنها عوداً إلى المدينة،
وانتشر هذا الخبر في الأمّة، واهتزت الأمّة، لأنّ الحسين (عليه السلام) لم يكن
شخصية عادية ومجهولة في الأمّة بل كان معروفاً. اهتزت الأمّة، كيف أن هذا الخليفة
يقتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ بدأ التململ في الأمّة، والسؤال
والاستفسار، والحراك الذي ولَّد مجموعة من الثورات، وأيضاً هذه الفضيحة وصلت بعد
ذهاب وفد من المدينة المنوّرة إلى الشام واكتشفوا حقيقة يزيد.
لنفترض بأنهم كانوا مضللين، مشتبه عليهم الأمر، تبيَّن لهم أن يزيد يحمل المواصفات
التي وصفه بها الحسين (عليه السلام) وهي أن يزيد رجل فاسق، فاجر، قاتل للنفس
المحترمة... إلى آخره، ومثلي لا يبايع مثله. ذهبوا إلى الشام ورأوا من هو يزيد. فهو
بالأساس ليس لديه صفة من صفات المسلم. رجعوا إلى المدينة وأخبروا أهلها بما رأوا،
عندها خلعت المدينة بيعة يزيد.
[لنستحضر معاً الواقع المعاصر كمثال، أحد العلماء المحترمين يكتب، وأنا أوافق على
تقييمه، يقول أنّ داعش ليست نموذج خوارج، داعش نموذج أموي].
• يزيد يخضع المدينة ويبيحها ثلاثة أيام لجنوده
أرسل يزيد جيشاً إلى المدينة، مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ــ وهذا
الأمر حصل في ذو الحجّة 63 للهجرة وكان في المدينة بقية المهاجرين والأنصار
وعائلاتهم، صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بقية أهل البيت (عليهم السلام)،
قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) موجود في المدينة وقبور الصحابة... إلى آخره
ــ ونصّب على الجيش قائداً اسمه مسرف بن عقبة – هو اسمه مسلم لكن كتب التاريخ
السنيّة والشيعيّة تقول اسمه مسرف بن عقبة ويلعنونه. حاصر المدينة التي أبت أن
تستسلم فقاتلت وسرعان ما سقطت. إذاً هو دخل المدينة بأوامر من يزيد بن معاوية –
وهذا مثبّت تاريخياً في كل كتب التاريخ – الذي قال له استبيحها ثلاثة أيام.
واستباحها لجنوده ثلاثة أيام.
• جرائم جيش يزيد في حملته على المدينة
سأقدّم لكم إحصائية وهي موجودة في كتب التاريخ وبعضها نقل عن أحد العلماء الكبار في
ذلك الزمن وهو من موالي بني أميّة وعاش في سلطان بني أمية في زمن آل مروان. يقول:
عدد القتلى في المدينة المنوّرة خلال 3 أيام سبعمائة من وجوه الناس؛ المهاجرين
والأنصار، وعشرة آلاف من عامّة الناس. كيف تم قتلهم؟ العدد الأقل هو الذي قتل في
المواجهة ثم جيء بالناس وبدأ القتل وقطع الرؤوس حتى تكاثرت الجثث وارتفع الدم ولو
قُدِّر أن يُصوَّر هذا المشهد ويُقدَّم طوال التاريخ للبشرية فلا أعتقد أنه على وجه
الكرة الأرضية مسلم أو غير مسلم يجرؤ أن يدافع عن يزيد بن معاوية أو يخفى عليه
حقيقة يزيد بن معاوية ومشروعه.
بعدها، أخذ من البقيّة البيعة. على أيّ شيء؟ هل طلب منهم هذا المسرف القاتل،
السفّاك؛ هل طلب منهم البيعة ليزيد بن معاوية كخليفة وأمير وإمام وحاكم؟ لا. طلب
منهم أن يبايعوا بأن أمنهم وأولادهم وأموالهم ملكٌ وعبيدٌ ليزيد بن معاوية. ومن أبى
كان يُقتل ويقطع رأسه ويُذبح.
هذه داعش، فتشوا عن داعش وعن أخوات داعش سنة 63 للهجرة في مدينة الرسول (صلى الله
عليه وآله وسلم). نعم، فتشوا، لا تقرأوا الكتب الشيعيّة بل اقرأوا كتب إخواننا أهل
السنّة؛ ماذا يقولون عن المدينة وماذا يقولون عن مسرف بن عقبة، وأيضاً عن يزيد.
2ــ مكة تنتفض وجيش يزيد يحاصرها ويحرق الكعبة
الأنكى من كل هذا، انتهى من المدينة وكان لديه قرار من يزيد بالذهاب إلى مكة
ومحاصرتها وضربها بالمنجنيق وأن يحرق ما يريد حتى تستسلم مكّة وتبايع كما بايعت
المدينة. كان المطلوب أيضاً من أهل مكة أن يبايعوا أنهم عبيد ومُلك ليزيد بن معاوية.
فهل هذا كله له علاقة بالإسلام والإنسانية؟
ولكن هذا السفاح أصابه المرض، قبل تنفيذ المهمة الجديدة بالذهاب إلى مكة وسلّم
الراية لمن هو أسوأ منه [دخلوا ببغالهم وبحيواناتهم إلى داخل مسجد رسول الله (صلى
الله عليه وآله وسلم). انتهكت حرمة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). أُناس
قُتلوا وسُفكت دماءهم في داخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي كتب
التاريخ بعد سنة أو أقل من سنة من هذه الواقعة ألف امرأة مسلمة أنجبت من غير زوج
بمعنى اغتُصبن]. هذا المسرف يقول في هذا في آخر وصيته: اللهمّ إني لم أعمل عملاً
صالحاً قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله؛ أحبُّ إليَّ من
قتل أهل المدينة وأجزى عندي في الآخرة.
هؤلاء الذين يتقرّبون اليوم إلى الله، داعش وأخوات داعش، يتقرّبون إلى الله بالذبح
والسبي والقتل وهتك الحرمات وتدمير المقدّسات، هؤلاء أحفاد مسرف بن عقبة وليسوا
أحفاد الخوارج.
طبعاً، ذهب إلى المكة وحاصرها، وأثناء حصارها في ربيع الأول 64 هجري، مات يزيد بن
معاوية. ولغاية الآن لا أحد يعرف كيف توفي، بعضهم يقول بأنه قُتل والبعض الآخر يقول
حادثة، خاصة أنه لا توجد جثة ليزيد.
كان وليّ عهد يزيد، ابنه واسمه معاوية بن يزيد، الذي بعد أيام قليلة خلع نفسه من
الخلافة وتوفي بعد أربعين يوماً أو بعد أسابيع ــ كي أكون أكثر دقّة ــ وأيضاً يوجد
غموض في قصة وفاته. وسقط البيت السفياني، مع أنّ لمعاوية ويزيد أولاد كانوا لا
زالون موجودين ولكن انتهى حكم آل أبي سفيان. وسقط البيت السفياني في ربيع الثاني 64
للهجرة أي أقل من أربع سنوات على معركة كربلاء.
إذاً، هذه الوقائع انتهينا منها وسنذهب إلى النتائج التي أصبحت واضحة.
3 ــ بقاء الإسلام وبقاء ذكر محمد وآله
الإسلام الذي أراد يزيد أن يهدم أركانه، من أهل البيت إلى الصحابة، إلى المهاجرين
والأنصار، من المدينة إلى مكة؛ هذا الإسلام بقي وامتدّ واتسع كميّاً ونوعياً إلى أن
وصلنا اليوم إلى أمّة مسلمة؛ مليار وأربعمائة مليون أو مليار وخمسمائة مليون مسلم.
كل المذاهب الإسلامية التي تنتمي إلى الإسلام يعود الفضل في بقاء الإسلام -لتبقى
هذه المذاه ــ إلى دماء الحسين وتضحيات الحسين (عليه السلام) في كربلاء وإلا لكان
كل شيء ذهب حتى المذاهب الإسلامية. زمن يزيد لم يكن هناك شيعة وسنّة ولا حتى خلاف
مذهبي. كان هناك إسلام وجاهلية، كان هناك عداءا محكما لمحمّد (صلى الله عليه وآله
وسلم) ولدين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). إذاً، الإسلام بقي، ولذلك بعض العلماء
يفسرون حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "حسينٌ منّي وأنا من حسين" ــ
حسينٌ منّي معلوم، ولكن كيف النبيّ من الحسين؟ ــ يفسّرونه ببقاء الإسلام بالحسين (عليه
السلام). إذاً أولاً، بقاء الإسلام.
ثانياً، بقاء ذكر محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم). من ضمن أهداف يزيد كانت محو ذكر
محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله ولذلك السيدة زينب (عليها السلام) عندما تخطب
تقول له بأن: أهدافك لم تتحقق ولن تتحقق. وبموضوع الإسلام قالت له: لن تُميت وحينا
أي الإسلام. وفي الهدف الثاني قالت له: ولن تمحو ذكرنا. الآن، على هذه الكرة
الأرضية، أين الحسين وأين يزيد.
4 ــ سقوط حكم آل أبي سفيان
ثالثاً، قتل الحسين وسبي نساءه، تُعتبر أكبر فضيحة كشفت زيف يزيد وحقيقته وأسقطت
عنه الشرعية. لم تمنحه الشرعية، ودفعت الأمّة إلى الثورة عليه وبالتالي بدأت
الثورات على امتداد العالم الإسلامي. من أحبَّ الحسين ومن لم يحبّ الحسين حمل راية
الثأر للحسين (عليه السلام). سرعان ما سقط البيت السفياني بأقل من ثلاث سنين ونيف
بعد شهادة الحسين (عليه السلام). والبيت الأموي المرواني –لأنه انتقل إلى آل مروان-
أيضاً سقط وكانت الراية والشعار الذي استخدمه العباسيون في إسقاط سلطان بني أمية "يا
لثارات الحسين ". كثير من الثورات التي حصلت إلى حين سقوط بني أمية كانت تستفيد من
ثورة الحسين وقيام الحسين: من التوابين إلى المختار الثقفي، حتى عبد الله بن الزبير
وعبد الله بن الأشعث ومن جاء فيما بعد من زيد بن علي الشهيد العظيم سلام الله عليه،
وآخرون، وصولاً إلى بني العباس.
ذاً، كل أهداف يزيد لم تتحقق. نعم، نستطيع القول أن أحد الأهداف قد تحقق وهو الثأر،
أبكاهم وأفجعهم، قتل أحبتهم، ثأر من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
وثأر من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن أبناء وبنات المهاجرين،
ومن أبناء وبنات الأنصار، ومن مكة ومن الكعبة ومن النبي ومن المدينة، ولكن كل هذا
انتهى، وامتداده له آثار سلبية وعكسية تخدم أهداف الحسين (عليه السلام) ولا تخدم
أهداف يزيد بن معاوية.
د ــ دم الحسين إلى اليوم يحمي الإسلام ويستنهض
المستضعفين
وبقي الحسين (عليه السلام) إلى اليوم حافظاً للإسلام، دمه يحمي الإسلام، ويحرس
الإسلام، ويستنهض الهمم، ويفضح الجاهليين والمتوحشين، وأعداء هذا النبي من الداخل
والخارج. ولذلك اليوم أيضاً الحسين (عليه السلام) ما زال يملك قدرة الاستنهاض، وهذا
الذي حصل في زمن الثورة الإسلامية في إيران، وفي أكثر من بلد في لبنان؛ في موضوع
المقاومة الإسلامية. وما يحصل الآن من مواجهة كل الجماعات التكفيرية من داعش وأمثال
داعش.هذا المنطق، هذه الروح، هذه الإرادة، هذا العزم، ما زال قوياً وفاعلاً وحاضراً.
أختم بالشاهد، ونكتفي بهذا المقدار في حساب الدنيا.
عندما عاد الإمام زين العابدين (عليه السلام) من رحلة السبي إلى المدينة، كان من
جملة من استقبله أحد الأشخاص واسمه إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله ـ شخصية معروفة في
المدينة- قال للسجاد (عليه السلام) عند رجوعه إلى المدينة: "من الغالب" في هذه
المعركة؟ من الرابح؟ يعني، نتكلم بعد أسابيع من شهادة الحسين (عليه السلام). نحن
الآن نتكلم عن الآثار وبعد سنة وسنتين وثلاث سنوات إلى هذا الزمن. زين العابدين (عليه
السلام) بعد أسابيع قليلة، كان جوابه – الإمام زين العابدين (عليه السلام) يختصر
بكلمتين كل التحليل الذي قدمناه- فقال السجاد (عليه السلام): "إذا دخل وقت الصلاة
فإذِّن وأقم تعرف من الغالب". لأنّ المعركة كانت هنا ( بقاء ذكر الله وذكر محمد
"ص")؛ ستعرف أن الغالب هو الحسين (عليه السلام)، وأنّ الذي لحقت به الهزيمة هو
مشروع يزيد ويزيد وأهداف يزيد.
ثانيا، في حساب الآخره:
أ ــ الحسين أدى تكليفه الإلهي
في حسابات الآخرة، الأمر أوضح. لكن سنتحدث عنه باختصار لأخذ العبرة والتزوّد. أولاً،
الحسين (عليه السلام) في كل معركة كربلاء وحركتها؛ الإمام (عليه السلام) كان يؤدي
تكليفه الشرعي، تكليفه الإلهي، يؤدي حق العبودية لله سبحانه وتعالى. الحسين عبدٌ
لله، والذي يقرأ دعاء الحسين (عليه السلام) يوم عرفة يكتشف جانب من جوانب عبودية
الحسين لله عز وجل، الحسين عبدٌ لله، ما يرضاه الله، ما يريده الله، ما يطلبه الله،
ما يأمر به الله عز وجل؛ الحسين (عليه السلام) يُقدم عليه مهما كانت الأثمان. هذا
ما نسميه أداء التكليف. إذاً تكليف الحسين (عليه السلام) منذ اللحظة التي جاء الطلب
في المدينة لوالي المدينة من قِبَل يزيد أن: خُذ البيعة من الحسين فإن أبى فاضرب
عنقه، الحسين (عليه السلام) لم يبايع قبل موت معاوية، لكن معاوية غضّ النظر وهو رجل
داهية، بينما يزيد عنده استحقاق ولم يكن قادراً على استيعاب هذا الموضوع. إذاً من
اللحظة الأولى ما كان تكليف الحسين (عليه السلام)؟
هذا سؤال علينا أن نسأله لأنفسنا دائماً، ما هو تكليفي؟ في هذا الموقف وفي هذه
اللحظة وفي هذه القصة؟ ليس المراد ما أهوى، وما أحب، وما هي مصلحتي الشخصية؟ بل ما
هو تكليفي؟ نحن عبيد الله في هذه الدنيا، خُلقنا فيها حتى نثبت ونبيّن أيّنا أحسن
عملاً، نحن في دار الامتحان والاختبار، فعلى الإنسان أن يسأل نفسه عن تكليفه بمعنى
ماذا يريد الله منه، وما الذي يرضي الله سبحانه وتعالى لأقوم بعمله وليس الذي يرضي
هواي ويرضي أهواء أقاربي وأصدقائي وجماعتي وناسي إلى آخره.الأصل هو رضا الله سبحانه
وتعالى.
إذاً، الحسين (عليه السلام) بعلمه القطعي أنّ تكليفه الشرعي أن لا يبايع يزيد مهما
كلّف الأمر. تبدأ القصة من هنا: في المدينة لا يوجد لا من يحتمي به، ولا من يقف معه،
ولا من ينصره. فأصبح تكليفه الشرعي أن يغادر المدينة، إلى أين؟ إلى مكة، إلى مجمع
المسلمين الآتين إلى الحج، إلى العمرة، إلى مكة. تكليفه أن يُبلّغ، أن يشرح للناس
من هو يزيد، ومخاطر سلطان يزيد، وحكومة يزيد، ومشروع يزيد، وأهداف يزيد. إذاً ترتّب
عليه تكليف شرعي ثانٍ وهو الهجرة من المدينة، وهي مدينة الآباء والأجداد فيها وُلد
وفيها عاش، وفيها قبر رسول الله وأمّه الزهراء إلى آخره، فيترك كل شيء في المدينة
ويخرج إلى مكة. الهجرة إلى مكة كانت تكليفه الشرعي. وفي مكة كان تكليفه الشرعي أيضاً
أن يُبيّن ويشرح ويوضّح ويكتب ويراسل، وعندما أرسل له أهل الكوفة (أن أقدم يا ابن
بنت رسول الله فإن في الكوفة لك جندٌ مجنّدة) أصبح تكليفه الشرعي أن يذهب إلى
الكوفة لأنه توفّر له الأنصار والأعوان والقاعدة الشعبية التي تستقبله في مشروعه.
وعندما وصل إلى مقربة من الكوفة وجُعجع به إلى كربلاء وحوصر كان تكليفه الشرعي أن
يرفض البيعة ولو أدّى إلى القتال فأصبح تكليفه أن يقاتل دفاعاً عن نفسه وعن عائلته
وعن أطفاله وأن يرفض البيعة المذلّة، وانتهى الأمر بالشهادة. إذاً، الحسين (عليه
السلام).
إذا أردنا أن نبدأ من أول قصة كربلاء، من لحظة طلب البيعة من الحسين، إلى شهادة
الحسين (عليه السلام)، إلى الجزء المتمّم لكربلاء رحلة السبي؛ الإمام الحسين (عليه
السلام) كان يؤدي تكليفه الإلهي. هذا نصر حقيقي وهذا فوز حقيقي بالمعيار الأخروي،
لأنّ يوم القيامة، أيها الإخوة والأخوات كما نقول دائماً: الذي ينجّينا يوم القيامة
هو أدائنا لتكليفنا الشرعي الإلهي، هو طاعتنا لله سبحانه وتعالى، هو قيامنا بما أمر
الله به وبما يرضى الله عنه، وليس النتائج.
في المقاومة واجبنا أن نقاتل عدوّنا ولكن لسنا مسؤولين عن النتائج، بل مسؤوليتنا
وتكليفنا الشرعي أن نقاتل. أن يتحقق الهدف أو لا يتحقق الهدف، هذه نتيجة. نحن
مسؤولون عن الأعمال ولسنا مسؤولين عن النتائج.
ولذلك الحسين (عليه السلام) هو المنتصر في كل هذه الحركة لأنه في كل لحظة من لحظات
حياته كان يؤدي تكليفه الإلهي الشرعي.
ب ــ .. وخُتِم له بالشهادة
ثانياً، الفوز بالشهادة. من الممكن أن يقضي الإنسان كل حياته بتأدية تكليفه الشرعي
ولا يُختم له بشهادة. هذه مشيئة الله سبحانه وتعالى. الفوز بالشهادة هو نصر، هو
غَلَبة، هو فتح في الحسابات الأخروية.
ما السر في أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان عاشقاً للشهادة وطالباً للشهادة،
وأنه كان يتحدّث عن حبّه الشديد للشهادة وأُنسه بها؟
"لعليّ بن أبي طالب آنَسُ بالموتُ – هذا الموت قتلاً في سبيل الله عزّ وجلّ - من
الطفل الرضيع بثدي أمّه". "لألف ضربة بالسيف أحبُّ إليّ من ميتةٍ على فراش".
ولذلك عندما انقضّ ابن ملجم اللعين على أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد الكوفة
وضربه بالسيف على رأسه فالجملة التي قالها عليّ ودوّت في المسجد، بل في الكون، بل
في التاريخ، وكُتبت ونقلت إلينا" "فزتُ وربّ الكعبة"، فزت، هذا الفوز، وهذا
الانتصار بهذا المنطق وبهذا المعنى.
ج ــ .. ففاز فوزا عظيما
وثالثاً، الفوز بالآخرة. بما وعد الله سبحانه وتعالى به. هذا الذي أدّى تكليفه
الإلهي وخُتم له بالشهادة ماذا ينتظره هناك عند الله سبحانه وتعالى من مقامات
ودرجات وكرامة. عموم المؤمنين والصالحين وُعدوا في تلك الدار الأبدية، وُعدوا
بالأمن والأمان والراحة والطمأنينة والسلام والكرامة والنعيم والدرجات والرضوان
وإلى آخره... فكيف بأولياء الله الشهداء: ما يكون حالهم في تلك الدار وفي ذلك
العالم؟
الله سبحانه وتعالى في عشرات الآيات القرآنية، عندما يتحدّث عن هذه النتيجة في
الآخرة للصالحين وللمؤمنين وللمجاهدين وللشهداء يقول: {ذلك هو الفوز العظيم} وفي
بعض الآيات يقول {الفوز المبين} وأخرى {الفوز الكبير}. الله العظيم الكبير يوصّف
هذا الفوز.
أما يزيد فهو في أشد العذاب مع آل فرعون
إذاً، هذا الحسين (عليه السلام). ولكن أين يزيد؟ أطاع هوى نفسه، وأطاع شيطانه،
وخالف ربّه، ومات ميتة سوء، ثم انقلب إلى ربه. حاله الآن منذ أن انتقل إلى تلك
الدار، حال آل فرعون
﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا
وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا
غُدُوًّا وَعَشِيًّا – الآن وليس يوم القيامة من يوم موتهم لأنّ بالقيامة لا يوجد
غدو وعشي - وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ
الْعَذَابِ﴾
(غافر: 45-46). الآن يزيد مع آل فرعون وهو نموذج لآل فرعون.
الملك الحقيقي ملك الآخرة
بعض الناس يقاتلون على المُلك في الدنيا، ولكن بعضهم قد لا يصل إلى المُلك وبالتالي
ليس لديه مشكلة أن يكذب، يغتاب، ينمّ، ويفتن، ويرشي، ويدفع المال كي يصبح مختاراً
مثلاً، أو رئيس بلدية، أو عضو بلدية، أو نائب، أو وزير، أو محافظ، أو مدير، أو رئيس
إلى آخره... ولكن كل هذا يذهب. انظروا إلى التاريخ: هؤلاء الملوك الكبار، امتداد
ممالكهم كان عظيم وكبير جداً، ماذا بقي منهم ومن ممالكهم؟ المُلك الحقيقي يوم
القيامة، عندما يتحدث الله سبحانه وتعالى في سورة الإنسان عمّا أعدّه الله تعالى
للذين أطعموا اليتيم، والمسكين، والأسير، وعن جزاءهم بالجنة
﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ
رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾
(الإنسان: 19-20). إن كنت تريد المُلك فالمُلك في الجنة، تريد الجاه هناك الجاه،
تريد العظمة هناك العظمة، تريد العزّة هناك العزّة. هذا المُلك الدنيوي، والجاه
الدنيوي، والسلطان الدنيوي، والعظمة الدنيويّة، والعزّة الدنيوية، هذا شيء تافه،
يزول وينتهي ولا يستحق أن يرتكب الإنسان من أجل الوصول إليه أي معصية وأي ذنب وأي
خطيئة.
في الحساب الأخروي المؤمن منتصر على كل حال
إذاً في الحسابات الأخروية، أيها الإخوة والأخوات، نحن ننتمي إلى الدين الذي يقول
لنا: إذا كنا نؤدّي تكليفنا الإلهي ونمضي في طريق الله، ونعمل في سبيل الله، ونجاهد
في سبيل الله سبحانه وتعالى، أياً تكن النتائج الدنيوية فما ينتظرنا هو الفوز
والحُسنى
﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ﴾
(التوبة: 52)- أي الشهادة أو النصر. لا يوجد بالمنطق الإيماني والعقائدي والإسلامي
هزيمة، هناك نصر، على المستوى الشخصي هناك نصر، لمن يُستشهد انتصر، وهناك نصر إذا
تحمّلت الأمّة مسؤولياتها فهي تجني ثمار النصر.
كربلاء كانت نصرا للحسين دنيا وآخرة
فإذاً بالحسابات الدنيوية وفي الحسابات الأخروية نحن أمام واقعة، هي واقعة انتصار.
نعم، هو انتصار مضمّخ بالدماء. هو انتصار صُنع بالدماء وبالدموع وبالآلام وبالأحزان
ويبقى هذا الانتصار مضمّخاً بالدماء تعبق منه رائحة الحسين (عليه السلام) ولذلك
سمّاه الإمام الخميني (قدّه) «انتصار الدم على السيف»، هذا معنى انتصار الدم على
السيف، لأنّ أهداف الدم تحقّقت وأُنجزت، ولأنّ أهداف السيف سقطت؛ كلها سقطت. وما
نعيشه اليوم يؤكّد أنّ الدم انتصر على السيف في 61 للهجرة وفي أكثر من مرحلة في
التاريخ. وفي هذا العصر أيضاً، نشهد انتصار الدم على السيف، الدم المظلوم، والمحاصر،
والمضطهد، والغريب، والمتآمَر عليه دولياً وإقليمياً، وهو يقاتل في الحصار وفي
الغربة وفي الشدّة في أكثر من بلد وفي أكثر من ساحة وفي أكثر من ميدان.