التربية الاجتماعيّة للأبناء
تربية الأبناء
إنّ الحاجة إلى الغير والتأثّر به تبدأ مع الإنسان منذ أن يكون جنيناً إلى أن يموت. فالإنسان يكتسب الوجود بتأثير من والديه، ثمّ يتأثّر بأخلاقهما وأخلاق أخوته وأقربائه وجيرانه وأصدقائه، ثمّ يدخل في خضم المجتمع؛ فيتأثّر بالمدرسة، والمعلّم، وسائر أعضاء المجتمع؛ بحسب درجة ارتباطه بهم.
عدد الزوار: 312
أهمّيّة التربية الاجتماعيّة للأبناء
إنّ الحاجة إلى الغير والتأثّر به تبدأ مع الإنسان منذ أن يكون جنيناً إلى أن يموت.
فالإنسان يكتسب الوجود بتأثير من والديه، ثمّ يتأثّر بأخلاقهما وأخلاق أخوته
وأقربائه وجيرانه وأصدقائه، ثمّ يدخل في خضم المجتمع؛ فيتأثّر بالمدرسة، والمعلّم،
وسائر أعضاء المجتمع؛ بحسب درجة ارتباطه بهم.
فجميع الأعمال والسلوكيّات التي تصدر منّا في مراحل الصغر والصبا، وحتى مرحلة
الشباب والكبر أيضاً برغم ما لنا من استقلال في الفكر والإرادة والعمل؛ تتأثّر لا
محالة بالمجتمع والحياة الاجتماعيّة. والإنسان بهدف تلبية حاجته الأساسيّة
والضرورية مضطرّ إلى الحياة ضمن المجتمع، كما وأنّ كثيراً من أبعاد الإنسان
الوجودية لن تزدهر إلّا في ظلّ هذه الحياة الاجتماعيّة.
ولأنّ الإنسان يسعى في الحياة لضمان السعادة لنفسه، ويحاول بشتّى السبل إشباع
رغباته، وهذا ما لا ينسجم مع أسلوب الحياة الاجتماعيّة، ولأنّ من الناس من لا يرتدي
ثوب الفضيلة ولا يتحلّى بالأخلاق والملكات الإنسانيّة، ومن لا يتقيّد بالضوابط
والقوانين؛ لذا، فإنّه من الصعوبة بمكان تجنّب الصدام، والنزاعات والخلافات.
من هنا كان لا بدّ من وجود قواعد وقوانين في المجتمع، تضطّر جميع أفراده إلى تنظيم
أعمالهم وسلوكيّاتهم على أساسها، وبناء حياتهم الجماعية على أساس تلك القوانين.
كما، وإنّ الحياة الاجتماعية، وإن كانت بحاجة إلى القانون، ولكنّها بحاجة أيضاً إلى
الأخلاق أكثر؛ لأنّ الأخلاق تعطي الحياة طابعاً إنسانيّاً، وترفع من مستوى العلاقات
الاجتماعيّة، وتساعد الإنسان على اقتحام العقبات، وتجعله حريصاً على حقوق الآخرين
ورعاية مصالحهم.
ولأنّ الطفل سوف يخرج من رحم هذا المجتمع وينمو فيه في ظلّ ارتباطه بالآخرين،
ولأنّها أفضل مرحلة عمرية للتعلّم وأنسبها؛ لذا، كان من الضروري العمل على تنشئة
الأبناء منذ سنيّ طفولتهم الأولى وتربيتهم تربية اجتماعيّة سليمة؛ أساسها التحلّي
بالانضباط والأخلاق الفاضلة، حتى يأنسوا بها، ويتجنّبوا التحلّل منها في المستقبل.
وفي ما يلي سوف نذكر بعض هذه الآداب والقواعد الاجتماعيّة التي ينبغي أن تحكم علاقة
الأبناء مع محيطهم:
الوقوف بوجه الظلم والظالمين
من أهمّ المبادئ التربويّة التي ينبغي تنشئة الأبناء عليها وغرسها في نفوسهم منذ
نعومة أظافرهم؛ هو: الحساسيّة المفرطة من الظلم والظالمين. فالإسلام لا يرتضي أن
يقف المسلم مكتوف الأيدي تجاه الحوادث الواقعة من حوله، بل يأمر الإسلام أتباعه
بالتفاعل مع الأحداث والظروف المحيطة به وعدم تجاهلها. وتُمثّل قضية الظلم واحدة من
أهمّ هذه المسائل التي لا يرتضي الإسلام بالتغافل عنها على الإطلاق؛ لما لها من
تأثير عميق على المجتمع، وصناعة الأفراد فيه بشكل قويّ وكبير.
لذا، ينبغي أن يكون للمسلم موقف حاسم وقوّي من الظلم، فهو على الدوام خصيم الظالم
ونصير المظلوم؛ كما قال الإمام علي عليه السلام في وصيّته لولديه الحسن والحسين
عليهما السلام: "كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً"1. وهذا هو المبدأ
الأساس الذي ينبغي أن يشبّ عليه أبناؤنا منذ الصغر، فتكون علاقتهم بالظلم منذ
البداية قائمة على أساس العداوة والبغضاء؛ انطلاقاً من قول الله عزّ وجلّ في كتابه
الكريم: ﴿إِنَّهُ
لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾2،
وقوله تعالى: ﴿وَلاَ
تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾3.
من هنا، فإنّ الحرص الحقيقي على الأبناء يبدأ من خلال إشعار قلوبهم الرفض للظلم
والظالمين، وإنّ المحبّة الحقيقية لهم تتجلّى انطلاقاً من تنشئتهم وتربيتهم على هذا
المبدأ الاجتماعي الهامّ جدّاً؛ لكي يعرفوا عواقبه ومخاطره من جهة؛ فلا يقعوا في
الظلم أبداً.
ومن جهة أخرى، ليأخذوا منه موقفاً حاسماً منذ بداية الطريق حتى لو تتطلّب الأمر منه
بذل روحه وحياته والشهادة من أجل إقامة الحقّ. قال الله تعالى واصفاً حال الظالم
وعاقبته: ﴿وَيَوْمَ
يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلً﴾4.
ولا يخفى على أحد أنّ تربية الأبناء على هذا المبدأ التربويّ لها آثار لا تطال فقط
الجنبة الشخصيّة لهم، بل يمتدّ تأثيرها الإيجابي إلى المجتمع ككلّ أيضاً.
الإحسان إلى الوالدين
لقد عُدّ مقام الوالدين في الثقافة الإسلاميّة بعد مقام الله عزّ وجلّ، وجاءت
الوصية بهما بعد الوصية بعبادة الله، وعدم الشرك به. قال الله تعالى:
﴿وَإِذْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَان﴾5.
وقد تكرّرت هذه الوصية في آيات أخرى6.
ويكفي في بيان أهمّيّة مقام الوالدين ما روي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه
قال: "النظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادةٌ"7. وهذا راجع إلى الجهد
الذي يبذله الوالدان في تربية الطفل، والمشقّة التي يتحمّلانها من أجله، دون أن
يكون لهما طمع بشيء يبذله الطفل لهما، وعلى الخصوص الأمّ التي قال الله تعالى
بشأنها في كتابه الكريم:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ
إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ
وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً﴾8.
فالتنشئة التي ينبغي أن يتربّى عليها الطفل ويتعلّمها منذ الصغر في كيفيّة معاشرة
الوالدين، ينبغي أن تكون هي نفسها تلك التي وصّى بها الإسلام الملتزمين بتعاليمه
وأحكامه في آيات القرآن والأحاديث الشريفة، حيث أمر باحترام الوالدين والتواضع
لهما: ﴿وَاخْفِضْ
لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾9،
وبرّهما، وبذل المعروف لهما على الدوام:
﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفً﴾10،
حتى قال الله تعالى مبيّناً عظمة النبي يحيى عليه السلام وتقواه:
﴿وَبَرًّا
بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّ﴾11.
ومن جملة المسائل التي ينبغي أن ينشأ عليها الطفل والواجبات التي ينبغي أن يتعلّمها
ممّا لها جنبة أخلاقيّة وحقوقيّة؛ هي: شكر الوالدين والدعاء لهما؛ لأنّه من لم يشكر
الوالدين لم يشكر الله:
﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾12.
لذا، فإنّ تعليم الأولاد شكر الوالدين والدعاء لهما منذ الصغر يفتح الباب أمامهما
لشكر الباري عزّ وجلّ أيضاً على نعمه التي لا تحصى:
﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيرً﴾13.
صلة الأقارب والأرحام
في نهاية المطاف لن يبقى الطفل قابعاً في أسرته، محاطاً بأفراد عائلته، بل من
المتوقّع أن يخرج من هذا المحيط العائلي الصغير إلى محيط عائلي أكبر وأكثر سعة منه،
وهو المكان الثاني الذي من المفترض أن يكون الطفل على تماسّ معه بعد عائلته، نتكلّم
هنا عن الأقارب والأرحام بطبيعة الحال.
وينبغي للعلاقة مع الأهل أن تكون محكومة بالضوابط والقيم التربوية الدينية، لتكون
هذه العلاقة باباً ينتفع منه الأبناء في بناء شخصيّة متوازنة؛ إيمانيّاً،
وسلوكيّاً، واجتماعيّاً. وكذلك ينبغي أن يكون الحال مع العائلة الأوسع نطاقاً،
وربما تأثيراً في بعض الأحيان. فليس صحيحاً أن تبقى العلاقة الحاكمة مع الأقارب
والأرحام متفلّتة من القيود والضوابط الدينيّة والتربويّة لما لهذه العائلة الكبيرة
من تأثير جدّي وكبير على نشأة الأبناء وتكاملهم.
ومن وجهة نظر الإسلام: الروابط العائلية تجاه القرابات والأرحام لا يمكن اجتنابها
أو تجاهلها. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم
مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً
كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً﴾14.
وممّا أوصى به الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم في الأرحام: "أوصي الشاهد من
أمّتي، والغائب منهم ومن أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم
وإن كانت منه على مسيرة سنة؛ فإنّ ذلك من الدين"15. وروي عن الإمام
الباقر عليه السلام أنّه قال: "إنّ الرحم معلّقة يوم القيامة بالعرش تقول: اللهمّ
صل من وصلني، واقطع من قطعني"16.
من هنا، فالوظيفة الأساسية للأهل تكمن في أن يعزّزوا ثقافة صلة الرحم في نفوس
الأبناء لما لها من آثار مباشرة على الصعيد الاجتماعيّ والفرديّ معاً. فإنّ الروابط
العائلية تصقل شخصيّة الأبناء وتمدّهم بالخبرة والتجربة اللازمة لهم في هذه الحياة؛
ليتمكّنوا لاحقاً من إكمال مسيرة حياتهم بثبات وثقة عالية. كما أنّها تضع الأبناء
أمام تحدّيات جديدة في حياتهم؛ تدفعهم للخروج منها ظافرين طيّبي النفس. فعن الإمام
الصادق عليه السلام أنّه قال: "صلة الأرحام تُحسّن الخلق، وتسمح الكف، وتطيّب
النفس، وتزيد من الرزق، وتُنسئ في الأجل"17.
أمّا الأضرار الناجمة عن قطيعة الرحم فهي كبيرة وخطيرة جدّاً، نذكر منها ما ورد في
كتاب الله العزيز، حيث اعتبرها القرآن بمنزلة الفساد في الأرض:
﴿فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ﴾18.
لذا ينبغي الحذر كلّ الحذر من أن يكون أبناؤنا هم الشرارة الأولى لهذا الفساد
والإفساد في الأرض؛ من حيث نعلم أو لا نعلم. ويجب السعي الحثيث لغرس هذه الثقافة في
نفوسهم منذ الصغر قبل أن يكبروا ويصبح الوالدان أنفسهم عرضة لمخاطر قطيعة أبنائهم
لهم!!
العلاقة الطيّبة مع الجيران
إنّ مسألة الجار ورعاية حاله وحقوقه ووضعه؛ من المسائل المهمّة المبحوثة في نظام
الحياة الأخلاقيّة والمعاشرة في الإسلام. وهناك روايات كثيرة في هذا المجال بيّنت
أهمّيّته وموقعيّته في الحياة الاجتماعيّة.
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ
بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ
بِالجَنبِ﴾19. وروي
عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى
ظننت أنّه سيورّثه"20.
وبما أنّ الأبناء هم في نهاية المطاف على تماسّ وصلة مع الجيران من حولهم. لذا
ينبغي السعي إلى تعليمهم آداب حسن الجوار وغرسها في نفوسهم منذ الصغر، وهذا له دور
مهمّ جدّاً في تأسيس علاقات وروابط اجتماعيّة إيجابيّة وفعّالة في المستقبل عندما
يخرجون إلى محيط ودائرة أوسع من دائرة جيران المحلّة والسكن. ومن أهمّ هذه الآداب
التي حدّدها الإسلام تجاه الجار، والتي ينبغي أن ينشأ أبناؤنا عليها بطبيعة الحال؛
كونهم مكوّن وجزء أساسي من هذا المجتمع:
1. أن يُحسِّن الأبناء أخلاقهم تجاه الجيران: فعن رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم أنّه قال: "يا عليّ أَحسِنْ خُلُقَكَ مع أهلك، وجيرانك، ومن تعاشر وتصاحب من
الناس؛ تُكتب عند الله في الدّرجات العلى"21.
2. أن يُحسن الأبناء معاشرة جيرانهم: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:
"عليكم بحسن الجوار؛ فإنّ الله عزّ وجلّ أمر بذلك"22.
3. العمل على مواساة الجيران: وقضاء حوائجهم وتقديم المساعدة لهم عند الحاجة
والضرورة. عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: "ما آمن بي من بات شبعان
وجاره جائع"23.
4. عدم أذيّتهم: أو إزعاجهم أو التسبّب بالضرر لهم. روي عن رسول الله صلى الله عليه
واله وسلم أنّه قال: "من آذى جاره حرّم الله عليه ريح الجنّة ومأواه جهنم وبئس
المصير، ومن ضيّع حقّ جاره فليس منّا"24. وعنه صلى الله عليه واله وسلم
أنّه قال: "لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه"25.
التعامل مع المؤمنين
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "المؤمن أخو المؤمن؛ كالجسد الواحد؛ إن
اشتكى شيء منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة"26.
يقوم بناء الحياة الاجتماعيّة في الإسلام على الأُلفة والوحدة والشعور بالطرف
الآخر. فالمؤمنون في الإسلام إخوة لا يُفرّق بينهم لون، ولا عرق، ولا مكان، ولا
لغة. فعلاقة المؤمنين بعضهم مع البعض الآخر من وجهة نظر الإسلام هي علاقة حيّة
هدفها إيجاد بناء محكم من الاتّحاد والأخوّة بين الناس. وهذه من المبادئ التربوية
الأساسيّة التي ينبغي أن يُنشأ عليها الأبناء؛ لأنّها تؤسّس وترسم مسار علاقاتهم في
المستقبل مع الآخرين على مستوى الكيف والنوع. ولأنهم نواة هذا المجتمع التي منها
سوف تنبثق الأجيال والمجتمعات اللاحقة لترسم معالمها الفكرية والسلوكية، فكان من
الواجب الاهتمام الشديد بالأصول والمبادئ التي ينبغي أن تحكم علاقة الأبناء بالناس
من حولهم وبالخصوص المؤمنين منهم. هذه المبادئ التي ورد ذكرها في روايات أهل بيت
العصمة والطهارة عليهم السلام بشكل مفصّل ودقيق نحاول أن نذكر بعضها، لتكون منطلقاً
صحيحاً لبناء ثقافة سليمة في كيفية تعامل الأبناء مع غيرهم من الناس
ومن هذه التعاليم
التربوية على سبيل المثال:
1. أن يحبّ الأبناء لغيرهم ما يحبّون لأنفسهم: سُئِل الإمام الصادق عليه السلام ما
حقّ المسلم على المسلم؟ فقال عليه السلام: "له سبع حقوق واجبات - إلى أن قال- أيسر
حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك..."27.
2. أن يسعوا في قضاء حوائج المؤمنين: عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "إنّ
لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة"28.
3. الإقبال على الناس بوجه طلق: روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه
قال: "إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر"29.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة"30.
4. التربية على روحية إفشاء السلام بين الناس: عن رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم أنّه قال: "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنّة حتى تؤمنوا ولا تؤمنون حتى
تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم أفشوا السّلام بينكم"31.
5. حسن القول: لأنّ معاشرة المؤمنين تقوم على هذا الأساس. قال الله تعالى:
﴿وَقُل
لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾32.
وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال في قول الله عزّ وجلّ
﴿وَقُولُواْ
لِلنَّاسِ حُسْن﴾ قال: "قولوا
للنّاس أحسن ما تُحبّون أن يُقال فيكم"33.
ومن المسائل السلبيّة التي ينبغي أن ينهى عنها الأهل شديد النهي؛ البهتان والغيبة
وإهانة المؤمنين أو أذيّتهم، أو السخرية والاستهزاء بالآخرين؛ لما لها من مضاعفات
سلبيّة جدّاً على التربية الاجتماعيّة السليمة والصحيحة للأبناء.
مراعاة النظام العامّ
لا يمكن لأيّ إنسان أن يعيش حياة اجتماعيّة صحيحة من دون قوانين وأنظمة وضوابط تحكم
علاقاته مع الآخرين, لذا أكّد الإسلام كثيراً على ضرورة التقيّد بالأنظمة
والقوانين؛ لما لها من دور كبير جدّاً في انتظام الحياة الإنسانيّة، والوصول
بالتالي إلى الأهداف الاجتماعيّة السامية.
لذا، نلاحظ أنّه من جملة الأمور التي أوصّى بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب
عليه السلام في اللحظات الأخيرة من حياته حين جمع إليه الحسن والحسين وبقيّة أولاده
وأهله عليهم السلام، أن قال لهم: "أُوصيكما وجميع وُلدي وأهلي ومن بلغه كتابي،
أُوصيكما بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكم رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام"34
وعلى الوالدين في المنزل قبل غيرهما أن يخضعا للنَّظْم والانضباط؛ كي يُذْعِن
الأولاد من دون شكّ أو تردّد لهذه الأنظمة، لكن هذا لا يعني إلغاء التعاليم
المباشرة، فالولد في الكثير من الموارد يحتاج إلى الهداية والتعليم. كما ينبغي للأب
والأمّ أن يهديا ولدهما بلين ويسر.
ولكي، يعتاد الأولاد على رعاية النظام في شؤونهم الحياتيّة داخل البيت، من
المهمّ الالتفات إلى الأمور التالية:
1. ينبغي أن يكون لكلّ شيء في المنزل مكانه المناسب، وعلى كلّ شخص إذا تناول شيئاً،
أن يقوم بإرجاعه إلى مكانه المخصّص له.
2. ينبغي على أفراد العائلة قدر الإمكان أن ينجزوا أعمالهم الشخصيّة بمفردهم، فعلى
سبيل المثال، عليهم أن يرتّبوا أًسِرَّتَهم بأنفسهم، وبعد الانتهاء من إنجاز
تكاليفهم المدرسيّة، أن يقوموا بجمع أدواتهم ويضعونها في أمكنتها، وأن يهتمّوا
بأغراضهم شخصيّاً.
3. ينبغي أن يكون وقت النوم والاستراحة محدّداً، فيمنع النوم في أيّ ساعة يشاؤون،
وأن لا تكون ساعات النوم طويلة؛ لأنّها تجعل من الأطفال أفراداً كسولين وخاملين.
4. عدم الإفراط في مشاهدة التلفاز واللهو والتنزّه؛ بما يحول دون أداء الأعمال
الأساسيّة والدراسيّة.
5. ينبغي عند دخول المنزل خلع الزيّ المخصّص للخارج وارتداء اللباس الخاصّ بالمنزل.
6. ينبغي أثناء تناول الطعام، أن يجتمع كافّة أفراد العائلة على المائدة لتناول
الطعام سويّاً.
ومن الآداب الأخرى التي ينبغي أن يتعلّمها الأبناء: الاقتصاد، واجتناب الإسراف،
وعدم الإنفاق بلا رويّة. فعادةً لا يوجد أيّ إنسانٍ عاقلٍ يُشعل النار بأمواله أو
يُفسد ماله، ولكن يتمّ إفساد مبالغ ضخمة عن طريق الإسراف وعدم الاكتراث بالمصروف،
في كلّ يوم وكلّ ساعة!
لذا ينبغي من أجل تعليم الأولاد الاقتصاد مراعاة المسائل التالية:
1. لا ينبغي إنارة أيِّ مصباح من دون حاجة له.
2. عدم استخدام الهاتف بشكل غير ضروريّ؛ لأنه هدرٌ للمال والوقت.
3. عدم استهلاك الماء أكثر من الحدّ اللازم عند غسل اليدين والوجه أو الاستحمام.
على سبيل المثال عندما يغسل الشخص يديه بالماء والصابون أو يتوضّأ لا يترك حنفيّة
الماء مفتوحةً على الدوام.
4. عدم الإسراف أثناء عمليّة ريّ الحدائق والبساتين، خاصّة في الأماكن التي يشحّ
فيها الماء.
5. عدم الإسراف في المواد الغذائيّة، والاجتناب بشدّة عن إفساد الخبز والطعام لأنه
جحود بالنعمة ويستلزم العقوبة. وما زاد من الطعام يوزَّع إن كان لائقاً، أو يُجعل
طعاماً للطيور وغيرهم مع الإمكان.
6. أن يأخذ كلّ شخص مقدار حاجته من الطعام حتى يمكنه تناوله بنحو كامل.
7. أن يعتني كلّ فرد بأغراضه الشخصيّة؛ حتى يمكنه الاستفادة منها لأقصى حدّ،
فمثلاً: لا يرتدي اللباس المخصّص للخارج في البيت.
8. أن يقتصد الأولاد في استهلاك أدواتهم القرطاسيّة، وأن لا توضع هذه الأدوات بين
أيديهم دون رقابة. على سبيل المثال: الحرص على عدم رمي الدفتر الذي لم يتمّ
استخدامه بنحو كامل بل العمل على الاستفادة من أوراقه الخالية مسودَّةً لحلّ
التمارين.
ومن الآداب العمليّة في الحياة، بحيث تُعتبر مهمّة جدّاً في الإسلام؛ الحفاظ على
النظافة والصحّة. فلا بدّ للوالدين أن يكونا بالدرجة الأولى بأنفسهما أسوة حسنة في
مجال الحفاظ على النظافة والصحّة، وأن يُرغّبا أبناءهما بالنظافة، ويُعلّماهما آداب
الطهارة الإسلاميّة على قاعدة:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾35،
بل وينبغي التشدّد ـ أحياناً ـ في هذا الجانب قليلاً؛ لما لدى الأبناء من نزعة نحو
التفلّت من القيود؛ حتى تلك المتعلّقة بالنظافة وسلامة البيئة المحيطة.
* كتاب التربية الأسرية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- نهج البلاغة،
الخطبة 47.
2- الأنعام، 21.
3- هود، 113.
4- الفرقان، 27.
5- البقرة، 83.
6- النساء، 36. الأنعام، 151. الإسراء، 24.
7- وسائل الشيعة، ج6، ص205.
8- الأحقاف، 15.
9- الإسراء، 24.
10- لقمان، 15.
11- مريم، 14.
12- لقمان، 14.
13- الإسراء، 24.
14- النساء، 1.
15- أصول الكافي، ج2، ص121.
16- م.ن، ص12.
17- م.ن، ص126.
18- محمد، 22.
19- النساء، 36.
20- وسائل الشيعة، ج9، ص52.
21- بحار الأنوار، ج74، ص68.
22- م. ن، ج66، ص370.
23- وسائل الشيعة، ج12، ص130.
24- م. ن، ج12، ص127.
25- الكافي، ج2، ص666.
26- م.ن، ص 166.
27- وسائل الشيعة، ج12، ص205.
28- أصول الكافي، ج2، ص157.
29- م. ن، ص84.
30- م. ن، ص150.
31- مستدرك الوسائل، ج8، ص362.
32- الإسراء، 53.
33- الكافي، ج2، ص165.
34-نهج البلاغة، الخطبة47.
35- المدثّر، 4.