المراد بالعدل
فلسفات أخلاقية
للعدل، بفتح العين ـ معانٍ، منها ضد الظلم، وفي الأمثال (من ساواك بنفسه ما ظلمك) ومنها المثل والمساواة، قال سبحانه: (أو عَدل ذلك صياماً) (95 ـ المائدة).
عدد الزوار: 304
للعدل، بفتح العين ـ معانٍ، منها ضد الظلم، وفي الأمثال (من ساواك بنفسه ما ظلمك)
ومنها المثل والمساواة، قال سبحانه: (أو عَدل ذلك صياماً) (95 ـ المائدة). والمراد
بالعدل هنا المساواة التي لا استغلال معها ولا محاباة، وأوضح مثال قول الإمام أمير
المؤمنين(عليه السلام): ((لو كان المال لي لسويّت بينهم فكيف وانما المال مال الله!)).
وقال الغزالي في المقصد الأسنى ما ملخصه أن العادل هو الذي يصدر فعل العدل المضاد
للجور، وعدله تعالى أنه أعطى كل شيء خلقه، ووضعه في موضعه، وسخره لغايته، أما عدل
العبد فهو أن يستعمل كل عضو من أعضائه في وظيفته التي أذن الشرع بها، وأن يجعل هواه
أسيراً للدين والعقل، فان اتخذ منهما خادماً لهواه فقد ظلم وجار، ومعنى هذا أن
الإنسان العادل هو الذي يتحرى الحق بجميع وسائله، ويبتعد عن الهوى والغرض.
العدل قانون أخلاقي وطبيعي
القانون التشريعي على نوعين: سماوي إلهي معصوم عن الخطأ، ينزل به الوحي من الله
سبحانه على قلب من يشاء من عباده، وقانون أرضي وضعي يعبر عن إرادة الإنسان الذي
يصيب ويخطئ. وأيضاً القانون الطبيعي على نوعين: منه ما هو كامن في الطبيعة وأشيائها
كالجاذبية وغيرها من القوانين التي لا يتم نظام الكون بدونها، ومنه ما تحتمه وتفرضه
الفطرة وبديهة العقل كالعدل، فإنه مبدأ أخلاقي، ومع هذا لنا أن نسميه طبيعياً لأنه
واجب بالذات لا بجعل جاعل وتشريع مشرع، بل هو الأساس والمقياس للأديان والأخلاق
والقوانين، به يستدل على صحتها، ولا يستدل بها عليه، فأي مبدأ أو شرع لا يترجم
ويعتبر عن العدل فهو جهالة وضلالة، ومصيره إلى الزوال والانحلال.
ويستحيل في حق الله تعالى وحكمته أن يشرع حكماً خارج نظام العدل والطبيعة، لأنه،
تقدست أسماؤه، خالق الطبيعة، وهو واضع الشريعة، ولا تهافت وتفاوت في خلقه تعالى عن
ذلك علواً كبيراً، بالإضافة إلى أنه تعالى هو العدل بالذات، وما بالذات لا يتغير
إلا أن يكون المربع بما هو مدوراً والمثلث بما هو مربعاً!.
وذهب أرسطو إلى أن العدل يحتوي كل الفضائل دون استثناء، وأن كلمته ترادف كلمة
الأخلاق بشتى أنواعها لأن العدل أساس الخير كله العام منه والخاص. كما أن الظلم
أساس الشر.
الإسلام عدل ورحمة
يقوم الإسلام بأصوله وفروعه على العدل، فأصوله الأساسية ثلاثة: الإيمان بالله الأحد
وبرسوله وباليوم الآخر، ومن آيات الأصل الأول قوله تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقاً
وعدلاً لا مبدل لكلماته) (115 ـ الأنعام).. (شهد الله أنه لا إله إلا هو وملائكته
وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (18 ـ آل عمران).
وكلمة التوحيد بلفظها ومعناها تدل على أن جميع الموحدين يجب أن يخضعوا لحكم واحد
بلا تمايز وتفاضل تماماً كالأخوة في ظل أب محب منصف. وفي الحديث: الناس سواسية
كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وفي حديث آخر: ان الله كتب على
نفسه العدل فلا تظالموا. وفوق ذلك: (كتب ربكم على نفسه الرحمة) (54 ـ الأنعام). وكل
من العدل والرحمة قانون أخلاقي، فالرحمة أن تزيد في جزاء الخير على سبيل الاحسان،
وتعفو عن السيئة على سبيل الغفران، شريطة أن لا يكون العفو تشجيعاً للجريمة
وتحبيذاً للرذيلة، أما العدل، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة
شراً يره بلا زيادة أو نقصان.
ونقل الفيلسوف الشاعر اقبال في كتاب تجديد الفكر الديني ص 169 طبعة 1955م عن بعض
عظماء الغرب ما نصه بالحرف: ((تجد الثقافة الجديدة في مبدأ التوحيد أساساً لوحدة
العالم كله))، ثم قال المؤلف في ص 178: ((روح التوحيد هي المساواة والاتحاد (أي
التضامن والتعاون) والحرية، والدولة في نظر الإسلام هي محاولة تبذل لتحقيق هذه
المبادئ الثلاثة)) أي المساواة والتعاون والحرية.
ومن آيات الأصل الثاني التي حدد بها سبحانه رسالة أنبيائه ورسله بالقسط والعدل على
أن يكون هذا المبدأ عاملاً أساسياً في حياة البشرية كلها ـ قوله تعالى: (لقد أرسلنا
رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه
بأس شديد) (25 ـ الحديد). قرن سبحانه الحديد والبأس الشديد، بالقسط حيث لا عدالة
بلا قوة، كما أن القوة بلا عدالة ظلم وجور.
ومن آيات الأصل الثالث: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وان
كان مثقال حبة من خردل) (47 ـ الأنبياء). وأحوج ما يكون الإنسان للعدل حين يكون
فرداً لا ناصر ولا معين ولا حول ولا قوة له إلا الحق والعدل.. وأقسى المواقف على
الإنسان وأشدها موقف العرض والحساب بين يدي جبار قهار إلا من كان على بصيرة من أمره
وثقة من سعيه: (وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية ـ 9 الغاشية.. ووجوه باسرة (أي
كالحة) تظن أنها فاقرة (أي داهية) (25 ـ القيامة).