يتم التحميل...

آداب المصاب: صاحب المصيبة

فقه الأحزان

الدهر يومان , يوم يأتي على المرء بالسعادة, وآخر يأتي ببلاء وامتحان من الله تعالى؛ تمحيصاً منه لعباده, وزيادة لهم في الحسنات أو حطاً من سيئاتهم. يقول سبحانه وتعالى:

عدد الزوار: 435

فقد المؤمن
الدهر يومان , يوم يأتي على المرء بالسعادة, وآخر يأتي ببلاء وامتحان من الله تعالى؛ تمحيصاً منه لعباده, وزيادة لهم في الحسنات أو حطاً من سيئاتهم. يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس1, ويقول جلَّ وعلا: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون2.

ولا شك بأن فراق الأحباب، وفقدان الأهل والأعزاء، من البليَّات التي لا مفرَّ للمرء منها. فحتمية الموت أمرٌ لا يفر منه مخلوق، يقول تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ 3 ، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ4.

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إذا مات المؤمن بكت عليه بقاع الأرض التي كان يَعْبُدُ الله عزَّ وجلَّ فيها والباب الذي كان يَصْعَدُ منه عمله و موضع سجوده"5.

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام أنه قال: "ما من مؤمن يموت في غُرْبَةٍ من الأرض فيغيب عنه بواكيه إلا بكته بقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها، وبكته أثوابه، وبكته أبواب السماء التي كان يصعد بها عمله، وبكاه الملكان الموكلان به"6.

ورُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: "ما من مؤمن إلا وله بابٌ يَصعدَ منه عمله وباب يَنزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ 7"8.

و عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : "ما من مؤمن يموت في غربته إلا بكت عليه الملائكة رحمةً له حيث قلت بواكيه"9.

البكاء على الميت
يقول الشهيد الثاني قدس سره : "إعلم أن البكاء بمجرده غير منافٍ للصبر ولا للرضا بالقضاء، وإنما هو طبيعة بشرية، وجِبِلَّة إنسانية، ورحمة رحيميَّةٌ أو حبيبيَّةٌ، فلا حرج في إبرازها ولا ضرر في إخراجها، ما لم تشتمل على أحوالٍ تؤذِنُ بالسَّخط وتنبئُ عن الجزع وتَذْهَبُ بالأجر، من شقِّ الثوب، ولطم الوجه وضرب الفخذ وغيرها.وقد ورد البكاء في فقدان الأحبة عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم ، ومن قبله من لدن آدم عليه السلام، وبعده من آله وأصحابه مع رضاهم وصبرهم وثباتهم"10.

ففي الرواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم بيد عبد الرحمن بن عوف، فأتى إبراهيم وهو يجود بنفسه، فوضعه في حجره، فقال له: "يا بُنيَّ، إني لا أملك لك من الله تعالى شيئاً وذرفت عيناه، فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله تبكي، أولم تنهَ عن البكاء؟ فقال صلى الله عليه وآله و سلم : إنما نهيت عن النوح، عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لعب ولهو ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، خمشُ وجوه وشقُّ جيوب ورنة شيطان، إنما هذه رحمة، ومن لا يَرحَم لا يُرحم، ولولا أنه أمرُ حق ووعدُ صدقٍ وسبيلٌ نأتيه وأن آخرنا سيلحق أولنا، لحزنا عليك حزناً أشد من هذا، وإنا بك لمحزونون، تبكي العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يُسْخِطُ الرَّب عز وجل"11.

وفي رواية أخرى: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم -إلى أن قال الراوي- ودمعت عيناه، فقالوا يا رسول الله تبكي وأنت رسول الله، فقال: "إنَّما أنا بشر، تدمع العين ويفجع القلب ولا نقول ما يُسْخِطُ الرَّب، يا إبراهيم إنَّا بك لمحزونون"، وقال صلى الله عليه وآله و سلم : "يوم مات إبراهيم ما كان من حزن في القلب أو في العين، فإنما هو رحمة، وما كان من حزن باللسان وباليد، فهو من الشيطان" 12.

فالبكاء حالة إنسانية ومشاعر نبيلة تُنْبِىءُ عن محبَّة الفقيد والأسى على فراقه, والأكمل أن تُطعم بالمشاعر الدينيَّة ليستحقّ المرء فيها الأجر، كالحزن على ما يصيب الميت من هول المُطَّلع، وما يلقاه في عالم البرزخ والحساب.

فالبكاء الحقيقيّ ينبغي أن يكون على حالة الميت, لا على فقده, فإن الميت تنتظره أهوالٌ عظيمة, ومواقف مهولة, من هول المطلع إلى حساب القبر وضغطته, وما يلاقي من أعماله في عالم البرزخ, فمن كانت حالته أنه قادم على هذه الأمور, فهو الذي ينبغي البكاء عليه لا على مجرد فقده, ولنِعْمَ ما فعل أبو ذر رضي الله عنه لما مات ذرٌّ ابنه، فقد مسح أبو ذر القبر بيده, ثم قال:"... أما والله ما بي فقدُك, وما عليَّ من غضاضة, ومالي إلى أحدٍ سوى الله من حاجة, ولولا هولُ المُطَّلع لسرني أن أكون مكانك, ولقد شغلني الحزنُ لكَ عنِ الحزنِ عليكَ, والله ما بكيتُ لك ولكن بكيتُ عليك, فليت شعري ماذا قلت، وماذا قيل لك، ثم قال رضي الله عنه: اللهمَّ إني قد وهبت له ما افترضتَ عليه من حقي، فهبْ له ما افترضت عليهِ من حقك، فأنت أحق بالجود مني"13.

وخلاصة الأمر، إن البكاء على الميت والفقيد ليس عيباً, إلا أن الجزع والاعتراض على القضاء, والتصرفات الخارجة عن التأثر العاطفي الطبيعي هي التي منعها الشرع الأقدس, وستكون لنا وقفة تفصيلية عليها إن شاء الله تعالى.

فضل الصبر على المصاب
وحول أهمية الصبر في هذه المواقف، جاء عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "قد عجز من لم يُعد لكل بلاءٍ صبراً، ولكل نعمةٍ شكراً، ولكل عسر يسرا، أصبر نفسك عند كل بلية ورزية في ولد، أو في مال فإن الله إنما يقبض عاريته أي ما أعاره لك وهبَته لِيَبْلُوَ شكركَ وصبرَكَ"14.

وقال عليه السلام: "إن العبد يكون له عند ربِّه درجة لا يبلغها بعمله فيُبتلى في جسده، أو يُصابُ في ماله، أو يصاب في ولده، فإن هو صبرَ بلَّغه الله إياها"15.

وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله و سلم : يقول الله عزَّ وجلَّ: "إذا وجهت إلى عبدٍ من عبيدي مصيبة في بدنه، أو ماله، أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصُبَ لهُ ميزاناً أو أنشرَ له ديواناً" 16.

من يستحقّ الأجر في المصاب
قرنت الروايات الشريفة، الأجر في المصائب بالصبر، فمن يستحق الأجر هو الذي يتحلى بالصبر على المصاب، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : "ألا أَعْجَبَكُمْ إنَّ المؤمن إذا أصاب خيراً حَمِدَ الله وشكر، وإذا أصابته مصيبة حَمِدَ الله وصبر، فالمؤمنُ يؤجرُ في كل شيء حتى اللقمة يرفعها إلى فيه"17.

وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إن الحرَّ حرٌّ على جميع أحواله، إن نابته نائبةٌ صبر لها، وإن تراكمت على المصائب لم تكسره، وإن أُسر، وقُهر، واستبدل باليسر عسراً، كما كان يوسف الصديق الأمين عليه السلام، لم يَضْرُر حريته أن استعبد وأُسر وقهر، ولم تَضْرُرْهُ ظلمة الجب ووحشته، وما ناله أن منَّ الله عليه، فجعلَ الجبارَ العاتي له عبداً بعد أن كان ملِكاً، فأرسله ورحم به أمة. وكذلك الصبرُ يعقِب خيراً، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا"18.

عِظَمُ الأجر على قَدْر المصاب
ليستْ كلُّ المصائب النازلة على الناس بمستوى واحد، فإن المصيبة بفقد عزيز قد تختلف باختلاف الظروف التي فقد فيها, فقد يموت الإنسان الشيخ في فراش المرض، فتكون المصيبة في أهله وعياله يسيرة، وليست بالفظيعة. وقد يموت شابٌّ في مقتبل العمر، فتشعر بالحزن يعم سائر بلدته, وقد يكون الفقيد شهيداً في سوح النضال والجهاد، فيترك الأثر الكبير في المجتمع، ويفتخر باستشهاده وتضحيته بنفسه في سبيل الله والأمَّة, ولهذا فإن التسلية عن المصاب لا بد وأن تتنوع بحسَبِ نوع المصاب الذي لحق بأصحاب العزاء.

فبالصبر يثبُت الأجر، وبإيكال الأمر لله تعالى والتسليم إليه، والاسترجاع، كما في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام:"الضربُ على الفخذ عند المصيبة يُحْبِطُ الأجر، والصبر عند الصدمة الأولى أعظم، وعِظَمُ الأجرِ على قَدْرِ المصيبة، ومن استرجع بعد المصيبة، جدَّد الله له أجرها كيوم أصيب بها"19.

والاسترجاع هو قول المؤمن: "إنا لله وإنا إليه راجعون".
ولعل الأجدر بالمؤمن الحقيقي، المدرك لما في الصبر على المصائب من الأجر والثواب، أن يكون صابراً، راضياً، مسلماً بما ابتلاه الله تعالى به, لأنه في الحقيقة فرصة ثمينة للحصول على أعظم زاد يستعين به فيما لو كان حلول الأجل عليه, ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تَعُدَّنَّ مصيبةً أعطيت عليها الصبر، واستوجبت عليها من الله ثواباً بمصيبة, إنما المصيبة التي يُحْرَمُ صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر عند نزولها" 20.

الصلاة خير معين على الصبر
وردت في الروايات الشريفة بعضُ الأعمال التي تعين المرء حين نزول المصاب به منها الصلاة, ففي الرواية أن النبيّ صلى الله عليه وآله و سلم كان إذا نزل بأهله شدة أمرهم بالصلاة، ثم قرأ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا21.

وعن ابن عباس أنه نُعي إليه أخوه "قُثُمْ" وهو في سفر فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق فأناخ، فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِين 22 23.

مقام الرضا
بعد أن ذكرنا ما في الصبر من الثواب الجزيل والأجر الكبير, سنشير بشكل مختصر إلى مقام الرضا، وهو مرتبة أعظم من الصبر, وعن هذه المرتبة يقول الشهيد الثاني قدس سره:"إعلم أن الرضا ثمرةُ المحبة لله، من أحب شيئاً أحب فِعله. والمحبة ثمرةُ المعرِفة، فإن من أحب شخصاً إنسانياً لاشتمالِه على بعضِ صفات الكَمال أو نعوتِ الجَمال، يزدادُ حبهُ له كلما زاد به معرفةٍ، وله تصوراً. فمن نظر بعين بصيرته إلى جلالِ الله تعالى وكماله...أحبه، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُباً للهِ، ومتى أحبه استحسن كل أثرٍ صادر عنه، وهو يقتضي الرضا.

... واعلم أن الرضا فضيلةٌ عظيمة للإنسان، بل جماع أمر الفضائل يُرجع إليها، وقد نبه الله تعالى على فضله، وجعله مقروناً برضا الله تعالى وعلامة له، فقال: ﴿رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْه24 ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ25, وهو نهاية الإحسان، وغاية الامتنان. وجعله النبي صلى الله عليه وآله و سلم دليلاً على الإيمان، حين سأل طائفةً من أصحابه:"ما أنتم؟ قالوا مؤمنون، فقال: ما علامة إيمانكم؟ قالوا: نصبر على البلاء، ونشكر عند الرخاء، ونرضى بمواقع القضاء، فقال:مؤمنون ورب الكعبة"26.

وفي أخبار داوود عليه السلام: "ما لأوليائي والهَمَّ بالدنيا، إن الهم يُذْهِبُ حلاوة مناجاتي من قلوبهم، يا داوود، إن محبتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمون"27.

وقال الامام الصادق عليه السلام "إنا أهل بيت نجزع قبل المصيبة فإذا أمر الله عزَّ وجلَّ رضينا بقضائِه وسلَّمنا لأمره، وليس لنا أن نكره ما أحب الله لنا"28.

الضوابط الشرعيَّة في العزاء
لقد حرص الإسلام على صيانة شخصية الإنسان المؤمن من الأعمال التي لا تليق، وتتناسب مع الإيمان بالله تعالى، والانضباط الخُلقي, كما ذكرنا سابقاً 29, ولذا فقد شَرَّع له الكثير من الأحكام التي تحفظ شخصيَّته، بما يتناسب مع التوجه الخلقي العامِ الذي أراده لعباده. ومن هنا كان لمجلس العزاء ضوابط شرعيَّة قد تصل في بعض الأحيان إلى درجة الإلزام, وبعضها الآخر من المستحبات. وسنطلُّ بشكلٍ عامٍ على أهمِّ الضوابطِ التي ينبغي أن تُراعى في أهل العزاء أنفسهم, وفي المعزِّين الذين يأتون لمواساتهم في مصابهم.

ومن الأمور التي ينبغي الابتعاد عنها:
1 - اليأس والقنوط:
واليأس من رَوْحِ الله تعالى، هو عبارة عن الجزع الشديد الذي يصيب الإنسان مترافقاً مع كراهية المُصاب, واعتبار أن رحمة الله تعالى انقطعت عنه, واليأس من رحمة الله ورَوْحِه مِن الكبائر 30, يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ31.

وقد ورد في الحديث عن صفوان الجمال قال: شهدت الإمام الصادق عليه السلام و قد استقبل القبلة قبل التكبير وقال: "اللَّهم لا تؤيسني من رَوحك ولا تُقْنِطْني من رَحمتك ولا تُؤمني مكرك فإنه لا يأمن مكرَ الله إلا القوم الخاسرون، قلت: جعلت فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك، فقال: إن من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله والقنوطُ من رحمة الله والأمن من مكر الله"32.

وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : "الفاجر الراجي لرحمة الله تعالى أقرب منها من العابد المُقنط"33.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام - في صفة المنافقين -: "حَسَدَةُ الرخاء، و مولِدو البلاء، ومُقْنِطو الرجاء"34.

2 - التصرفات المؤذية للبدن:
يقوم بعضُ الناس، وبدون قصد السوء، ببعض التصرفات التي حرمها الشرع في المصائب، كنتف المرأة لشعرها، أو خدشها لوجهها، أو شقِّ الرجل لقميصه. فإن هذه التصرفات من المحرمات التي نهى الله تعالى عنها, بل وجعل عليها كفارة. وسنبين هذه التصرفات، وما يترتب عليها من الكفارات في الجدول التالي 35:

التصرف الفاعل السبب الكفارة
شق الثوب الرجل وفاة الزوجة والولد إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيراً بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام.
شق الثوب الرجل وفاة غير الزوجة والولد لا شيء
خدش الوجه الرجل وفاة الزوجة والولد وغيرهما لا شيء
نتف الشعر المرأة وفاة الزوج والولد وغيرهما إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيراً بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام.
خدش الوجه المرأة وفاة الزوج والولد وغيرهما إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيراً بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام.

ملاحظة: المقصود بالخدش للوجه الذي تجب فيه الكفارة, هو الخدش الذي يحصل بسببه خروج الدم من الوجه لا مجرد الخدشة العادية 36.

وقد جاء عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلامفي خصوص التصرفات المؤذية للبدن، وأمثالها: ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أنه قال في مرضه الذي قُبض فيه لفاطمة عليها السلام وهي تبكي وتقول "واكرباه لكربك يا أبتاه": "لا تشقي عَلَيَّ الجيب، ولا تخمشي عليَّ الوجه، ولا تدعي عَلَيَّ بالويل"37.

وذكر الشهيد الثاني في مسكن الفؤاد عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور.
وعن علي بن الحسين عليها السلام أنه قال: "إن الحسين بن علي عليها السلام قال لأخته زينب عليها السلام يا أختاه إني أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيباً، ولا تخمشي علي وجهاً، ولا تدْعي علَيَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت"38.

3ـ الصراخ والعويل
في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لا ينبغي الصياح على الميت ولا شق الثياب"39.
بل إن بعض الروايات، وصفت الصراخ والدعاء بالويل وغيرها من التصرفات، بأنه هو الجزع المُحبِط للأجر، الذي وعد الله تعالى به الصابرين على المصيبة, فعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قلت له ما الجزع قال عليه السلام: "أشدُّ الجزع الصراخُ بالويل والعويل، ولطمُ الوجه والصدر، وجز الشعر من النواصي ومن أقام النواحة، فقد ترك الصبر، وأخذ في غير طريقه، ومن صبر واسترجع وحمِد الله عزَّ وجلَّ فقد رضيَ بما صنع الله، ووقع أجره على الله، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم، وأحبَط الله تعالى أجره"40.

ويظهر من الروايات، كراهة البكاء والنواح فعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: "كل الجزع والبكاء مكروه، ما سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام"41.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : "ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال الناس فيها حتى تقوم الساعة: الاستسقاء بالنجوم، والطعنُ في الأنساب والنياحة على الموتى"42.

واجبات أهل العزاء
هنالك بعض الواجبات، التي تتعلق بمن يخص أهل المتوفى، تلحق بهم بعد وفاته مباشرة, ومن هذه الواجبات:
1 – عدة الزوجة

والعدة، هي إعلان الزوجة الحداد على زوجها، ويكون ذلك بترك التزين المنافي لحالة الحزن, يقول الإمام الخميني قدس سره: " يجب على المرأة في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدة؛ والمراد به ترك الزينة في البدن، بمثل التكحيل، والتطيب والخِضاب 43، وتحمير الوجه، والخطاط ونحوها، وفي اللباس بلبس الأحمر والأصفر والحلي ونحوها، وبالجملة ترك ما يعد زينة تتزين به للزوج، وفي الأوقات المناسبة له في العادة كالأعياد والأعراس ونحوهما، ويختلف ذلك بحسب الأشخاص والأزمان والبلاد، فيلاحظ في كل بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزيين"44.

ولكن الحداد لا يعني أن تترك المرأة تنظيف بدنها، والاهتمام بسائر ما تقوم به المرأة من شؤونها الخاصة بها، كتقليم الأظافروغيره، يقول قدس سره:"نعم لا بأس بتنظيف البدن واللباس، وتسريح الشعر، وتقليم الأظفار، ودخول الحمام، والافتراش بالفراش الفاخر، والسُكنى في المساكن المزينة، وتزيين أولادها وخدمها"45.

كما أنه يجوز للمرأة في حال عدتها الخروج من المنزل لقضاء حاجاتها, كما يجوز لها السفر للزيارة أو الحج, يقول الإمام الخميني قدس سره:"يجوز للمعتدة بعد الوفاة أن تخرج من بيتها، في زمان عدتها، والتردد في حوائجها، خصوصاً إذا كانت ضرورية، أو كان خروجها لأمور راجحة، كالحج والزيارة، وعيادة المرضى، وزيارة أرحامها، ولا سيَّما والديها"46.

2 – قضاء الصلوات

والمراد به أن يقضي الولد الأكبر عن أبيه، ما يجب عليه من الصلاة التي كانت متعلقة في ذمة الأب المتوفى, والمراد بالولد الأكبر هنا الذكر لا الأنثى, يقول الإمام الخميني قدس سره:" يجب على الولي، وهو الولد الأكبر، قضاء ما فات عن والده من الصلوات لعذرٍ من نوم ونسيان ونحوهما، ولا تلحق الوالدة بالوالد وإن كان أحوط استحباباً ، والأقوى عدم الفرق بين الترك عمداً وغيره"47. أما فيما لو كان في ذمة الوالد المتوفى قضاء بسبب الاستئجار أو أنه كان عليه وجوب القضاء عن والده, فلا ينتقل وجوب قضاء هذه الصلوات للولد الأكبر, فيكون المراد من وجوب القضاء عن الولد الأكبر قضاء ما على والده من صلاة نفسه فقط, يقول الإمام الخميني:"وإنما يجب عليه قضاء ما فات عن الميت من صلاة نفسه دون ما وجب عليه بالإجارة أو من جهة كونه ولياً"48.

*فقه الاحزان , سلسلة الفقه الموضوعي , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- آل عمران: 140
2- البقرة: 155 - 157
3- الزمر: 30
4- الأنبياء: 35
5- الشيخ الصدوق - من لا يحضره الفقيه - ج1 ص139
6- الحسين بن سعيد - كتاب المؤمن - ص 36
7- الدخان: 29
8- الميرزا النوري - مستدرك الوسائل - ج 2 ص 469
9- السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج3 ص480
10- الشهيد الثاني - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد - ص 93
11- الشهيد الثاني -مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد - ص 93
12- السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج 3 ص 471
13- الشيخ الكليني-الكافي- ج 3 ص 250
14- الحرّاني - تحف العقول - ص 361
15- الحسين بن سعيد - كتاب المؤمن - ص 27
16- السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج3،ص513-514
17- الشهيد الثاني - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة - ص 50
18- الشهيد الثاني -مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد - ص 51
19- الشهيد الثاني -مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد - ص 53
20- الريشهري- ميزان الحكمة- ح 10079
21- طه: 132
22- البقرة: 45
23- الشهيد الثاني - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد- ص 56
24- المائدة: 119
25- التوبة: 72
26- الشهيد الثاني - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد- ص 79
27- م. ن. ص 80
28- السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج3ص526
29- في تمهيد الكتاب
30- الإمام الخميني - تحرير الوسيلة - ج 1 ص 274
31- يوسف: 87
32- الشيخ الكليني-الكافي-ج 2 ص 544
33- الريشهري - ميزان الحكمة - ج 3 ص 2632
34- م . ن. ج 4 ص 3704
35- الإمام الخميني - تحرير الوسيلة -ج 2 ص 125 - 126
36- راجع الإمام الخميني - تحرير الوسيلة -ج 2 ص 126
37- الميرزا النوري- مستدرك الوسائل - ج2 ص452
38- السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج3 ص485-486
39- م .ن . ج 3 ص 483
40- السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج 3 ص 483
41- م . ن . ج3، ص 479
42- م . ن . ج3، ص 488
43- الخضاب: ما يختضب به. وقد خضبت الشيء أخضبه خضبا. واختضب بالحناء ونحوه, والمراد به هنا صباغة المرأة لشعرها
44- الإمام الخميني - تحرير الوسيلة -ج 2 ص 339
45- م . ن . ج 2 ص 339
46- م . ن . ج 2 ص 339
47- الإمام الخميني - تحرير الوسيلة -ج 1 ص 227
48- م . ن . ج 1 ص 227

2016-01-13