تربية الأبناء
زاد المغترب
إن الولد الصالح الذي يمثل تطلعات والديه ريحانة حقيقية من رياحين الجنة يتسبب بسرورهما في الدنيا ويكون لهما ذخرا للاخرة، وعكسه الولد غير الصالح، إذ أن الولد الذي لا يمثل أمل والديه يشكل مأساة كبيرة لهما...
عدد الزوار: 299
تمهيد:
إن الولد الصالح الذي يمثل تطلعات والديه ريحانة حقيقية من رياحين الجنة يتسبب
بسرورهما في الدنيا ويكون لهما ذخرا للاخرة، وعكسه الولد غير الصالح، إذ أن الولد
الذي لا يمثل أمل والديه يشكل مأساة كبيرة لهما ويعرضهما للمهانة، فعن أمير
المؤمنين عليه السلام ، أنه قال: "ولد السوء يهدم الشرف ويشين السلف" 1
.
وللتربية دورها الأساسي في توجيه الولد ليكون ولداً صالحاً، وهي مهمة صعبة تقع على
عاتق الوالدين بشكل أساسي، وتزداد صعوبة هذه المهمة للعائلة التي تعيش ضمن أجواء لا
تساعد كثيراً على الصلاح، وفي مجتمع تختلف مفاهيمه وتوجهاته عن مفاهيم وتوجهات
الإسلام، من هنا ستصبح مهمة الأبوين مضاعفة ليجبروا النقص الحاصل في المجتمع.
من هنا عليهما أن يتمسكا أكثر بالتوجيهات الإسلامية التي تعتبر السبيل الصحيح
لتنشئة جيل صالح، ونشير هنا إلى بعض مفردات هذا السبيل:
التسمية:
يبدأ التوجيه من التسمية، لما يعكسه الاسم على شخصية الولد في المستقبل، فالاسم
قادر على التحول إلى قدوة يضعه الصبي نصب عينيه ليقلد صاحب الاسم الأصلي ويسير على
نهجه، قيل لأبي عبد الله الصادق عليه السلام : جعلت فداك، إنّا نسمي بأسمائكم
وأسماء ابائكم، فينفعنا ذلك؟ فقال: "إي والله، وهل الدين إلا الحب والبغض!" قال
الله: ﴿قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُم﴾
2 3، من هنا يستحب تسمية الأولاد بأحسن الأسماء، كما يحسن
الابتعاد عن الأسماء التي تسيء إلى حاملها إما من غرابتها أو من خلال دلالاتها
المنحرفة، وهذا من حقوق الولد على أبيه ففي الرواية أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله
عليه وآله فقال: يا رسول الله ما حق ابني هذا؟ قالا: "تحسن اسمه، وأدبه موضعاً
حسناً" 4 .
التعليم:
ورد في الحديث عن الإمام علي عليه السلام في وصيته للإمام الحسن عليه السلام :
"إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيءٍ قبلته" 5 .
إن هذه الأرض الخالية في قلب الولد المقبل على مرحلة التكليف، تتنازعها الأفكار
المضطربة والمفاهيم المتناقضة ضمن مجتمع غير صالح، ومن السهل جداً أن تمتلئ
بالأفكار البعيدة عن القيم، لذلك على الأهل أن يلتفتوا إلى الأجواء التي يتعلم بها
الولد، إلى المدرسة والأستاذ وبرنامج التعليم... لأن ذلك كله سيتحول إلى بذور
مبثوثة في قلب الولد ستنتج في المستقبل زرعها وقطافها الملائم لها.
وإذا أمكن تأمين مدرسة ضمن بيئة سليمة وصحيحة، يمكن أن يطمئن الأهل على ولدهم فيها،
فعليهم أن يختاروا مثل هذه المدارس، امتثالاً لقوله تعالى ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَة غِلاظ شِدَاد لا يَعْصُونَ اللَّهَ
مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
6 .
وإن لم يمكن ذلك فعلى الأهل أن يعوضوا النقص الحاصل في المدرسة ويراقبوا الولد
ويقوموا بعملية التوجيه بشكل يؤمّن له الحماية المطلوبة، بحيث تنتفي الاثار السلبية
لأي أجواء غير سليمة قد تتوفر في المدرسة.
وعلى الأهل أن يلتفتوا إلى أهمية أن يتعلم أولادهم الأسس الصحيحة لينشؤوا معها،
عقائدياً وأخلاقياً وفقهياً، من هنا فلا بد من الاهتمام بتعليم كل ما يساعد على هذا
التأسيس، وقد ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، حيث سأله أحدهم: من
خير الناس؟ فقالا: "أفقههم في دين الله".
المراهقة في الاغتراب
عندما يكبر الولد ويصبح على مشارف الشباب، وفي مرحلة المراهقة، يصبح له متطلبات
جديدة وتوجهات خاصة تناسب هذه المرحلة من العمر، وعلى الأهل أن يلتفتوا لهذه
الخصوصية ويتعاملوا معها بالشكل الصحيح:
ــ ففي هذا العمر "يطمح الشباب بقوة إلى الحرية والاستقلال، ويرغب الشاب في القيام
بأعماله من دون تدخل الاخرين، واتخاذ القرارات بنفسه أيضاً، ولا يشعر بالحاجة إلى
اراء الكبار أي الأهل، في قراراته الخطيرة كترك الدراسة، أو تغيير حقله التخصصي،
وغيرها من الأمور 7 .
ــ وفي هذا العمر تنفجر المواهب لدى الشباب، وتحتاج إلى التنمية بالشكل الصحيح،
ولابد من ترشيد الموهبة، لكي لا تسلك الطريق الخاطئ.
ــ وتتميز المرحلة أيضاً بأخطر الأمور وهي فوران الغرائز كغريزة إبراز القدرة
وغريزة حب السيطرة وغريزة التناسل.
ومن هنا ينبغي أن نلتفت إلى خطورة هذه المرحلة على الشباب إذ أن هذه المرحلة هي
المفترق الفاصل بين دروب الحياة، فإما أن يسلك الشاب بها درب الهدى، وإما أن ينحرف
إلى دروب الغي والضياع.
ومن الأمور القادرة على حماية المراهق، والتي أرشد إليها الإسلام:
1- القدوة الصالحة: إن القدوة الصحيحة للشاب هي التي توضح الطريق أمامه في درب
المستقبل، والقدوة السيئة هي التي تجرفه إلى وديان الجهالة والانحراف.
ومن المؤسف في هذا الزمن أن نرى الكثير من شباننا تناسوا القدوة الحقيقية والمثال
الأعلى الذي يتجلى بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وأهل البيت عليه السلام ،
واتبعوا النماذج التي لا تربطها بإسلامهم أو بأخلاق مجتمعاتهم أي صلة، كالمغنين
والممثلين...
فعلى الأهل ولا سيما في بلاد الاغتراب أن يلتفتوا دائماً إلى شبابهم لينبهوهم بشكل
مركز وموجه إلى القدوة الصحيحة، إلا أن عليهم أيضاً أن لا يفرضوا اراءهم على الشباب
فرضا لأن طبع الشاب الانفعالي في هذه المرحلة يأبى أن يفرض عليه أمر من خارج
إرادته.
فالأسلوب الأنجع في ذلك يكون عبر الاستماع إلى مشاكلهم وإبداء التفهم لها ثم تقديم
الحلول عبر إبداء القدوة الأصلح لهم، وإظهار الحرص عليهم، بأسلوب يحمل الحنان الذي
يحتاجه الإنسان في طفولته وشبابه.
2- الأصدقاء: إن للأصدقاء تأثيراً أساسياً في شخصية وتوجهات المراهق، وكما هو مشهور
"قل لي من تعاشر، أقل لك من أنت". لذلك فإن الصديق الحسن يعتبر من الضمانات المهمة
لحفظ الإنسان واستقامته، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام : ليس شيء أدعى
لخيرٍ، وأنجى من شرٍ، من صحبة الأخيار 8 .
كما أن الصديق السيئ يفسد الجيد كما تفسد الفاكهة الفاسدة الفاكهة الجيدة، ومن هنا
كان التحذير في الروايات من صحبة الأشرار، ففي الحديث عن الإمام علي عليه السلام :
"صحبةُ الأشرار تُكسِبُ الشرَّ، كالريح إذا مرَّتْ بالنَتن حملت نتنا" 9.
*زاد المغترب, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الطبرسي، المحقق
النوري، مستدرك الوسائل، ومستنبط المسائل، مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث، الطبعة
الأولى، ج15، ص215.
2- سورة ال عمران، الاية: 31.
3- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج51، ص128.
4- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، اخوندي، الطبعة الثالثة، ج6،
ص48.
5- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج1، ص223.
6- سورة التحريم، الاية: 6.
7- فلسفي، محمد تقي، الأفكار والميول بين الشباب والشيوخ والكهول، ج2، ص182.
8- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1568.
9- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1568.