يتم التحميل...

النبي شعيب(ع)

النبي شعيب(ع)

وإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ والْمِيزانَ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ولا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ...

عدد الزوار: 298
قال الله تعالى: ﴿ وإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ والْمِيزانَ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ولا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وتَبْغُونَها عِوَجاً واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ... الآيات.

قال أمين الإسلام الطبرسي في قوله تعالى وإِلى مَدْيَنَ أي أهل مدين وهو اسم القبيلة قيل إن مدين بن إبراهيم الخليل فنسب القبيلة إليه.

قال عطاء هو شعيب بن نوبة بن مدين بن إبراهيم وكان خطيب الأنبياء لحسن مراجعة قومه وهم أصحاب الأيكة.

و قال قتادة أرسل شعيب مرتين إلى أهل مدين مرة وإلى أصحاب الأيكة مرة.

﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ والْمِيزانًَ أي أدوا حقوق الناس على التمام في المعاملات.

﴿وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمًْ أي لا تنقصوهم حقوقهم.

وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها أي لا تعملوا في الأرض بالمعاصي واستحلال المحرمات بعد أن أصلحها الله بالأمر والنهي وبعثه الأنبياء.

وَ لا تَقْعُدُوا فأنهم كانوا يقعدون على طريق من قصد شعيبا للإيمان به فيخوفونه بالقتل وأنهم كانوا يقطعون الطريق فنهاهم عنه.

﴿وَ تَبْغُونَها عِوَجاً بأن تقولوا هو باطل ﴿فَكَثَّرَكُمْ أي كثر عددكم.

قال ابن عباس وذلك أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت حتى كثر أولادها.

علل الشرائع بإسناده إلى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى شعيب من حب الله عز وجل حتى عمي فرد الله عز وجل عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره فلما كانت الرابعة أوحى الله إليه يا شعيب إلى متى يكون هذا أبدا منك إن يكن هذا خوفا من النار فقد أجرتك وإن يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك فقال إلهي وسيدي أنت تعلم أني ما بكيت خوفا من نارك ولا شوقا إلى جنتك ولكن عقد حبك في قلبي فلست أصبر وأراك فأوحى الله جل جلاله إليه أما إذا كان هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران.

قال الصدوق رحمه الله يعني بذلك لا أزال أبكي وأراك قد قبلتني حبيبا.

و قال شيخنا المحدث أبقاه الله تعالى كلمة وبمعنى إلى أن وإلا أن أي إلى أن يحصل لي غاية العرفان والإيقان المعبر عنها بالرؤية وهي رؤية القلب لا البصر.
و الحاصل طلب كمال المعرفة بحسب الاستعداد والقابلية والوسع والطاقة انتهى.

و الأظهر أن يقال المراد بقوله وأراك إلى أن أراك بعد الموت يعني أني أبكي على حبك ولا أفتر عن البكاء حتى ألقاك كمن غاب عن حبيبه فهو يبكي على حبيبه لأجل فراقه إلى أن يلقاه.

فهذه معان ثلاثة والحديث حمال أوجه وما قاله نبي الله شعيب عليه السلام هو الذي قاله أمير المؤمنين عليه السلام ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.

و عن علي بن الحسين عليه السلام قال: أول من عمل المكيال والميزان شعيب النبي عليه السلام عمله بيده فكانوا يكيلون ويوفون ثم إنهم بعد أن طففوا في المكيال والميزان وبخسوا في الميزان فأخذتهم الرجفة فعذبوا بها ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ.
قال الطبرسي في قوله تعالى ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي الزلزلة.

و قيل أرسل الله عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم البيوت فلم ينفعهم ظل ولا ماء وأنضجهم الحر فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبه وظل السحابة فنادوا عليكم بها فخرجوا إلى البرية فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم نار ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد وصاروا رماد وهو عذاب يوم الظلة.

عن ابن عباس وغيره من المفسرين.

و قيل بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا بها عن أبي عبد الله.

و قيل: إنه كان لشعيب قومان قوم أهلكوا بالرجفة وقوم هم أصحاب الظلة قصص الأنبياء للراوندي من علمائنا رواه بإسناده إلى سهل بن سعيد قال بعثني هشام بن عبد الملك أستخرج له بئرا في رصافة عبد الملك فحفرنا منها مائتي قامة ثم بدت لنا جمجمة رجل طويل فحفرنا ما حولها فإذا رجل قائم على صخرة عليه ثياب بيض وإذا كفه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه فكنا إذا نحينا يده عن رأسه سالت الدماء وإذا تركناها عادت فسدت الجرح وإذا في ثوبه مكتوب أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي عليه السلام إلى قومه فضربوني وطرحوني في هذا الجب وهالوا علي التراب فكتبنا إلى هشام ما رأيناه فكتب أعيدوا عليه التراب كما كان واحتفروا في مكان آخر.

كنز الفوائد للكراجكي عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي قال خرجت بإفريقية مع عم لي إلى مزدرع لنا فحفرنا موضعا فأصبنا ترابا هشا فحفرنا عامة يومنا حتى انتهينا إلى بيت كهيئة الأزج فإذا فيه شيخ مسجى وإذا عند رأسه كتابة فقرأتها فإذا هي أنا حسان بن سنان الأوزاعي رسول شعيب النبي عليه السلام إلى أهل هذه البلاد دعوتهم إلى الإيمان بالله فكذبوني وحبسوني في هذا الحفر إلى أن يبعثني الله وأخاصمهم يوم القيامة.

و ذكروا أن سليمان بن عبد الملك مر بوادي القرى فأمر ببئر يحفر فيه ففعلوا فانتهى إلى صخرة فاستخرجت فإذا تحتها رجل عليه قميصان واضع يده على رأسه
فجذبت يده فشج مكانها بدم ثم تركت فرجعت إلى مكانها فرقأ الدم فإذا معه كتاب فيه أنا الحارث بن شعيب الغساني رسول شعيب إلى أهل مدين فكذبوني وقتلوني.

و قال وهب بعث الله شعيبا إلى أهل مدين ولم يكونوا قبيلة شعيب التي كان منه ولكنهم كانوا أمة من الأمم بعث إليهم شعيب وكان عليهم ملك جبار ولا يطيقه أحد من ملوك عصره وكانوا ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيه وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم ووزنوا له وكانوا في سعة من العيش فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص المكاييل والموازين ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك ما تقول ما صنعنا أ راض أنت أم ساخط فقال شعيب أوحى الله تعالى إلي أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له ملك فاجر فكذبه الملك وأخرجه وقومه من المدينة.

قال الله تعالى حكاية عنهم ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا فزادهم شعيب في الوعظ فقالوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُن وأَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا فآذوه بالنفي من بلادهم فسلط الله عليهم الحر والغيم حتى أنضجهم الله فلبثوا فيه تسعة أيام وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه فانطلقوا إلى غيضة لهم وهو قوله تعالى وأَصْحابُ الْأَيْكَةِ فرفع الله لهم سحابة سوداء فاجتمعوا في ظلها فأرسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم فلم ينج أحد منهم وذلك قوله تعالى ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ فلما أصاب قومه ما أصابهم لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا.

و الرواية الصحيحة أن شعيبا عليه السلام صار منها إلى مدين فأقام به وبها لقيه موسى بن عمران صلى الله عليه وآله وسلم.

و عن علي عليه السلام قال: قيل له يا أمير المؤمنين حدثنا قال إن شعيب النبي عليه السلام دعا قومه إلى الله حتى كبر سنه ودق عظمه ثم غاب عنهم ما شاء الله ثم عاد إليهم شابا فدعاهم إلى الله عز وجل فقالوا ما صدقناك شيخا فكيف نصدقك شابا.

و عن أبي عبد الله عليه السلام: قال لم يبعث الله عز وجل من العرب إلا خمسة أنبياء هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم وكان شعيب بكاء.

الكافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوحى الله إلى شعيب أني معذب من قومك مائة ألف أربعين ألف من شرارهم وستين ألف من خيارهم فقال عليه السلام يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار فأوحى الله عز وجل إليه داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.

و عن ابن عباس رضي الله عنه: عاش شعيب صلى الله عليه وآله وسلم مائتين واثنتين وأربعين سنة.

و قال مجاهد عذاب يوم الظلة هو إظلال العذاب لقوم شعيب.

و قال بريد بن أسلم في قوله تعالى ﴿يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُن وأَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا قال مما كان نهاهم عنه قطع الدراهم انتهى.
 

* النور المبين /المحدّث العلامة نعمة الله الجزائري.

2012-11-28