يتم التحميل...

فلسفة العائلة في النظريات الغربية ونقدها

المجتمع الإسلامي

لقد اولت النظريات الاجتماعية الاوروبية اهتماماً بالغاً بالعائلة ، لان هذه المؤسسة الاجتماعية الصغيرة تقوم بدور عظيم في احياء الحياة الاجتماعية ورفدها بالافراد المنتجين...

عدد الزوار: 55

لقد اولت النظريات الاجتماعية الاوروبية اهتماماً بالغاً بالعائلة ، لان هذه المؤسسة الاجتماعية الصغيرة تقوم بدور عظيم في احياء الحياة الاجتماعية ورفدها بالافراد المنتجين. فتعتقد النظرية التوفيقية بأن العائلة تقوم بدور مهم في تنظيم السلوك الجنسي بين الأفراد، تحدد من خلاله نوعية الافراد المتزاوجين من حيث العمر والدخل والكفاءة 1. وتقوم ايضاً برفد المجتمع بالافراد المنتجين جيلاً بعد جيل، ولولا النظام العائلي لانقرضت البشرية والحياة الانسانية من على وجه هذا الكوكب. فتقدم العائلة المستقرة المتكونة من أب وأم للنظام الاجتماعي أفضل الخدمات الاجتماعية، واهمها: سد الادوار الشاغرة التي يتركها الافراد حين مغادرتهم الحياة الدنيا خلال الموت. وتقوم العائلة بحماية الافراد ورعايتهم وتوفير الاجواء التي تسد حاجاتهم الاساسية في الخلود الى الراحة، والاطمئنان للمستقبل، وشحن طاقاتهم العملية، فيكونون  بعدئذٍ  أهلاً للعمل والانتاج.

وبطبيعة الحال فان العائلة  حسب رأي المدرسة التوفيقية  تساهم في تحقيق طموح الانسان في التفوق والنجاح عن طريق الاختلاط الاجتماعي2. فالانسان كائن اجتماعي بالطبع ، ومنذ الولادة يسعى في اجواء الحب والحنان من قبل الابوين الى الانغمار بالنشاطات الاجتماعية، فيتعلم اللغة، والقيم، والدين والعادات الاجتماعية التي يقرها النظام الاجتماعي.

وعلى ضوء ذلك، تقدم العائلة لأفرادها مقعداً اجتماعياً متميزاً، يتناسب  اساساً  مع منزلة تلك العائلة الاجتماعية وثروتها. فالافراد جميعاً ينسبون الى عوائلهم من الناحية العرقية، والدينية، والمذهبية، والاقتصادية، والطبقية الاجتماعية ، بمعنى ان هوية الفرد المذهبية والعرقية تحددها العائلة اكثر مما يحددها الفرد نفسه. وبالتالي فان لهذه الهوية تأثيراً حاسماً على احتلال الافراد لأدوارهم الاجتماعية لاحقاً.

ولكن هذه النظرية لاتصمد امام الانتقادات التي توجه لها، خصوصاً فيما يتعلق بظاهرة العنف التي تعيشها العائلة الرأسمالية الامريكية، والتي قدرت في العقد الاخير من القرن العشرين باكثر من سبعة ملايين حادث عنف سنوياً يقع ضمن ستين مليون عائلة3، علماً بان النظرية التوفيقية تساند  بقوة  تصميم العائلة الرأسمالية الغربية وتعتبرها من انحج التشكيلات الاجتماعية في العالم المعاصر. فكيف ينتج الحب والحنان في العائلة الغربية هذه المقدار من العنف والجريمة ؟ أضف الى ذلك ان تلك النظرية لم تستطع ان تقدم لنا تصوراً عاماً حول واجبات الزوجين وحقوقهما، ومسؤوليتهما الشرعية أو القانونية تجاه بعضهما البعض اولاً، وتجاه اليافعين في نظامهما العائلي ثانياً. ولم تتطرق النظرية  ايضاً  الى حقوق الافراد المنتسبين الى العائلة الواحدة في الارث والنفقة والتملك. ولم تتناول شكل العلاقة الزوجية، ودور الطاعة والنفقة في تحديد العلاقة الغريزية بين الرجل والمرأة.

ومع ان النظرية التوفيقية أكدت على دور الحب والحنان الاسري في بناء النظام الاجتماعي، الا ان نظرية الصراع عارضت هذه الفكرة من الاصل، وزعمت بأن العائلة هي أول مؤسسة اضطهادية يختبرها الفرد في حياته الاجتماعية4. ولعل أخطر الأمثلة التي تقدمها هذه النظرية وتدينها من الاساس، هي سيطرة الرجل على المرأة في النظام العائلي.

ولكن تفسير نظرية الصراع للاختلافات الطبقية وربطها الاضطهاد الاسري بالاضطهاد الاجتماعي هو مجرد عرض للمشكلة الاجتماعية دون تقديم حل بديل يعالج مشكلة الاضطهاد المزعوم. فهذه النظرية تقصر عن تحديد دور الزوجين في التعامل الانساني، وتعجز عن تشخيص مسؤوليتهما المتبادلة في اشباع حاجاتهما الغريزية ضمن الحدود الطبيعية. وتعجز ايضاً عن تحديد مسؤولية الابوين تجاه القاصرين من الابناء والبنات، والعاجزين من بقية أفراد الاسرة كالاجداد والجدات. ولم تتطرق النظرية الى الولاية الشرعية أو القانونية لأحد الأبوين، ولا الى دور الوصي في حالة وفاة أحد الأبوين أو كليهما.

وبالجملة، فان رأي نظرية الصراع الاجتماعي المتعلق بالفكرة القائلة بأن الزواج يمثل نموذجاً للعداوات التي ظهرت في التاريخ لايعكس الواقع الحقيقي للنظام الاسري الانساني ، بل يمثل جزءاً من واقع النظام الاسري الاوروبي في القرون الماضية وامتداده الى القرن الحالي. بل ان نظرية الصراع لم تقدم حلاً للمشكلة الاسرية، وانما كان من أهداف روادها فقط، ربط المشكلة الاسرية بمظالم النظام الرأسمالي ضد الطبقة العاملة.

ولاشك ان اتساع وتفصيل دقة النظام العائلي وشموله لجزئيات عديدة ومعقدة لايشجع أية نظرية وضعية على الخوض في غمار مناقشة الدور الاجتماعي للعائلة. وليست النظريات الغربية كالتوفيقية، والرأسمالية، ونظرية الصراع استثناءً من هذه القاعدة. فهي تفتقد الصورة الواضحة والمنهاج الدقيق الذي يعالج المشاكل الزوجية للمجتمع الرأسمالي الغربي أو الاشتراكي الشرقي المتمثلة بالاسئلة التالية: أيهما أحق بالولاية القانونية العائلية: الزوج أم الزوجة ؟ وأيهما أفضل للنظام الاجتماعي: نظام تعدد الزوجات أم نظام الزواج المتعدد ؟ وأيهما أفضل للنظام الاجتماعي: زواج الاقارب أم زواج الأباعد ؟ وأيهما أكثر اقتصاداً وأكثر سعادة للأزواج الجدد: السكن مع عوائلهم أم انشاء وحدات سكنية جديدة بهم ؟ وأيهما أولى بالميراث: الاحفاد من جانب الأم أم الاحفاد من طرف الأب ؟ وأيهما أفضل وأكثر انتاجاً للمجتمع الانساني: العوائل الفردية الصغيرة أو العوائل الممتدة الكبيرة التي تضم  اضافة الى الزوجين  الاجداد والأولاد وأحفادهما ؟

وليس لدينا أدنى شك بأن النظرية القرآنية أجابت على كل هذه التساؤلات ، بل الأبعد من ذلك انها جاءت بأكمل النظم الاجتماعية فيما يخص دور الفرد في الحياة العائلية على الأصعدة الحقوقية والمالية والعاطفية. وبذلك فقد هيأت الفرد ضمن اطارها الاخلاقي الرائع للدخول الى الساحة الاجتماعية وهو مسلحٌ بكل القيم والمفاهيم والمعاني السماوية العظيمة.

*النظرية الاجتماعية في القران الكريم،د:زهير الاعرجي،أمير_قم،ص199-202.


1- ( روبرت ميرتون ). النظرية الاجتماعية والتركيب الاجتماعي. نيويورك: المطبعة الحرة، 1968 م.
2- ( كريستوفر لاش ). جنة في عالم لا قلب له: العائلة في حصار. نيويورك: الكتب الاساسية، 1977 م.
3- ( روبرت أمري ) وآخرون. الطلاق، الاطفال، والسياسة الاجتماعية. فصل علمي في كتاب ( السياسة الاجتماعية والابحاث الخاصة بنمو الطفل ). تحرير: هارولد ستيفنسن والبرتا سيغل. شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 1984 م.
4- ( فريدريك انجلز ). اصل العائلة، الملكية الخاصة، والدولة. نيويورك: الناشرون الدوليون، 1942 م.

2009-11-09