يتم التحميل...

الإمام الكاظم عليه السلام وتركيز القيادة الشرعية السياسيّة

شهادة الإمام الكاظم(ع)

ركّز الإمام موسى الكاظم عليه السلام على مسألة القيادة والولاية الشرعية المتمثّلة بالإمام المعصوم والموقف من القيادة السياسية المنحرفة، وتعريف الخواص بالإمامة والقيادة الحقة عبر أساليب تربويّة.

عدد الزوار: 57

ركّز الإمام موسى الكاظم عليه السلام على مسألة القيادة والولاية الشرعية المتمثّلة بالإمام المعصوم والموقف من القيادة السياسية المنحرفة، وتعريف الخواص بالإمامة والقيادة الحقة عبر أساليب تربويّة.

وفي هذا الاتجاه قام الإمام عليه السلام تعميقاً لهذا المعنى - بعدة نشاطات:

النشاط الأوّل: في المجال الفكري
فقد عمق الإمام عليه السلام الاُسس والثوابت العقائدية والفكرية التي اسّس لها الأئمة (عليهم السلام) من قبله، والتي تشكّل تحصينات وقائية تطرد بدورها الفكر المضاد والدخيل الذي تعتمده الخلافة العباسية في نظرية الحكم والتي تحاول به الخلط بين ماهو أصيل ودخيل بهدف تضليل الاُمة بعد ما رفعت شعار الدعوة الى الرضيّ من آل محمّد.

لذا أعطى الإمام عليه السلام مقياساً واضحاً تميّز به الاُمّة وتطبقه على كل من يدّعي القيادة والخلافة الشرعية.

فعن أبي بصير عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: دخلت عليه فقلت له: جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ فقال:"بخصال: أمّا أوّلهن فشيء تقدم من أبيه فيه، وعرّفه الناس، ونصّبه لهم علماً، حتى يكون حجّة عليهم،لأن رسول الله نصّب علياً عليه السلام علماً وعرّفه الناس، وكذلك الأئمة يعرّفونهم الناس وينصبونهم لهم حتى يعرفوه، ويسأل فيجيب، ويسكت عنه فيبتدي، ويخبر الناس بما في غد، ويكلّم الناس بكلّ لسان".

وجاء عن أبي خالد الزبّالي أنه قال: "نزل أبو الحسن عليه السلام (موسى الكاظم) منزلنا في يوم شديد البرد في سنة مجدبة، ونحن لا نقدر على عود نستوقد به فقال: يا أبا خالد ائتنا بحطب نستوقد به.
قلت: والله ما أعرف في هذا الموضع عوداً واحداً.
فقال: كلاّ يا أبا خالد! ترى هذا الفجّ؟ خذ فيه فإنك تلقى أعرابياً معه حملان حطباً فاشترهما منه ولا تماسكه.
قال: فركبت حماري وانطلقت نحو الفجّ الذي وصف لي فإذا اعرابي معه حملان حطباً فاشتريتهما منه وأتيته بهما، فاستوقدوا منه يومهم ذلك. وأتيته بطرف ما عندنا فطعم منه.
ثم قال: يا أبا خالد! انظر خفاف الغلمان ونعالهم فأصلحها حتى نقدم عليك في شهر كذاوكذا.
قال أبو خالد: فكتبت تاريخ ذلك اليوم فركبت حماري في اليوم الموعود حتى جئت الى لزق ميل ونزلت فيه فإذا أنا براكب مقبل نحو القطار فقصدت إليه فإذا يهتف بي ويقول: يا أبا خالد!
قلت: لبيك جعلت فداك.
قال: أتراك وفيناك بما وعدناك؟ ثم قال: يا أبا خالد! ما فعلت بالقبتين اللتين كنا نزلنا فيهما؟
فقلت: جعلت فداك قد هيأتهما لك. وانطلقت معه حتى نزل في القبتين اللتين كان نزل فيهما.
ثم قال: ما حال خفاف الغلمان ونعالهم؟ قلت: قد أصلحناها فأتيته بهما. فقال عليه السلام: يا أبا خالد سلني حاجتك؟
فقلت: جعلت فداك أخبرك بماكنت فيه. كنت زيدي المذهب حتى قدمت عليّ وسألتني الحطب، وذكرت مجيئك في يوم كذا، فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته.
فقال عليه السلام: يا أبا خالد من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام".

النشاط الثاني: في المجال العملي
كان الإمام عليه السلام يحاسب شيعته واتباعه المتعاطفين مع الحكّام والولاة ولا يسمح لهم بالانخراط في دائرة الظالمين واعوان الظالمين إلاّ في موارد خاصة كان هو الذي يأمر بها ويشرف على سيرها وتصرّفاتها.

قال زياد بن أبي سلمة دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فقال لي: يا زياد، انك لتعمل عمل السلطان ؟
قال: قلت أجل: قال لي: ولم؟!
قلت: أنا رجل لي مروّة وعليّ عيال وليس وراء ظهري شيء.
فقال لي: يا زياد لان أسقط من على حالق ( المكان الشاهق ) فأقطّع قطعة قطعة، أحب اليّ من أن أتولّى لاحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم، إلاّ، لماذا ؟
قلت: لا أدري جعلت فداك.
قال: إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن، أو فكّ أسره، أو قضاء دينه.
يا زياد! إنّ أهون ما يصنع الله بمن تولّى لهم عملا أن يضرب عليه سرادقاً من نار الى أن يفرغ من حساب الخلائق.
يا زياد! فان وليت شيئاً من أعمالهم، فأحسن الى اخوانك، فواحدة بواحدة والله من وراء ذلك.
يا زياد! أيّما رجل منكم تولى لاحد منهم عملا، ثم ساوى بينكم وبينهم، فقولوا له: أنت منتحل كذاب.
يازياد! اذا ذكرت مقدرتك على الناس فاذكر مقدرة الله عليك غداً ونفاذ ما أتيت اليهم عنهم، وبقاء ما أتيت اليهم عليك".

ويأتي إخبار الإمام الكاظم عليه السلام باُمور مستقبليّة - مثل إخباره بموت المنصور قبل تحقّقه وهو في أوج قدرته - دليلاً عمليّاً وحسيّاً آخر على مبدأ إمامته، فضلاً عن ما يفرزه هذا الإخبار بالمستقبل من آمال بانفراج الأزمة التي كانت تتمثّل في عتوّ المنصور وجبروته.

الإمام موسى بن جعفر عليه السلام يخبر بموت المنصور

وأراد أبو جعفر المنصور الذهاب الى مكة - وذلك قبيل وفاته - فأخبر الإمام عليه السلام بعض خواص الشيعة بموته قبل أن يصل اليها. وفعلا مات قبل الوصول اليها كما أخبر به الإمام عليه السلام.

قال علي بن أبي حمزة: سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول: "لا والله لا يرى أبو جعفر بيت الله أبداً.

فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا، فلم نلبث ان خرج فلمّا بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك فقلت: لا والله لا يرى بيت الله أبداً.

فلما صار الى البستان اجتمعوا أيضاً اليَّ فقالوا: بقي بعد هذا شيء ؟ قلت: لا والله لا يرى بيت ا لله أبداً.

فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن عليه السلام فوجدته في المحراب قد سجد فأطال السجود ثم رفع رأسه اليَّ فقال: اخرج فانظر ما يقول الناس. فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر فأخبرته. قال: الله أكبر ما كان ليرى بيت الله أبداً".

وهكذا انتهت حياة المنصور العبّاسي واستولى على الحكم من بعده ابنه المهدي وذلك في سنة ( 158 هـ )، وبذلك بدأ عهد سياسي جديد له ملامحه وخصائصه.


* راجع أعلام الهداية _ سيرة الإمام الكاظم(ع).

2012-06-14