يتم التحميل...

إرشادته عليه السلام الى التوحيد

ولادة الإمام العسكري(ع)

على رغم اقصاء الامام العسكري عليه السلام عن موقعه الريادي والقيادي، فقد استطاع ان ينهض بمهمته الرسالية، فكان له رصيد علمي وعطاء معرفي واسع، حيث واصل نشاط مدرسة ابائه المعصومين عليهم السلام من حيث المنهج والمصدر والمادة،

عدد الزوار: 231

على رغم اقصاء الامام العسكري عليه السلام عن موقعه الريادي والقيادي، فقد استطاع ان ينهض بمهمته الرسالية، فكان له رصيد علمي وعطاء معرفي واسع، حيث واصل نشاط مدرسة ابائه المعصومين عليهم السلام من حيث المنهج والمصدر والمادة، ومهد لمدرسة الفقهاء والمحدثين من اصحابه التي سارت على خطاها، فكان له دور بارز في رفد تلك المدرسة بالمادة العلمية اللازمة على مختلف الاصعدة، سيما في مجال ترسيخ اصول الاعتقاد، وايصال سنن جده المصطفي صلى الله عليه و اله الي الامة في احلك الظروف واقساها، وقد نسبت اليه بعض الاثار في هذا الاتجاه، كما اعد جيلا من الاصحاب الثقات الذين رفدوا الواقع الشيعي بمصادر يستقي منها العلم ومناهل تؤخذ منها المعرفة، وكان بعضها يعرض عليه لينال تصحيحه وتوثيقه، وتصدى الامام عليه السلام لبعض الدعوات المنحرفة والشبهات الباطلة التي تشكل موطن خطر على الرسالة وبين زيفها وبطلانها، فاسهم في انقاذ الامة من حالة التعثر في مهاوي الضلال والانحراف، وقد ركز عليه السلام على مسألة التوحيد وتبيين حقيقتها:

ففي باب التوحيد لم يدع الامام عليه السلام مناسبة دون ان يوجه اصحابه الي التوحيد الخالص والتحذير من رواسب الشرك مهما دقت وصغرت، ومن ذلك ما رواه ابوهاشم الجعفري قال: "سمعت ابا محمد عليه السلام يقول: من الذنوب التى لا تغفر قول الرجل: ليتني لا اؤاخذ الا بهذا، فقلت فى نفسى: ان هذا لهو الدقيق، ينبغي للرجل ان يتفقد من امره ومن نفسه كل شيء".

فكان الامام عليه السلام عرف ما في نفسه، وهناك احاديث كثيرة عنه وعن ابائه عليهم السلام تذكر ان بعض الناس كان يسمع الجواب من الامام وهو يفكر، اي لم يطرح السؤال بعد، حيث ان الملكة القدسبة تجعله عليه السلام يعرف ما يضمرون من قبل ان يتحدثوا به. فقال عليه السلام"يا اباهاشم، صدقت فالزم ما حدثت به نفسك، فان الاشراك في الناس اخفى من دبيب الذرعلي الصفا في الليلة المظلمة، ومن دبيب الذرعلي المسح الاسود".

وكان الجدل يدور في صفات الله تعالى منذ عهد الامام الباقر عليه السلام حتى عهد الامام العسكري عليه السلام، ولعل ابرز المسائل التي كانت مدار البحث والجدل هي: مسالة الرؤية والتجسيم والتصوير، وكان منهج الائمة عليهم السلام هو انهم يتحدثون بلغة القران وباسلوبه وبمفرادته في العقيدة، ليوجهوا الناس الي الاخذ بالعناوين الكبرى في العقيده من القران الكريم لامن غيره.

فعن يعقوب بن اسحاق، قال: "كتبت الي ابي محمد عليه السلام اساله: كيف يعبد العبد ربه وهو لايراه؟ فوقع عليه السلام: يا ابا يوسف، جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلي ابائي ان يري".

قال: وسالته: "هل راي رسول الله صلى الله عليه و اله ربه؟فوقع عليه السلام: ان الله تبارك وتعالى ارى رسوله بقلبه من نور عظمته ما احب".

وعن سهل بن زياد، قال: "كتب الي ابي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا سيدي اصحابنا في التوحيد"وهذا يدل على ان الجدل الكلامي في التوحيد كان يدور حتى في اوساط اتباع اهل البيت عليهم السلام"فمنهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول: هو صورة، فان رايت يا سيدي ان تعلمني من ذلك ما اقف عليه ولا اجوزه، فعلت متطولا على عبدك؟"والعبودية هنا من باب التواضع.

"فوقع بخطه عليه السلام: سالت عن التوحيد، وهكذا منكم معزول، الله واحد احد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا احد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الاجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصور ما يشاء وليس بصورة جل ثناؤه وتقدست اسماؤه ان يكون له شبه، هو لاغيره، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"1.

فلقد اراد عليه السلام ان يقول للسائل بان لا يستغرق في الجدل الكلامي عندما يتحدث عن الله سبحانه وتعالى، ولكن طلب اليه ان يقرا كتاب الله فيما انزله من اياته، فهو اعرف بنفسه من مخلوقاته كلها،لان المخلوق لا يستطيع ان يعرف من ربه الا ما عرفه ربه، والا فلا يمكن للعقل ان يدرك صفاته جل جلاله ذاتيا، فهو ليس بجسم لانه خالق الاجسام، وهو ليس بصورة لانه خالق الصورة ومبدعها.

وعن ابي هاشم الجعفري، قال: "سال محمد بن صالح الارمني ابا محمد عليه السلام عن قول الله تعالى: "يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب". فقال: هل يمحو الا ما كان، وهل يثبت الا ما لم يكن. فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقول هشام: انه لايعلم الشيء حتى يكون. فنظر اليّ ابو محمد عليه السلام فقال: تعالى الجبار العالم بالاشياء قبل كونها، الخالق اذ لامخلوق، والرب اذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه، فقلت: اشهد انك ولي الله وحجته والقائم بقسطه، وانك على منهاج امير المؤمنين"2، فلقد اُكّد ان المخلوقين يحتاجون الي معرفة الاشياء في صورتها الوجودية، اما الله سبحانه فهو الذي يخلق الوجود، فهو يعرف ما يريد ان يخلقه قبل ان يخلقه.


1- راجع اصول الكافي1: 95/1 ـ باب ابطال الرؤية من كتاب التوحيد، التوحيد/الشيخ الصدوق: 108/2 ـ باب ما جاء في الرؤية.
2- اثبات الوصية: 249، الغيبة/الشيخ الطوسي: 430/421، الثاقب في المناقب: 566/507، الخرائج والجرائح2: 687/10.

2012-03-02