يتم التحميل...

إقتحام الأعداء لبيت الوحي

الهجرة النبوية

طوّقت قوى الكفر مهبط الوحي وبيت الرسالة وباتت تنتظر لحظة الإذن في إِقتحامه، والهجوم على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في فراشه وضربه وتقطيعه بالسيوف إِرباً إِرباً!

عدد الزوار: 89

طوّقت قوى الكفر مهبط الوحي وبيت الرسالة وباتت تنتظر لحظة الإذن في إِقتحامه، والهجوم على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في فراشه وضربه وتقطيعه بالسيوف إِرباً إِرباً!

وقد أصرّ جماعة منهم أن ينفّذوا خطتهم المشؤومة هذه في منتصف الليل وقبل الفجر فمنعهم أبو لهب من ذلك وقال: لا أدعُكم أن تدخلوا عليه بالليل، فإنّ في الدار صبياناً ونساءً من بني هاشم، ولا نأمن أن تقع يد خاطئة، فنحرسه الليلة، فإذا أصبحنا دخلنا عليه.

وربما يقال أن علّة التأخير هي أنهم أرادوا أن يقتلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عند الصباح أمام أعين بني هاشم حتى يروا أن قاتله جماعة وليس واحداً.

وانقشع الظلام شيئاً فشيئاً، وانفجر الصبحُ، ودبّ في المشركين شوق غريب، مع اقتراب ساعة الصفر، فقد كانوا يتصوّرون بأنهم سينالون ما يريدون قريباً، وبينما هم ينتضون سيوفهم دخلوا حجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وبينما هم يهمّون بأخذ من كان راقداً في الفراش بسيوفهم، إِذا بهم يواجهون علياً عليه السلام يثب في وجوههم وهو يكشف عن نفسه برد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الأخضر، وقال لهم في منتهى الطمأنينة والشجاعة: ما شأنكم؟ وماذا تريدون؟
فقالوا له بغضب: أين محمّد؟
فقال عليه السلام: اَجعلتموني عليه رقيباً؟!
فغضِب القوم غضباً شديداً، وكاد الغيظ يخنقهم، فقد ندموا على إِنتظارهم انفجار الصبح وحمّلوا أبا لهب الذي منعهم من تنفيذ الهجوم على النبيّ في منتصف الليل فشل الخطة وتفويت الفرصة، فاقبلوا عليه يلومونه ويوبخونه!!

أجل لقد انزعجت قريش بشدة لفشل هذه المؤامرة، ووجدوا انفسهم أمام هزيمة نكراء بدّدت كلّ أحلامهم، وحيث أنهم كانوا يتصوّرون بأن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله لا يستطيع الخروج عن حدود مكة في مثل تلك المدة القصيرة فهو إِما مختبئ في مكة، أو أنه لا يزال في طريق المدينة، لذلك أقدموا فوراً على العمل على ترتيب أمر ملاحقته والقبض عليه.

النبيُّ في غار ثور
ان ما هو مسلّم به هو أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمضى هو وأبو بكر ليلة الهجرة وليلتين اخريين بعدها في غار ثور الذي يقع في جنوب مكة في النقطة المحاذية للمدينة المنورة.1

وليس من الواضح كيف تمت هذه المصاحبة والمرافقة ولماذا، فان هذه المسألة من القضايا التاريخية الغامضة.

فان البعض يعتقد بان هذه المصاحبة كانت بالصدفة، فقد رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أبا بكر في الطريق، فاصطحبه معه الى غار ثور.

وروى فريق آخر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذهب في نفس الليلة إلى بيت أبي بكر، ثم خرجا معاً في منتصف الليل إِلى غار ثور.2

وقال فريق ثالث: أن أبا بكر جاء هو بنفسه يريد النبيّ وكان صلّى اللّه عليه وآله قد خرج من قبل فأرشدهُ "عليّ" إِلى مخبأ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله.

وعلى كل حال فان كثيراً من المؤرخين يُعدّون هذه المصاحبة من مفاخر الخليفة ومناقبه، ويذكرون هذه الفضيلة ويتحدثون عنها بكثير من الاسهاب والاطناب، وبمزيد من الاكبار والاعجاب.

قريش تفتش عن النبيّ
لقد تسبب فشل قريش في تغيير خطتها، فقد بادرت إِلى بث العيون والجواسيس في طرقات مكة، ومراقبة مداخلها ومخارجها مراقبةً شديدةً، وبعثت القافّة تقتص أثره في كل مكان، وفي طريق مكة- المدينة خاصة.

ومن جانب آخر جعلت مائة ابل لمن ياخذ نبي اللّه، ويردّه عليهم أو يأتي عنه بخبرٍ صحيح.

وعمد جماعة من قريش إِلى ملاحقة رسول اللّه والتفتيش عنه في شمال مكة، حيث الطريق المؤدي الى المدينة، على حين أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان قد اختبأ- كما قلنا- في نقطة بجنوب مكة لافشال عملية الملاحقة.

وتصدت مجموعة اُخرى لتتبع أثر قدم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ورفيقه!!

وكان الذي يقفو لهم الأثر يدعى أبا مكرز فوقف بهم على باب حجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقال هذه قدم محمّد، فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار فانقطع عنه الأثر فقال: ما جاوز محمد ومن معه هذا المكان، إِما أن يكونا صعدا إِلى السماء، أو دخلا تحت الأرض، فان بباب هذا الغار- كما ترون عليه- نسجَ العنكبوت والقبجة حاضنة على بيضها بباب الغار3، فلم يدخلوا الغار.

ولقد استمرت هذه المحاولات بحثاً عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ثلاثة أيام بلياليها ولكن دون جدوى، فلما يئس القوم بعد ثلاثة ايام من السعي تركوا التفتيش وكفوا عن الملاحقة.4


1- حيث ان الطريق المؤدي إلى المدينة تقع في شمال مكة، فاختبأ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في منطقة مقابلة أي في اسفل مكة، ليعمي بذلك على قريش فلا يتبعوا أثره.
2- تاريخ الطبري: ج 2 ص 100.
3- الطبقات الكبرى: ج 1 ص 229 تاريخ الخميس ج 1 ص 327 و 328 وغيرها، ولقد ذكر عامة المؤرخين هذه الكرامة هنا، ولا ينبغي- نظراً لما ذكرناه في قصة الفيل وهلاك أبرهة وجنده بواسطة الابابيل، تأويل مثل هذا الكرامات.
4- سيد المرسلين / المحقق السبحاني ج2_ الإقتحام.

2012-01-24