شهادته عليه السلام
شهادة الإمام الرضا(ع)
وأخيراً دسّ إليه السم فمضى شهيداً شأن سائر أئمة الهدى الذين جاء عنهم الحديث الشريف: " ما منا إلاّ مسموم أو مقتول ". ولكن من الذي فعل ذلك ؟ يرى طائفة كبيرة من العلماء أن المأمون كان وراء ذلك، بينما يستبعد ذلك البعض ويتساءل عما إذا كان المأمون بهذا المستوى من الدناءة أن يلوث يده بهذه الجريمة النكراء؟
عدد الزوار: 261
وأخيراً دسّ إليه السم فمضى شهيداً شأن سائر أئمة الهدى الذين جاء عنهم الحديث الشريف: " ما منا إلاّ مسموم أو مقتول ".
ولكن من الذي فعل ذلك ؟ يرى طائفة كبيرة من العلماء أن المأمون كان وراء ذلك، بينما يستبعد ذلك البعض ويتساءل عما إذا كان المأمون بهذا المستوى من الدناءة أن يلوث يده بهذه الجريمة النكراء؟
وقد رأيت بعضهم قد ساق عشر أدلة على براءة المأمون عن دم سيدنا الإمام الرضا عليه السلام ولكنها عند التمحيص تنتهي إلى دليل واحد هو استبعاد وقوع تلك الجريمة من شخص نصب نفسه للدفاع عن أفكار المذهب الشيعي، وتبني أفضلية الإمام عليه السلام.
ولكن إذا عرفنا أن المأمون العباسي كان واحداً من الخلفاء العباسيين الذين تميز نظامهم بالغدر بأنصارهم، أو بالذين يخشون منهم من تابعيهم، ابتداء من أبو مسلم الخراساني، وانتهاءً بفضل بن سهل. وإن المأمون كان متسنماً قمة هرم ذلك النظام الذي قد بنيت مؤسساته على أساس البغي والمكر والغيلة، فما الذي يمنعه عن اتباع سيرة أسلافه، وممارسة جرائم اجداده ؟
على أن عقائده في خلق القرآن أو تفضيل الإمام علي على سائر الصحابة أو ما أشبه لم تجعله من شيعة علي وآل علي عليهم السلام لأن استمراره في حكم المسلمين بذاته أكبر جريمة، وأعظم ذنب، وأُعثى طغيان في منطق علي وشيعة علي. إذ أنه نوع من ادعاء الربوبية ومنازعة الله في الألوهية !
ثم إن سيرته - مع الناس من القتل والتنكيل ونشر الفساد بمختلف ألوانه -، تتنافى وأبسط مبادئ التشيع لآل البيت عليهم السلام. فماذا الذي يمنعه إذاً من ارتكاب جريمة القتل.. بحق آل بيت الرسالة ؟.
وإننا لنقرأ في صفحات التاريخ ما يهدينا إلى أن شخص المأمون قد أشرف على عملية اغتيال الإمام عبر جهازه السري، الذي يشابه في أيامنا مخابرات قصر الإمارة أو الرئاسة في الدولة الأشد ديكتاتوريةً في العالم.
وقد جاءت هذه الخطوة بعد أن قمعت أو هدأت ثورات العلويين في أطراف الأرض، وانتهت فلسفة استدعاء الإمام إلى خراسان. وبعد أن بدأت تتجمع الغيوم فوق بغداد، وظهرت ارهاصات ثورة العباسيين، وأزمع المأمون على العودة إلى بغداد لاسترضاء بني عمه.. والعودة إلى سيرة أجداده من لبس السواد وتوزيع المناصب على ذوي قرباه.
ولعل الحديث التالي يوضح هذه الحالة التي تنبه لها الإمام الرضا عليه السلام وأشار إليها للمأمون ربما ليعرف هذا الأخير أن الإمام واقف على نواياه، وأنه إنما يسايره حسب المصلحة العامة.
قال الإمام الرضا للمأمون يوماً في حديث مفصل: اتق الله يا أمير المؤمنين في أمور المسلمين، وارجع إلى بيت النبوة، ومعدن المهاجرين والأنصار، ثم قال: أرى أن تخرج من هذه البلاد، وتتحول إلى موضع آبائك وأجدادك، وتنظر في أمور المسلمين، ولا تكلهم إلى غيرك، فإن الله عز وجل سائلك عما ولاّك.1
ثم إن الفضل بن سهل تنبه إلى ذلك أيضاً فتراه يمتنع عن الرحيل مع المأمون، ويعتذر في ذلك إليه بالقول: إن ذنبي عظيم عند أهل بيتك وعند العامة، والناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع، وبيعة الرضا ولاءً من السعادة والحساد، وأهل البغي ان يسعوا بي، فدعني أخلفك بخراسان.
ولكن المأمون يصد عليه بذلك وقد دبر له أمراً. إنه لا يريد اغتياله في معقل قوته وبين أنصاره وأعوانه بل في الطريق. و- فعلاً تقول الرواية - فلما كان بعد ذلك (والحوار بين المأمون والفضل) - بأيام ونحن في بعض المنازل - دخل الفضل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه، واجتمع القواد والجند ومن كان من رجال ذي الرئاستين على باب المأمون، فقالوا: اغتاله وقتله فلنطلبن بدمه.
وهكذا تخلص المأمون من أبرز مراكز القوى داخل سلطته، ولم يبق أمامه إلاّ الإمام الرضا عليه السلام الذي تم اغتياله بعد ذلك بأيام قلائل.. أوَلا يدل قرب وفاته عليه السلام وقتل الفضل على وجود مؤامرةٍ قذرةٍ ضده.
هكذا يتأكد لنا ما يذهب إليه المشهور من العلماء الشيعة بأن الإمام استشهد بسم المأمون حسبما يقول العلاَّمة المجلسي بقوله: الأشهر بيننا أنه مضى شهيداً بسم المأمون.2
1- بحار الأنوار : (ج 49، ص 165) .
2- الامام الرضا/ السيد هادي المدرسي ص 40_43.