يتم التحميل...

الدَولَة الحَمْدَانيَّة

إضاءات إسلامية

ينتسب الحمدانيون إلى قبيلة تغلب، وكان بنو تغلب بن وائل من أعظم بطون ربيعة بن نزار، وكانوا من نصارى العرب في الجاهلية، لهم محل في الكثرة والعدد. ثم كان منهم في الإسلام ثلاثة بيوت: آل عمر بن الخطاب العدوي، وآل هارون المغمر، وال حمدان بن حمدون.

عدد الزوار: 39

من هم الحمدانيون؟ وما هو مذهبهم؟
ينتسب الحمدانيون إلى قبيلة تغلب، وكان بنو تغلب بن وائل من أعظم بطون ربيعة بن نزار، وكانوا من نصارى العرب في الجاهلية، لهم محل في الكثرة والعدد. ثم كان منهم في الإسلام ثلاثة بيوت: آل عمر بن الخطاب العدوي، وآل هارون المغمر، وال حمدان بن حمدون.

وحمدان هذا هو جد الأمراء الحمدانيين، وكان على جانب من الثراء، ورب قبيلة، تنظر إليه بقية القبائل بالتجلة والاحترام، وكان أميراً على قلعة ماردين القريبة من الموصل من قبل العباسيين، ثم أعلن الاستقلال عنهم سنة 281 هجري، وكان ذلك في خلافة المعتضد، ودارت بين حمدان والخليفة العباسي معارك كانت الغلبة فيها على حمدان.

وأنجب حمدان سبعة أولاد منهم أبو الهيجاء والد ناصر الدولة وسيف الدولة، وأبو العطاف.

أما تشيع الحمدانيين فلا يختلف فيه اثنان، وقد ظهر ذلك جلياً في هجرة علماء الشيعة إليهم، كالشريف أبي ابراهيم جد بني زهرة، وفي مدح الشعراء لهم، كالسري والصنوبري وكشاجم والناشي والزاهي وغيرهم، وفي سنة 354 هجري ضرب سيف الدولة دنانير جديدة كتب عليها «لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فاطمة الزهراء الحسن والحسين جبريل عليهم السلام».

ويأبى المستشرقون إلا أن يفسروا الأشياء على أهوائهم وبغير حقيقتها.

قال كبيرهم بركلمن في الجزء الثاني من «تاريخ الشعوب الاسلامية» ص 89 طبعة 1954 ترجمة منير بعلبكي: «إن سيف الدولة أظهر الطاعة للفاطميين عندما نشروا سلطانهم على مصر، وبالتالي اتبع المذهب الشيعي» أي إن سيف الدولة تشيع إرضاء للفاطميين مع العلم بأن سيف الدولة توفي قبل دخول الفاطميين مصر .

الاثنا عشرية:
بقي أن نعرف إلى أي مذهب شيعي تنتسب اسرة الحمدانيين، إلى الزيدية أو الإسماعيلية أو الاثني عشرية؟

ويجيب عن هذا التساؤل مصطفى الشكعة في كتابه «فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين»، ويتلخص قوله بما يلي: إن شعر أبي فراس يكشف لنا هذا اللغز الذي ظل غامضاً، حتى الآن، والذي لم يحاول أحد من المؤرخين القدامى، ولا من المحدثين أن يدرسه، وبذلك يكون الشعر قد أسدى إلى علم التاريخ مآثر جليلة، وكشف حقيقة كان الأولى بالتاريخ أن يحتصنها.

يقول أبو فراس من قصيدته الميمية:
يا للرجال أما لله منتصف              من الطغاة أما للدين منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم          والأمر تملكه النسوان والخدم
محلئون فأقصى شربهم وشل        عن الورود وأوفى ودهم لمم
فالأرض إلا على ملاكها سعة          والمال إلا على أربابه ديم

وبعد هذه المقدمة المشحونة بالعطف على آل البيت ينتقل الأمير الشاعر إلى هجاء العباسيين، لأنهم نالوا الخلافة بالرسول، ثم لم يراعوا حرمة آل بيته، ويعقد مقارنة بين بني علي، وبني العباس، ويقول:
لا يطغين بني العباس ملكهم          بنو علي مواليهم وإن زعموا
أتفخرون عليهم لا أبا لكم                 حتى كأن رسول الله جدكم
وما توازن فيما بينكم شرف          ولا تساوت بكم في موطن قدم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل             ولا لجدكم معشار جدهم
قام النبي بها يوم الغدير لهم          والله يشهد والأملاك والأمم
وصيرت بينهم شورى كأنهم          لا يعرفون ولاة الحف أيهم
تاللّه ما جهل الأقوام موضعه      لكنهم ستروا وجه الذي علموا
ثم ادعاها بنو العباس إرثهم              ولا لهم قَدم فيها ولا قِدم
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن      أبوهم العلم الهادي وأمهم
لا بيعة ردعتكم عن دمائهم           ولا يمين ولا قربى ولا رحم

وهكذا يرمي بني العباس بالغدر الذي يتضاءل أمامه ما لاقوه على أيدي بني أمية:
ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت           تلك الجرائم إلا دون نيلكم
كم غدرة لكم في الدين واضحة           وكم دم لرسول اللّه عندكم
أأنتم آله فيما ترون وفي             أظفاركم من بنيه الطاهرين دم
يا جاهداً في مساويهم يكتمه          غدر الرشيد بيحيى كيف يكتتم

وبعد هذه الحملة الشعواء على العباسيين يعطينا أبو فراس مفتاحاً لمذهبه الشيعي، حيث يذكر موسى الكاظم وعلي الرضا، وهذان الإمامان ليسا من الأئمة عند الزيدية ولا عند الإسماعيلية، وإنما هما من أئمة الاثني عشرية. قال:
ليس الرشيد كموسى في القياس ول          مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم
صلى الإله عليهم أينما ذكرو          لأنهم للورى كهف ومعتصم

وإذا كان الشاعر قد أعطانا في هذه القصيدة إشارة عابرة إلى أنه يعتنق مذهب الاثني عشرية، فإنه ينتقل بنا إلى التصريح والتأكيد في الأبيات التالية التي عدد فيها الأئمة الاثني عشر واحداً بعد واحد:
لست أرجو النجاة من كل م          أخشاه إلا بأحمد وعلي
وببنت الرسول فاطمة          الطهر وسبطيه والإمام علي
والتقي النقي باقر علم               اللّه فينا محمد بن علي
وابنه جعفر وموسى ومول          نا علي أكرم به من علي
وأبي جعفر سمي رسول اللّه              ثم ابنه الزكي علي
وابنه العسكري والمظهر                حقي محمد بن علي
فبهم أرتجي بلوغ الأماني          يوم عرضي على مليك علي

في البيت الأول ذكر علياً، وفي البيت الثاني ذكر الحسن والحسين وعلي بن الحسين، وفي البيت الثالث ذكر محمداً الباقر، وفي البيت الرابع ذكر جعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا، وفي البيت الخامس ذكر أبا جعفر، وهو محمد الجواد وعلي الهادي، وفي البيت السادس ذكر الإمام العسكري والمهدي المنتظر، له أبيات أخرى يتوسل بها ويطلب الشفاعة بمحمد وفاطمة والأئمة الاثني عشر:
شافعي أحمد النبي ومول             ي علي والبنت والسبطان
وعلي وباقر العلم والص              دق ثم الأمين ذو التبيان
وعلي ومحمد بن علي                 وعلي والعسكري الداني
والإمام المهدي في يوم ل          ينفع إلا غفران ذي الغفران

وإذا عرفنا أن أبا فراس ربي في حجر سيف الدولة منذ كان طفلاً صغيراً، ونشأ على يديه، وتعلم تحت رعايته، وأنه قد اختار له معلماً ومربياً اثني عشريّاً، إذا عرفنا ذلك عرفنا أن سيف الدولة بخاصة، والحمدانيين بعامة كانوا يعتنقون المذهب الاثني عشري .


* للمزيد راجع الشعة في الميزان / العلامة محمد جواد مغنية _ الدولة الحمدانية .

2012-01-02