تعرّف سلمان على النبي صلى الله عليه واله
وفاة سلمان المحمدي(رض)
كان سلمان من جند يسابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقاً له مؤاخياً، لا يقضي واحد منهم أمراً دون صاحبه. وكانا يركبان إلى الصيد معاً. فبينما هما في الصيد، إذ بدا لهما بيت من خباء، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف، يقرأ فيه، وهو يبكي.
عدد الزوار: 200
كان سلمان من جند يسابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقاً له مؤاخياً، لا يقضي واحد منهم أمراً دون صاحبه. وكانا يركبان إلى الصيد معاً. فبينما هما في الصيد، إذ بدا لهما بيت من خباء، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف، يقرأ فيه، وهو يبكي.
سألاه: ما هذا؟
قال: إن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا، حتى أُعلّمكما. فنزلا إليه.
فقال لهما: هذا كتاب من عند الله، أمر فيه بطاعته، ونهى عن معصيته، فيه ان لا تزني ولا تسرق ولا تأخذ أموال النّاس بالباطل، فقص عليهما ما فيه، و هولإِنجيل الذي أنزله الله على عيسى.
فوقع في قلوبهما، وتابعاه، فأسلما.
وقال لهما: إن ذبيحة قومكما عليكما حرام. فلم يزالا معه كذلك يتعلّمان منه.
ثم اتفق أن كان للملك عيد، فجعل طعاماً، ودعى إليه الأشراف، فأبى ابن الملك أن يحضر الوليمة، فدعاه أبوه فقال له: ما أمرك هذا؟
قال: إنا لا نأكل من ذبائحكم، إنكم كفار لا تحل ذبائحكم.
قال له الملك: من أمرك بهذا؟ فأخبره أن الراهب أمر بذلك.
فدعا الراهب فقال: ماذا يقول ابني؟
قال: صدق ابنك.
قال له: لولا أن الدم فينا عظيم لقتلتك، ولكن اخرج من أرضنا. فأجّله أجلا.
قال سلمان: فقمنا نبكي عليه، فقال لهما: إن كنتما صادقين فأنا في بيعة في الموصل، مع ستين رجلا نعبد الله فيها، فأتونا فيها، فخرج الراهب، وبقي سلمان وابن الملك، فجعل يقول لابن الملك: إنطلق بنا، وابن الملك يقول: نعم.
وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز. فلما أبطأ على سلمان، خرج سلمان حتى أتاهم، فنزل على صاحبه، وهو ربّ البيعة، وكان أهل تلك البيعة من أفضل الرهبان. فكان سلمان معهم يجتهد في العبادة ويتعب نفسه.
قال له الشيخ يوماً: إنك غلام حدث، تتكلف من العبادة ما لا تطيق، وأنا خائف أن تفتر وتعجز، فارفق بنفسك، وخفف عليها.
قال له سلمان: أرأيت الذي تأمرني به أهو أفضل أو الذي أصنع؟
قال: بل الذي تصنع.
قال: فخلّ عني، ثم إن صاحب البيعة دعاه، فقال: إني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء، وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة اُخرى هم أهون عبادة من هؤلاء، فإن شئت أن تقيمها هنا فأقم، وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق.
قال له سلمان: أي البيعتين أفضل حالا؟
قال: هذه.
قال سلمان: فأنا أكون في هذه، وأوصى صاحبُ البيعة عالم البيعة بسلمان، فكان سلمان يتعبد معهم.
ثم إن الشيخ العالم عزم أن يأتي بيت المقدس، فقال لسلمان: إن أردت أن تنطلق معي فانطلق، وإن شئت أن تقيم فأقم.
فقال له سلمان: أيّهما أفضل أنطلق معك أم أقيم؟
قال: بل تنطلق معي، وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس.
فقال الشيخ لسلمان: أُخرج فاطلب العلم، فإنه يحضر هذا المسجد علماء أهل الأرض. فخرج سلمان يسمع منهم، فرجع يوماً حزيناً. فقال له الشيخ: ما لك يا سلمان؟ قال: أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم. فقال له الشيخ: يا سلمان لا تحزن فإنه بقي نبي ليس من نبي بأفضل منه، وهذا زمانه الذي يخرج فيه، ولا أراني أدركه، وأما أنت فشاب لعلك تدركه، وهو يخرج في أرض العرب، فإن أدركته فآمن به واتبعه، فقال له سلمان: فأخبرني عن علامته بشيء، قال: نعم، هو مختوم في ظهره بخاتم النّبوة. وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة.
ثم اتفق أن افترق سلمان عن الراهب لدى عودتهما من بيت المقدس، ففقده في الطريق، وبينما هو يبحث عنه إذ رآه رجلان عربيان من بني كلب، فأسراه، وأخذاه معهما إلى المدينة، قال سلمان: فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط، فاشترته امرأة من جهينة، فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم هذا يوماً وهذا يوماً. فكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فبينا هو يرعى يوماً إذ أتاه صاحبه الذي يعقبه فقال: أعلمت أنه قد قدم اليوم المدينة رجل يزعم أنه نبي فانطلق سلمان فاشترى طعاماً وجاء به الى النبي، فقال له النّبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذا؟ قال سلمان: هذه صدقة. قال: لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكل المسلمون. ثُمّ انطلق فاشترى طعاماً، فأتى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما هذا؟ قال: هدية. قال: فاقعد، فقعد فأكلا جميعاً منها. فبينا هو يحدثه، إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيّاً. فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال له النّبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا سلمان هم من أهل النار. فاشتدّ ذلك على سلمان، ثم نظر سلمان إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ودار حوله، فلما رآه النّبي صلى الله عليه وآله وسلم عرف ما يريد. فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمه فتيقن سلمان ببوته.
* جامع البيان / الطبري – ج1 ص 433_437.
2011-12-30