يتم التحميل...

الأحداث التي عاصرها على الأكبر عليه السلام

علي الأكبر تضحية وفداء

يمكن الإحاطة بما عاصره علي من أحداث ووقائع، وذلك من حيث إمكانية الوقوف على زمن ولادته وعمره الشريف. وقد ولد في مدة خلافة عثمان بن عفان، وعلى هذا الأساس فانه يكون معاصراً للأحداث الممتدة من تلك المدة، حتى سنة ستين للهجرة

عدد الزوار: 331

ما قبل العهد الأموي
يمكن الإحاطة بما عاصره علي من أحداث ووقائع، وذلك من حيث إمكانية الوقوف على زمن ولادته وعمره الشريف. وقد ولد في مدة خلافة عثمان بن عفان، وعلى هذا الأساس فانه يكون معاصراً للأحداث الممتدة من تلك المدة، حتى سنة ستين للهجرة حين إسهامه الكبير بالحدث الجهادي الجليل المتمثل بثورة أبيه وجهاده الإسلام على بطحاء كربلاء..

ولا يخفى على اللبيب إدراك أن علياً لم يجهل الأحداث الماضية والوقائع السابقة لميلاده .. نظراً لكونها مقدمات لما يجري مما يعاصره، ولكونها تتكفل استيعابه لما يعيشه ويشهده.. فما يقع أيام حياته انما هو امتداد لحلقات الحوادث المنصرمة.. هذا وإنّ معلوماته لمجريات الأمور ومشكلات الماضي، ما هي إلا دروس تاريخية قيمة، ماهي إلاّ أحد مواضيع تربيته وتهيئته وإعداده.
وعليه فهو - لاسيما في شبابه - على بينة مما قد حدت، الأمر الذي يزيده وعياً ويقظة لما يعاصره.

ولنحاول أن نمر سريعاً بما عاصره علي الأكبر..

أولاً:
- لقد عاصر أزمة الخلافة الثالثة والمعضلات التي تراكمت على عثمان، حتى تبلورت الأمور فاشتدت مناوأته ومناهضته، فتألب المسلمون عليه، وجرت مشاكل مزعجة واضطرابات سياسية واجتماعية وبرزت المشكلة الاقتصادية فانكشفت مسألة التمايز عند بعض واستاثارهم بأموال المسلمين..

ولم يتمكن عثمان من وضع حدّ للإضطرابات، فأودت بحياته حيث قتله بعض الثوار، ومضى دون أن يلبي المطالب الإيجابية التي أريدت منه... كان ذلك أيام صغرهٍ - أي علي الأكبر - .

ثانياً:
- ثم شهد وهو صبي، جده الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أحرص الناس على الدين وأحوطهم على الإسلام.. فحينما قُتل عثمان وحينما انتهى عهد الخلفاء
الثلاثة تجلت حالة الأمة وهي في حالة يرثى لها، في وضع منهار متردية متداعية، والأنكى من ذلك أن عثمان ترك على الأمصار عمالاً وولاة لا همَّ لهم سوى أنفسهم وتوسيع نطاق الانهيار والتردي الاجتماعي..

شهد جده وهو يتجنب قيادة مسيرة الأمة، بناءً على ما أصاب الأمة من تفكك وثغرات يصعب تلافيها ولا تزول إلا بوقت وزمان.. شهد جده الإمام وقد أضحى خليفة، وإماماً أُنيطت به عمليات النقد النظري ومباشرة التصحيح العملي، التي تمخض عنها حروب ثلاث..

فكأن أعداء الإمام أمير المؤمنين لم يرغبوا به خليفة وإنما رغبوا بالخلافة لهم ولهذا رغبوا بالحرب وسيلة بلوغ رغبتهم، فكانت معركة الجمل في البصرة..

أما صفين فهي معركة مع معاوية الذي كان من أكثر الناس ولعاً بالدم، وأول الناس سفكاً للدم الحرام.. وأعقبها معركة النهروان التي كان طرفها المقابل فئة الخوارج الحمقى الذين امتازوا بالرعونة والتطفل على فهم القرآن الكريم والتعالي على علي أمير المؤمنين، وقد فرقوا بين علي والقرآن وتكابروا عليهما في نفس الأوان.. وكأن ليس علي مع القرآن والقرآن مع علي وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار...

ثالثاً: - عاش عليّ الأكبر مأزق عمهٍ الإمام الحسن عليه السلام، حيث قاد مجتمعا هجينا، يحتوي على الضعفاء في الدين والإيمان، فهو لم يتمّ نقده وتصحيحه جيداً خلال خلافة الإمام أمير المؤمنين المشهورة بأنها قصيرة.

فمجتمع الكوفة كان بأمس الحاجة إلى التربية والتصفية قبل الخوض به من أجل مستقبله، بيد أن مباغتات العدو ومواقفه تجبر القائد على أن يسرع في إعلان الموقف المناسب، فخرج الإمام الحسن بهم وهم يحملون بذور الهزيمة، الأمر الذي يفسر مواقف الجبن والخيانة التي أظهرها بعضهم بحيث عصفت بالموقف الجهادي الصارم، وأجبرت الإمام - وبعد أن انتظر ولم يرج منهم خيراً وأحب أن يكون الخير منه - على ما حدث من اتفاق مشروط، لا بقبل التزييف والمراوغة وقد وقع عليه معاوية كميثاق وعهد، يجب عليه الالتزام بكل مواده ومقرراته..
ولكن معاوية خان العهد.. وخاس به فنقضه دونما استثناء لمادة واحدة.

في عهد بني أمية
فاستهل معاوية حكمه وافتتح عهد الأمويين بالخيانة العظمى، ثمّ لم يكتفِ بذلك، فقد خطط لعملية التخلص من الإمام الحسن بالقتل، وذلك بواسطة جنود له من عسل - على حد تعبير معاوية نفسه - فدس له السم ليقتله.

وهكذا شهد علي الأكبر - وهو في ربيع عمره - استشهاد عمه الحسن، وساعات احتضاره حتى انتقاله إلى جوار ربه صلوات الله وسلامه عليه.. وهو حدث له وقع شديد عليه، ويترك في نفسه أثراً وآثاراً غير هينة.. هذا وقد سبق أن عاش الصدمة الكبرى للأُمة كلها وهي استشهاد جده الإمام أمير المؤمنين حيث نفذت مؤامرة وقحة وجريئة ضده هزت العالم وأحدثت ضجة ذات أصداء وانعكاسات.

فبعد الخيانة ومقتل الإمام الحسن، هناك حدث أو أحداث متسلسة متصلة ومستمرة، من الإرهاب والإضطهاد الذي كان يستهدف الشيعة الموالين لآل الرسول، فضلاً عن استهدافه لآل الرسول بالذات.. وأول مسعى لفتح باب الارهاب هو شتم الإمام أمير المؤمنين علناً وسبهِ من فوق المنابر، وبذا فقد أضحى شيعة أهل البيت في خطر.. وفعلاً كتب معاوية إلى عماله أن أسقطوا كل شيعي واحرموه من العطاء. بل عمم طلبه بملاحقتهم وقتلهم.

ومن أبرز الأمور تنصيب معاوية جملة من الولاة القساة، القتلة سافكي الدماء.

كما أن من أبرز الأحداث تهجير آلاف الشيعة من إقليم الكوفة إلى خراسان، وقد أجلاهم واليه على الكوفة زياد بن أبيه تحت ألوان من العسف وأساليب التنكيل، خوفاً من بقائهم الذي يهدد بقاء حكم بني أمية..

وخلال تلك الفترة قتل جملة من زعماء الإسلام الشيعة، وأبرزهم كما هو معروف حجر بن عدي الكندي وثلة من رفاقه في الجهاد، فضلاً عن مجاهدين آخرين... حرص معاوية على تصفيتهم رغم جلال مكانتهم وسمو منزلتهم وإيمانهم..

فقد كان حجر بن عدي صحابياً أدرك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

عاش علي الأكبر هذه الأحداث وسمع الأخبار التي تصل إلى أبيه، والمشاكل التي يطرحها بعض المسلمين والمجاهدين وشهد والده وهو في حيرة من أمرهِ لا لشيء سوى أن الناس ضعفاء لا يوثق منهم أثناء نهضة جهادية.

ومن أبرز ما عاصره عليّ، هو - محاولة معاوية لإقرار الناس على أن ولي عهده يكون ولده يزيد، وقد أعد لهذه المحاولة طريقة ((توهم)) بأنها ناجحة تماماً.. ولا نريد أن نطيل..

ثمّ دارت عجلة الزمن لتسحق رأس معاوية.. فهلك ومضى مستوزراً بأوزاره، وأعلن يزيد بأنه ورث العرش والملك وورث بيت مال المسلمين.. وحتى المسلمين أنفسهم.

وبعد فان لعلي الأكبر موقفاً من كل حدث يجري، له مواقف ومواقف من معاوية وحكمه وأعمالهِ، ذلك لأن علياً من أهل بيت المواقف الشجاعة الرسالية التي لا تهاب الموت ولا تأبه لسيف، وله أن يعلن موقفه وينشر قراره في بلاغ له..

أجل، بيد أن موقفه وقراره إنما لم يبرز ولم يعلنه شخصياً فبحكم انضمامه إلى الموقف الأشمل لأبيه الحسين، وبحكم انضوائه تحت القرار الأعم الأكمل لوالده صلوات الله وسلامه عليه..

لم يعد الصمت ممكناً.. وليس بعد كل الذي ساد وجرى مبرر أو مسوّغ للسكوت.. وهكذا تحرك الإمام سبط سيد المرسلين في ثورته المجيدة الخالدة، لا ليحارب يزيد فحسب بل ليقوض الأموية الرعناء.


* حياة علـى الأكبـر / محمد علي عابدين ص80_84.

2011-12-02