اثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله
نبوة النبي محمد (ص)
النبوّة يمكن أنّ تثبت لشخصٍ بثلاثة طرق:الاِتيان بالمعجزة مقروناً بادّعاء النبوّة. ب- جمع القرائن والشواهد التي تشهد بصدق دعواه. تصديق النبي السابق. إنّ نبوّة رسولِ الاِسلام صلى الله عليه واله وسلم يمكن أن تثبت بجميع الطُرُق الثلاثة المذكورة، وها نحن نذكرها بصورة مختصرة...
عدد الزوار: 470
النبوّة يمكن أنّ تثبت لشخصٍ بثلاثة طرق
أ- الاِتيان بالمعجزة مقروناً بادّعاء النبوّة.
ب- جمع القرائن والشواهد التي تشهد بصدق دعواه.
ج- تصديق النبي السابق.
إنّ نبوّة رسولِ الاِسلام صلى الله عليه واله وسلم يمكن أن تثبت بجميع الطُرُق الثلاثة المذكورة، وها نحن نذكرها بصورة مختصرة.
القرآنُ أو المعجزةُ الخالدةُ
إنّ التاريخَ القاطعَ الثابتَ يشهد بأنّ رسول الاِسلام صلى الله عليه واله وسلم قَرَنَ دعوَته بالاِتيان بمعاجز عديدة مختلفة، إلاّ أنّه صلى الله عليه واله وسلم كان يؤكّد من بين هذه المعاجز على واحدة منها، وهي في الحقيقة معجزته الخالدة، ألا وهي "القرآن الكريم".
فإنّ نبيّ الاِسلام أعلن عن نبوّته ورسالته بالاِتيان بهذا الكتاب السَّماويّ، وتحدّى الناسَ به، ودعاهم إلى الاِتيان بمثله إن استطاعوا، ولكن لم يستطع أحدٌ رغم هذا التحدِّي القرآنيّ القاطع أنْ يأتي بمثله في عَصر النبوّة.
واليوم وبعد مرور القرون العديدة لا يزال القرآنُ يتحدّى الجميع ويقول: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الاِنسُ والجِنُّ على أنْ يَأْتوا بِمثْلِ هذَا القرآنِ لا يَأتونَ بَمثلهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لبعضٍ ظهيراً﴾(الاِسراء:88).
وفي موضع آخر يقول وهو يقنع بأقلّ من ذلك: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْر سُوَرٍ مِثلِهِ مُفْتَرَياتٍ﴾(هود:13)، ﴿فَأْتُوا بِسُورةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾(البقرة:23).
إنّنا نعلمُ أنّ أعداء الاِسلام لم يألوا جُهداً طيلة (15) قرناً من بدء ظهور الاِسلام من توجيه الضربات إليه، ولم يفتروا عن محاولة إلحاق الضرر بهذا الدين، والكيد له بمختلف ألوانِ الكيد، وحتى أنّهم استخدموا سلاح اتّهام رسولِ الاِسلام بالسّحرِ، والجنون، وما شابه ذلك، ولكنّهم لم يَستطيعوا قطّ مقابلةَ القرآن الكريم، ومعارضته فقد عجزوا عن الاِتيانِ حتى بآية قصيرة مثل آياته.
والعالمُ اليوم مجهَّزٌ كذلك بكل أنواع الاَفكار والآلات، ولكنّه عاجز عن مجابهة هذا التحدّي القرآنيّ القاطع، وهذا هو دليلٌ على أنّ القرآنَ الكريمَ فوق كلامِ البشر.
الاِعجاز الاَدبي للقرآن
كانت لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم معاجزُ مختلفة ومتعدّدة دُوّنَتْ في كُتُب التاريخ والحديث، ولكنّ المعجزة الخالدة التي تَتَلاَلاَُ من بين تلك المعاجز في جميع العُصُور والدهور هو القرآن الكريم، والسرُّ في اختصاص رسول الاِسلام صلى الله عليه واله وسلم ، بمثل هذه المعجزة من بين جميع الاَنبياء، هو أنَّ دينه دينٌ خاتِمٌ، وشريعَتهُ شريعةٌ خاتمةٌ وخالدةٌ، والدينُ الخالدُ والشريعة الخاتمة بحاجة إلى معجزةٍ خالدةٍ لتكون برهانَ الرسالة القاطع لكلِ عصرٍ وجيلٍ، ولتستطيع البشرية في جميع القرون والدُّهور أنْ ترجع إليه مباشرةً من دون حاجةٍ إلى شهاداتِ الآخرين وأقوالهم.
إنّ القرآنَ الكريم يتّسمُ بصفة الاِعجاز مِن عدة جهات، يحتاج البحث فيها بتفصيلٍ، إلى مجالٍ واسعٍ لا يناسب نطاق هذه الرسالة، ولكنّنا نشير إليها على نحو الاِيجاز:
في عصر نزول القرآن الكريم كان أوّلُ ما سَحَر عيونَ العرب، وحيّر أرباب البلاغة والفصاحة منهم جمالُ كلمات القرآن، وعجيبُ تركيبه، وتفوّقُ بيانه، الذي يُعبَّر عن ذلك كله بالفصاحةِ والبلاغة.
إنّ هذه الخصُوصية كانت بارزةً ومشهودةً للعرب يومذاك بصورةٍ كاملةٍ، ومن هنا كان رسولُ الله صلى الله عليه واله وسلم بتلاوة آيات الكتاب، مرةً بعد أُخرى، وبدعوته المكرّرة إلى مقابلته والاِتيان بمثله إن استطاعوا يدفع عمالقة اللغة والاَدب، وأبطال الشعر وروّاده، إلى الخضوع أمام القرآن، والرضوخ لعظمة الاِسلام، والاعتراف بكون الكلام القرآنيّ فوق كلامِ البشر.
فها هو "الوليد بن المغيرة" أحد كبار الشعراء والبلغاء في قريش يقول بعد انْ سمع آياتٍ من القرآنِ الكريمِ تلاها عليه رسولُ الاِسلام، وطُلب منه أنْ يبدي رأيه فيه: "وَوالله إنّ لِقَوله الّذي يقولُ لَحلاوةً، وإنّ عليه لطَلاوةً، وإنّه لَمُثْمرٌ أَعلاهُ، مُغدِقٌ أَسْفَلُهُ، وإنّه لَيَعْلُو وما يُعلى"1
وليس "الوليدُ بن المغيرة" هو الشخص الوحيدُ الذي يحني رأسه إجلالاً لجمال القرآن الظاهري، ولجلاله المعنوي، بل ثمة بلغاء غيره من العرب مثل: "عتبة بنِ ربيعة" و "الطفيلِ بن عمرو" أَبدَوا كذلك عجزَهم تجاه القرآن، واعترَفُوا بإعجاز القرآن الاَدَبي.
على أنّ العَرَب الجاهليين نَظَراً لِتَدَنّي مستوى ثقافتهم لم يُدرِكوا من القرآن الكريم إلاّ هذا الجانبَ، ولكن عندما أشرقت شمسُ الاِسلام على رُبع الكرة الاَرضية، وعَرَفَتْ به جماعاتٌ بشريةٌ أُخرى اندفعَ المفكّرون إلى التدبّر في آيات هذا الكتاب العظيم، ووقفوا مضافاً إلى فصاحَته وبلاغته، وجمال اُسلوبه، وتعبيره، على جوانب أُخرى من القرآنِ الكريم والتي يكون كلُ واحدة منها بصورة مستقلّة خيرَ شاهدٍ على انتمائه إلى العالم القدسيّ، ونشأتهِ من المبدأ الاَعلى للكون.
وهكذا تنكشف في كلّ عَصر جوانب غير متناهية لهذا الكتاب العظيم.
المجالات الاَُخرى للاِعجاز القرآني
لقد بَيّنّا إعجاز القرآن من الناحية الاَدبية، باختصار، والآن نريد أن نستعرض المجالات الاَُخرى للاِعجاز القرآنيّ بصورة مختصرة.
إذا كان الاِعجاز القرآنيُ من الناحية الاََدبية قابلاً للدَرك والفهم عند طائفة خاصّة لها إلمامٌ كافٍ بالاَدب العربي، فإنّ الجوانبَ الاَُخرى من الاِعجاز القرآني ولحسن الحظ مفهومة لآخرين.
أ- إنّ الآتي بالقرآن الكريم كان شخصاً أُميّاً لم يدرُس، ولم يَتلقَّ تعليماً قبل النبوة، فلا هو دخل مدرسة أو كَتّاباً، ولا هو تلمَّذ على أحد، أو قَرَأَ كتاباً كما قال: ﴿ما كُنْتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمينِكَ إذاً لاْرتابَ المُبْطِلُونَ﴾(العنكبوت:48).
إنّ نبيَّ الاِِسلام صلى الله عليه واله وسلم تلا هذه الآية على قومٍ كانوا يعرفون حياتَه وتفاصيلها، تمام المعرفة، فإذا كان له سابقة تحصيل وتعلّم لكذّبوا ادّعاءَهُ هذا.
وأمّا اتّهام البعض إيّاه بأنه ﴿يُعَلِّمهُ بَشَرٌ﴾(النحل:103) فهي تهمة لا أساس لها مثل سائر التهم الاَُخرى، كما يقول: ﴿لسانُ الّذي يُلْحِدُونَ إليْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبيْنٌ﴾(النحل:103).
ب- لقد تُلي القرآنُ الكريم على الناسِ طيلةَ ثلاثٍ وعشرينَ سنة وفي ظروف مختلفة (في الصلح والحرب، في السفر والحضر، و...) بواسطة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وتقتضي طبيعة هذا النمط من التحدُّث والتكلّم أن يقع في كلام المتكلّم نوعٌ من الاختلاف والتعدُّديّة في الاُسلوب والخصُوصِيّات البيّانية فلطالما يقع المؤلّفون الذين يُؤَلِّفُونَ كُتُبَهُمْ في ظُروفٍ عاديّةٍ متماثِلةٍ رغم مراعاة قواعد التأليف والكتابة، وأُصولِها في الاِختلاف والاِضطراب في الكلام، فكيف بالذي يُلقي كلاماً بالتدريج، وفي أوضاع متباينة وأحوال مختلفة تتراوح بين الشدّة والرخاء، والحزن والفرح، والقتال والسلام، والاََمن والخطر؟!
إنّ المُلفت للنظر هو أنّ رسول الاِسلام صلى الله عليه واله وسلم تَحدَّث حول موضوعات مختلفة ومتنوعة، بدءاً بالاِلَهيّات ومروراً بالتاريخ، والتشريع، والاَخلاق، والطبيعة، والاِنسان، وانتهاء بالحياة الاَُخرى، وفي نفس الوقت تمتّع كلامه هذا من بدئه إلى ختمه بأعلى نوع من الانسجام، والتناغم، من حيث الاسلوب، والمحتوى.
يقول القرآن نفسُهُ عن هذا الجانب من الاِعجاز: ﴿أفَلا يَتَدبَّرُون القرآنَ ولو كانَ مِنْ عِند غيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اختلافاً كثيراً﴾(النساء:82).
ج- إنّ القرآنَ الكريمَ جعل الفطرةَ الاِنسانيةَ الثابتة نُصب عَينيه وشرّع على أساسها قانونَه، فكانت نتيجةُ هذه الرؤية الاَساسِيّة أنْ أخَذَ في نظر الاِعتبار جميع أبعاد الروح والحياة الاِنسانية، وذكّر بالاَُصول والاَُسس الكلية التي لا تقبَلُ الزوال والاندثار.
فمن خصائص القوانين الاِسلامية الكليَّة هو أنَّ هذه القوانين قابلةٌ للتطبيق في جميع الظروف المختلفة والبيئات المتنوعة ويوم كان المسلمون يسيطرون على مساحة جدُّ كبيرة من العالم، كانوا يديرون المجتمعات البشرية قروناً عديدة في ظلّ هذه القوانين والتشريعات بقوّة، ونجاح.
يقول الاِمام محمّد الباقر عليه السلام: "إنَّ اللهَ لَمْ يَدَع شَيْئاً تَحْتاجُ إلَيْهِ الاَُمَّةُ إلاّ أَنْزَلَهُ في كتابهِ، وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ وجَعَلَ لِكُلّ شيءٍ حَدَّاً، وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيْلاً"2.
الاِعجاز القرآني في مجال أسرار الكون وأخبار المستقبل
د- إنّ القرآن الكريم بيّن في آيات مختلفة ومتعدّدة وفي مناسبات متنوّعة أسرارَ عالَم الخلق التي لم يَكُنْ لدى البَشَر أيُّ عِلمٍ، ولا إلمام بها.
ولا شكَّ أنَّ الكشف عن هذه الاَسرار لشخصٍ لم يتلقَّ تعليماً، ولم يدرس، وذلك في مجتمع جاهليّ لا يعرف شيئاً أصلاً، لا يمكن إلاّ عن طريق الوحي.
إنّ الكشف عن قانون الجاذبية الذي يفسَّر على أساسِه قيامُ صرح الكون يُعَدّ من مفاخر العِلم الحديث.
ولقد كَشَفَ القرآنُ الكريمُ القناعَ عن هذا القانونِ في عبارةٍ قصيرةٍ إذ قال: ﴿اللهُ الَّذي رَفَعَ السَّمواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تروْنَها﴾(الرعد:2).
إنّ الكَشْفَ عن قانون الزوجية العامّة هو الآخر يُعدّ من مكتسَبات العِلم الحديث، وقد تحدّث عنه القرآنُ الكريمُ في عَصرٍ لم يكنِ البشرُ يعرف عنه أيَّ شيء مطلقاً إذ قال: ﴿وَمن كُلّ شَيءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْن لَعَلّكُمْ تَذَكَّرُون﴾(الذاريات:49).
هذا وثمّت نماذج أُخرى في هذا المجال جاء ذكرُها في كتب التفسير والعقيدة، أو دوائر المعارف.
هـ- إنّ القرآنَ الكريم أخبر عن طائفة من الحوادث والوقائع المستقبلية إخباراً قطعيّاً، وقد وقعت تلك الوقائع والحوادث فيما بعد بصورةٍ دقيقةٍ، ولهذا النمط من الاِخبارات نماذج عديدة، وكثيرة إلاّ أنّنا نشير إلى واحدة منها هنا على سبيل المثال:
يَوم غَلَبَ الساسانيون عُبّادُ النار على الرُّوم الموحّدين تفاءَلَ المشركونَ العرب بهذا الحَدَث وقالوا سننتصر نحن على موحِّدي الجزيرة العربية (المسلمين) أيضاً، وعند ذاك أَخبر القرآنُ الكريمُ بانتصار الرُّوم على الفُرس:﴿غُلِبَتِ الرُّوْمُ * في أدْنى الاََرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِيْنَ لله الاََمرُ مِن قبلُ ومِن بَعْدُ ويَوْمَئِذٍ يَفرَحُ المؤمنونَ﴾(الروم:2ـ4).
ولم تمض بضع سنوات إلاّ وتحقّقت النبوءةُ المذكورة، وانتصر كلا الفريقين المؤمنين (الرّوم المسيحيّون ومسلمو الجزيرة العربية) على أعدائهم (الساسانيين ومشركي قريش).
ولهذه الناحية تحدّثَ القرآن في ذيل الآية عن سرور المؤمنين إذ قال: (يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ).
لاَنّ كلا الانتصارين حدثا في وقتٍ واحدٍ.
و- إنّ القرآنَ الكريمَ تَحدَّثَ عن حياة الاَنبياء وأُممهم السابقة في سورٍ مختلفةٍ بتعابيرَ مختلفةٍ.
إنّ هذه الوقائع وَرَدَت كذلك في كتاب العَهدين (التوراة والاِنجيل) أيضاً، ولكن إذا ما قيست تلك مع ما وَرَدَ في القرآنِ الكريمِ اتّضح أن القرآن الكريم من الوحي الاِلَهيّ برمَّته، وأنّ ما جاء في العهدين لم يسلم من تحريف المحرّفين.
ففي رواية القرآن لقصص الاَنبياء لا يوجَد أيُّ موضوع يخالف العقلَ، والفطرة، ولا يناسب مقام الاَنبياء، في حين تزخر الرِوايات والقصص الموجودة في كتاب العهدين بهذه العيوب والنواقص.
وفي هذا الصعيد يكفي إجراء مقارنة بين القرآن والعهدين في قصة آدم.
القرائن والشواهد على نبُوّة النبي صلى الله عليه واله وسلم
إنّ جمع القرائن والشَّواهد كما أسلفنا يمكن أنْ تكون من الطُرُق الكفيلة بإثبات صدق دعوى الاَنبياء، وها نحن نشير باختصار إلى القرائن الدّالة على صحَّة دعوى النبيّ الاَكرم صلى الله عليه واله وسلم:
أ- النبيٌّ الاَكرم وسوابقُهُ المشرِقةُ:كانت قريش تسمّي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قبل ابتعاثه بالرسالة "محمد الاَمين" وتودع عنده أماناتِها الثمينة، وتستأمنه على أشيائها القيّمة.
وعندما حصل خلافٌ بين أربعة قبائل في وضع "الحَجَرِ الاَسودِ" في موضعه بعد تجديد بناء الكعبة، رضي الجميعُ بأن يقومَ عزيزُ قريش أي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بهذه المهمّة لكونه رجلاً صادقاً أمينا3ً.
ب- النَقاء من تلوّث البيئة الاجتماعية:لقد نشأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وترعرع في بيئةٍ لم يكن فيها إلاّ الخمر والميسر ووأد البنات، وإقبارهن أحياءً، وإلاّ أكل الميتة والظلم والغارة، ومع ذلك ورغم نشوئه وترعرعه في مثل هذه البيئة، كان إنساناً نقيّ الجيب، طاهِرَ السُّلوك، لم يُوصف بأي شيء من الصفات الرَّذيلة، ومن دونِ أن يتلوَّث بأيّةِ لوثةٍ عقيديّة، وفكريّةٍ.
ج- محتوى الدعوة الاِسلامية:عندما نُلقي نظرةً فاحصة على محتوى دعوةِ النبي الاَكرمِ محمّد صلى الله عليه واله وسلم نراها تدعو الناس بالضبط إلى مخالفةِ كلّ ما كان رائجاً في تلك البيئة، ورفضه رفضاً مطلقاً.
إنّهم كانوا يعبدون الاَوثان وقد دعاهم إلى التوحيد، ورَفض الاَوثان.
إنّهم كانوا يُنكرون المعادَ، وقد دعاهُم إلى الاِيمان به، واعتبره شرطاً من شروط الاِسلام.
وكانوا يئدون البنات ويقبرونهنّ وهنّ أحياء، ولم يكن للمرأة أيّة قيمة، ولكنّه أعاد إليها كرامتها الاِنسانيّة، ومنزلتها اللائقة بها، كأفضل ما يكون.
د- أدوات الدعوة ووسائلها:إنّ الاَدوات والوسائل التي استخدمها النبيُّ، لِنشر دعوته، واستعان بها لِنشر دينه، كانت إنسانيةً وأخلاقية تماماً.
فهو صلى الله عليه واله وسلم لم يستخدم أبداً الاَساليبَ اللا إنسانية كقطع الماء على خصومه، أو تسميمه وتلويثه، أو قطع الاَشجار وما شابه ذلك من الاَساليب اللا إنسانية4.
بل وأوصى بأن لا يُلحَق الاَذى بالنساء والاَطفال والعجائز وكبار السن، وان لا تُقطَع الاَشجار، وان لا يُشرع في قتال العدوّ قبل الدعوة إلى الاِسلام وإتمام الحجة عليه.
إنّ الاِسلام يرفض رفضاً قاطعاً المنطق المكيافيلي القائل: "بأنّ الغاية تبرّر الوسيلة" وكمثال رَفَضَ اقتراح أحد اليهود لاِخضاع العدوّ في وقعة خيبر عن طريق إلقاء السم في الماء.
إنّ حياة رسول الاِسلام صلى الله عليه واله وسلم زاخرة بقصص التعامل الاِنساني النبيل مع الاَعداء.
هـ- شخصيّةُ المؤمنين به وخصالُهم:إنّ دراسة أفكار المؤمنين بالنبيّ، والمنضوين تحت لوائه، وأحوالهم وشخصياتهم يمكن أن توضح مدى صدقه وصحة دعواه.
فإنّ من البديهيّ أن الدعوة إذا تأثّر بها الشخصياتُ المتميزة في المجتمع فانضووا تحت رايتها، واعتنقوها بصدق وإخلاص، كان ذلك آية صدقها وصحتها ودليلاً على حقّانيتها، وواقعيّتها.
ولكن إذا التفَّ حولَه طلاّب الدنيا، وعُبّادُ المال والشهوة، كان ذلك دليلاً على ضعف ادّعائه.
لقد كان بين المنضوين تحت لواء رسول الاِسلام شخصيات عظيمة في غاية النُبل والفَضيلة كالاِمام عليّ عليه السلام وكسلمان، وعمّار، وبلال، ومصعب، وابن مسعود، والمقداد، وأبي ذر وغيرهم ممّن شهد لهم التاريخُ بالطهر والصفاء، وسموّ الشخصية، ونزاهة الاَخلاق.
و- التأثيرُ الاِيجابي في البيئة الاجتماعية، وتأسيسُ حضارة عظيمة:إِنّ رسول الاِسلام استطاع في مدة لا تتجاوز ثلاثاً وعشرين سنة أنْ يغيّر وضعَ الجزيرة العربية تغييراً جوهرياً.
لقد استطاع أنْ يصنع من قُطّاع طُرُق، وسَلاّبين، أشخاصاً أُمناء، ومن عُبَّاد أوثان وأصنام، موحّدين بارزين، لم يَصنَعوا حضارةً عظيمة في محلّ سكونتهم فقط بل مدّوا حضارتهم الاِسلامية الرائعة الفريدة، إلى مناطق أُخرى من العالم، كذلك.
فها هو جعفر بن أبي طالب عليه السلام من مسلمي صَدر الاِسلام يؤكّد على هذه النقطة عندما قال في معرَض الاِجابة على سؤال النجاشيّ الذي سأله عن أحوال النبيّ الكريم صلى الله عليه واله وسلم:
"أيّها المَلِك؛ إنّ الله بَعَث إلينا رَسولاً مِنّا فَدعانا إلى الله لِنوَحّدَه ونعبدَه، ونخلعَ ماكنّا نعبُدُ نحن وآباؤنا من دونه، من الحجارة والاَوثان، وأمَرَنا بصدقِ الحديث... وأمَرَنا بالصلاةِ، والزكاة وصلة الرَحم، وحُسن الجوار، ونهانا عن الفواحِشِ، وقولِ الزُّور"5.
إنّ هذه القرائن، ونظائرها، يمكن أنْ تقودَنا إلى صدقِ قول رسول الاِسلام وحقانيّة هدفه..
إنّ من المحتم أنّ رجلاً بهذه الخصوصيّات لا يرتكب الكذِبَ أبداً، وفي النتيجة يجب أن يُقال: إنّه كان صادقاً في ادّعائه النبوّة، وارتباطه بعالم الغيب كما تؤيّد القرائنُ الاَُخرى بالذات هذا الموضوع أيضاً.
تصديقُ النبيّ السابق
إنّ تصديقَ النبيّ السابق للنبيّ اللاحقِ هو أحد الطرق لاِثبات دعوى النبوة وذلك لاَنّ الفرض هو أنّ نبوة النبيّ السابق قد ثبتت بالاَدلّة القاطعة، ولهذا من الطبيعي أن يكون كلامُه سنداً قاطعاً للنبوّة اللاحقة، ويُستفادُ من بعض الآيات القرآنيّة أنَّ أهلَ الكتاب كانوا يعرفون رسول الاِسلام كما يعرفون أبناءهم، يعني أنّهم قرأوا علائم نبوَّته في كتبهم السَّماوية، وقد ادّعى رسولُ الاِسلام هذا الاَمر، ولم يكذّبه أحدٌ منهم أيضاً، كما يقول:﴿الّذيْنَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرفُونَهُ كما يَعْرفُونَ أبناءَهم وإنَّ فريقاً منهم لَيَكتمونَ الحقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾(البقرة:146).
إنّ رسولَ الاِسلام ادّعى أنّ السيد المسيحَ عيسى ابنَ مريم عليه السلام بشّر به، وانّه يأتي من بعده نبيٌّ اسمُه "أحمد": ﴿ومُبَشّراً بِرَسُولٍ يأتي مِنْ بَعدِي اسْمُهُ أحْمَدْ﴾(الصف:6).
كما وأنَّ من الطريف أنْ نَعلمَ أنّ الاِنجيل رغم تعرُّضه للتحريف منذ قرون قد جاءَ في إحدى نُسَخِهِ وهو إنجيل يوحنا (الاِصحاح 14، 15، 16) تَنَبّؤٌ بمجيء شخصٍ بعد السيد المسيح يُدعى "فارقلِيط" (أي محمد بالسريانيّة) يمكن للمحقّقين الرجوع إلى ذلك، للوقوف على الحقيقة6.
معاجز أُخرى للرسول صلى الله عليه واله وسلم غير القران
إنّ معاجز رسولِ الاِسلام صلى الله عليه واله وسلم كما أسلفنا لا تنحصر في القرآن الكريم، بل إنّه صلى الله عليه واله وسلم كان ربما قام بإتيان بعض المعجزات في مناسباتٍ مختلفة بهدف إقناع الناس.
وفي هذا الصعيد يجب التذكيرُ بأن ثمّت محاسبةً عقليّةً تثبت أساساً وجودَ معاجزَ لرسولِ الاِسلام عدا القرآنِ الكريم.
فالنبيُّ الاَكرمُ صلى الله عليه واله وسلم تحدّث عن (9) معاجز للنبيّ موسى عليه السلام7 وعن (5) معاجز للنبي عيسى عليه السلام كذلك8.
فهل يمكن أنْ نقبل بأنْ يكون رسولُ الاِسلام أعلى وأفضل من الاَنبياء السابقين، وخاتمهم، وأنّه أثبتَ معاجز عديدة للاَنبياءالسابقين، ومع ذلك لا تكون له إلاّ معجزة واحدة؟ترى أما كانَ الناسُ وهم يَسمعون بصُدُور كل تلك المعجزات عن الاَنبياء السابقين يتمنّون صدورَ معاجز مختلفة ومتنوّعة على يد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ولا يكتفون برؤية معجزةٍ واحدةٍ فقط؟؟!
وكيف لا تكون لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم معاجز سوى "القرآن الكريم" وهذا هو القرآنُ نفسُه يثبت صدور معاجز متعددة على يد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نشير إليها فيما يأتي:
أ- شَقّ القَمَر: عندما اشترط المشركون إيمانهم برسول اللهِ ودعوته بشقّ القَمَر نصفين، قام النبيُّ صلى الله عليه واله وسلم بذلك بإذن الله تعالى، كما يقول القرآن الكريم:
﴿إقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ * وإنْ يَرَوْا آيَةً يُعرضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسَتمِرٌّ﴾(القمر:1ـ2).
إنّ ذيلَ هذه الآية شاهدٌ واضحٌ على أنّ المقصود من الآية ليس هو انشقاق القمر في يوم القيامة بل يرتبط بعصر النبيّ الاَكرمِ صلى الله عليه واله وسلم.
ب- المعراج: إنّ عروجَ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في ليلة واحدةٍ من المسجد الحرام في مكة المكرَّمة إلى المسجد الاَقصى في فلسطين، ومنه إلى السَّماء، وقد تمّت هذه الرحلة الفضائيّة العظيمة في مُدّةٍ قصيرةٍ جداً، يُعتَبَرُ هو الآخر من معاجز رسول الاِسلام التي ذُكِرتْ في القرآن الكريم9.
على أنّ قُدرة الله أقوى وأسمى من أن تحول العواملُ الماديةُ والطبيعيةُ دون تحقّق معراج نبيه الكريم إلى العالَم الاَعلى، ووقوعه.
ج- مباهلته مع أهل الكتاب: لقد قام رسول الاِسلام بهدف إثبات حقّانيّته، وصدق دعوته بدعوة طائفة من أهل الكتاب إلى "المباهلة" وقال: ﴿فَمَنْ حاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَك مِنَ العِلْمِ فقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبناءَنا وأَبْناءَكُمْ ونِساءَنا وَنِسَاءَكُمْ وأنفُسَنَا وأنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الكاذِبِين﴾(آل عمران:61).
ومن المُسَلَّم أنّ المباهَلة تنتهي بفناء أحد الفريقين المتباهِلَيْن، ولكنّ النبيَّ مع ذلك أعلن عن استعداده لذلك، فكانت النتيجةُ أنَّ أهلَ الكتاب لمّا شاهَدوا قاطعيّة النبي، وثباته العجيب، وكيف أنّه أتى بأعزّ أقربائِهِ إلى ساحة "المباهَلَة" من غير خوفٍ أو تهيّبٍ، انسحَبُوا، وقبلوا شرائط النبيّ صلى الله عليه واله وسلم.
ولقد قلنا عند الحديث عن الاِخبار بالغَيب أن السيدَ المسيحَ عليه السلام كان يخبر عن الغيب10 وقد أخبر النبيُّ الاَكرمُ محمدّ صلى الله عليه واله وسلم عن الغيب عن طريقِ الوحي كذلك، ومن إخباراته: الاِخبار بغَلَبة الروم على الفرس11 وبفتح مكة12.
إنّ هذه المعاجز هي التي ذَكَرَها القرآن الكريم، وأمّا ما ذكرهُ المؤرّخون والمحدّثون المسلمون من معاجز أُخرى لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فيفوق ما جاء ذكرُه في القرآنِ الكريمِ، وهي وإنْ لم تكن في الاَغلب متواترة إلاّ أنّه يتمتع مجموعُها بتواترٍ إجماليٍ.
خصائصُ نُبُوّةِ رسول الاِسلام صلى الله عليه واله وسلم
إنّ لِدَعوة النبيّ الاَكرم صلى الله عليه واله وسلم خصائصَ أهمُّها أربعة أُمور، نذكرها في ثلاثة أُصول:
*العقيدة الاسلامية،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ط1،ص143.
1- مستدرك الحاكم 2:50.
2- الكافي: 1:59
3- السيرة النبويّة لابن هشام، ج 1، ص 209.
4- راجع الكتب التاريخية في هذا المجال.
5- السيرة النبويّة لابن هشام ج 1، ص 359 ـ 360.
6- وقد دُوّنت كتبٌ تجمع بشاراتِ العهدين بمجيَ رسول الاِسلام، وتبحث حولها وللمثال راجع في الصدد كتاب «أنيس الاَعلام».
7- انظر سورة الاِسراء:101
8- انظر آل عمران:49
9- انظر الاِسراء:1، والنجم:7 ـ 18.
10- انظر آل عمران:49
11- انظر الروم:2.
12- انظر الفتح:27.