يتم التحميل...

أهميّة الغدير في التاريخ

عيد الغدير

لا يستريب أيّ ذي مُسْكة في أنَّ شرف الشي‏ء بشرف غايته، فعليه أنَّ أوّل ما تكسبه الغايات أهميّة كبرى‏ من مواضيع التاريخ هو ما أُسِّس عليه دين، أو جرت‏به نِحلة، واعتلت عليه دعائمُ مذهب، فدانت به أُمم، وقامت به دول، وجرى‏ به ذكرٌ مع الأبد

عدد الزوار: 21
 

لا يستريب أيّ ذي مُسْكة في أنَّ شرف الشي‏ء بشرف غايته، فعليه أنَّ أوّل ما تكسبه الغايات أهميّة كبرى‏ من مواضيع التاريخ هو ما أُسِّس عليه دين، أو جرت‏به نِحلة، واعتلت عليه دعائمُ مذهب، فدانت به أُمم، وقامت به دول، وجرى‏ به ذكرٌ مع الأبد، ولذلك تجد أئمة التاريخ يتهالكون في ضبط مبادئ الأديان وتعاليمها، وتقييد ما يتبعها من دعايات، وحروب، وحكومات، وولايات، التي عليها نَسَلت الحُقُب‏والأعوام، ومضت القرون الخالية ﴿سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ‏تَبْديلاً، وإذا أهمل المؤرِّخ شيئاً من ذلك فقد أوجد في صحيفته فراغاً لا تسدّه أيّة مهمّة، وجاء فيها بأمر خِداج؛ بُتِر أوّلُه، ولا يُعلم مبدؤه، وعسى‏ أن يوجب ذلك جهلاً للقارئ في مصير  الأمر ومنتهاه.

إنَّ واقعة غدير خُمّ هي من أهمّ تلك القضايا ؛ لما ابتنى‏ عليها - وعلى‏ كثير من‏الحُجج الدامغة - مذهبُ المقتصِّين أثر آل الرسول - صلوات اللَّه عليه وعليهم - وهم‏معدودون بالملايين، وفيهم العلم والسؤدد، والحكماء، والعلماء، والأماثل، ونوابغ في‏علوم الأوائل والأواخر، والملوك، والساسة، والأمراء، والقادة، والأدب الجمّ، والفضل الكُثار، وكتب قيِّمة في كلّ فنّ، فإنْ يكن المؤرِّخ منهم فمن واجبه أن يفيض‏على‏ أمّته نبأ بدْء دعوته، وإن يكن من غيرهم فلا يعدوه أن يذكرها بسيطة عندما يسرُد تاريخ أمّة كبيرة كهذه، أو يشفعها بما يرتئيه حول القضيّة من غميزة في الدلالة،إن كان مزيج نفسه النزول على‏ حكم العاطفة، على‏ حين أنّه لا يتسنّى‏ له غمزٌ في سندها، فإنَّ ما ناء به نبيّ الإسلام يومَ الغدير من الدعوة إلى‏ مفاد حديثه لم يختلف فيه اثنان، وإن اختلفوا في مؤدّاه ؛ لأغراضٍ غير خافية على النابه البصير.

فذكرها من‏أئمّة المؤرِّخين

البلاذري في أنساب الأشراف،وابن قتيبة في المعارف والإمامة والسياسة، والطبريّ في كتاب مفرد، وابن زولاق الليثي المصري في تأليفه، والخطيب ‏البغدادي في تاريخه، وابن عبد البَرّ في الاستيعاب،والشهرستاني في الملل والنحل، وابن عساكر في‏تاريخه، وياقوت الحَمَوي معجم الأدباء من الطبعة الأخيرة، وابن الأثير في أُسد الغابة، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وابن خلّكان في تاريخه، واليافعي في مرآة الجنان، وابن الشيخ البَلَوي في ألف باء، وابن كثير الشامي في البداية والنهاية، وابن خلدون في مقدّمة تاريخه، وشمس الدين الذهبي في تذكرة الحفّاظ، والنويري في نهاية الأَرَب في فنون الأَدَب، وابن حجر العسقلاني في الإصابة وتهذيب التهذيب، وابن الصبّاغ المالكي في‏الفصول المهمّة، والمقريزي في الخطط، وجلال الدين السيوطي في غير واحد من كتبه، والقرماني الدمشقي في أخبارالدول، ونور الدين الحَلَبي في السيرة الحَلَبيّة، وغيرهم.

وهذا الشأن في علم التاريخ لا يقلّ عنه الشأن في فنّ الحديث، فإنَّ المحدِّث إلى‏أيّ شطرٍ ولّى‏ وجهه من فضاء فنِّه الواسع، يجد عنده صحاحاً ومسانيدَ تثبت هذه‏المَأثُرة لوليّ أمر الدين عليه السلام، ولم يزل الخَلَف يتلقّاه من سلفه حتى‏ ينتهي الدور إلى‏ جيل‏الصحابة الوعاة للخبر، ويجد لها مع تعاقب ‏الطبقات ‏بَلَجاً ونوراً يَذهب بالأبصار، فإن أغفل المحدِّث ما هذا شأنه، فقد بخس للأمّة حقّاً، وحرمها عن الكثير الطيّب ممّا أسدى‏ إليها نبيُّها نبيّ الرحمة من برّه الواسع، وهدايته لها إلى الطريقة المثلى‏.

فذكرها من أئمّة الحديث

إمام الشافعية أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعي كما في نهاية ابن الأثير، وإمام الحنابلة أحمد بن حنبل في  مسنده ومناقبه، وابن ماجة في سننه، والترمذي في صحيحه، والنسائي في الخصائص، وأبو يعلى‏الموصلي في مسنده، والبغوي في السنن، والدولابي في الكنى‏ والأسماء، والطحاوي في مشكل الآثار،والحاكم في المستدرك، وابن المغازلي الشافعي في‏المناقب، وابن مندة الأصبهاني بعدّة طرق في تأليفه، والخطيب‏ الخوارزمي في المناقب ومقتل الإمام السبط عليه السلام، والكنجي في كفاية الطالب، ومحبّ الدين الطبريّ في الرياض‏النضرة وذخائر العقبى‏، والحمّوئي في فرائد السمطين، والهيثميّ في مجمع الزوائد، والذهبي في التلخيص، والجَزْري في أسنى المطالب، وأبو العبّاس القسطلاني في المواهب ‏اللدنيّة، والمتّقي الهندي في كنز العمّال، والهَرَويّ القاري في المرقاة في شرح المشكاة، وتاج الدين المناوي في‏كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق وفيض القدير، والشيخاني‏القادري في الصراطالسويّ في مناقب آل النبيّ، وباكثير المكّي في وسيلة المآل في مناقب‏الآل، وأبو عبد اللَّه الزرقاني المالكي في شرح المواهب، وابن حمزةالدمشقي الحنفي في كتاب البيان والتعريف، وغيرهم.

كما أنَّ المفسِّر نُصْبُ عينيه آيٌ من القرآن الكريم نازلة في هذه المسألة يرى‏من واجبه الإفاضة بما جاء في نزولها وتفسيرها، ولا يرضى‏ لنفسه أن يكون عمله‏مبتوراً، وسعيه مُخدَجاً.

فذكرها من أئمّة التفسير

الطبريّ في تفسيره، والثعلبي في تفسيره، والواحدي في أسباب‏النزول، والقرطبي في تفسيره، وأبو السعود في تفسيره، والفخر الرازي في تفسيره الكبير، وابن كثير الشامي في‏ تفسيره، والنيسابوري: المتوفّى‏ في القرن الثامن في تفسيره، وجلال الدين السيوطي‏في تفسيره، والخطيب الشربيني في تفسيره، والآلوسي البغدادي في‏تفسيره، وغيرهم.

والمتكلّم حين يقيم البراهين في كلّ مسألة من مسائل علم الكلام، إذا انتهى‏ به‏السير إلى مسألة الإمامة، فلا مُنتدح له من التعرّض لحديث الغدير حجّةً على المُدّعى‏أو نقلاً لحجّة الخصم، وإن أردفه بالمناقشة في الحساب عند الدلالة، كالقاضي أبي بكر الباقلّاني البصري في التمهيد، والقاضي عبدالرحمن الإيجي‏الشافعي في المواقف، والسيِّد الشريف الجرجاني في‏شرح المواقف، والبيضاوي في طوالع الأنوار، وشمس الدين‏الأصفهاني في مطالع الأنظار، والتفتازاني في شرح المقاصد، والقوْشَجي المولى‏ علاء الدين في شرح التجريد. وهذا لفظهم:

"إنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد جمع الناس يوم غدير خُمّ - موضع بين مكة والمدينة بالجُحْفة- وذلك بعد رجوعه من حجّة الوداع، وكان يوماً صائفاً حتى‏ إنَّ الرجل لَيضع رداءه‏تحت قدميه من شدّة الحرّ، وجمع الرحال، وصعد عليها، وقال مخاطباً: "معاشرَ المسلمين ألستُ أولى‏ بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللّهمّ بلى‏.

قال: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصُرْمن نَصره، واخذُلْ من خَذله".

ومن المتكلّمين القاضي النجم محمد الشافعي في بديع المعاني، وجلال الدين السيوطي في أربعينه، ومفتي الشام حامد بن عليّ العمادي في الصلات‏الفاخرة بالأحاديث المتواترة، والآلوسي البغدادي في نثر اللآلي، وغيرهم.

واللغويّ لا يجد مُنتدَحاً من الإيعاز إلى‏ حديث الغدير عند إفاضة القول في‏معنى (المولى‏) أو (الخُمّ) أو (الغدير) أو (الوليّ)، كابن دُرَيد محمد بن‏ الحسن في جمهرته، وابن ‏الأثير في ‏النهاية، والحموي في معجم ‏البلدان في (خُمّ)، والزبيدي الحنفي في تاج العروس، والنبهاني في المجموعة النبهانية.

2011-11-12