يتم التحميل...

طريق تحصيل المعاني الباطنة

الصلاة

اعلم ان العلاج في تحصيل المعاني الباطنة المذكورة، اعني الحضور والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء، هو تحصيل اسباب هذه المعاني، وقد عرفت اسبابها. وطرق العلاج في تحصيل هذه الاسباب انما يتم بامرين:

عدد الزوار: 41

اعلم ان العلاج في تحصيل المعاني الباطنة المذكورة، اعني الحضور والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء، هو تحصيل اسباب هذه المعاني، وقد عرفت اسبابها. وطرق العلاج في تحصيل هذه الاسباب انما يتم بامرين:

الاول: معرفة الله، ومعرفة جلاله وعظمته واستناد الكل اليه، ومعرفة كونه عالما بذرات العالم وبسرائر العباد. ويلزم ان تكون هذه المعرفة يقينية، ليترتب عليها الاثر. اذ ما لم يحصل اليقين بامر، لا يحصل التشمر في طلبه والهرب عنه. وهذه المعرفة هي المعبر عنها بالايمان.

ولا ريب في كونها موجبة لحصول المعاني المذكورة واسبابها. اذ المؤمن يكون البتة حاضر القلب مع ربه عند مناجاته، ومتفهما لما يساله عنه، معظما له، وخائفا منه، ومستحييا من تقصيره.

الثاني: فراغ القلب، وخلوه من مشاغل الدنيا. فان انفكاك المؤمن العارف، المتيقن بالله وبجلاله وعظمته، وباطلاعه عليه من المعاني المذكورة في صلاته، لا سبب له الا تفرق الفكر، وتقسم الخاطر، وغيبة القلب عن المناجاة، والغفلة عن الصلاة، ولا تلهى عن الصلاة الا الخواطر الردية الشاغلة. فالدواء في احضار القلب هودفع كل تلك الخواطر ولا يدفع الشي‏ء الا بدفع سببه.

وسبب توارد الخواطر، اما ان يكون امرا خارجا، او امرا في ذاته باطنا.

والاول: ما يظهر للبصر، اويقرع على السمع. فان ذلك قد يختطلف الهم حتى يتبعه ويتصرف فيه، ثم ينجر منه الفكر الى غيره، ويتسلسل فيكون الابصار اوالاستماع سببا للافتكار، ثم يصير بعض تلك الافكار سببا للبعض. ومن قويت رتبته وعلت همته، لم يلهه ما يجرى على حواسه. ولكن الضعيف لا بد وان يتفرق فيه فكره. فعلاجه: قطع هذه الاسباب، بان يغض بصره، اويصلى في بيت مظلم، ولا يترك بين يديه ما يشغل حسه، ويقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره، ويتحرز من الصلاة على الشوارع، وفي المواضع المنقوشة المصبوغة، والعمارات العالية المرتفعة. ولذلك كان المتعبدون يصلون في بيت مظلم صغير، سعته بقدر السجود، ليكون اجمع للهم. والاقوياء كانوا يحضرون المساجد، ويغضون البصر، ولا يتجاوزونه موضع السجود، كما ورد الامر به، ويرون كمال الصلاة في الا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم.

واما الثاني: اعني الاسباب الباطنة،
فهي اشد. فان من تفرقت همومه، وشعبت‏ خواطره في اودية الدنيا، لم ينحصر فكره في فن واحد، بل لا يزال يطير من جانب الى جانب. وغض البصر لا يغنيه، فان ما وقع فى القلب من قبل كاف للشغل. فهذا علاجه: ان يرد نفسه قهرا الى فهم ما يقرؤه، ويشغلها به عن غيره ، ويعينه على ذلك ان يستعد له قبل التحريم، بان يجدد على نفسه ذكر الآخرة، وخطر المقام بين يدي. الله -تعالى-، وهوالمطلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه من امر الدنيا، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت اليه خاطره، فهذا طريق تسكين الافكار. فان لم تسكن افكاره بهذا الدواء المسكن، فلا ينجيه الا المسهل الذى يقمع مادة الداء من اعمال العروق، وهوان ينظر في الامور الشاغلة الصارفة له عن احضار القلب. ولا ريب في انها تعود الى مهماته، وهي انما صارت مهمة لاجل شهواته، فليعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق. فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه وجند ابليس عدوه، فامساكه اضر عليه من اخراجه، فيتخلص عنه باخراجه. 1


1- جامع السعادات / النراقي ج 2 ياب الصلاة.

2011-10-06