الشهداء في نظر القرآن
معركة أحد
يرى بعض المفسرين أن هذه الآيات نزلت في شهداء "أُحد" ويرى آخرون أنها نزلت في شهداء "بدر"، والمهم أن مضمونها يعم شهداء "بدر" الذين كانوا 14 شهيداً وشهداء أحد، ولهذا روي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنه قال : إنها تتناول قتلى بدر وأُحد معاً .
عدد الزوار: 693
﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾(آل عمران:169) . ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (آل عمران:170) . ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(آل عمران:171) .
يرى بعض المفسرين أن هذه الآيات نزلت في شهداء "أُحد" ويرى آخرون أنها نزلت في شهداء "بدر"، والمهم أن مضمونها يعم شهداء "بدر" الذين كانوا 14 شهيداً وشهداء أحد، ولهذا روي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنه قال : إنها تتناول قتلى بدر وأُحد معاً .1
وقد روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال اطلع إليهم (أي أرواح شهداء أُحد وهي في الجنة) ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئاً ؟ قالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا. ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أين يسألوا قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتّى نقتل في سبيلك مرّة أُخرى فقال تعالى : قد سبق مني أنهم لا يرجعون قالوا : فتقرىء نبينا السلام وتبلغهم ما نحن فيه من كرامة فلا يحزنوا "فنزلت هذه الآيات" . 2
وعلى كلّ حال فإن الذي يبدو للنظر هو أن بعض ضعاف الإيمان كانوا ـ في مجالسهم وندواتهم بعد حادثة أُحد ـ يظهرون الأسف على شهداء أُحد، وكيف أنهم ماتوا وفنوا، وخاصة عندما كانت تتجدد عليهم النعمة فيتأسفون لغياب اُولئك القتلى في تلك المواقع، وكانوا يحدثون أنفسهم قائلين كيف ننعم بهذه النعم والمواهب وإخواننا وأبناءنا رهن القبور لا يصيبهم ما أصابنا من الخير، ولا يمكنهم أن يحظوا بما حظينا به من النعيم .وقد كانت هذه الكلمات ـ مضافاً إلى بطلانها ومخالفتها للواقع ـ تسبب إضعاف الروح المعنوية لدى ذوي الشهداء.فجاءت الآيات لتفند كلّ هذه التصورات، وتذكر بمكانة الشهداء السامية، ومقامهم الرفيع وتقول : (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً).والخطاب ـ هنا ـ متوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة حتّى يحسب الآخرون حسابهم.
ثمّ يقول سبحانه معقباً على العبارة السابقة (بل أحياء عند ربهم يرزقون).
والمقصود من الحياة في الآية هي "الحياة البرزخية" في عالم ما بعد الموت، لا الحياة الجسمانية والمادية، وإن لم تختص الحياة البرزخية بالشهداء فللكثير من الناس حياة برزخية أيضاً ولكن حيث ان حياة الشهداء من النمط الرفيع جداً، ومن النحو المقرون بأنواع النعم المعنوية، هذا مضافاً إلى أنها هي محط البحث والحديث في هذا السياق القرآني لذلك خصوا بالذكر وخصت حياتهم بالإشارة في هذه الآية، دون سواهم .
إن حياتهم البرزخية محفوفة بالنعم والمواهب المعنوية العظيمة وكأن حياة الآخرين من البرزخيين بما فيها لا تكاد تكون شيئاً يذكر بالنسبة إليها.ثمّ إن الآية التالية تشير إلى بعض مزايا حياة الشهداء البرزخية، وما يكتنفها ويلازمها من عظيم البركات من خلال الإشارة إلى عظيم إبتهاجهم بما أوتوا هناك فتقول : (فرحين بما آتاهم الله من فضله).
ثمّ إن السبب الآخر لإبتهاجهم ومسرتهم هو ما يجدونه ويلقونه من عظيم الثواب ورفيع الدرجات الذي ينتظر إخوانهم المجاهدين الذين لم ينالوا شرف الشهادة في المعركة إذيقول القرآن :(ويستبشرون بالذين لم يلحقوابهم من خلفهم).
ثمّ يردف هذا بقوله : (ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يعني أن الشهداء يحسون هناك وفي ضوء ما يرونه أن إخوانهم المجاهدين لن يكون عليهم أي خوف ممّا تركوه في الدنيا، ولا أي حزن من الآخرة ووقائعها الرهيبة.
على أنه من الممكن أن يكون لهذه العبارة تفسير آخر هو أن الشهداء بالإضافة إلى سرورهم وفرحهم لما يشاهدونه من الدرجات والمراتب الرفيعة لإخوانهم الذين لم ينالوا شرف الشهادة ولم يلحقوا بهم، لا يشعرون هم أنفسهم بأي خوف من المستقبل ولا أي حزن من الماضي.ثمّ إنه سبحانه يقول : (يستبشرون بنعمة من الله وفضل).
وهذه الآية ـ في الحقيقة ـ مزيد تأكيد وتوضيح حول البشائر التي يتلقاها الشهداء بعد قتلهم واستشهادهم. فهم فرحون ومسرورون من ناحيتين :الأُولى : من جهة النعم والمواهب الإلهية التي يتلقونها، لا بها فقط بل لما يتلقونه من الفضل الإلهي الذي هو التصعيد المتزايد المستمر للنعم الذي يشمل الشهداء أيضاً.
والثانية : من جهة أنهم يرون أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المؤمنين... لا أجر الشهداء الذين نالوا شرف الشهادة، ولا أجر المجاهدين الصادقين الذين لم ينالوا ذلك الشرف رغم اشتراكهم في المعركة : (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين)أجل، إنهم يرون بأم أعينهم ما كانوا يوعدون به ويسمعون بآذانهم .3
1- تفسير نور الثقلين : ج 1 ص 406.
2-الدر المنثور : ج 2 ص 95 ـ 96.
3-الأمثل في تفسير الكتاب المنزل ج 7ص188_201