يتم التحميل...

لماذا يحتاج الأنبياء إلى المعجزة؟

مفاهيم قرآنية

نعلم أن منصب النّبوة أعظم منصب منحه الله لخاصة أوليائه. فكل المناصب عادة تمنح صاحبها القدرة للحكم على أبدان الأفراد، إلاّ منصب النّبوة، فالنّبي يحكم على الأجسام والقلوب في مجتمعه. من هنا كان مقام النّبوة لا يبلغه مقام في سموّه، ومن هنا أيضاً كان أدعياء النبوّات الكاذبة أحطّ النّاس وأشدّهم إنحرافاً.

عدد الزوار: 34

نعلم أن منصب النّبوة أعظم منصب منحه الله لخاصة أوليائه. فكل المناصب عادة تمنح صاحبها القدرة للحكم على أبدان الأفراد، إلاّ منصب النّبوة، فالنّبي يحكم على الأجسام والقلوب في مجتمعه. من هنا كان مقام النّبوة لا يبلغه مقام في سموّه، ومن هنا أيضاً كان أدعياء النبوّات الكاذبة أحطّ النّاس وأشدّهم إنحرافاً.
والنّاس هنا أمام أمرين: إمّا أن يؤمنوا بدعوات النّبوة جميعاً، أو يرفضوهاجميعاً، لو قبلوها جملة لتحولت ساحة الأديان إلى فوضى وهرج و مرج. ولو رفضوها جملة لكان عاقبة ذلك الضلال والضياع.

فالدليل على مبدأ البعثة ذاته يفرض إذن أن يكون الأنبياء الصادقين مجهزين بالدليل على نبوتهم كي يتميز الصادقون من الكاذبين. أي أن يكونوا مجهزين بالمعجزة الدالة على صدق ادعائهم والمعجزة كما هو واضح من لفظها ـ عمل خارق يأتي به النّبي ويعجز عن الإتيان به الآخرون ، وعلى النّبي صاحب المعجزة أن يتحدى النّاس بمعجزته، وأن يعلن لهم أن معجزته دليل على صدق دعواه، والقرآن معجزة نبي الإِسلام الخالدة فهو :كتاب يسمو على أفكار البشر، ولم يستطع أحد حتى اليوم أن يأتي بمثله، وهو معجزة سماوية كبرى ، هذا الكتاب الكريم يعتبر ، بين معاجز النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ أقوى سند حيّ على نبوة الرّسول الخاتم، لأنه معجزة ناطقة وخالدة وعالمية ومعنوية.

أمّا أنّه معجزة ناطقة فإنّ معاجز الأنبياء السابقين لم تكن كذلك، أي أنها كانت بحاجة إلى وجود النّبي لكي يتحدث للناس عن معجزته ويتحداهم بها، ومعاجز النّبي الخاتم ـ عدا القرآن ـ هي من هذا اللون. أما القرآن فمعجزة ناطقة. لا يحتاج إلى تعريف، يدعو لنفسه بنفسه، يتحدى بنفسه المعارضين ويدينهم ويخرج منتصراً من ساحة التحدي. وهو يتحدى اليوم جميع البشر كما كان يتحداهم في عصر الرسالة. إنه دين ومعجزة، إنه قانون، ووثيقة تثبت الهية القانون.

أما الخلود والعالمية: فإنّ القرآن حطم سدود الزمان والمكان وتعالى عليهما، لأن معاجز الأنبياء السابقين ـ وحتى معاجز النّبي الخاتم غير القرآن ، مسجلة على شريط معين من الزمان، وواقعة في مساحة معينة من المكان، وأمام جمع معدود من النّاس، مثل معاجز عيسى عليه السلام كحديثه في المهد وإحيائه الموتى. وواضح أن الأحداث المقيّدة بزمان ومكان معينين تمسي صورتها باهتة كلما ابتعدنا عن ظروفها الزمانية والمكانية. وهذا من خصائص الأمور الزمنية.

لكن القرآن لا يرتبط بالزمان والمكان، فهو يطلع علينا اليوم كما طلع على عرب الجاهلية قبل قرون، بل إن مرور الزمن زاد البشرية قدرة في العلم والإمكانات لتستفيد منه أكثر من ذي قبل، وما لا يرتبط بزمان أو مكان فانه يحوي عناصر الدوام والخلود وسعة دائرته العالمية، وبديهي أن الدين العالمي الخالد بحاجة إلى مثل هذه الوثيقة العالمية الخالدة.
أمّا الصّفة المعنوية للقرآن فنفهمها حين ننظر إلى معاجز الأنبياء السابقين، ونرى أنها كانت غالباً جسمية مثل: شفاء الأمراض الجسمية المستعصية، وتحدث الطفل في المهد، وكانت تتجه نحو تسخير الأعضاء البدنية. أما القرآن، فيسحر القلوب والنفوس، ويبعث فيها الإعجاب والإكبار. إنه يتعامل مع الأرواح والأفكار والعقول البشرية، وواضح امتياز مثل هذه المعجزة على المعاجز الجسمية .1


1-الأمثل في تفسير الكتاب المنزل ج1 ص120.

2011-08-02