يتم التحميل...

صفات الله

صفات وأسماء الخالق

إنّ مجرّد إثبات أنّ الله تعالى واجب الوجود لا يكفي لإثبات صفاته، ومن هنا كان من الضّروري أن نتطرّق لإثبات الصّفات السّلبيّة والثبوتية للواجب الوجود تعالى شأنه. ومن خلال معرفة الصّفات السّلبيّة يُعلم أن واجب الوجود منزّه عن الإتّصاف بصفات المخلوقين، كما يُعلم أنه لا يمكن أن يصدق واجب الوجود بالذات على أحد من المخلوقات.

عدد الزوار: 374

صفات الله (دليل الإمكان)
إنّ مجرّد إثبات أنّ الله تعالى واجب الوجود لا يكفي لإثبات صفاته، ومن هنا كان من الضّروري أن نتطرّق لإثبات الصّفات السّلبيّة والثبوتية للواجب الوجود تعالى شأنه.

ومن خلال معرفة الصّفات السّلبيّة يُعلم أن واجب الوجود منزّه عن الإتّصاف بصفات المخلوقين، كما يُعلم أنه لا يمكن أن يصدق واجب الوجود بالذات على أحد من المخلوقات.

ومن خلال معرفة الصّفات الثبوتية تتّضح لنا صلاحيّة الواجب للعبادة، كما تتمهّد بذلك الأرضية لإثبات سائر المعتقدات أمثال النبوة والمعاد وما يتفرّع عنهما.

وقد اتّضح بما تقدّم أن واجب الوجود غير محتاج إلى علّة، وأنه هو العلّة لوجود الممكنات، وبذلك تثبت لواجب الوجود صفتان، هما:

الأولى: عدم احتياجه لأيّ‏ِ موجود آخر، وإلا لو إحتاج إلى موجود آخر لكان ذلك الموجود الآخر علّة له، وهذا خلاف كونه واجباً للوجود.

الثانية: أن الموجودات الممكنة الوجود معلولة ومحتاجة إليه، وهو العلة الأولى لوجودها وحدوثها. ويقع البحث في لوازم كل واحدة من هاتين الصفتين، وإثبات الصّفات السّلبيّة والثبوتية لواجب الوجود من خلالهما.

أزليّة الله وأبديته
إذا كان الموجود معلولاً ومحتاجاً إلى موجود آخر، فإن وجوده يكون تابعاً لوجود الموجود الآخر، وإذا فقدت علّته فسوف لا يكون له وجود، أي إذا عدم الموجود في فترة زمنية فهذا دليل على فقره إحتياجه وإمكان وجوده، وبما أن واجب الوجود موجود بذاته وغير محتاج إلى أي موجود آخر، لذلك فهو أزلي وأبدي الوجود. ومن هنا تثبت لواجب الوجود صفتان من صفاته:

الأولى: أزليته، أي أنه لم يتطرّق العدم إليه في الماضي أبداً.

الثانية: أبديّته، أي أنه لن يتطرّق العدم إليه في المستقبل أبداً.

وقد يعبّر عن كلتا الصفتين بالسرمدي.

وعلى هذا الأساس يعلم أن كل موجود كان مسبوقا بالعدم، أو أنه يمكن زواله، لا يكون واجب الوجود، وذلك من قبيل الظواهر المادية.

الصّفات السّلبيّة
وهناك صفة أخرى من لوازم واجب الوجود، وهي: البساطة وعدم التركيب من أجزاء, ذلك لأن كل مركب محتاج إلى أجزائه، وواجب الوجود منزّه عن كل إحتياج، فلا يكون مركباً من أجزاء.

بل لا يمكن أن يفرض لواجب الوجود أجزاء وأقسام ولو بحسب التوهّم العقلي؛ إذ معنى إمكان الإنقسام هو إمكان زوال الكل (المركّب) وإنعدامه، فإن الخط الذي يبلغ طوله مترا لو إنقسم إلى قسمين لا يبقى له بوصفه بالغاً متراً وجود، وحيث إنه لا يمكن أن يعرض الزوال على واجب الوجود، فيستحيل أن يكون الواجب الوجود مركبا من أجزاء وأقسام ولو عقلا.

وبما أن كل جسم مركّب، فيثبت بذلك أن كل موجود جسماني لا يمكن أن يكون واجب الوجود. وبالتالي يثبت تجرّد الله تعالى وعدم جسمانيته.

وإذا استحال أن يكون الله تعالى جسماً، فيستحيل حينئذ أن يكون قابلا للرؤية بالعين، أو قابلا للإدراك بالحواس الأخرى، وذلك لأن المحسوسية من خواص الأجسام والجسمانيات. وبنفي جسميته تعالى تسلب عنه سائر خواص الأجسام، كأن يكون في مكان أو زمان, إذ المكان إنما يتصوّر للشي‏ء الذي له حجم وإمتداد، كما أن كل شي‏ء زماني (الزماني أي المنسوب إلى الزمان، كالجسم المادي) هو قابل للإنقسام من حيث الإمتداد والعمر الزماني، ويعتبر هذا نوعاً من الإمتداد والتركيب من الأجزاء المحال في حقه تعالى ولو بحسب التوهم العقلي.

وبذلك يثبت أنه لا يمكن أن نتصور الله تعالى في مكان أو زمان، وكما يثبت أن كل موجود مكاني (المكاني أي المنسوب إلى المكان) أو زماني ليس بواجب الوجود.

وأخيرا بسلب الزمان من واجب الوجود تسلب منه الحركة والتحوّل والتكامل، ذلك لأن أية حركة أو تحوّل لا يمكن أن تتم بدون زمان.

وبذلك يتضح أن الذين يثبتون لله تعالى مكانا كالعرش، أو ينسبون له الحركة والهبوط من السماء، أو يعتقدون بأنه قابل للرؤية بالعين، أو أنه قابل للتحوّل والتكامل، لم يعرفوا الله حق معرفته. (نقل القول بكونه تعالى في مكان، أو هبوطه من السماء أو رؤيته بالعين، عن جماعات من أهل السنة، كما أن القول بتحول اللَّه تعالى وتكامله وتغيره، نقل عن عدة من فلاسفة الغرب أمثال هيجل وبرجسون وويليام جيمز ووايتهد. ولكن يجب أن نعلم بأن سلب الحركة والتغير من اللَّه لا يعني إثبات السكون له، بل بمعنى ثبات ذاته، والثبات نقيض التغير، وأما السكون فإنه عدم الملكة بالنسبة للحركة، ولا يتصف به إلا الشي‏ء القابل للحركة).

وبصورة عامة، فكل مفهوم يدلّ على نوع من النقص والمحدودية والإحتياج فهو منفيّ ومسلوب عن الله تعالى، وهذا هو معنى الصّفات السّلبيّة.

ونتيجة الدليل السابق هي أن واجب الوجود علّة لوجود الممكنات، وقبل البحث عن لوازم هذه النتيجة نذكر أقسام العلة أولاً ومميّزاتها ثانياً.

العلة موجدة وإعدادية
العلة - بمعناها العام - تطلق على كل موجود يرتبط به موجود آخر، ولا يختص هذا المعنى بالعلة الموجِدة بل يشمل حتى الشروط والمعدّات. ومن الواضح أنه لا يعقل أن يكون للّه تعالى علة موجِدة، فلا يتوقف في وجوده تعالى على أي موجود آخر، كما لا يمكن تصوّر الشرط والمعدّ لوجوده تعالى شأنه.

وكونه تعالى علّة للموجودات ليس بمعنى أنه شرط ومعدّ لوجودها بل بمعنى أنه الموجِد لها، والعلة الموجدة هي قسم من أقسام العلة الفاعلية، وكما أن الإنسان يوجِد في ذهنه صورا وأفكارا ذهنية، وتكون هذه الأفكار معلولة له، غير مستقلة عنه، فكذلك فاعلية الله تعالى للمخلوقات، إلا أن فاعلية النفس للصور الذهنية تكون مشروطة بشروط معيّنة تنشأ من طبيعة النقص والمحدودية في النفس، بينما فاعلية واجب الوجود بالنسبة للعالم أكثر كمالا وسموا بكثير من فاعلية النفس بالنسبة للصور الذهنية، بل لا يمكن أن نجد لفاعلية الله تعالى نظيرا في سائر العلل الفاعلية، ذلك أن الله تعالى هو الفاعل الوحيد الذي يوجِد معلوله بدون أن تكون فاعليته تعالى مشروطة بأي شرط.

مميّزات العلّة الموجدة
بملاحظة ما ذكر يمكن لنا أن نذكر بعض المميزات التي تتميز بها العلة الموجدة:

1-
يلزم أن تشتمل العلة الموجدة على جميع كمالات المعلول بصورة أتم وأكمل، حتى تفيض على كل موجود بمقدار قابليته وإستعداده، خلافا للعلل المعدّة والماديّة،التي تقوم بمهمة الإعداد وتوفير الأرضية المناسبة لتحوّل المعلول وتغيّره، فلا يلزم أن تتوفر على كل كمالات العلة (يجب أن نعلم بن واجدية اللَّه تعالى لكمالات مخلوقاته لا تعني أن تقبل مفاهيم المخلوقات أمثال (مفهوم الجسم والإنسان) الصدق على اللَّه تعالى، وذلك لأن هذه المفاهيم تعبر عن موجودات محدودة ناقصة، ولذلك لا تقبل الصدق على اللَّه تعالى، الذي يمتلك الكمالات اللامتناهية).

2-
إن العلة الموجدة توجِد معلولها من العدم، وبكلمة واحدة "تخلقه" ولكن من دون أن ينقص من وجودها شي‏ء، وإلا لو فرض إنفصال شي‏ء من ذات واجب الوجود، لإستلزم قبول الذات الإلهية الإنقسام والتغيّر، وقد ثبت بطلان ذلك.

وهذا بخلاف الفاعل الطبيعي الذي مهمته تغيير المعلول الموجود، مع بذل القوة والطاقة في القيام بهذه المهمة.

3-
إن العلة الموجدة علة حقيقية، ومن هنا كان وجودها ضرورياً لأجل وجود المعلول وإستمراره، خلافا للعلة المعدّة، التي لا يحتاج إليها المعلول في مرحلة الإستمرار.

وعلى ضوء ذلك فما حكي عن بعض المتكلمين من أهل السنّة من أن العالم في بقائه غير محتاج لله، وكذلك ما حكي عن بعض الفلاسفة الغربيين من أن عالم الطبيعة كالساعة التي توقّت، وبعد ذلك تواصل الساعة عملها لوحدها، فلا تحتاج المخلوقات في استمرار بقائها إلى الله وإلى الأبد، مثل هذه الآراء بعيدة عن الحقيقة. بل إن عالم الوجود محتاج ومفتقر دائما وفي كل شؤونه وحالاته إلى الله تعالى، وإذا امتنع الخالق لحظة عن إفاضة الوجود فلا يبقى شي‏ء في الوجود.

*دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص36-40

2009-07-30