العوالم الصغيرة الدالة على الله
أدلة إثبات الخالق
بما أنَّنا نعيش في عالم مليء بعجائب الخلقة ونترعرع بين أسرار وغرائب الطبيعة، فإنّنا كثيراً ما نغفل عن ملاحظة هذه الكائنات العجيبة وأهميتها. من ذلك مثلا: تعيش حوالينا كائنات وحشرات صغيرة جداً بحيث أن جسم بعضها قد لا يتجاوز المليمتر الواحد أو المليمترين...
عدد الزوار: 347
بما أنَّنا نعيش في عالم مليء بعجائب الخلقة ونترعرع بين أسرار وغرائب الطبيعة، فإنّنا كثيراً ما نغفل عن ملاحظة هذه الكائنات العجيبة وأهميتها. من ذلك مثلا
1- تعيش حوالينا كائنات وحشرات صغيرة جداً بحيث أن جسم بعضها قد لا يتجاوز المليمتر الواحد أو المليمترين، ومع ذلك فهي كالحيوانات الكبيرة لها أطراف وعيون وآذان وحتى أدمغة وذكاء وأعصاب وأجهزة للهضم.
إذا وضعنا دماغ نملة تحت المجهر وتفحصنا بدقة بناءه المحيّر، نجد أنّه ممّا يثير العجب حقّاً. فهذا الدّماغ الصّغير يضم أقساماً متجاورة، كل قسم منها يسيطر على جانب من جسم النملة، وإنَّ أدنى تغيير في وضعيتها يصيب جانباً من جسم النملة بالشلل.
والعجيب في دماغ النملة، الذي هو فعلاً أصغر من رأس الدّبوس، يكمن فيه عالم من الذكاء والتمدن وجمال الذوق والفن، حتى أنَّ فريقاً من العلماء أمضوا جانباً كبيراً من أعمارهم في دراسة حياة هذا الحيوان، ودونوا في كتبهم الكثير من عجائب حياته.
ترى من ذا الذي أوجد كل هذا الذّكاء و المهارة في هذا الحيوان الصغير؟ أهي الطبيعة التي لا تملك من الذّكاء حتى بمقدار رأس الأبرة؟
2- لننظر في عالم الذّرة:انّنا نعلم أن أصغر ما اكتشف حتى الآن في العالم هو الذرة واجزاؤها. إنَّ الذّرة هذه من الصغر بحيث أنَّ أعظم المجهرات التي توصف بأنَّها تكبر القشة لتبدو جبلاً ـ تعجز عن رؤيتها.
إذا أردتم معرفة مقدار صغر الذّرة، يكفي أنْ تعلموا أنَّ قطرة واحدة من الماء تحتوى على عدد من الذّرات أكثر من جميع سكان الارض قاطبة. وإذا أردنا حساب عدد البروتونات في سانتيمتر واحد من سلك دقيق، واستعنّا على ذلك بألف شخص يحسبون بحيث إنَّنا نستطيع أن نفصل بروتوناً واحداً في كل ثانية، لاستغرق حسابنا بين 30 سنة و300 سنة (بحسب اختلاف ذرات كل مادة)، على أنْ يستمر حسابناً ليلاً ونهاراً دون انقطاع.
والآن بعد أنْ عرفنا أن في سانتيمتر واحد من سلك دقيق هذا العدد من البروتونات، فكم تظن عدد الذّرات في السماء و الارض والماء والهواء والمجرات والمنظومة الشمسية؟ ألا يتعب فكر الانسان من مجرد تصور ذلك؟ هل يستطيع أحد معرفة عددها غير الذي خلقها؟
الذّرة درس في التّوحيد
تعتبر دراسة الذّرة من أهم الفروع العلمية في العصر الحاضر ومن أشدها إثارة. إنَّ هذا المخلوق الصغير يلقي علينا درساً في التوحيد، إذ أن فيه جوانب أربعة تثير الانتباه:
1- النّظام الدّقيق: لقد اُكتشف حتى الآن أكثر من 100 عنصر يتدرج فيها عدد الالكترونات من الواحد حتى أكثر من 100، وهذا نظام دقيق لا يمكن أنْ يكون وليد عوامل عديمة العقل.
2- تعادل القوى: إنَّنا نعلم أنَّ قطبين كهربائيين مختلفين يتجاذبان. وعليه، فإنَّ الالكترونات التي تحمل شحنة سالبة لابدّ أنْ تنجذب نحو النّواة التي تحمل شحنة موجبة.
ومن جهة اُخرى نعلم أنَّ دوران الالكترونات حول النّواة يوجد قوّة طاردة عن المركز، أي أنَّ الالكترونات تحاول، تحت هذه القوّة الطاردة عن المركز، أنْ تبتعد عن محيط النواة، فتتحطم الذّرة. وفي الوقت نفسه تريد القوّة الجاذبة أنْ تجذب الالكترونات فتفني الذّرة.
هنا لابدّ من أنْ ندرك الحساب الدقيق الذي بموجبه جرى تنظيم القواتين الجاذبة والطاردة في الذّرة لكيلا تفلت الالكترونات من مدارها، ولا تنجذب نحو النّواة، بل تبقى دائماً في حالة تعادل وتوازن في حركتها الدّائمة. فهل تستطيع الطبيعة العمياء أنْ توجد هذا التعادل والتوازن؟
3- كلّ في فلك يسبحون: قلنا إنَّ لبعض الذّرات أكثر من الكترون واحد ولكنّها لا تدور كلّها في مدار واحد، بل تدور في مدارات متعددة. ومنذ ملايين السّنين تدور هذه الالكترونات في مدارات معينة، وفواصل محددة، وبسرعة معلومة، بغير أنْ يكون هناك أي تضاد بينها.
فهل وضعها في مداراتها المعينة ودورانها المنظم المحير عمل بسيط؟
4- طاقة الذّرة العظيمة: للتعرف على الطاقة الهائلة الكامنه في الذّرة يكفي أن نعرف ما يلي:
في سنة 1945 تمت تجربة في صحراء المكسيك الجرداء من كل ماء وزرع، حيث فجرت قنبلة ذرية صغيرة جداً في برج فولاذي، فذاب البرج ثم تحول الى بخار وظهر البرق مصحوباً بدوي مرعب، وعندما جاء العلماء لم يجدوا أثراً للبرج.
وفي تلك السنة نفسها ألقت الولايات المتحدة الامريكية قنبلتين ذريتين صغيرتين على مدينتي "هيروشيما" و"ناكازاكي" اليابانيتين، فاُبيد في الأولى سبعون الف انسان وجرح مثلهم، وقتل في الثانية نحو ثلاثين واربعين الفا وجرح مثلهم، بحيث اضطرت اليابان الى الاستسلام لامريكا دون قيد أو شرط.
أفلا تكفي دراسة اسرار ذرة واحدة من الذرات لكي يتعرف الانسان على خالقها؟ وعليه، إنَّ بالامكان القول بأنَّ لدينا بعدد ذرات الدّنيا أدلة على وجود الله.
يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَو أنّما فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرِة أقْلامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُر ما نَفِذَتْ كَلِماتُ اللهِ إنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(لقمان:27).
*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية، آية الله مكارم الشيرازي ، مؤسسة البعثة، ط2، ص55-59