الطريق الثاني لمعرفة الله: العالم الخارجي
أدلة إثبات الخالق
بنظرة عابرة الى هذا العالم الذي نعيش فيه، ندرك أنَّ عالم الوجود هذا ليس فيه اضطراب ولا ارتباك، بل إنَّ لجميع مظاهر الحياة خطاً معيناً تسير عليه، فهي أشبه بجيش ضخم مقسم الى وحدات منظمة وتتحرك جميعاً نحو هدف معين. النقاط التالية تزيل كل غموض عن هذا الموضوع...
عدد الزوار: 206
الطريق من الخارج
بنظرة عابرة الى هذا العالم الذي نعيش فيه، ندرك أنَّ عالم الوجود هذا ليس فيه اضطراب ولا ارتباك، بل إنَّ لجميع مظاهر الحياة خطاً معيناً تسير عليه، فهي أشبه بجيش ضخم مقسم الى وحدات منظمة وتتحرك جميعاً نحو هدف معين.
النقاط التالية تزيل كل غموض عن هذا الموضوع:
1- لظهور كل كائن ولبقائه حياً في هذا العالم لابدّ من تضافر عدد من الظروف والقوانين الخاصة لبلوغ ذلك الهدف. فمثلاً، لكي تظهر شجرة الى عالم الوجود، لابدّ من توفر الارض، والماء و الهواء المناسب، والحرارة اللازمة، لكي نزرع البذرة، فتتغذى، و تتنفس، و تخضر وتنمو. فاذا لم تتوفر هذه الاُمور استحال ظهور النبتة ونموها الى شجرة. إنَّ تهيئة هذه الظّروف والشّروط تتطلب علم ومعرفة.
2- إنَّ لكلّ كائن خصائص يختص بها دون غيره. فللماء والنار خصائص لا تنفصل عنها وتتبع قوانين ثابتة.
3- جميع أعضاء الكائن الحي تتعاون فيما بينها، فاعضاء الجسم تعمل بوعي أو بغير وعي بانسجام تام بعضها مع بعض. فاذا ما واجه الجسم خطراً تأهبت الاعضاء للدفاع. إنَّ هذا الترابط والانسجام في العمل دليل آخر على وجود النظام في عالم الوجود.
4- إنَّ نظرة واحدة الى العالم تكشف لنا أنَّ الترابط والانسجام والتعاون في العمل ليست مقتصرة على أعضاء الجسم الواحد، بل إنَّ مختلف كائنات العالم تتعاون فيما بينها، فلبقاء الكائنات تطلع الشمس وتنزل المطر وتهب الرّياح وتتضافر معها الارض ومنابعها لهذا الهدف. وهذا دليل وجود نظام معين يشمل عالم الوجود كلّه.
العلاقة بين "العقل" و"النظام"
كلُّ امرىء لا بدّ أنْ يعترف في نفسه بأنَّ وجود النظام دليلٌ على أنَّ وراءه عقلاً مفكراً وتخطيطاً وهدفاً. فحيثما شاهد الانسان نظاماً ثابتاً يخضع لقوانين معينة أدرك أن وراءه مصدراً للعلم والقدرة، ولا يحتاج في هذا الإدراك الوجداني الى الاستدلال حاجة كبيرة.
إنَّه يعرف أنَّ انساناً اُمِّياً أعمى ليس قادراً على أنْ يضرب على الآلة الكاتبة مقالة اجتماعية جيدة أو نقداً أدبياً، مثلاً، أو إنَّ طفلاً في الثانية من عمره لا يمكنه بامرار قلمه على الورق عشوائياً أن يرسم لوحة جميلة قيمة. إنَّنا إذا طالعنا انشاء جيداً أو مقالة رائعة أدركنا فوراً أنَّ كاتبها انسان مثقف متميز بالذكاء والعقل. كذلك إذا شاهدنا في متحف لوحة جميلة جذابة لا نشك لحظة في أنَّ الذي رسمها كان فناناً ماهراً، على الرّغم من أنَّنا لم نر ذلك الفنان بشخصه.
بناء على ذلك حيثما رأينا جهازاً منظماً علمنا أنَّ معه عقلاً وذكاءً. وكلّما كان ذلك الجهاز أكبر وأدق وأروع كان العقل والعلم اللذين أوجداه أكبر وأعظم كذلك.
ولإثبات أنَّ كلّ جهاز منظم يحتاج في إيجاده الى عقل و علم، يستفيد علماء الطبيعة أحياناً من قانون حساب الاحتمالات المعروف في الرياضيات العالية، فيبرهنون مثلاً، على أنَّ الشخص الأُمّي إذا أراد أنْ يكتب مقالة أو شعراً بمجرد الضغط عشوائياً على مفاتيح الآلة الكاتبة بصورة عفوية وتصادفية، فإنَّ ذلك "بحساب الاحتمالات" يستغرق بلايين السنين، بحيث لايكفي حتى عمر الكرة الارضية لانجاز ذلك1.
يقول القرآن الكريم: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنَا فِي الآفاقِ وَفِي أنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الحَقُّ أوَ لَمْ يَكْفِ بَرَبِّكَ أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيء شَهِيْدٌ﴾.(فصلت:53).
*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية، آية الله مكارم الشيرازي ، مؤسسة البعثة، ط2، ص35-38.
1- للمزيد من التوضيح يمكن الرّجوع الى كتاب "خالق العالم" أو "في البحث عن الله".