الموضوع: مصادرة الأموال غير المشروعة والتصدي لمحاولات العدو لإثارة الفوضى
خطاب
الحاضرون: طلاب جامعة أصفهان
عدد الزوار: 51
التاريخ 13 آبان 1358 هـ. ش/ 13 ذي الحجة 1399 هـ. ق
المكان: قم
المناسبة: الذكرى السنوية لاستشهاد مجموعة من الطلبة في جامعة طهران
الحاضرون: طلاب جامعة أصفهان
بسم الله الرحمن الرحيم
تحمّل التُهم
ليس أمامنا إلا تحمّل ما يلصق بنا من تهمة الرجعية. فنحن الرجعيون، قطعنا أيدي الخائنين عن بلادنا. نحن الرجعيون أعدنا للبلاد حريتها واستقلالها. نحن الرجعيون، طردنا اللصوص من بلادنا بعد أن كانوا يتحكمون بثرواتها. نحن الرجعيون منحنا الحرية لكل فئات الشعب وشرائحه. علينا تحمُّل ما يتهمنا به هؤلاء، فيما هم يمارسون التخريب تحت اسم مفكر او كاتب وأمثال ذلك.
احترام المُلكيّة المشروعة
ان مسائل الإسلام الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هي من الوسعة بمكان بحيث لا يمكن عرضها في جلسةٍ مثل هذه أو عدة جلسات. وان مسألة الملكية محترمة ولكن بشرط أن تكون مشروعة، فلا يحق لكل شخص أن يفعل ما يحلو له ويجني الأموال من حيث يشاء، بل لا بد أن يجنيها من طرقها المشروعة ووفقاً لموازين الشرع، فلا ربا، ولا استغلال، ولا أكلًا لأموال الناس بالباطل. وإنه لمخطيء مَنْ نسب إليَّ بأني أراها غير محدودة ومطلقة. إني أجهل هذا الشخص الذي قلتم بأنه نسب إليَّ ذلك؟ ولماذا؟ فالملكية مادامت ضمن نطاق الشرع ووفق موازينه فهي محترمة- سواء كنا رجعيين أم لم نكن-.
مصادرة الأموال غير المشروعة وفقاً للموازين القانونية
إن الملكية غير المشروعة غير محترمة، وأولئك الذين خزنوا الأموال دون حسابٍ أو تقيد بقانون، انما خزنوا أموال الناس، ولذلك يجب مصادرتها. ولكن يجب أن تجري عملية المصادرة وفقاً للقانون والموازين وإلا ستحل الفوضى في البلاد وهذا ما لا يجب أن يكون، خصوصاً في بلدٍ حديثة العهد بالثورة. اذن يجب أن تجري أمور المصادرة وفق القانون، فمحاكم الثورة موجودة، ويمكنكم مراجعتها والاخبار عن رؤوس الأموال غير المشروعة، والمحاكم بدورها ستتابع الموضوع وتحقق في الأمر، فإن ثبت لها عدم مشروعيتها صادرتها وإلا فلا. نحن اذ نقول إن سكان الأكواخ والأحياء الفقيرة هم أولى بهذه البلاد من الآخرين، فهذا لا يعني أن يهجموا على الأثرياء ويخرجوهم من بيوتهم ويستولوا على ممتلكاتهم وأموالهم. بل أن تتم عملية المصادرة للأملاك غير المشروعة حسب الموازين والقانون، وأن تسخر لرفاه حال المحرومين بحيث يصبح لسكان الخرائب بيوتاً يسكنون فيها كالآخرين.
على أية حال يجب علينا التنبه لهذا الأمر، وهو أن أعداءنا يحاولون استغلال كل فرصة لتحقيق مآربهم وزعزعة الأوضاع في البلاد، ومنها هذا الأمر؛ فيحركون الناس ضد بعضهم البعض، ويشجعون هؤلاء على اخراج أولئك والاستيلاء على أملاكهم، وهذا ما سيولد الفوضى والاضطرابات. فالإسلام له قوانينه وأحكامه، ولا يرضى بالفوضى، وهكذا أمور يجب أن تتم في نطاق القانون والموازين الشرعية فلا يحق لشخصٍ أياً كان أن يستولي على ممتلكات الآخرين من تلقاء نفسه، حتى على فرض كونها جمعت من أموال الشعب، بل لابد أن تتم مصادرتها على اساس القانون والموازين الشرعية لئلا تتحول المسألة إلى فوضى، فالمصادرة القانونية شيء، والفوضى شيءٌ آخر. فعلى السادة أن يكونوا على حذر من القيام بأي أعمال أخذ او استيلاء او مصادرة لمجرد السماع، ودون التثبت من حقيقة الأمر. فإن هذا معناه انتشار الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد، وهذا ما يسعى إليه أعداء هذه البلاد ليعرقلوا مسيرة تقدمها.
فاسعوا جاهدين للعمل وفق المعايير القانونية. واحرصوا على حفظ الاستقرار وأن تسير الأمور في مجراها القانوني، فعندما تسير الأمور وفقاً للقانون ويسود الاستقرار، لن يُظلم عندها أحدٌ. أما إذا تم تجاهل المعايير القانونية، واستلم الأمور جماعات من الشباب حتى وان كانوا اناساً جيدين، ولكن هذا لا يمنع من وجود أشخاصٍ مفسدين بينهم، وشيئاً فشيئاً تسود وتنتشر الفوضى وربما تطورت الأمور إلى الصدامات، لتسود في النهاية حالة عدم الاستقرار جميع انحاء البلاد، وهكذا أجواء ستعرقل لا محالة مسيرة الاصلاح. حتى عمليات الاصلاح يجب أن تسير وفق الموازين والأصول وليس بشكل عشوائي، بحيث يفعل كل شخص ما يحلو له بحجة أنه ثوري. ان كنت ثورياً فهذا ليس معناه أن تتصرف بما يحلو لك دون التقيد بالقوانين والأحكام والموازين الشرعية. لا توجد حكومة ترضى بهكذا فوضى حتى حكومة علي بن أبي طالب. فكل من كان يتصرف على هذا النحو ويرتكب مخالفة، كان الإمام يعاقبه ويقيم عليه الحد.
سعي الأعداء لإثارة الفوضى
لا تظنوا أنه الآن وقد انتصرت الثورة، فلكم أن تفعلوا ما يحلو لكم، فيتغلغل بينكم أعداء الثورة دون أن تشعروا، ويقودونكم لإرتكاب أفعال تأجج حالة الفوضى، بحيث تظهر البلاد وكأنها بلادٌ فوضوية كل شخص فيها يفعل ما يحلو له، ويستولي على المنزل الذي يريد أو الفندق الذي يريد. فهكذا ممارسات غير صحيحة وأنصحكم بالاجتناب عنها. لا تقوموا بأفعال تظهرنا أمام العالم على أننا جماعة من المتوحشين كل واحد منا يفعل ما يحلو له، فلا قوانين، ولا موازين شرعية، ولا محاكم يُرجع إليها، فكل شخص يعاقب ويقتص ممن يراه فاسداً دون الرجوع إلى الجهات المختصة. فهكذا حكومة أشبه ما تكون بشريعة الغاب. فلا تقوموا بأفعال يتهمون معها ايران بأنه تحكمها شريعة الغاب.
عليكم بالاحتكام إلى القانون ومراعاة الآداب الإسلامية، ومراعاة تعاليم الإسلام انما تكون بأن ينظر كل شخص لنفسه على أنه موظف بحفظ القوانين والحدود ورعايتها، لا أن يتصرف كما يحلو لهم، وإذا ما سُئل لماذا؟ أجاب: متطلبات الثورة. وهذا معناه أن هذه الثورة- وأي ثورة، الثورة الإسلامية- فوضى وأشبه ما تكون بشريعة الغاب. إن هذه التصرفات الفردية مرفوضة، ويجب أن تسير الأمور وفق موازين الشرع والقانون. وكما رأيتم، فإن أموال الكثير ممن ثبت أن أموالهم، غير مشروعة، تمت مصادرتها واعادتها إلى بيت المال. فإن كانت لديكم معلومات عن شخصٍ بأنه صادر أموال الناس، وأن أمواله غير مشروعة، عليكم أن تسعوا لاثبات ذلك بالأدلة، فإن مجرد الادعاء لا يكفي. وأمّا أولئك الذين يثبت تورطهم فسيحاسبون وتصادر منهم الأموال التي سلبوها من الناس، وخصوصاً أولئك الكبار من أصحاب رؤوس الأموال. فمن الواضح أن هكذا رؤوس أموال ضخمة من غير الممكن جمعها عبر الطرق المشروعة. فسيحاسبون ويصادر المقدار غير المشروع من ثرواتهم. ولكن طبق القانون والموازين الشرعية ومن قبل جهات ولجان مخصصة لذلك.
ان المعنى الحقيقي للثورة الإسلامية، هو الانتقال بالبلاد من حالة الطاغوتية والظلم والاستبداد إلى بلادٍ يحكمها القانون والموازين الإسلامية. و القوانين الإسلامية لا تسمح لشخصٍ أن يحاسب أو يعاقب شخصاً آخر على جرمٍ ارتكبه، بشكل فردي ومن تلقاء نفسه، بل لا بد أن يراجع المحكمة ويعرض عليها الجرم والأدلة التي تثبته، ثم تتولى المحكمة مسألة معاقبة المجرم ان ثبت لها تورطه بهذا الجرم. وهكذا الأمر بالنسبة للأموال غير المشروعة. فعلى كل من يعلم بوجود أموال غير مشروعة في أيدي شخصٍ ما، أن يبلغ عنه في المحكمة مع تقديم الأدلة التي تثبت ذلك، والمحكمة ستتابع الموضوع وتصادر هذه الأموال ان ثبت لها صحة ذلك.
و أقول لكم ان كنتم تريدون لبلدكم الإسلام والاستقلال والحرية، فإن أول ما يجب علينا فعله هو منع انتشار الفوضى واعلموا أن هناك أفراداً سيتغلغلون بينكم تحت اسم الإسلام والثورية، لا يريدون للثورة أن تحقق أهدافها، ويسعون إلى إفشالها من خلال قيامهم بأعمال تخريبية، واختلاق المشاكل والمنازعات، وتحريض الناس للتظاهر، وتعطيل الدراسة في المدارس واثارة الفوضى في كل مكان، وذلك بهدف عودة الأمور إلى سابق عهدها. فلا بد من التعاطي مع كل ذلك بحيطة وحذر.
من صلاحيات الولي الفقيه
الإسلام أكثر معرفة بالفقراء والمعوزين منه بالأثرياء والمترفين. وكما ذكرتم فإن هؤلاء أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، انما جمعوا هذه الأموال من طرقٍ غير مشروعة، والإسلام لا يعترف رسمياً بهكذا أموال، فالأموال في الإسلام يجب أن تكون مشروعة ومحدودة بحدٍ بحيث ان زادت عنه ورأى الحاكم الشرعي او الولي الفقيه عدم صلاح ذلك، يمكنه أخذ هذا المقدار الزائد والتصرف به. فمن مهام ولاية الفقيه هي تحديد هذه الأمور، ولكن المؤسف أن مفكرينا لم يدركوا بعد حقيقة ولاية الفقيه. ففي نفس الوقت الذي اعتبر الشارع المقّدس الملكية الشخصية حقاً محترماً ولكن اعطى الولي الفقيه الحق في تحديدها وان كانت مشروعة، ومصادرة الباقي إذا ما اقتضت مصلحة الإسلام والمسلمين ذلك. اسأل الله تعالى التوفيق والعزّة لكم جميعاً.
* صحيفة الإمام، ج10، ص:351,348